أبناء غضران في بني حشيش ينددون بالإساءة الأمريكية للقرآن الكريم    محرز يقود الجزائر للتفوق أمام السودان بكأس أفريقيا 2025    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    مؤسسة الاتصالات تكرم أصحاب قصص النجاح من المعاقين ذوي الهمم    المبعوث الأممي يعلق بشأن اتفاق تبادل الأسرى في اليمن    تحذيرات للمزارعين مما سيحدث الليلة وغدا ..!    الاتحاد العام لنقابات عمال حضرموت يعلن انضمامه إلى ساحة الاعتصام بالمكلا    شباب عبس يتجاوز حسيني لحج في تجمع الحديدة وشباب البيضاء يتجاوز وحدة حضرموت في تجمع لودر    الشيخ أمين البرعي يعزي محافظ الحديدة اللواء عبدالله عطيفي في وفاة عمه احمد عطيفي    شبوة تنصب الواسط في خيمة الجنوب    الدولار يتجه نحو أسوأ أداء سنوي له منذ أكثر من 20 عاما    الرئيس الزُبيدي: نثمن دور الإمارات التنموي والإنساني    مصلحة الجمارك تؤيد خطوات الرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    لملس يتفقد سير أعمال تأهيل مكتب التعليم الفني بالعاصمة عدن    أبناء العمري وأسرة شهيد الواجب عبدالحكيم فاضل أحمد فريد العمري يشكرون رئيس انتقالي لحج على مواساته    سوريا.. قوة إسرائيلية تتوغل بريف درعا وتعتقل شابين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    السلطة المحلية بمحافظة لحج تعلن دعمها الكامل لقرارات الرئيس عيدروس الزبيدي واستعادة دولة الجنوب    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    رئيس مجلس الشورى يعزي في وفاة الدكتور "بامشموس"    هدوء في البورصات الأوروبية بمناسبة العطلات بعد سلسلة مستويات قياسية    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    سياسي عماني: خيبة أمل الشرعية من بيان مجلس الأمن.. بيان صحفي لا قرار ملزم ولا نصر سياسي    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    حوادث الطيران وضحاياها في 2025    اختتام دورة تدريبية لفرسان التنمية في مديريتي الملاجم وردمان في محافظة البيضاء    الترب يبارك اتفاق الأسرى ويعتبره مفتاح لبقية القضايا الانسانية    تونس تضرب أوغندا بثلاثية    أعضاء في سياسي أنصار الله: السعودية دمرت اليمن واستنزفت ميزانيتها بلا فائدة    البشارة بولد.. لكنه ولد ميت: مجلس الامن يحبط الشرعية اليمنية    إغلاق مطار سقطرى وإلغاء رحلة قادمة من أبوظبي    قراءة أدبية وسياسية لنص "الحب الخائب يكتب للريح" ل"أحمد سيف حاشد"    البنك المركزي يوقف تراخيص فروع شركات صرافة بعدن ومأرب    خطوة إنسانية تخفف المعاناة.. السعودية ترحب باتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين    انعقاد اللقاء الأسبوعي الخامس بين الحكومة والقطاع الخاص    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    هيئة الآثار: نقوش سبأ القديمة تتعرض للاقتلاع والتهريب    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    مستشار الرئيس الاماراتي : حق تقرير المصير في الجنوب إرادة أهله وليس الإمارات    الذهب يسجل