رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    خفر السواحل تحذّر من السباحة بسبب هجمات سمكة «أبو سَفَن»    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    الأحزاب تثمن استجابة التحالف لطلب القيادة اليمنية وترحب برسالة وزير الدفاع السعودي    ضبط مصفاة نفط جديدة غير قانونية لمتنفذ يمني في خشعة حضرموت    الاعتراف بارض الصومال.. ما هي الأهداف الإسرائيلية الخمسة؟ ولماذا السعودية ومصر أبرز الخاسرين؟    قبائل ساقين في صعدة تؤكد الجاهزية لأي تصعيد    القضاة ليسوا عبيدًا في مكتب أحد، والوظيفة القضائية لن تكون الوجه الآخر للعبودية    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    الافراج عن اكبر دفعة سجناء بالحديدة تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة    المبعوث الأممي يعلّق على أحداث محافظتي حضرموت والمهرة    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    الصين: صناعة الذكاء الاصطناعي الأساسية تتجاوز 142 مليار دولار في عام 2025    أمن محافظة صنعاء يدشّن خطة البناء والتطوير    ندوات ووقفات نسائية في حجة بمناسبة عيد جمعة رجب    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    استجابة لدعوة انتقالي لحج: احتشاد نسوي كبير لحرائر الحوطة يطالب بإعلان دولة الجنوب العربي    اجتماع برئاسة العلامة مفتاح يناقش آلية تطوير نشاط المركز الوطني لعلاج الحروق والتجميل    العليمي يجتمع بهيئة مستشاريه ويؤكد أن الدولة لن تسمح بفرض أمر واقع بالقوة    قراءة تحليلية لنص "لو تبلعني الارض" ل"أحمد سيف حاشد"    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    انتقالي حضرموت يقر إقامة مليونية كبرى بساحة الاعتصام المفتوح في المكلا    وزارة الإعلام تدشن خطة شاملة لإحياء شهر رجب وتعزيز الهوية الإيمانية    الرئيس يثمن الاستجابة العاجلة للتحالف من أجل حماية المدنيين في حضرموت    حملة أمنية تحرق مخيمات مهاجرين غير شرعيين على الحدود بصعدة    الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع تحسناً طفيفاً وتدريجياً في درجات الحرارة    4 كوارث تنتظر برشلونة    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    الدولار الأمريكي يترنح في أسوأ أداء أسبوعي منذ شهور    قرقاش يدعو إلى تغليب الحوار والحلول المتزنة كأساس للاستقرار الإقليمي    خبير طقس يتوقع ارتفاع الرطوبة ويستبعد حدوث الصقيع    إنجاز 5 آلاف معاملة في أسبوع.. كيف سهلت شرطة المرور إجراءات المواطنين؟    ترميم عدد من الشوارع المحيطة بشركة ( يو)    قمة أفريقية..تونس ضد نيجيريا اليوم    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    المغرب يتعثر أمام مالي في كأس أمم إفريقيا 2025    ترامب يلتقي زيلينسكي غدا في فلوريدا    جُمعة رجب.. حين أشرق فجر اليمن الإيماني    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يمنيات يروين مآسيهن.. ويتساءلن: لماذا العنف ضدنا؟
نشر في نبأ نيوز يوم 28 - 06 - 2009

إن كانت المرأة قد حصلت على حقوقها، خلال القرن الماضي، فإن في الأفق ملامح قاتمة من ممارسات العنف الجسدي والنفسي التي ما يزال الرجل يستخدمها تجاه المرأة، فالقوانين والدستور ينصفانها، والواقع يظلمها ويقسو عليها، عشرات بل مئات من حالات العنف ضد المرأة في اليمن سجلتها منظمات محلية ودولية، حتى بات الأمر ظاهرة تُؤرق المجتمع وتبعث على التساؤل، وعلى الرغم من النجاح الذي حققته المرأة اليمنية في مجالات كثيرة واقتحامها مجالات كانت في السابق حكرا على الرجال، وتبوئها مناصب مرموقة منها وكيلة وزارة ونائبة في البرلمان وسفيرة ومعلمة وطبيبة وصحفية، إلا أن السجلات الرسمية تحفل بجرائم ضد المرأة اليمنية تتراوح بين القسوة والعنف والاضطهاد النفسي، ويصل الأمر أحيانا إلي القتل والاختطاف والاغتصاب، الصورة تبدو قاتمة بعض الشيء، وتمثل ظاهرة اجتماعية خطيرة حوّلت حياة بعض النساء إلى جحيم لا يطاق‏.‏
وإذا حاولنا تفسير الأسباب التي تدفع بالرجل إلى ممارسة العنف ضد زوجته أو أخته أو أمه أو امرأة تسير في الشارع، سنجد أن هناك إجماعا على أن هذه الأسباب تبدو متعددة وشائكة ترتبط أحيانا بالظروف الاجتماعية والاقتصادية الداخلية وأحيانا بالعادات والتقاليد أو بالنزعة العدوانية لدى الرجل؛ لكونها مجرد امرأة، فالمرأة من جانبها ضعيفة ومستضعفة والرجل هو الطرف الأقوى الذي صنعته المعادلة الاجتماعية بحكم العادات والتقاليد التي تؤيده وبحكم الطبيعة القبلية للمجتمع‏.
