إن الحديث عن الراتب اليوم هو حديث في جوهر المسألة السياسية في أبعادها الاجتماعية والوطنية والإنسانية، بعد أن غدا الراتب والسياسة الحقيقية أمران مصادران، حيث الراتب مُصادر لأكثر من سنة وثمانية أشهر ، بعد أن استبدل الحديث عن السياسة الواقعية في أبعادها الوطنية ، بحديث مكرور وميت عن سياسة شعارية مستعارة ، يبدو أن الحديث حولها "سوريالي"و " فنتازي" ، لانعدام شروط البحث حول المقدمات والأسباب ، وبدون رؤى سياسية وخطوات عملية اجرائية ملموسة ، تقود إلى إنتاج حلول قابلة للصرف على الأرض ، حول كل ما يجري اليوم بما فيه سؤال السلام . ومن هنا، ولاعتبارات عديدة سياسية واجتماعية واخلاقية وإنسانية ، أهمية وضرورة إعادة انتاج خطاب الراتب ، وحق الناس فيه باعتبار الراتب حياة ، الراتب كقضية سياسية وطنية ، بعد أن عم الجوع واستطال ، وصار يفرش ظله الكئيب على كل الجغرافيا، والديمغرافيا الوطنية، شمالاً، وجنوباً. والمسؤولية - بدرجات متفاوتة- تقع كما يتجلى ويتمظهر في وعي وتفكير الانسان العادي ، على الشرعية، وعلى الانقلاب، وعلى ذلك نشهد ما يمكن تسميته بحالة انقسام اجتماعي، ووطني، حول قضايا سياسية عديدة ، وبالتحديد : أيهما له الأولوية ، قضية الراتب ، أم شعار السلام ، بعد إفراغه من مضمونه ومن أبعاده ودلالاته السياسية و الوطنية . نؤكد على ذلك بعد أن تحول السلام في خطابات البعض إلى أيديولوجية مصمتة لا تقول شيئاً جدي حول ما يجري ، ولا حول قضية السلام ، ناهيك عن قضية الراتب الذي يطال حياة الملايين ، وهي قضايا ومشاكل وتحديات قسمت المجتمع إلى فسطاطين متصارعين : شرعية ، وسلطة أمر واقع (انقلاب) تتجلى اليوم في حال انقسام اجتماعي وسياسي أفرزته الحرب وخلفياتها السياسية والأيديولوجية ، في أرديتها المختلفة ما قبل الوطنية ، (المذهبية / الطائفية / القبلية / الجهوية) كما هي في عقل ووجدان البعض. هذا ، مع العلم أن حالة الجوع تطال وتمس الناس في الجانبين في الصميم، ولكن يبقى هذا الانقسام السياسي ، الذي قطعا تتحكم به وتحدد اتجاهاته، شروطه ،وأسبابه ، عوامل عديدة مختلفة، قد تكون مصالح قطاعات واسعة منهم في الواقع لها اساس موضوعي ومادي واحد يجمعهما ، ولكن ما يفرقهم أو يجعل انقسامهم حاد ومختلف في الموقف ، والموقع،هي نقطة الانطلاق السياسية الخطأ .. حيث يلعب الشغل السلبي ، على المذهبية، والطائفية، والجهوية، والمناطقية، والسلالية، وغيرها دوراً يوسع من عدم تلاقي وتوحد الناس مع مصالحهم الواقعية، والتاريخية، وهي لعبة الانظمة المستبدة في التاريخ لتأبيد حكمها ونظامها ضداً على مصالح الناس، والمجتمع، اصحاب المصلحة في التغيير. إن شعار السلام مع تعميم الجوع الذي تحول إلى حالة مجاعة متنقلة أمران لا يلتقيان ، فالسلام ليس نقيضاً ونفياً خلاقا للحرب فحسب ، بل هو هدف إنساني لا يستقيم مع الموافقة أو السكوت على جعل المجاعة نظام حياة تطال معنى بقاء الملايين على قيد الحياة . وجزء كبير من هذه المجاعة وحالة انعدام السلام عائدة قطعاً إلى مصادرة الراتب عن الملايين لما يقارب السنة وثمانية أشهر .. مجاعة تقول نريد سلاماً يبدأ من حقنا في الراتب ، سلاماً يوقف تمدد المجاعة إلى كل المناطق والحواري والمنازل . كنا نكتب وما نزال بلسان عربي مبين وعلناً وفي قمة