مستوى قياسيا ويقترب من حاجز 4,500 دولار للأونصة    فقيد الوطن و الساحه الفنية الشاعر سالم أحمد بامطرف    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    صلاح ومرموش يقودان منتخب مصر لإحباط مفاجأة زيمبابوي    الخارجية الروسية: روسيا تؤكد تضامنها مع فنزويلا على خلفية التصعيد في البحر الكاريبي    فنان تشكيلي يتلقى إشعاراً بإخلاء مسكنه في صنعاء ويعرض لوحاته للبيع    الصحفي والناشط الحقوقي نشوان النظاري    تواصل منافسات بطولة الرماية المفتوحة للسيدات والناشئات    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    فيفا: السعودية معقل كرة القدم الجديد    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يمنيات يروين مآسيهن.. ويتساءلن: لماذا العنف ضدنا؟
نشر في نبأ نيوز يوم 28 - 06 - 2009

إن كانت المرأة قد حصلت على حقوقها، خلال القرن الماضي، فإن في الأفق ملامح قاتمة من ممارسات العنف الجسدي والنفسي التي ما يزال الرجل يستخدمها تجاه المرأة، فالقوانين والدستور ينصفانها، والواقع يظلمها ويقسو عليها، عشرات بل مئات من حالات العنف ضد المرأة في اليمن سجلتها منظمات محلية ودولية، حتى بات الأمر ظاهرة تُؤرق المجتمع وتبعث على التساؤل، وعلى الرغم من النجاح الذي حققته المرأة اليمنية في مجالات كثيرة واقتحامها مجالات كانت في السابق حكرا على الرجال، وتبوئها مناصب مرموقة منها وكيلة وزارة ونائبة في البرلمان وسفيرة ومعلمة وطبيبة وصحفية، إلا أن السجلات الرسمية تحفل بجرائم ضد المرأة اليمنية تتراوح بين القسوة والعنف والاضطهاد النفسي، ويصل الأمر أحيانا إلي القتل والاختطاف والاغتصاب، الصورة تبدو قاتمة بعض الشيء، وتمثل ظاهرة اجتماعية خطيرة حوّلت حياة بعض النساء إلى جحيم لا يطاق‏.‏
وإذا حاولنا تفسير الأسباب التي تدفع بالرجل إلى ممارسة العنف ضد زوجته أو أخته أو أمه أو امرأة تسير في الشارع، سنجد أن هناك إجماعا على أن هذه الأسباب تبدو متعددة وشائكة ترتبط أحيانا بالظروف الاجتماعية والاقتصادية الداخلية وأحيانا بالعادات والتقاليد أو بالنزعة العدوانية لدى الرجل؛ لكونها مجرد امرأة، فالمرأة من جانبها ضعيفة ومستضعفة والرجل هو الطرف الأقوى الذي صنعته المعادلة الاجتماعية بحكم العادات والتقاليد التي تؤيده وبحكم الطبيعة القبلية للمجتمع‏.
‏"السياسية" استطلعت عن كثب آراء أخصائيين نفسانيين لمعرفة أسباب تعنيف المرأة وكيفية حمايتها والمحافظة على حقوقها التي كفلتها لها كل القوانين والشرائع السماوية.

‏** نماذج صارخة‏
"س.م" ربة بيت وأم لثلاث بنات جامعيات، تروي قصتها المأساوية عن العنف المنزلي بتحفّظ تام وتقول: "لم أكن أتوقع أن يتحول زوجي الوديع الهادئ إلى ذئب مفترس هائج لا يعرف قلبه للرحمة طريقا، لقد جمعتني به علاقة حب ومودة دامت أعواما طويلة، تكللت بعدها بالزواج، ولكن للأسف بدأت سلوكيات زوجي تتغير منذ السنة الثانية من زواجي، وحملي الأول، بدأ يتحجج بالغياب الدائم، وأصبح سريع الغضب لأتفه الأسباب، فلا يمر يوم إلا والإهانات والشتائم تلاحقني".
وأضافت: "ولأن مجتمعنا يرفض أن تعود المرأة إلى بيت أهلها مطلقة، ونظرة المجتمع لها، فقد حاولت أن ألوذ إلى الصبر من أجل بناتي، ولكن للأسف أصبح زوجي يتمادى ويستخدم يده بالضرب، بل ويتحجج بأبسط مشكلة ليستخدم وسيلة الضرب المبرح، حاولت معه مرارا، ولكن لم أستطع، الغريب في الأمر أن زوجي يستمتع بضربي عند بكائي أو عند تحكيم الأهل والجيران، وهذا ما يزيد شكوكي بإمكانية أن يتحول إلى مريض نفسي يعاني من أمراض نفسية معيّنة وعند ما قمت مؤخرا باستشارة أحد الأخصائيين أكد لي معاناته بمرض "السادية" وهو مرض نفسي يستمتع فيه المريض بتعذيب الآخرين، ولكن ما زاد مأساتي أن زوجي يرفض الذهاب لأخذ العلاج أو للجلسات النفسية، أصبحت حياتي جحيما لا يطاق، والمشكلة الأخرى تكمن في بناتي، فقد أصبحن شاردات الذهن، كثيرات الخوف من أبسط الأمور تراجعت حياتهن الدراسية عاما بعد عام، وأصبح شبح العُقد النفسية يطاردهن مع هذا الأب الذي أصبح ينهال على إحداهن بالضرب والشتم من أبسط الأمور، لقد أصبحن (بناتي) دائمات التردد إلى العيادات النفسية، أما أنا فلا أعلم هل سأعيش ما تبقى من عمري أم أن الموت بيد هذا الزوج ستكون نهايتي المأساوية، أم أن الهروب إلى الشارع هو الملاذ الآمن".
** عذاب يومي
"العذاب النفسي الذي أتجرعه من زوجي يفوق كل عذاب، فالعذاب الجسدي ينتهي بمجرد انتهاء الألم، أما النفسي فيظل أياما وأياما"، هكذا بدأت "إيناس" ربة بيت وأم لولدين وبنتين، تقول والحسرة تبدو على تعابير وجهها، وهي تسرد حكايتها المؤلمة عن العنف النفسي: "مشكلتي مع زوجي بدأت منذ البداية، فأنا من أسرة محافظة وملتزمة دينيا، وزوجي عكسي تماما، وله نظرته الخاصة تجاه الحياة الزوجية، فالشتم والإهانات والتجريح أمر عادي بالنسبة له، حاولت توجيهه بأسلوب هادئ ومقنع وبأن ذلك سوف ينعكس على نفسية أبنائه وطريقة سيرهم في الحياة، لكنه تمادى يوما بعد يوم؛ ولأن بناتي يسمعن مثل هذه الإهانات يوميا فقد حاولن مع والدهن، أما الصغرى فقد قررت عدم الزواج بتاتا، وأصبحت تكتب لوالدها رسائل يومية تستعطفه، ولكن الرحمة انتزعت من أقرب الناس إليه، ومع كل ذلك قررت أن أسير مع زوجي على هذه الحياة، وأتحمل الشتائم من أجل بناتي وإبني، ولكن هذه مشكلتي بالاختيار منذ البداية، ويجب أن أتحمّل تبعاتها".
** آلام مشتركة
أما اعتدال، 31 عاما، فقصتها تختلف عن كل قصة، فهي عاملة وأم لبنت وولدين في مراحلهم الدراسية، تقول: "زوجي لا يستخدم معي أي أنواع من الضرب الجسدي أو الإهانات والشتائم، ولكن نعاني معا تذمرا وآلاما نفسية، وعدم القدرة على اتخاذ حلول لبعض المشكلات الأسرية ومشاكله الخاصة، فقد وصل بي الحال مع زوجي إلى حد الانفصال العاطفي، فكل منا ينام في غرفة منفصلة ولا نتحدث مع بعضنا أبدا، إلا عند الضرورة القصوى، والتي يحتاج إليها أبنائي".
وتضيف اعتدال: "تكمن مشكلة زوجي الأساسية في عقدة النقص منذ الطفولة، فقد عاش حياة بائسة وفقيرة، وعند ما وصل إلى مكانة عالية أصبح يترفع على أقرب الناس بألفاظه وأحاديثه ومغامراته، وأصبح يشعرني دائما بأنه الأفضل وأنني لا شيء أمامه، وأن كلمته هي التي يجب أن تنفذ، ولا حاجة لرأيي أو مشورتي مع أن شخصيته تبدو مختلفة تماما أمام أصدقائه وأهله، حاولت مرارا أن أوضح له أن أفكارنا ومشورتنا يجب أن تكون واحدة، ولكن مشاكلنا لم نستطع حلها، فاختار زوجي هذا الطريق، ومن أجل أبنائي يجب أن يسير مركب الحياة، ويجب أن أضحي من أجلهم، حتى وإن حكمت الحياة أن أعيش مع هذا الرجل الذي حرمني من أبسط حقوقي وأصبحت لا أجد من أتحدث إليه أو أبوح بمعاناتي النفسية لأجد حلا يخرجني من هذه المأساة".
"ك. ل"، ربة بيت وأم لبنات وأولاد تقول: "زوجي يكبرني بعشرة أعوام، وهو ابن خالي، وله مكانة وكلمة بين الأهل، ولأنه يعلم جيّدا ظروفي، وعدم قدرتي على العمل، وظروف أهلي الذين لا يمكن بأي حال أن يتقبلوني إن فكّرت بأمر الطلاق، لذلك فهو يستغل هذه المواقف لصفّه، فإن ثارت ثائرته لأبسط الأمور هددني بالطرد إلى الشارع أمام أبنائي، لقد ساء زوجي معاملتي، وأصبح لا يهتم بي أمام الناس والجيران، وأصبحت أشعر بإحراج شديد عند قدوم جيراني لوقف النزاعات بيننا، حتى أبنائي أصبحوا يعانون حالات هذيان وشرود وعقد نفسية جراء تعامل والدهم، لو أن هناك قانونا يمنع مثل هذه الأعمال لكان الوضع أفضل حالا مما نحن عليه".
** غيض من فيض
إحدى السيدات تشكو من أن زوجها يضربها لأتفه الأسباب، حتى أنه في إحدى المرات كسر لها أنفها، وعند ما تذهب إلى بيت أهلها يعيدونها بالقوة إلى زوجها، سيدة أخرى تعرضت لحادث بشع، لم يسبق له مثيل حين أحضر زوجها فأسا وقطع رجلها اليمنى مدعيا أن بها جِنا‏!‏ وأخرى تعرضت للضرب من أخيها لتتنازل له عن حصتها من الميراث، وأخريات يتعرضن للمضايقات والشتائم في الشارع والإيذاء، فضلا عن حالات الاختطاف والاغتصاب التي تتعرض لها المرأة اليمنية.

** نطاق المشكلة
أكدت منظمة محلية ناشطة في الدفاع عن الحقوق وقضايا المرأة أن العنف الذي تتعرض له النساء في اليمن يرتبط بثقافة سائدة ما زالت تفعل فعلها إلى اليوم نتيجة لبقاء واستمرارية سيطرة تلك العادات والتقاليد البالية على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتظهر تأثيراته حتى اليوم في مختلف حلقات هذه الحياة.
تقرير عن "أوضاع المرأة في 2008" الصادر عن مؤسسة "أوام" الثقافية، أشار استنادا على مصادر وزارة الداخلية لعام 2008 إلى تعدد صور العنف والانتهاكات الموجهة ضد المرأة، حيث بلغ عدد الحوادث المسجّلة 1008 حادثة، تعددت بين جرائم هتك العرض، والفعل الفاضح والقذف والسب ثم جرائم السرقة يليها جرائم الشروع في القتل وجرائم القتل العمد، ثم جرائم التهديد بالخطف ثم جرائم إحداث عاهات مستديمة ثم جرائم الاغتصاب ثم الشروع فيه.
وتحمّل الدراسات الخاصة بوضع المرأة في اليمن الفقر والأمية، والعادات الاجتماعية مسؤولية ممارسة العنف ضد المرأة اليمنية والتي تأخذ أشكالا عدّة. وأشارت نتائج دراسة ميدانية حول ظاهرة العنف الأسري في المجتمع اليمني، أن نسبة النساء اللاتي يعانين من العنف من قبل الزوج أو أحد أفراد الأسرة الذكور مرتفعة، حيث تتعرض 67 بالمائة من النساء للعنف من قبل أزواجهن، و30 بالمائة من قبل إخوانهن الذكور، و17 بالمائة من قبل الوالدين.
