إن المتابع لسير العمليات العسكريه على الأرض وما يجري في أروقة السياسه ومواقف اللاعبين الكبار وعلى وجه الخصوص أمريكا وروسيا, سيعرف بأن مفاتيح القرار في الشرق الأوسط باتت بيد واشنطن وموسكو, والتي تدل المؤشرات بإن البلدان أتفقان على أن يترك ملف سوريا لروسيا وحليفتها إيران, وملف اليمنلأمريكا وحليفتها السعوديه, بمعنى دمشق مقابل صنعاء. فبعد فشل الخيار العسكري في اليمن, الذي قام به التحالف العربي بقيادة السعوديه. إستغلت إيران وخصومها المزعومين غربيا فشل الخيار العسكري في اليمن نحو الدفع لمفاوضات تؤدي للإتفاق على مخرجات توافقيه. تضمن بقاء مليشيات الحوثي كطرف فاعل وأساسي في صياغة وإدارة المستقبل السياسي لليمن .فوزير الخارجيه البريطاني فيليب هاموند يصرح, قبل أيام أن التحالف العربي بقيادة السعوديه أنتهى من تحقيق أهدافه العسكريه وآن الأوان للدخول في الحل السياسي .مما يوحي بإن التدخل العسكري العربي بقيادة السعوديه في اليمن جاء لأسباب تتعلق بالأمن القومي الخليجي, وحماية الملاحه العالميه في باب المندب. حيث تدل المؤشرات على العوده إلى الخيار السياسي, وإتاحة الفرصه لليمنيين من جديد لحل مشاكلهم بأنفسهم. عن طريق الحوار وبإشراف مباشر من الاممالمتحده, وإرسال قوات دوليه لحفظ السلام في اليمن. فالتمرد المسلح والحرب الطائفيه والمذهبيه للمليشيات تمزق النسيج الأجتماعي وتؤسس لكارثه إنسانيه وشيكه. حيث تعيش اليمن حالة اللا حرب واللا سلم على وقع أزمات عديدة في ظل عدم وجود سلطة موحدة للدولة, وعدم قدرة المؤسسات الحاليه على إدارة شؤن البلاد بأسلوب رشيد, يمكن أن ينهي حالة اللا حرب واللا سلم الذي تعيشه اليمن حاليا, ما يمكن أن يحول اليمن إلى صومال جديد, نتيجة التناحر القبلي والجهوي والمذهبي والطائفي, وتحقق الاحلام الانفصاليه,وإنتشار الإرهاب والتهريب والسلاح,وكلها مؤشرات على خطورة الأوضاع وتعدد جوانب الأزمة .مع التأكيد بأنّ تعقًد الصراع الدائر هو نتيجة تضافر عوامل قبليه وجهويه ومذهبيه,مع صور تنافس, وتصفية ثارات قديمه ظلت كامنه لعقود, على كرسي الحكم وعلى قسمة الموارد ( الغنائم) بين ركني النظام السابق, مع عدم إغفال حالة التهميش الأقتصادي والسياسي الذي تعرضت له مناطق الجنوب التي يوجد فيها الشق الأكبر من المصادر النفطيه, وكذلك التهميش الأقتصادي والسياسي التي تعرضت له الطائفه الزيديه والحروب السته الذي شنها النظام السابق على صعدة,بالأضافه إلى أزمة الأسلام السياسي بشقيه الشيعي ( الحوثي) والسني ( حزب الأصلاح) .وهنا, لابد من الأشاره إلى إستعصاءات الأزمة اليمنيه التي تحول دون الأتفاق على مساومه سياسيه حول نظام حكم يتيح إدارة البلاد بصوره طبيعيه, من أهمها سيطرة مليشيات الحوثي وصالح على السلطه في العاصمه صنعاء, وسيطرة المقاومه الجنوبيه المسنوده من دول التحالف العربي بقيادة السعوديه على مناطق الجنوب, ناهيك عن الصراع الدائر بين المقاومه الشعبيه المدعومه من حزب الأصلاح والمسنوده من التحالف, وبين مليشيات