‏"السياسية" استطلعت عن كثب آراء أخصائيين نفسانيين لمعرفة أسباب تعنيف المرأة وكيفية حمايتها والمحافظة على حقوقها التي كفلتها لها كل القوانين والشرائع السماوية.

‏** نماذج صارخة‏
"س.م" ربة بيت وأم لثلاث بنات جامعيات، تروي قصتها المأساوية عن العنف المنزلي بتحفّظ تام وتقول: "لم أكن أتوقع أن يتحول زوجي الوديع الهادئ إلى ذئب مفترس هائج لا يعرف قلبه للرحمة طريقا، لقد جمعتني به علاقة حب ومودة دامت أعواما طويلة، تكللت بعدها بالزواج، ولكن للأسف بدأت سلوكيات زوجي تتغير منذ السنة الثانية من زواجي، وحملي الأول، بدأ يتحجج بالغياب الدائم، وأصبح سريع الغضب لأتفه الأسباب، فلا يمر يوم إلا والإهانات والشتائم تلاحقني".
وأضافت: "ولأن مجتمعنا يرفض أن تعود المرأة إلى بيت أهلها مطلقة، ونظرة المجتمع لها، فقد حاولت أن ألوذ إلى الصبر من أجل بناتي، ولكن للأسف أصبح زوجي يتمادى ويستخدم يده بالضرب، بل ويتحجج بأبسط مشكلة ليستخدم وسيلة الضرب المبرح، حاولت معه مرارا، ولكن لم أستطع، الغريب في الأمر أن زوجي يستمتع بضربي عند بكائي أو عند تحكيم الأهل والجيران، وهذا ما يزيد شكوكي بإمكانية أن يتحول إلى مريض نفسي يعاني من أمراض نفسية معيّنة وعند ما قمت مؤخرا باستشارة أحد الأخصائيين أكد لي معاناته بمرض "السادية" وهو مرض نفسي يستمتع فيه المريض بتعذيب الآخرين، ولكن ما زاد مأساتي أن زوجي يرفض الذهاب لأخذ العلاج أو للجلسات النفسية، أصبحت حياتي جحيما لا يطاق، والمشكلة الأخرى تكمن في بناتي، فقد أصبحن شاردات الذهن، كثيرات الخوف من أبسط الأمور تراجعت حياتهن الدراسية عاما بعد عام، وأصبح شبح العُقد النفسية يطاردهن مع هذا الأب الذي أصبح ينهال على إحداهن بالضرب والشتم من أبسط الأمور، لقد أصبحن (بناتي) دائمات التردد إلى العيادات النفسية، أما أنا فلا أعلم هل سأعيش ما تبقى من عمري أم أن الموت بيد هذا الزوج ستكون نهايتي المأساوية، أم أن الهروب إلى الشارع هو الملاذ الآمن".
** عذاب يومي
"العذاب النفسي الذي أتجرعه من زوجي يفوق كل عذاب، فالعذاب الجسدي ينتهي بمجرد انتهاء الألم، أما النفسي فيظل أياما وأياما"، هكذا بدأت "إيناس" ربة بيت وأم لولدين وبنتين، تقول والحسرة تبدو على تعابير وجهها، وهي تسرد حكايتها المؤلمة عن العنف النفسي: "مشكلتي مع زوجي بدأت منذ البداية، فأنا من أسرة محافظة وملتزمة دينيا، وزوجي عكسي تماما، وله نظرته الخاصة تجاه الحياة الزوجية، فالشتم والإهانات والتجريح أمر عادي بالنسبة له، حاولت توجيهه بأسلوب هادئ ومقنع وبأن ذلك سوف ينعكس على نفسية أبنائه وطريقة سيرهم في الحياة، لكنه تمادى يوما بعد يوم؛ ولأن بناتي يسمعن مثل هذه الإهانات يوميا فقد حاولن مع والدهن، أما الصغرى فقد قررت عدم الزواج بتاتا، وأصبحت تكتب لوالدها رسائل يومية تستعطفه، ولكن الرحمة انتزعت من أقرب الناس إليه، ومع كل ذلك قررت أن أسير مع زوجي على هذه الحياة، وأتحمل الشتائم من أجل بناتي وإبني، ولكن هذه مشكلتي بالاختيار منذ البداية، ويجب أن أتحمّل تبعاتها".
