ما بنيناه من قدرات عسكرية خلال أكثر من خمسة عقود زمنية على حساب متطلباتنا المعيشية الأساسية والضرورية وعلى حساب بُنيتنا الاقتصادية والتنموية، دُمر خلال ساعات بفعل ضربات التحالف الخليجي الأمريكي لمطاراتنا ولدفاعاتنا الجوية ولراداراتنا ولأهم ألويتنا ومواقعنا العسكرية. كل هذا جرى أمام أعيننا لحظة متابعتنا لهذه الهجمة الشرسة والكارثية دون قدرتنا على التصدي لها أو إنقاذ ما يمكننا انقاذه. هي حسرة في القلب وغصة في الحلق حين لا يملك المرء وهو يرى بأم عينيه ما آلت إليه مؤسسته العسكرية غير القاء نظرة على ما بناه وما ادخره من قدرات ردع وهي في حالة احتراق لتتحول إلى مجرد حطام وإلى مجرد ركام من المواد الصدئة، هي حسرة في القلب وغصة في الحلق حين يرى المرء من كان يُعول عليهم الدفاع عن الوطن والذود عن سياجه ومكتسباته وهم في حالة ذهول وشرود من هول الصدمة ومما حل بهم وبوطنهم وشعبهم في ليل بهيم. السؤال هنا: لماذا كل هذا الإذلال، وهذا الانكسار الذي لحق بمؤسستنا العسكرية على هذا النحو غير المسبوق غير في نكسة حزيران عام 1967م حين صحا الشعب المصري في 6 يونيو من العام المشار إليه ليجد كل ما يتعلق ببنيته العسكرية وقد اضحت في خبر كان؟. ما تتعرض له أية مؤسسة عسكرية في أية دولة من دول العالم من تدمير بفعل عمل عسكري خارجي هو ناجم في الأساس عن تدمير مسبق لمعنويات هذه المؤسسة جراء سياسة داخلية خاطئة وقاتلة يوم أن عملت مثل هذه السياسات الغبية على حرف مسار هذه المؤسسة العسكرية عن خطها الوطني وعن عقيدتها القتالية إلى مسارات أخرى هي أقرب ما تكون لمسارات العصابات منها لمسارات الجيوش الوطنية التي تضع الأوطان في عمق ذاكرتها وفي نصب أعينها بل وفي قلبها النابض الذي لا يتوقف عن النبض غير عند الممات. ما يخلص إليه المرء عند تجربة مريرة كهذه التي يمر بها اليوم كل مواطن في هذا البلد هو أن جيشنا الجرار لم يكن في يوم من الأيام سوئ وهم ولربما مجرد سراب طالما أُعد على أسس غير وطنية وطالما حُصرت مهماته في مواجهة الداخل وفي حماية الحاكم وفي تنفيذ رغباته ونزواته سواءً عند تقديم العروض العسكرية أو عند قمع كل من يقف في وجهه وفي مواجهة عبثه وتسطله ونهب ثرواته وتبديد قدراته. لو أن بناء الجيش كان على أسس سليمة ووفق عقيدة وطنية لما كان قد قُسم في يوم من الأيام إلى جزئين: أحدهما يتبع علي صالح في ما كان يعرف بالحرس الجمهوري، فيما الآخر يتبع شريكه في الحكم علي محسن الأحمر في ما عرف بقوات الفرقة الأولى مدرع. لو أن بناء الجيش تم على أسس وطنية بحيث يكون ولائه لله وللوطن لما وجدنا قادة ألوية ومعسكرات ولاؤهم لأشخاص ولأحزاب ولمراكز قوى قبلية ولربما دينية، هذا التقاسم لألوية الجيش وهذا التصنيف الحزبي والأيدلوجي والقبلي لهذا القائد أو ذاك هو من أسقط هيبة هذه المؤسسة العسكرية وهو من مرغ أنف منتسبيها في الوحل. لو أن مؤسسة الجيش حُيدت عن الصراعات السياسية وعن النعرات