ما من أحد عايش فترة التشطير التي امتدت الى ما يقارب الربع قرن من الزمن إلا ويبصم بالعشر على انها كانت الفترة الأكثر سوءا طالما شاهد فيها المواطن في الشمال وفي الجنوب نجوم الليل في عز الظهر خاصة عند اللحظة التي كان يفكر فيها مواطن الشمال بزيارة اهله واقاربه في الجنوب أو يفكر فيها مواطن الجنوب بزيارة اهله واقاربه في الشمال. السفر الى ابعد مكان في الأرض أو الى كوكب آخر ربما كان أسهل وأهون بكثير من اجتياز تماس الحدود المصطنعة بين الشطرين طالما كثير ممن نجحوا في العبور الى كل من ضفتي الوطن بعد موافقة مسبقة من الجهات الأمنية والاستخباراتية عادوا الى مقرات هذه الجهات للتحقيق والحجز بتهمة التخابر مع الجهة التي قدموا منها. من يتوقف عند محطات الإحتراب بين الشمال والجنوب وتفرغ السلطات في كل منها للتآمر على الاخر ولزعزعة امنه واستقراره وتوظيف كل الموارد والامكانيات للتسلح تحسباً لأي مواجهات محتملة ... من يتوقف عند هذا التاريخ سيدرك بما لا يدع مجالاً للشك كم كان التشطير معضلة وآفة على الوطن المشطر وكم كان خطراً للغاية طالما كان يتهدد حاضر ومستقبل المواطن في الشمال وفي الجنوب على السواء. إذا كنا قد دفعنا اثمانا باهظة في إطار تصفية الحسابات بين سلطتين ربما كانتا تتحرك بمعزل عن أية اجندات أو أطماع خارجية فكيف سيكون حالنا اليوم إذا وقعنا في فخ التشطير من جديد في ظل كثرة اللاعبين في ساحتنا الوطنية كباراً وصغاراً وعلى اختلاف هوياتهم ومآربهم وفي ظل تعدد القوى المحلية وتباين وجهاتهم وطموحاتهم سيما القوى التي لا تجد حرجاً في اشهار تبعيتها للغير وفي انضوائها تحت مظلة مشاريعهم الصغيرة التي باتت واضحة اليوم للجميع في مناطق الجنوب. تشطير الوطن في عام 1967م لم تصنعه الإرادة الشعبية او العوامل الخارجية بقدر ما فرضته ظروف الشمال يومها حين كان النظام الجمهوري مهدداً بالسقوط إبان حصار القوى الملكية لصنعاء الامر الذي دفع بسلطات الشمال لأن تركز على شأنها ومصير ثورتها وألا تعترض على واقعة الاستقلال. لقد كان الشمال يومها منشغلاً بالدفاع عن العاصمة وعن كيانه السياسي بينما كان الجنوب مندفعاً نحو تحقيق حلمه في الاستقلال من الاستعمار وبرغم هذا وذاك فقد ظل حلم الوحدة هو القاسم المشترك بين كل اليمنيين شمالا ً وجنوباً إلى أن تحقق هذا الحلم في 22 مايو من عام 1990م. التشطير وما إدراك ما التشطير... التشطير لمن يستسهل هذا الامر معناه الذهاب الى الجحيم طالما لن يشهد الوطن خلاله حروبا بين سلطتين كما جرى في السابق وانما التحاماً دمويا مخيفاً بين أبناء الوطن الواحد وبالأخص بين أبناء الجنوب. حلم البعض بإمكانية التشطير من جديد سيجر الجنوب بالذات الى مواجهات غير محمودة العواقب سيما بعد أن تنبه الجنوبيون مؤخراً لمخاطر هذا المشروع ولأبعاده الخارجية الرامية الى وضع الجنوب مرة أخرى تحت الوصاية بغرض الاستحواذ على مقدراته وإمكانياته تحت يافطات ومسميات لم تعد تنطلي على أحدٍ في الجنوب. مخرج الشمال والجنوب من انفاقهما وافخاخهما المشتركة لن يتأتى غير بالتمسك بخيار الوحدة كمنجز يصعب تحقيقه مرة أخرى إذ كل ما هو طافٍ اليوم على السطح يمكن تخطيه وبأثمان هي الأقل كلفة مقارنة بكلفة التضحية بهذا المنجز التاريخي العظيم. التشطير لمن لم يدرك حتى اللحظة مخاطره هو باختصار الانتحار بعينه , ليس انتحار شخصاً او جماعة بعينها وإنما انتحار شعب برمته وتمزيق وطن بعد أن ما صدقنا وصدق العالم أنه التحم والتأم بمعجزة ربما لن تتكرر مرة أخرى إذا ما شُطر من جديد. .... لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet