ها هو الليل يزحف علينا انا هنا وأهلي وأحبتي هناك في البعيد .من شمال الكرة الارضيّة الى جنوبها ،تماما هي المسافة بيننا. الحرب تشعل نيرانها وتعلنها قطيعة بين من هم بالداخل وأهاليهم بالخارج. كيف الطريق إليكم احبتي؟عجزت وانا أقنعهم ان ياتون الي منذ ان بدأت أولى الرصاصات تنطلق تقول امي:لن اترك بيتي ينهب.ماذا يفيدك بيتك يا امي حين تهدد حياتك وحياة من تحتضنينهم ويحيطون بك كما تحيط أفراخ الحمام بأمها؟. حين كنت صغيرة كان حلم دائم يزور ليلي ،كنت احلم باني أطير فوق الجبال والأرض في مدينة طفولتي" صنعاء "كنت اتحاشا ان اضرب بأغصان الأشجار كانت هذه هي عقدتي العسيرة في الحلم ، وكنت اتحاشاها بصعوبة وأعلو دوما بسهولة فوق الجبال انتظر ان يطل الله علي من واحد منها ،لم تكن الجبال العالية عسيرة كما الشجر ليقيني ان الله يسكن كهوفها وانه من يمنحني القدرة على الطيران مثلما الطيور. كبرت وطرت الى شمال الارض وبعدت عن كهوف الله تركتها تحرس اهلي وأحبتي نقلت جزء من سلامها معي،لتظل صلتي بسلام اخر في مدينة عشقي التي تقافزت سيقاني النحيلة في حواريها وأزقتها وغيوله ببفرحة طفولتي وحريتها وشوقهاللحياة، بدون ان ادري وجدت نفسي أحلق فوق مدينتي،كنت اعبر فضاء ممتد له لون لم اعهده بين الألوان حتى القزحية منها ،تهيمن على ذهني اسماء الأماكن التي يسكنها احبتي وأهلي تملكني احساس قوي بسرعة الطيران وبأنني لو طرت اليهم في بيوتهم بيتا بيتا فسابعد عنهم الاخطار .كان الدخان يتصاعد مخترقا أسطح المنازل رائحته جميلة !لا ليست رائحة البارود بل عبير أشجار الطلح التي تٌشعل في التناوبر في ظهيرة صنعاء الدافئة طوال العام حتى في الأيام الشتوية منها،عربات الباعة تمر في الاسفل تتابع طيراني وتلاحقه او أحلق فوقها وهي ساكنة استمع لأصوات أصحابها تعلو بسمفونية متناسقة لحنها منتاغم حتى وطيراني -البرعي ...اشبع ياجاوع -يابطاط ياحالييييي . سكر .سكر بينما كن بائعات الملوج والخبز واللحوح يقرفصن ململمات ستائرهن الملونة بين ارجلهن ومتاهبات لتلبية طلبات اي من المتحلقين حولهن بحذاقة حرفية سريعة،بينما تتراكض الشابات منهن خلف سائقي السيارات لاقتناص الزبون بسرعة البائع المحترف الذي لاصبر له على انتظار المشتري الى ان يأتي بل يقصرن الوقت لبيع حصيلتهن من الخبز بالسعي الى المشتري مباشرة. في الجوانب تقف سيارات الهيلوكس المكشوفة تحمل في أحشاء لفائفها أعشاب القات الملفوفة بقماش اسود لونه الأبيض من فعل الاغبرة وكثرة الاستعمال.تتلامع اوراق القات مابين الخضرة الصافية واللون البني ومن زوايا صغيرة بنيت كدكاكين يتحلق الناس حول باعة قات ايضا أظنهم باعة اكثر ترفا ممن يبيعون داخل السيارات.صرخ احد الباعة قريبا من سمعي مما جعلني اتنبه انني غفوت امام اخبار الحرب على مدينتي راسي مسنود على المخدة والابتوب امامي اتابع منه القنوات الإخبارية ،ياالهي كيف يقومون بتدريب مذيعي تلك القنوات على الزعيق وعرض الخبر كانهم يدللون لبضاعتهم انها الحرب لاتدع لي مجال للنوم او الحلم لكني غافلت النوم والحرب ورحلت اليهم احبتي اليها مدينتي ومعي سؤال يلاحقني كما تلاحقني أمنية الطيران الى صنعاء كي احرسها .هل ستسلم مدينتي؟.