القبلية والمذهبية والسلالية وعن الانتماءات المناطقية والحزبية وعن الفساد المالي والاداري الذي غزا هذه المؤسسة أكثر من غيرها من مؤسسات الدولة، لو أنها حُيدت عن كل هذه العوامل الخطرة على أدائها وعلى بقائها متماسكة لما جرى للبلد ما جرى من أحداث ومن مأسٍ ومن نكبات ولما وقعت هذه المؤسسة ذاتها في كثير من المحظورات التي اوصلتها إلى هذا المصير المأساوي الذي تعيشه اليوم. لو أن المؤسسة العسكرية كان بناؤها وطنياً لكانت صمام آمان لهذا البلد وأهله من أية مؤامرات أو اختراقات أو مخططات ترمي إلى جره نحو مستنقع كهذا المستنقع الواقع فيه اليوم... لو كانت مؤسسة وطنية لما خاضت 6 حروب في صعدة كانت بمجملها حروب عبثية وهمجية ومدمرة لم تجني منها غير الوهن وغير الانهاك وغير التشرذم دون معرفة قادتها أو جنودها حتى اللحظة للأسباب الحقيقية من وراء تلك الحروب التي لم تحقق شيئاً غير الدمار وغير الأحقاد وغير الثأرات التي نشهدها اليوم في طول الوطن وعرضه. لو كانت المؤسسة العسكرية مؤسسة وطنية لا مؤسسة أشخاص وأسر وعوائل لما سقط موقع عسكري من مواقعها في يد جماعة مسلحة ولما تهاوت مدن ومحافظات في زمن قياسي كما تتهاوى الفراش على مواقد النار. لو أن المؤسسة العسكرية مؤسسة وطنية لما ظلت حتى اليوم تأتمر بأمر الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد أربع سنوات من تخليه عن السلطة في سابقة لم تعهدها المؤسسات العسكرية في العالم وعلى مر تاريخها. لو أن المؤسسة العسكرية مؤسسة وطنية يقودها أناس يستشعرون المسئولية الوطنية ويحترمون القسم العسكري الذي أقسموه ذات يوم لما صحونا فجر الخميس 26/3/2015م على نبأ تدمير أهم مقدراتنا العسكرية الأساسية منها والاستراتيجية من قِبل طيران التحالف الخليجي العربي الأميركي وكأننا دولة من دول جزر الموز لا دولة يقع على عاتق أجيالها سداد مديونية تربو على أكثر من سبعة مليارات دولار أميركي هي ديون مستحقة للخارج في مقابل صفقات التسليح الذي دُمر في غمضة عين وفي لحظة انشغال المؤسسة العسكرية بصراعات داخلية مكنت القادم من خارج سياج الوطن من أداء مهمته بكل هدوء وبكل أريحية. هكذا تُدمر امكانياتنا وقدراتنا أمام أعيننا دون قدرتنا على وقف هذا التدمير أو الحد من اندفاعه نحو هذه الغاية، الفعل الوحيد الذي حرصنا على استمرار أدائه ونحن نعيش هذه اللحظات الأكثر خطورة واستهدافاً لمقدراتنا وعوامل بقائنا هو اصرارنا على الاستمرار في التناحر وفي التناطح بغية تحقيق مكاسب هامشية في هذا الموقع الجغرافي أو ذاك فيما الوطن برمته يتعرض للدمار من خلال استهداف أهم ما فيه وهي البنية العسكرية التي تمثل محور ارتكاز هذا الوطن وعامل بقائه واستمراره، هذا الاستهداف الذي بات مزدوجاً سواءً من خلال الضربات الخارجية أو من خلال المواجهات الداخلية الدامية بين أبناء الوطن الواحد ممن يتعاركون اليوم في إطار مشهد هو أشبه ما يكون بعراك الطرشان وبعراك العميان!