جرت العادة كتقليد أممي أن يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة والذي يصادف الثامن من مارس من كل عام وهو اليوم الذي انتفضت فيه المرأة الأمريكية في وجه الاستعباد وأعلنت تمردها عن كل أصناف الاضطهاد والانتهاكات الجسدية والنفسية التي كانت تتعرّض لها وخرجت لتطالب بحقوقها وحريتها وإنسانيتها وتخلع عن كاهلها أقسى ألوان العبودية التي فرضت عليها من قبل سيّدها وولي نعمتها الرجل. الرجل الذي سخرها للعمل في مصانعه ومزارعه ولإشباع رغباته، دون أن يعترف لها بحق أو يمنحها أبسط الحقوق نظير عملها الشاق وجهدها المضني. 8 مارس 1908م لم يكن يوماً مميزاً للمرأة الأمريكية فقط وإنما للمرأة أينما وُجدت على سطح الأرض، لأن معاناة المرأة ومأساتها واحدة وحتى اليوم ولا تختلف باختلاف الزمان والمكان.. ولهذا فإن الاحتفال بهذا اليوم ليس أكثر من تذكير للمرأة بمأساتها ومعاناتها وحقوقها المسلوبة، وأنها لا زالت ذلك الكائن البشري الذي وُجد لخدمة الرجل وتلبية طلباته وإشباع رغباته. ومن هنا يمكننا القول إن الاحتفاء بالمرأة ليس بالخطابات والمهرجانات وإنما باحترامها وتقديرها وإعطائها كافة حقوقها والاعتراف بآدميتها وإنسانيتها، وأنها تملك من القدرات والمؤهلات ما يجعلها شريكاً فعلياً وأساسياً في بناء وطنها ومجتمعها.. واتخاذ خطوات عملية لإسقاط كل صور التميز وقيود الاضطهاد التي تكبّلها، وهذا ما يجب أن تعيه المرأة أولاً وتسعى من أجله وتناضل بكل قوة لتحقيقه والوصول إليه.. فإيمان المرأة بعدالة قضيتها وشرعية مطالبها هو ما سيمنحها حقوقها ويجبر شقيقها الرجل على الاعتراف بها وإعطائها كافة حقوقها دون أي انتقاص، فالحقوق تُنتزع ولا تُوهب، وهذه المسئولية تقع على عاتق المرأة أولاً وبيدها أن تجعل أيام العام كلها أياماً للمرأة ولا يقتصر ذكرها وحضورها في يوم واحد فقط بينما تقضي بقية أيام عامها في غياهب سجنها تتجرّع مرارة معاناتها وما تلاقيه من ذل وهوان واضطهاد وتعسّف. والمؤسف حقاً أن تخرج من تمثل المرأة لتتحدث في هذا اليوم عن الشوط الكبير الذي قطعته المرأة في طريق تحقيق كل طموحاتها وآمالها وتنسى أن تتحدث عن مأساتها ومعاناتها وحريتها المقيدة وحقوقها المغتصبة، ومن ذات المنبر الذي يتحدث منه الرجل عن ما جعلت عليه المرأة وعن الامتيازات وما حققته من نجاحات وما نالته من حقوق، وأنها قد أصبحت متساوية مع الرجل أو تكاد وهذا يتناقض كلياً مع الواقع، حتى في أمريكا نفسها لا زالت المرأة في الدرك الأسفل وتُعامل وكأنها سلعة تُباع وتُشترى.. ناهيك عن أوضاعها المأساوية في الدول الأخرى حيث تلقى المرأة كل أنواع الاضطهاد وتتعرّض لكافة الانتهاكات التي تمس آدميتها. والمفزع فعلاً هو أن يذهب البعض للربط بين إعطاء المرأة حقوقها من الحياة بكرامة والتعليم والعمل وبين الانحلال الخلقي في دول الغرب كذريعة لإبقائها تحت هيمنة الرجل وسلطته ونفوذه، وهذه نظرة قاصرة لا يرى أصحابها من المرأة إلا جسدها. ولهذا فلا زال بين المرأة وحقوقها بون شاسع ويجب عليها أن تبقى متذكّ رة لمأساتها طوال أيام عمرها وليس في يوم واحد من العام فقط. "الجمهورية"