مجدد وهيلمان علي عبدالله صالح ، من أننا ضد حرب صعدة ، وضد تمريرها بأنها حرب "وطنية" ، وقلنا ذلك صراحة وفي كتابات مشهودة وموثقة في كتب يحفظها أرشيف المكتبات اليمنية العامة والخاصة ، وكنت شخصياً قد تواصلت مع الأخ محمد عبدالسلام ممثل الحوثيين في العام 2005م للحصول منه على معلومات وتفاصيل حول حقيقة ما يجري لأخذ صورة شاملة من كل الأطراف ، وكان واسطة ذلك التواصل من خلال الأستاذ / محمد محمد المقالح . في ذلك الحين كان هناك من يشتغل "شاقي" ، إعلامياً ، وسياسياً في تمجيد صورة علي عبدالله صالح ، بطل القتل، والحروب في كل الأزمات ، مقابل المال شغل واشتغال بكل القيم السامية مقابل من يدفع اكثر .. نحن رجال السلام الحقيقيون في كل الأوقات وفي مواجهة كل الطغاة، وليس دعاته الزائفين الذين يشتغلون بالقطعة مع "السلاطين" في كل العصور . ومن هنا حديثنا عن السلام ، وعن الراتب ، باعتبار مصادرته هو الوجه الحقيقي للحرب ، وللمجاعة / القائمة ، التي تحصد من أرواح اليمنيين أكثر مما تحصده الحرب الميدانية ، أو على الأقل ما يقابلها أو يعادلها من الموت . إن مصادرة الراتب هو الحرب العلنية ، وهو الوجه الآخر للقتل ، وللمجاعة ، ومن هنا حديثنا المتكرر والدائم عن الراتب باعتباره حياة. إن الجوع لوحده، وبحد ذاته، لا يقود تلقائيا، ومباشرة إلى الرفض الواعي، ولا إلى الرفض السياسي، وإلى التغيير.. ففي ظروف وشروط اجتماعية، وسياسية، وثقافية مأزومة / ومتخلفة ، وفي ظل نظام تتحكم بمفاصل بنيته العميقة، القوى السياسية والاجتماعية التقليدية ، وتهيمن كلية على الإعلام ، وتشتغل فيها إيديولوجية النظام القديم / الجديد بما يكرس ويعيد انتاج ما كان .. لأن الجديد ، لم يتبلور معبراً عن نفسه ، والقديم لم يتوار ولم يغب ، ما يزال بكامل هيئته قائماً وموزعاً على الطرفين بهذه الدرجة أو تلك ، أقصد موزعاً على الشرعية / والانقلاب ، وإن في أشكال وصور جديدة ، وهي واحدة من إشكالات التقدم والتغيير في بلادنا اليوم. ومن هنا شغل وعزف النظام الانقلابي على نغمة " العدو الخارجي" ، حيث ترتفع وتصدح فيه ايقاعات أناشيد وزوامل" الايديولوجية الوطنية"، والدفاع عن الوطن، ضدا على المصالح الواقعية والحقيقية، والتاريخية للناس. إن الجوع ومصادرة ونهب الراتب يمكن أن يقود ، في هكذا واقع ووضع، إلى عكس وضد مصالح أصحاب الحقوق بالراتب،لأن هناك فارقاً بين الجوع كحالة مادية، اجتماعية، مجردة، وبين الجوع،والجوعى في حالة وعي ايديولوجي / سياسي مرتب ومنظم، ومتحزب. ، يقود الجوع دائما أو غالبا للفوضى والإعمال والمواقف والسلوكيات العدمية(تدمير المجتمع، واصطراعه ضد بعضه البعض) في صورة مجرمين، وبلاطجة،أو" شبّيحه"، أو جماعات الفوضى المنظمة، وغير المنظمة، أو تقود كذلك إلى اصطفافات سياسية واجتماعية لا تعكس المصالح الحقيقية للناس حيث توظف حركة وفعل ، وغضب الجوعى، ضدا على مصالحهم في الاصلاح، والتغيير،في واقع تصل فيه نسبة الامية في الريف إلى اكثر من75% ، 80% ، وفي واقع تدني التعليم، والثقافة العامة بمعنى الوطن، والوطنية، خاصة في واقع الحرب الجارية التي قسمت وفتت النسيج الاجتماعي، ودمرت القيمة الوطنية العامة. فحين تتناقض ، المصلحة مع المعرفة، تنتج وتتولد ذاتيا، وموضوعيا، الخرافة، ويكون الجهل