الحوثي وصالح في مارب وتعز, والتي كل منها يهتم بناحيته ويحتفظ بأولويات محليه, وكذلك تعدد الجماعات المسلحه, والتي حولت اليمن إلى فضاء واسع من الفوضى وغياب الأمن والقانون. حيث تنتشر في الواقع كثير من الجماعات المقاتله في اليمن, مثل القاعدة, وأنصار الشريعه, وداعش, وهي من أكبر التحديات للحكومات المتعاقبه منذو عام 2011 ,وتشكل بالنسبه لاية سلطة في المستقبل عائقا كبيرا امام ممارسة مهام الحكم على وجهها الحقيقي. فقد أوجدت هذه الجماعات مصالح ماديه وتحالفات سياسيه في السابق, وزادت في السنوات الأربع من وجودها, فقد تجذرت في المجتمع وداخل المؤسسات, وصارت تملي الأوامر وتطاع. وفي المقابل أنقصت كثيرا من هيبة مؤسسات الدوله القديمه والناشئه, وقللت من قيمتها أمام اليمنيين والعالم, وحولتها إلى مجرد هياكل بلا قدرة .وفي المقابل لم يتمكن اليمنيون من إنتاج طبقه سياسيه جديدة, تستطيع أن تعيد بناء الدوله اليمنيه الحديثه على أسس جديدة, تتجاوز كل السلبيات التي تعرضت لها هذه الدوله في سياق حكم أستمر أزيد من 33 عام. ولعل أسباب عدم القدره على إنجاز تلك المهمه كثيره ومتعدده, منها التدخلات الخارجيه, صراع أجنحة العنف في النظام السابق والتي لازالت تتحكم في الشأن اليمني لانها تملك المال والسلاح وكل صفات المراوغه وإقصاء الاخر والتي لديها نفوذ كبير داخل المجتمع اليمني, وكذلك قلة الموارد الاقتصاديه في البلاد. لهذا فإن توحيد الجهود بين دول التحالف العربي بقيادة السعوديه, والدول الراعيه للحوار اليمني, بمن فيها مبعوث الاممالمتحده إلى اليمن, من شأنه أن يسهم في التأثير بطريقه إيجابيه في مختلف الأطراف المؤمنه بأهمية الحوار, من أجل التوصل إلى حل سياسي للصراع حول السلطه. خصوصا بعد أن تمكنت السعوديه من تدمير القوة العسكريه والسلاح الذي سيطرت عليه مليشيات الحوثي وصالح. لان في الواقع, ليس في وسع أي من الأطراف في اليمن تحقيق أنتصار بقوة السلاح, وقد بدأت دول العالم تعترف بهذه الحقيقه, وكذلك العاقلون من بين صنّاع القرار في دول الجوار. فإما أن يستمر حال اللا حرب واللا سلم, وتعطيل الدوله في اليمن, ما يعني حربا أهليه مستمره بوتيره منخفضه, لن تلبث أن تتحول إلى حرب شامله في لحظه ما يصعب تحديدها, أو يتم التوصل إلى تسويه.المهم, حاليا, تأسيس نظام يمنع عودة الأستبداد, ويضمن حقوق المواطنه المتساويه في السلطه والثروه والحريات والتعدديه السياسيه, ويحارب القوى المتطرفه التي ترفض الأعتراف بها. ان معالجة الموضوع اليمني يجب أن يكون من خلال قراءه موضوعيه لخارطة القوى السياسيه والاجتماعية فيه بحيث ان تأخذ هذه القراءه الموضوعية في حسبانها التمثيل المتكافئ والمتوازن لخارطة الديمغرافيه اليمنيه التي تمثل فهم خارطتها أحد مفاتيح الحل في اليمن. فاليمن بحاجه إلى ظهور إرادة وطنيه حقيقيه, لا تنطلق من مسلمة منتصر ومهزوم, بل من منطق الشراكه في بناء الوطن للجميع وبالجميع, وبتأسيس خطوات فعليه في الأنصاف والمصالحه الوطنيه والعداله الأنتقاليه...