هل تذكرون كيف كانت تعز الحاضن الشعبي ، والعسكري ، وقاعدة الإنطلاق لتحرير الجنوب في ستينات القرن الماضي؟ اربع سنوات كامله عايشت تعز حرب تحرير عدن لحظة بلحظه ، تفاعلت معها ، كرست جهدها وامكانياتها لدعمها ، اقامت المهرجانات لنصرتها ، عبئت اعلامها المسموع والمكتوب للدفاع عن قضيتها ، اعتبرت حرب التحرير حربها ، واليها تدفق الآلاف من المقاتلين الجنوبيين ، لم تضج بالشكوى يوما من وجودهم في شوارعها بأسلحتهم وهي المدينة المسالمة التي تقاوم حمل السلاح ، لم نسمع يوما انها تبرمت من وجودهم ، ولم نسمع يوما انها تعصبت لأبناء تعز عندما كانت تحدث خلافات بينهم وبين الجنوبيين ، فقد اعتبرت الجنوبيين ابناءها ايضا. اذكر هنا حكاية قاسم الشجاع من رجال حرب التحريرالذين تواجدوا في تعز ذلك الوقت ، كان يعاني من حالة نفسيه معقده وكان رفاقه يسمونه قاسم المجنون ، خرج يوما الى الباب الكبير لشراء مقطب (معوز) ، دخل المحل وطلب من عامل المحل ان يريه عينه من المقاطب ، انزل له العامل المقاطب الواحد تلو الآخر ، كل المقاطب انزلها العامل ولم يعجب قاسم اياً منها ، قال له العامل "الظاهر انك مش حق شراء" ، ثم جمع مقاطبه وادار ظهره ليعيد ترتيبها على الرفوف ، اعتبر قاسم المجنون ان كلمة العامل وتصرفه اهانة لا تغتفر ، فما كان منه الا ان اخرج جنبيته وطعن بها العامل حتى غاب نصلها في ظهره ، فكيف تصرف ابناء تعز الذي يحتضنون هؤلاء المحاربين في مدينتهم وبعضهم مجانين رسمي ؟ كل الذي عملوه انهم قبضوا على قاسم وسلموه لقسم الشرطة القريب من المحل ، واسعفوا العامل الى المستشفى ، لم يتعصبوا للعامل التعزي رغم انه مُعتدى عليه ، لم يثيروا البلبله حول الأضرار التي تلحق بهم جراء تواجد الجنوبيين بجنابيهم واسلحتهم ، لم يخرجوا بمظاهرة للمطالبه باخراج المسلحين الجنوبيين من المدينة غير المسلحة ، تعاملوا مع الموقف كقضية شخصية بين اثنين من أبناء تعز ، وتركوا الأمر للقانون يأخذ مجراه في القضية . كتب الله السلامة للعامل ، وبعد خروجه من المستشفى ذهب بنفسه الى السجن واخرج قاسم منه ، اصطلح الإثنان ، العامل لا يزال حي يرزق ، اما قاسم ففي ذمة الله . والآن يا اهلنا في الجنوب .. ليس مطلوب منكم ان تعملوا لتعز اكثر مما عملت تعز لكم ، هم لا يريدون رجالكم لتحرير مدينتهم ومحافظتهم فلديهم من الرجال ما يكفي ويزيد ، ولكن المطلوب ان تكونوا لهم سنداً وظهرا ، قاعدة دعم لوجستي بالسلاح والمال ، مؤازرتهم بالدعم المعنوي الذي لا غنى عنه فالإنكسار النفسي هو المقدمة التي تسبق الانكسار في ساحات القتال ، يريدونكم الى جوارهم ومن خلفهم تشدون ازرهم ، وتجعلون من عدن حاضنا لمقاومتهم كما كانت تعز حاضنا لكفاحكم قبل خمسين عام . المرؤة والشهامة والنخوة تدعوكم لإتخاذ هذا الموقف وانتم اهل مرؤة وشهامة ونخوه ، ومع ذلك فما يفرض عليكم مساندة ومؤازرة تعز ليس القيم الأخلاقيه وحدها وهي مهمة ... بل هناك ما هو اهم ... المصلحة . فأين تكمن مصلحة الجنوب في نصرة تعز ؟ في حرب التحريرعندما ساندت تعز الجنوب كانت مساندتها مُبرأه من اي غرض او هدف الا تحرير عدن فقط ، اي ان تعز لم تكن لتخسر شيئاً لو قدر لعدن ان لا تتحرر من المستعمر البريطاني فلم يكن لبريطانيا اطماع في تعز اصلاً ، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لعدن اليوم ، فانكسار تعز يفتح الباب على تهديد مباشر وجدّي وخطير على عدن نفسها . هذا يعني ان تحقيق النصر في تعز هو في الواقع تحصين للنصر في عدن ، المعركة واحده ، والعدو واحد ، وكسره في تعز مصلحة حيوية لعدن قبل ان تكون لتعز . لذلك فان تصريحات بعض القيادات الجنوبية عن ان الجنوب حقق اهدافه بتحرير عدن وارض الجنوب وان لا علاقة لهم بما يجري في الشمال ، لا يصدر الا عن عقول فارغه ، وقاصرة ، ولا ترى ابعد من اقدامها . هم لا يعرفون ان الرؤى والمواقف الإسترتيجية هي التي تحمي الإنتصارات ، وقصر النظر هو اقصر الطرق لخسارة المكاسب التي تحققت حتى الان . والرؤية الإستراتيجيه تقول ان تعز هو خط الدفاع الاول عن عدن ، وصعده هو خط دفاعها الأخير.