تتنازع اليمن جهات خارجية تختلف أهدافها وتتباين مصالحها وتتشظى تحالفاتها , لكن الممر الحقيقي وجسر العبور القوي لا يتأتى لهذه المتطفلات المتكاثرة إلا بيمنيين منا يربطون كل شيء من ثقافة ومواطنة ومهادنة ومحاربة بقوى يسترزقون منها فتات أقوات هي لنا أصلا. لا أدري كيف توافق نفس صاحبها فيخرج من أرض ولد فيها وتنسم هوائها وشرب مائها , لعب فيها وفرح وبكى فيها وترح , تعطيه احتراما يسلب منه عند مفارقة ترابها , تسمى في مجاز اللغة أُمّا , وفي حقيقة الأمر قلبا , ولا يزال الناس عبر الأزمان وتجدد الحنان , تأخذهم فيضانات العشق ولوه والحب للأرض التي ولدوا فيها وبها أقاموا أحلامهم الحبلى , ناظر التاريخ شعرا ونثرا وقائع وأحداثا ترى كل شاعر قد بكى فراق وطنه كما شكا البُعَاد قيس ليلى , اقرأ مقدسات قصائد العرب من المعلقات وغيرها ترى بكاء الأطلال وحنين الأوطان , فقد قال قائدهم: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل,, ثم مضى يحدد طلله بقوله بسقط اللوى بين الدخول فحومل – فتوضح فالمقراة , وكلها أماكن ربما أقل شيء أهدته حبيبا , وهكذا استمر في التتبع لتجد نفسك أمام شيء هو الإنسان نفسه , كيف لا وقد كانت الروح الغالية والمهجة العالية رخيصة في سبيل تحريره من غيره . كثيرة هي دلائل قولنا , لا يتسع سردها , فهي بعدد البشر جميعا أحياء وأموات , بل ربما بعدد الخطرات , وكل نفس على الغبراء والسمراء والشقراء والبيضاوات , كل حضارة مجدت حبه , وكل فيلسوف رسخ حكمه , وكل رسام أبدع رسمه , وكل شاعر أتقن وصفه , وكل وكل لأننا نتكلم عن قانون العشق الأكبر. هو هكذا وأكثر وأكثر , فما جزاء من خان وتكبر , لا أعرف في قاموس البشر شيئا هو أخطر وأوزر وأعقر مما فعله اليمنيون ببلادهم بحجج لا تصلح حتى مبررات لشرب الظامئ ماء غيره ورشف المختنق ريق سواه , لا تستوي القيمة في الأشياء حتى توزن بميزان واحد , فما هو الحال بمن باع نفسه وزوجه وأمه وولده وجنى على من تشارك معه في نسيم واحد ومصير واحد , جعل الحرية عبودية والكرامة إهانة والعزة ذلة والوطن سجن والشعب سبايا , أحقق أن فاعل هذه الخيانة به جنون وزمانة وتكسوه سربال النذالة من رجله إلى رأسه مرورا بدمه وشحمه ولحمه وعظمه , وهو الديوث بجميع لغات العيش في الإنسان والحيوان , ومع كل هذه الوصفيات والثبوتيات والعقليات والوجدانيات نجد كثيرا من قمامات البشر ينسون كل شيء حتى ربهم فيقبلون بمهام الجلاد لشعبهم والسجان لوطنهم تحت رايات تسحر الأعين وتأخذ الألباب , ويخدعون جهلاء ليحولوهم عملاء لجوعى التوسع على حساب الإنسانية والكرامة والحرية , لا يقتل الشعوب ويفني الأمم مثل الجهل لأن العلم هو كاشف الزيف ومزيل الوهم وموضح الحقيقة وهو الذي سماه البردوني بالوعي عند قوله : والوعي كالنور يخزي الظالمين كما يخزي لصوص الدجى إشراق أنوار هؤلاء اللصوص الذين يسرقون الأحلام هم يمنيون لكن ماتت قلوبهم وتنكست فطرتهم وتغيرت مفهوماتهم , ومكان تواجدهم في قيادة الأحزاب والجماعات والمجموعات والدول وبعض دور الإفتاء , ويتخفون وراء شعارات هي نفسها تخجل من الورود على لسانهم إلا بطريقة الاغتصاب .