لم تحجب اعلامياً، فعالية الثلاثين من نوفمبر في الجنوب، على لقاء قائد الحركة الحوثية (عبد الملك الحوثي) بقيادات رفيعة من حزب التجمع اليمني للإصلاح، في معقله بصعدة اواخر نوفمبر الماضي، فعد ذلك حدثاً اعلامياً وسياسياً لافتاً ،كونه عبر بالمشهد الى لحظة سياسية، لم تكن في حسبان الكثير من المتابعين للشأن العام، على الاقل في الوقت الراهن ،حتى ان قيادات وسطية، وناشطين سياسيين اصلاحيين تفاجؤوا بهذه النقلة ،ولم يستوعبوا مثل هذا الفعل بسبب الشحن التخويني الطويل، الذي مارسته الماكينات الاعلامية للطرفين، طيلة الفترة الماضية فذهبوا الى تجريم مثل هذه التفاهمات . الكثير من المعطيات التاريخية والاحداث المتلاحقة، في مسيرة الطرفين، تجعل من هذه التقاربات امرا طبيعياً ،وعلى راس كل ذلك ان تجمع الاصلاح ،وانصار الله، اتجاهان دينيان ،تعارضاتهما الفوقية التي تصبغ احياناً بطابع مذهبي تخفي انسجاماً داخلياً ،بحضورهما ايديولوجياً كحركتين أحيائيتين، في اطار الحضور الديني، بشقيه (السني/الشيعي) في مجتمع لم تزل ذهنيته الكلية شديدة التأثر بالخطاب الديني ،وهذا سببا كافيا لتحقيق هذا التقارب، للوقوف في وجه الحضور السياسي للأحزاب المدنية الاخرى، من زاوية ان مصلحة متكاملة يمكن للطرفين تحقيقهما من هذا التقارب، دوان خسرانات موجعة، في صراعات دموية، ستضعفها معاً على المدى البعيد ،سيما وان مألات التنازعات الاخيرة، كان المشغل الرئيس فيها اقتصادياً بامتياز، فبمقابل ان يتخلى الاصلاح عن ممتلكات جناحيه القبلي العسكري (ممتلكات حميد الاحمر وعلي محسن)،لصالح الحوثيين، سيضمن على الاقل عدم المساس بالمقدرات الاقتصادية والمالية والاستثمارات الضاربة للحزب وقياداته . استخلاص مثل هذا، لا يمكن عزله عن مؤثرٍ تاريخي مهم، لعب دوراً واضحاً في هذا المعطى، وسيعمل في المستقبل على تقوية هذا التقارب ،ونعني هنا الدور الايراني ،الذي لم يكن يوماً بعيداً عن اسناد حركة الاخوان المسلمين في المنطقة، فقد ذكرنا في اكثر من مقاربة هنا ان علاقة الاخوان المسلمين بإيران علاقة روحية خاصة ،بسبب التأثيرات الواضحة التي طبعها سيد قطب على فكر الامام اية الله الخميني مرشد الثورة الاسلامية الايرانية فتنظيرات المؤسسين (المودودي سيد قطب) الذين يقولان بحاكمية الله على دونها من حاكميات البشر ، وهي الفكرة التي سيطرت على فكر الامام الخميني في كتابه (الحكومة الاسلامية الصادر عام 1971) اذ يرى محمد سيد رصاص في كتابه (الاخوان المسلمون وايران الحميني/الخامنئي) ان الخميني يقترب ويتطابق مع الاثنين في نظريتهما حول (الحاكمية لله)، فعند الخميني مثل المودودي وقطب تنحصر سلطة التشريع بالله عز وجل، وليس لاحد أيا كان ان يشرِع ، وحكومة الاسلام حكومة القانون، والحاكم هو الله وحد هو المشرع لا سواه وحكم الله نافذ في جميع الناس (ينظر مادة للكاتب نشرت هنا تحت عنوان (الحاكمية عند المودودي وقطب والخميني بتاريخ 2 نوفمبر 2013). وغير ذلك ان ايران قد شكلت على مدى سنوات سانداً سياسياً قوياً للإخوان المسلمين في ذروة حكمهم لمصر (التقاربات الإيرانية المصرية في سنة حكم الاخوان المسلمين لمصر المتوجة بتبادل زيارات الرئيسين(السابقين) محمد مرسي واحمدي نجاد للعاصمتين طهران والقاهرة وما استتبعها من توقيع اتفاقية تنفيذية للتعاون في مجال السياحة بين البلدين (قبل ان تقوم مصر ومن جانب واحد تعليقها مطلع اكتوبر الحالي لأسباب تتعلق بالأمن الوطني حسب ما ورد على لسان وزير السياحة المصري هشام زعزوع الذي وقع ذات الاتفاقية اواخر فبراير الماضي حين كان وزيراً للسياحة في حكومتي هشام قنديل الاخوانية)(ينظر مادة الكاتب التي نشرت هنا في 26 اكتوبر 2013 تحت عنوان (من البنا إلى خامنئي ثُلثا قرن من علاقة الإخوان المسلمين بإيران!) . هناك سبباً للتقارب، لا يبرئ الاصلاح من اقترافه، وهو ان الحزب بحضوراته، ومسمياته المختلفة على ما يزيد من اربعة عقود لم يكن الا جزءا من السلطة، يستفيد منها، ويستخدم ادواتها في التمدد، والسيطرة والاستحواذ، وبما ان الحوثيين يشكلون الان القوة الرئيسة في البلاد ،لابد للإصلاح ان يحضر في ظل هذه القوة الصاعدة، من قاعدة تبادل المنافع، بحيث تستفيد الحركة الحوثية من الخبرات السياسية للإصلاح، وحضوره في بنية السلطة ،ودوائر صنع القرار ،مقابل الحماية التي ستوفرها الحركة للحزب بجناحه السياسي الإخواني المتخفف من اجنحته المتشددة القبلية والدينية والعسكرية التي سقطت تباعاً امام الضربات الحوثية الماحقة الذي لم يزل أي الجناح السياسي مقبولاً في بعض الدوائر الغربية الامريكية. وبالمقابل يمثل مثل هذا التقارب واحدة من التنفيسات السياسية للحركة الحوثية، لان الاستمرار في الاعتماد على قوة الرئيس السابق ومخزونه البشري (التي مكنت الحركة من اسقاط العاصمة واكثر محافظات الشمال) ،يشكل عبئاً ثقيلاً عليها الان، لأنه افقد الحركة الكثير من مصداقيتها ،وعلى رأسها اسقاطه من اولويات الحركة في رحلة اجتثاثها للفساد ورموزه الذي يعد صالح واركانه (مؤسسيه الكبار)،وحصر العملية في خصوم الطرفين (حميد الاحمر وعلي محسن) فقط . هناك سبباً اضافياً لهذا التفاهم، ويتمثل في تعاضد الطرفين، ضد عملية ادراجهما معاً، من قبل السلطات القضائية والامنية في المملكة السعودية، والامارات العربية المتحدة ، وبعض الدول العربية الوازنة ،كمنظمتين ارهابيتين . اذا فلماذا كل هذا الاستغراب من هذه التفاهمات؟ التي ستقوي اكثر الحركة الحوثية على الارض، وستؤجل أي عملية تحول سياسي ،تقوده القوى الشابة داخل تجمع الاصلاح!!