كما بيّنت الدراسة أن 57 بالمائة يتعرضن للعنف لأكثر من خمس مرات خلال أربعة أشهر، وأن 53 بالمائة، من عيّنة الدراسة تعرضن للعنف الجسدي، ويأتي في المرتبة الثانية العنف النفسي بالألفاظ النابية والتجريح، كما أن 23 بالمائة منهن مُنعن من التعليم و13 بالمائة تعرضن للهجر من قبل الزوج، و25 بالمائة يتم الاستيلاء على رواتبهن إما من قبل الزوج أو الأهل.
دراسة أجريت في محافظة عدن على عيّنة من 43 امرأة، بيّنت أن فئة النساء العاملات في القطاع الحكومي هُنّ أعلى فئة تتعرض للعنف بنسبة 56.6 بالمائة، وتأتي فئة الأميَّات في المرتبة الثانية بنسبة 43.4 بالمائة.
** الزواج المبكر
يحتل الزواج المبكر رأس قائمة ممارسات العنف ضد المرأة، والذي يتسبب بمشاكل ذات أوجه اجتماعية وصحيّة وإنسانية عديدة، وينتقد عدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان عدم وجود قانون صريح يجرِّم زواج الفتيات الصغار، ويقول تقرير حديث صادر عن مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء أن نحو 52 بالمائة من الفتيات اليمنيات تزوجن دون سن الخامسة عشرة، خلال العامين الأخيرين، مقابل 7 بالمائة من الذكور. فيما تصل نسبة حالات زواج الطفلات إلى 65 بالمائة من حالات الزواج، منها 70 بالمائة في المناطق الريفية.
وكشف التقرير عن فجوة عُمرية كبيرة بين الزوجة والزوج، تصل في بعض الأحيان إلى حالات يكبر فيها الزوج زوجته بنحو 56 سنة، وتناضل عدد من منظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأة في اليمن لمواجهة حدة الثقافة المنتشرة في أوساط المجتمع والتي تنظر إلى المرأة بدونية.
** حلول علمية
تقول أستاذ علم النفس الطبي - قسم العلوم السلوكية، وأمين عام الجمعية اليمنية للصحة النفسية في كلية الطب والعلوم الصحية بمحافظة عدن، الدكتورة آمال باصديق: "هناك أشكال متنوعة من العنف الممارس ضد المرأة، وبالإمكان أن تؤدي إلى حدوث آثار صحيّة بشكل مباشر أو على المدى البعيد، فقد تؤدي إلى الإصابة والوفاة، وتشمل الوفيات الناجمة عن العنف ضد المرأة جرائم الشرف التي يرتكبها الأفراد لأسباب ثقافية، والانتحار، ووفاة الأمهات جراء حالات الإجهاض غير المأمونة".
وتؤكد باصديق أن العنف ضد المرأة يسهم بشكل كبير في زيادة مخاطر الاكتئاب واضطرابات الإجهاد ومشاكل النوم واضطرابات الأكل والضيق الانفعالي، وأما عن الصحة الجسدية فإن العنف الممارس يمكن أن يؤدي في حالات إلى وقوع مشاكل صحيّة، منها الصداع وآلام الظهر والاضطرابات المعدية والمعوية ومشاكل في القدرة على التحرك.
أما عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية، تشير باصديق إلى أن العنف الممارس ضد المرأة قد يؤدي بها إلى العُزلة وعدم القُدرة على العمل، ونقص المشاركة في الأنشطة المنتظمة، وعدم التمكّن من الاعتناء بنفسها وأطفالها.