** آلام مشتركة
أما اعتدال، 31 عاما، فقصتها تختلف عن كل قصة، فهي عاملة وأم لبنت وولدين في مراحلهم الدراسية، تقول: "زوجي لا يستخدم معي أي أنواع من الضرب الجسدي أو الإهانات والشتائم، ولكن نعاني معا تذمرا وآلاما نفسية، وعدم القدرة على اتخاذ حلول لبعض المشكلات الأسرية ومشاكله الخاصة، فقد وصل بي الحال مع زوجي إلى حد الانفصال العاطفي، فكل منا ينام في غرفة منفصلة ولا نتحدث مع بعضنا أبدا، إلا عند الضرورة القصوى، والتي يحتاج إليها أبنائي".
وتضيف اعتدال: "تكمن مشكلة زوجي الأساسية في عقدة النقص منذ الطفولة، فقد عاش حياة بائسة وفقيرة، وعند ما وصل إلى مكانة عالية أصبح يترفع على أقرب الناس بألفاظه وأحاديثه ومغامراته، وأصبح يشعرني دائما بأنه الأفضل وأنني لا شيء أمامه، وأن كلمته هي التي يجب أن تنفذ، ولا حاجة لرأيي أو مشورتي مع أن شخصيته تبدو مختلفة تماما أمام أصدقائه وأهله، حاولت مرارا أن أوضح له أن أفكارنا ومشورتنا يجب أن تكون واحدة، ولكن مشاكلنا لم نستطع حلها، فاختار زوجي هذا الطريق، ومن أجل أبنائي يجب أن يسير مركب الحياة، ويجب أن أضحي من أجلهم، حتى وإن حكمت الحياة أن أعيش مع هذا الرجل الذي حرمني من أبسط حقوقي وأصبحت لا أجد من أتحدث إليه أو أبوح بمعاناتي النفسية لأجد حلا يخرجني من هذه المأساة".
"ك. ل"، ربة بيت وأم لبنات وأولاد تقول: "زوجي يكبرني بعشرة أعوام، وهو ابن خالي، وله مكانة وكلمة بين الأهل، ولأنه يعلم جيّدا ظروفي، وعدم قدرتي على العمل، وظروف أهلي الذين لا يمكن بأي حال أن يتقبلوني إن فكّرت بأمر الطلاق، لذلك فهو يستغل هذه المواقف لصفّه، فإن ثارت ثائرته لأبسط الأمور هددني بالطرد إلى الشارع أمام أبنائي، لقد ساء زوجي معاملتي، وأصبح لا يهتم بي أمام الناس والجيران، وأصبحت أشعر بإحراج شديد عند قدوم جيراني لوقف النزاعات بيننا، حتى أبنائي أصبحوا يعانون حالات هذيان وشرود وعقد نفسية جراء تعامل والدهم، لو أن هناك قانونا يمنع مثل هذه الأعمال لكان الوضع أفضل حالا مما نحن عليه".
** غيض من فيض
إحدى السيدات تشكو من أن زوجها يضربها لأتفه الأسباب، حتى أنه في إحدى المرات كسر لها أنفها، وعند ما تذهب إلى بيت أهلها يعيدونها بالقوة إلى زوجها، سيدة أخرى تعرضت لحادث بشع، لم يسبق له مثيل حين أحضر زوجها فأسا وقطع رجلها اليمنى مدعيا أن بها جِنا‏!‏ وأخرى تعرضت للضرب من أخيها لتتنازل له عن حصتها من الميراث، وأخريات يتعرضن للمضايقات والشتائم في الشارع والإيذاء، فضلا عن حالات الاختطاف والاغتصاب التي تتعرض لها المرأة اليمنية.

** نطاق المشكلة
أكدت منظمة محلية ناشطة في الدفاع عن الحقوق وقضايا المرأة أن العنف الذي تتعرض له النساء في اليمن يرتبط بثقافة سائدة ما زالت تفعل فعلها إلى اليوم نتيجة لبقاء واستمرارية سيطرة تلك العادات والتقاليد البالية على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتظهر تأثيراته حتى اليوم في مختلف حلقات هذه الحياة.