سيد الموقف، ويصبح الجهل وانعدام الوعي بالمصلحة، أساساً للوقوف ضدها. ومن هنا وقوف قطاع واسع من الجوعى أصحاب المصلحة بالحصول على الخبز(الراتب)، وفي ظروف، وشروط عديدة، ضدا على مصالحهم الواقعية والتاريخية ، أي أنهم يخونون طبقاتهم ومصالحهم . فلا نراهن اليوم على الجوع المجرد، واشتداد قسوته ،على واقع حياة الناس.. المهم كيف نحول الجوع من خلال حالة التذمر واتساع رقعته،إلى كتلة اجتماعية سياسية واعية مدركة جذر مصلحتها الواقعية والتاريخية ، حتى لا ينقسم الجائعون على انفسهم في حالة اصطراع ضد بعضهم البعض، وموشرات بعض ذلك قائمة في ما يجري اليوم، خاصة مع اشتغال البعض على نغمة "الأيدلوجيه الوطنيه"، وبعض الشعارات السياسية المكرسة للاستهلاك المحلي ، كبراءة ذمة عند البعض ، أو شغل سياسي على مستوى أكبر يتقاطع مع مصالح بعض الممولين الإقليمين و الدوليين وخاصة في واقع ضعف دور المكونات السياسية ، وتحديداً قياداتها التي استقالت لأسباب ذاتية خاصة بها عن دورها ، ومعهم منظمات المجتمع المدني ، وفي ظل ضعف بل وغياب اي دور اعلامي سياسي ووطني حقيقي مضاد لكل ذلك. إن شروط ثورة الجوع قد تتحول، في غياب العمل السياسي الواعي والدور الفاعل للمكونات السياسيه، إلى" ثورةحرامية" ، مع الاعتذار للشعب المصري على اطلاق صاحب "مبادرة السلام" –السادات سيء الصيت - هذا التعبير على ثورتهم المجيدة ضده في 18/19 يناير 1978م ، وكما يطلق البعض اليوم على من يطالبون بالراتب ، من أنهم طابور خامس لصالح "العدوان العشري" ، وفقا لإعلان واعلام الزوامل. إن غياب الدور السياسي الناظم والمنظم للموقف/ من مصادرة الراتب،هي اليوم القضية السياسية الأولى الغائبة في إعلام الجميع ، وأخص بالذكر ، قيادة المكونات السياسية والنخب الثقافية. إن المزاج الشعبي يتحرك يوما عن يوم ضد الواقع القائم سياسياً (شمالاً وجنوباً) وهذا صحيح بهذه الدرجة أو تلك ، ولكنه كذلك منقسم بموقفه الرافض لموقفي الشرعية، والانقلاب من قضية شعار السلام ، والراتب ، ومن قضايا إشكالية عديدة ، ومنها الموقف من التحالف الداعم للشرعية في محاولاته الحلول بديلاً عن الشرعية اليمنية ، وهذا ما يحسه ويشعر به الانسان العادي . ومن هنا تراجع قضية الراتب في العقل والممارسة السياسية عند الجميع ، وتحديداً عمن يديرون أمور السياسية والمال والاقتصاد المدمر في كل من صنعاءوعدن . والأخطر ، أن قضية الراتب ليس لها مكان في خطاب قيادات المكونات السياسية ، والنخب الثقافية ، على أهمية وحساسية هذه القضية السياسية والوطنية . نؤكد على ذلك حتى لا تتحول حالة الجوع المنتشرة على كل الجغرافية الوطنية الى حالة ارتكاسة اجتماعية ، وحالة يأس وإحباط، وفوضى عامة . من المهم حضور الدور السياسي الناظم والموجه لتحويل الجوع الاجتماعي الاقتصادي ، إلى حالة وعي سياسي /فكري(اجتماعي / وطني) ، أي إلى موقف سياسي مدرك لمصلحته الواقعية والتاريخية . وهنا تكون الطريق للدعوة للإصلاح والتغيير والسلام مفهومة ومعبدة، وهنا –كذلك- يبرز ويكون دور المكونات السياسية في تحويل قضية مصادرة الراتب إلى قضية سياسية ،ووطنية عامة لا تفرق بين البنك المركزي في صنعاء ، أو عدن . وهنا لا صباح ولا سراب سلام زائف على ومع مصادرة الراتب لا أكثر من سنة وثمانية أشهر