وأكدت باصديق أنه لا بُد من إجراء المزيد من التقييم لتدابير الوقاية من العنف كتعزيز فرص النساء والبنات للاستفادة من التعليم والنجاح في الحياة وتحسين ثقتهن بأنفسهن وقدرتهن على التفاوض والحد من الفوارق بين الرجل والمرأة في المجتمعات المحلية، ومن الجهود الأخرى التي تُوجت بنجاح إيجابي العمل مع المراهقين من أجل الحد من العنف الممارس في فترة التعارف بين الذكور والإناث، وتنفيذ البرامج الداعمة للأطفال الذين شهدوا حالات من العنف الممارس ضد أمهاتهم، والاضطلاع بحملات جماعية لتثقيف الجمهور بهذه القضية والعمل مع الرجال والفتيان لتغيير السلوكيات المرتبطة بالفوارق القائمة بين الجنسين، كذلك الاعتناء بالضحايا ورفع وعي العاملين الصحيين بالعنف وآثاره وتعزيز المعارف بشأن الموارد المتاحة للنساء اللاتي تعرضن للإيذاء.
أما الأخصائية النفسانية فتحية عبد الرب فتقول: "تعتبر المرأة نفسها أحد العوامل الرئيسية لبعض أنواع العنف والاضطهاد، وذلك لتقبلها له واعتبار التسامح والخضوع أو السكوت عليه كرد فعل لذلك، مما يجعل الآخر يأخذ في التمادي والتجرؤ أكثر فأكثر، وقد تتجلى هذه الحالة أكثر عند فقد المرأة من تلتجئ إليه، ومن يقوم بحمايتها. وهناك أسباب ثقافية كالجهل وعدم معرفة كيفية التعامل مع الآخر وعدم احترامه، وهذا الجهل قد يكون من الطرفين (المرأة والمُعنِّف لها)، فجهل المرأة بحقوقها وواجباتها من طرف، وجهل الآخر بهذه الحقوق من طرف ثانٍ مما قد يؤدي إلى التجاوز وتعدي الحدود".
وتضيف: "فضلا عن ذلك فإن من العوامل تدني المستوى الثقافي للأسر وللأفراد، والاختلاف الثقافي الكبير بين الزوجين بالأخص إذا كانت الزوجة هي الأعلى ثقافيا، مما يولّد التوتر وعدم التوازن لدى الزوج كردة فعل له، فيحاول تعويض هذا النقص باحثا عن المناسبات التي يمكن انتقاصها واستصغارها بالشتم أو الإهانة أو حتى الضرب وهناك أسباب تربوية".
وتؤكد الأخصائية فتحية أن الرجوع إلى القانون الإلهي والشريعة الإسلامية يعطي للمرأة كامل حقوقها وعزتها وكرامتها، أيضا وجوب تطبيق هذه القوانين الإسلامية من قبل المسؤولين كالحكومات والمؤسسات والمتصدين للأمور، ومعاقبة من يقوم بالعنف ضدها، كي تحس المرأة بالأمن والأمان وهي قابعة في قعر دارها، أو عاملة في محل عملها، أو ماشية في طرقات بلدتها. أيضا التوعية الاجتماعية سواء كان ذلك في المجتمع الأنثوي أم في المجتمع العام، إذ لا بُد من معرفة المرأة لحقوقها، وكيفية الدفاع عنها، وإيصال صوت مظلوميتها إلى العالم بواسطة كافة وسائل الإعلام، وعدم التسامح والتهاون والسكوت في سلب هذه الحقوق، وصناعة كيان واعٍ ومستقل لوجودها، ومن طرف آخر نشر هذه التوعية في المجتمع الذكوري أيضا، عبر نشر ثقافة احترام وتقدير المرأة التي تشكل نصف المجتمع بل غالبيته".
** كلمة أخيرة
مشوار علاج العنف ما زال في بداياته، حتى تتغير العقلية والرؤية العامة تجاه المرأة، وتصبح المرأة إنسانا ذا كيان، وذا اعتبار ثابت لا يمكن في أي وقت التنازل عن حقوقه والتضحية عن مكتسباته، وإن أهم التحديات التي تواجه وقاية المرأة من العنف وتهددها هو الفرق بين ما يقال وبين ما يمارس، فهناك كلام كثير يقال عن المرأة، لكن ما يمارس يختلف ويتناقض عمّا يقال، فمن المهم إذن أن يتطابق القول والممارسة في معاملة المرأة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.