تقرير عن "أوضاع المرأة في 2008" الصادر عن مؤسسة "أوام" الثقافية، أشار استنادا على مصادر وزارة الداخلية لعام 2008 إلى تعدد صور العنف والانتهاكات الموجهة ضد المرأة، حيث بلغ عدد الحوادث المسجّلة 1008 حادثة، تعددت بين جرائم هتك العرض، والفعل الفاضح والقذف والسب ثم جرائم السرقة يليها جرائم الشروع في القتل وجرائم القتل العمد، ثم جرائم التهديد بالخطف ثم جرائم إحداث عاهات مستديمة ثم جرائم الاغتصاب ثم الشروع فيه.
وتحمّل الدراسات الخاصة بوضع المرأة في اليمن الفقر والأمية، والعادات الاجتماعية مسؤولية ممارسة العنف ضد المرأة اليمنية والتي تأخذ أشكالا عدّة. وأشارت نتائج دراسة ميدانية حول ظاهرة العنف الأسري في المجتمع اليمني، أن نسبة النساء اللاتي يعانين من العنف من قبل الزوج أو أحد أفراد الأسرة الذكور مرتفعة، حيث تتعرض 67 بالمائة من النساء للعنف من قبل أزواجهن، و30 بالمائة من قبل إخوانهن الذكور، و17 بالمائة من قبل الوالدين.
كما بيّنت الدراسة أن 57 بالمائة يتعرضن للعنف لأكثر من خمس مرات خلال أربعة أشهر، وأن 53 بالمائة، من عيّنة الدراسة تعرضن للعنف الجسدي، ويأتي في المرتبة الثانية العنف النفسي بالألفاظ النابية والتجريح، كما أن 23 بالمائة منهن مُنعن من التعليم و13 بالمائة تعرضن للهجر من قبل الزوج، و25 بالمائة يتم الاستيلاء على رواتبهن إما من قبل الزوج أو الأهل.
دراسة أجريت في محافظة عدن على عيّنة من 43 امرأة، بيّنت أن فئة النساء العاملات في القطاع الحكومي هُنّ أعلى فئة تتعرض للعنف بنسبة 56.6 بالمائة، وتأتي فئة الأميَّات في المرتبة الثانية بنسبة 43.4 بالمائة.
** الزواج المبكر
يحتل الزواج المبكر رأس قائمة ممارسات العنف ضد المرأة، والذي يتسبب بمشاكل ذات أوجه اجتماعية وصحيّة وإنسانية عديدة، وينتقد عدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان عدم وجود قانون صريح يجرِّم زواج الفتيات الصغار، ويقول تقرير حديث صادر عن مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء أن نحو 52 بالمائة من الفتيات اليمنيات تزوجن دون سن الخامسة عشرة، خلال العامين الأخيرين، مقابل 7 بالمائة من الذكور. فيما تصل نسبة حالات زواج الطفلات إلى 65 بالمائة من حالات الزواج، منها 70 بالمائة في المناطق الريفية.
وكشف التقرير عن فجوة عُمرية كبيرة بين الزوجة والزوج، تصل في بعض الأحيان إلى حالات يكبر فيها الزوج زوجته بنحو 56 سنة، وتناضل عدد من منظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأة في اليمن لمواجهة حدة الثقافة المنتشرة في أوساط المجتمع والتي تنظر إلى المرأة بدونية.
** حلول علمية
تقول أستاذ علم النفس الطبي - قسم العلوم السلوكية، وأمين عام الجمعية اليمنية للصحة النفسية في كلية الطب والعلوم الصحية بمحافظة عدن، الدكتورة آمال باصديق: "هناك أشكال متنوعة من العنف الممارس ضد المرأة، وبالإمكان أن تؤدي إلى حدوث آثار صحيّة بشكل مباشر أو على المدى البعيد، فقد تؤدي إلى الإصابة والوفاة، وتشمل الوفيات الناجمة عن العنف ضد المرأة جرائم الشرف التي يرتكبها الأفراد لأسباب ثقافية، والانتحار، ووفاة الأمهات جراء حالات الإجهاض غير المأمونة".
وتؤكد باصديق أن العنف ضد المرأة يسهم بشكل كبير في زيادة مخاطر الاكتئاب واضطرابات الإجهاد ومشاكل النوم واضطرابات الأكل والضيق الانفعالي، وأما عن الصحة الجسدية فإن العنف الممارس يمكن أن يؤدي في حالات إلى وقوع مشاكل صحيّة، منها الصداع وآلام الظهر والاضطرابات المعدية والمعوية ومشاكل في القدرة على التحرك.
