قالوا كثيراً عن حقوق المرأة، ونادوا كثيراً برفع الظلم والاضطهاد والعنف الذي تتعرض له، طالبوا بمساواة المرأة وإعطائها كافة حقوقها وتخفيف القيود المفروضة عليها، شكلوا العديد من الجمعيات والمنظمات النسوية لحماية المرأة والدفاع عنها ومساندتها وتوفير الدعم اللازم لها، وعقدوا الكثير من المؤتمرات والندوات لمناقشة قضايا المرأة وما تتعرض له من معاناة وقهر وحرمان، وأصدروا العديد من القرارات، ورفعوا الكثير من التوصيات الداعية لمناصرة المرأة ووقف العنف والاضطهاد والقسوة التي تتعرض لها وتؤذي إنسانيتها وتستبيح كرامتها. ومع ذلك لايزال الواقع يحكي خلاف ذلك ولاتزال المرأة مستضعفة ومعذبة في الأرض ، مازالت تلقى من الويلات ما يعجز اللسان عن وصفه على يد شقيقها الرجل ونصفها الآخر.. الذي لا يرى فيها إلا ما يحقق رغباته ونزواته ويلبي طموحاته وأحلامه ويشبع غروره وكبرياءه ، فالمرأة مع الأسف مازالت في نظر الكثيرين من الرجال حتى المثقفين منهم ذلك المخلوق الضعيف الذي لا حول له ولا قوة، والعاجزة عن تسيير أمور حياتها بعيداً عن الرجل، ولا يجب أن تحصل إلا على ما يسمح به الرجل ووفق رؤيته حتى في أمور الميراث الشرعي الذي فرضه الخالق سبحانه وتعالى، لابد أن ينصاع للرأي والمزاج ويتم خصخصته والتحايل عليه ، وربما يصل الأمر إلى إلغائه تماماً ورفض الاعتراف بحقها الشرعي، كما هو الحال في عدد من المناطق، وليس هذا فقط بل إن هناك من ينظر للمرأة بأنها الحلقة الأضعف في تركيبة الأسرة والمجتمع، ولا يمكن أن تتساوى مع الرجل أو تتحرر من هيمنته. كما لا يمكن السماح لها أن تكون نداً ومنافساً حقيقياً له في ميدان العمل والاعتماد على الذات والمشاركة الفاعلة في الحياة، وأنها قادرة على كسب رزقها والتخطيط لحياتها مثله تماماً. هذه النظرة الخاطئة حولت المرأة إلى نصف مشلول وعاجز وأبقتها تحت رحمة الرجل وهيمنته يرضى عنها متى شاء ويغضب منها متى أراد.. وما عليها إلا الطاعة والاستسلام لقدرها، وعليها أن تتحمل وبكل صبر ما تتعرض له من ظلم واضطهاد وقسوة تصل في بعض الأحيان إلى حد الضرب والإهانة. وحكاية «سميرة» أو بالأصح مأساة «سميرة» هي واحدة من مئات الحكايات التي تحولت إلى مآسٍ تعيشها مئات النساء واقعاً مراً دون أن يجدن من يمد لهن يد العون أو المساعدة حتى ممن كانوا سبباً في المأساة، فمن هي «سميرة»، وما هي مأساتها؟!. «سميرة» ضحية القسوة والظلم والاضطهاد، أجبرها أبوها على الزواج ممن اختاره لها دون السماح لها بالرفض أو القبول، رضخت مجبرة لرغبة أبيها، وأجبرها زوجها على تركها وظيفتها؛ فهو ميسور الحال ولا يسمح لزوجته بالعمل، حاولت الرفض فاستعانت بأبيها الذي كانت عصاه كفيلة بإجبارها مرة أخرى، سبع سنوات فقط هي عمر زواجها، وطفلان هما حصيلة تلك السنوات، «سميرة» اليوم تعمل في محل اتصالات لتصرف على طفليها وتناسى أبوها أنه سبب مأساتها. فأين هي حقوق المرأة، وأين هي المنظمات والجهات المدافعة عنها والداعمة؟!. كلهم غابوا وبقت المرأة تواجه مصيرها دون أن تجد من يمد لها يد العون أو حتى يرثى لحالها!!.