أما عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية، تشير باصديق إلى أن العنف الممارس ضد المرأة قد يؤدي بها إلى العُزلة وعدم القُدرة على العمل، ونقص المشاركة في الأنشطة المنتظمة، وعدم التمكّن من الاعتناء بنفسها وأطفالها.
وأكدت باصديق أنه لا بُد من إجراء المزيد من التقييم لتدابير الوقاية من العنف كتعزيز فرص النساء والبنات للاستفادة من التعليم والنجاح في الحياة وتحسين ثقتهن بأنفسهن وقدرتهن على التفاوض والحد من الفوارق بين الرجل والمرأة في المجتمعات المحلية، ومن الجهود الأخرى التي تُوجت بنجاح إيجابي العمل مع المراهقين من أجل الحد من العنف الممارس في فترة التعارف بين الذكور والإناث، وتنفيذ البرامج الداعمة للأطفال الذين شهدوا حالات من العنف الممارس ضد أمهاتهم، والاضطلاع بحملات جماعية لتثقيف الجمهور بهذه القضية والعمل مع الرجال والفتيان لتغيير السلوكيات المرتبطة بالفوارق القائمة بين الجنسين، كذلك الاعتناء بالضحايا ورفع وعي العاملين الصحيين بالعنف وآثاره وتعزيز المعارف بشأن الموارد المتاحة للنساء اللاتي تعرضن للإيذاء.
أما الأخصائية النفسانية فتحية عبد الرب فتقول: "تعتبر المرأة نفسها أحد العوامل الرئيسية لبعض أنواع العنف والاضطهاد، وذلك لتقبلها له واعتبار التسامح والخضوع أو السكوت عليه كرد فعل لذلك، مما يجعل الآخر يأخذ في التمادي والتجرؤ أكثر فأكثر، وقد تتجلى هذه الحالة أكثر عند فقد المرأة من تلتجئ إليه، ومن يقوم بحمايتها. وهناك أسباب ثقافية كالجهل وعدم معرفة كيفية التعامل مع الآخر وعدم احترامه، وهذا الجهل قد يكون من الطرفين (المرأة والمُعنِّف لها)، فجهل المرأة بحقوقها وواجباتها من طرف، وجهل الآخر بهذه الحقوق من طرف ثانٍ مما قد يؤدي إلى التجاوز وتعدي الحدود".
وتضيف: "فضلا عن ذلك فإن من العوامل تدني المستوى الثقافي للأسر وللأفراد، والاختلاف الثقافي الكبير بين الزوجين بالأخص إذا كانت الزوجة هي الأعلى ثقافيا، مما يولّد التوتر وعدم التوازن لدى الزوج كردة فعل له، فيحاول تعويض هذا النقص باحثا عن المناسبات التي يمكن انتقاصها واستصغارها بالشتم أو الإهانة أو حتى الضرب وهناك أسباب تربوية".
وتؤكد الأخصائية فتحية أن الرجوع إلى القانون الإلهي والشريعة الإسلامية يعطي للمرأة كامل حقوقها وعزتها وكرامتها، أيضا وجوب تطبيق هذه القوانين الإسلامية من قبل المسؤولين كالحكومات والمؤسسات والمتصدين للأمور، ومعاقبة من يقوم بالعنف ضدها، كي تحس المرأة بالأمن والأمان وهي قابعة في قعر دارها، أو عاملة في محل عملها، أو ماشية في طرقات بلدتها. أيضا التوعية الاجتماعية سواء كان ذلك في المجتمع الأنثوي أم في المجتمع العام، إذ لا بُد من معرفة المرأة لحقوقها، وكيفية الدفاع عنها، وإيصال صوت مظلوميتها إلى العالم بواسطة كافة وسائل الإعلام، وعدم التسامح والتهاون والسكوت في سلب هذه الحقوق، وصناعة كيان واعٍ ومستقل لوجودها، ومن طرف آخر نشر هذه التوعية في المجتمع الذكوري أيضا، عبر نشر ثقافة احترام وتقدير المرأة التي تشكل نصف المجتمع بل غالبيته".
** كلمة أخيرة
مشوار علاج العنف ما زال في بداياته، حتى تتغير العقلية والرؤية العامة تجاه المرأة، وتصبح المرأة إنسانا ذا كيان، وذا اعتبار ثابت لا يمكن في أي وقت التنازل عن حقوقه والتضحية عن مكتسباته، وإن أهم التحديات التي تواجه وقاية المرأة من العنف وتهددها هو الفرق بين ما يقال وبين ما يمارس، فهناك كلام كثير يقال عن المرأة، لكن ما يمارس يختلف ويتناقض عمّا يقال، فمن المهم إذن أن يتطابق القول والممارسة في معاملة المرأة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.