تحل الذكرى السنوية الأولى لرحيل الزميل والصديق والأخ العزيز عرفات مدابش . وهي ذكرى موغلة في الحزن والكرب والألم ، بقدر ما كان الرحيل موغلاً في الصدمة والفجيعة الفادحة . ولا زلت أتذّكر تلك اللحظة ( أوائل العام 1995 ونحن نستأنف نشاطنا في جريدة " الثوري " بعد حرب صيف 994 1الغاشمة ) التي جاءني فيها صديقي ورفيقي وأستاذي عبدالباري طاهر وبرفقته شاب نحيل ، معرّفاً بأنه شاب من أبناء الحديدة ، لديه عشق جامح للصحافة ، طالباً مني أن أقوم بتدريبه على الأداء الصحافي . نظرت الى الشاب - الذي لم يكن سوى عرفات مدابش - فوجدته برغم هزاله البدني ، يتمتع بنظرة عيون متلألئة توحي بذكاء فطري واضح ، عدا أن له ابتسامة جميلة تكشف عن سريرة أهل تهامة الطيبين واللماحين والأنقياء . منذ تلك اللحظة أرتبطت مع عرفات بعلاقة من نوع خاص ومتميز ، تجاوزت حالة الصحافي تحت التمرين الذي أشرف بحب وعناية على تأهيله المهني ، الى حالة الزمالة المشتركة ، ثم الصداقة الشخصية التي صارت صداقة عائلية ، وبمرور الأيام كانت تلك العلاقة تزداد قوة بسبب الروح الجميلة والأصيلة التي يتمتع بها هو . كنت متأكداً بعد شهور قليلة من عمله معي في جريدة " الثوري " أن مستقبلاً رائعاً ينتظر هذا الشاب في مجال مهنة الصحافة . وقد صدق حدسي ، فلم يمر عام حتى كان عرفات يحقق انجازات مذهلة في عمله ، برغم أن هذا النجاح توازى مع حالات تنكيل قمعية تعرض لها من أجهزة السلطة حينها ، ولكنها ضريبة الأمانة والمسؤولية والنزاهة في أداء الواجب المهني لكل صحافي صاحب موقف نبيل ومبدأ أصيل وقضية رفيعة . وبعد انتقالي الى جريدة " الوحدة " طلبت من عرفات أن يأتي معي للعمل الى جواري في تحرير الأخبار والتحقيقات واجراء المقابلات والاستطلاعات . وهنا أيضاً واصل نجاحاته المبهجة ، لاسيما بعد أن صار محرراً برلمانياً مميزاً بشهادة زملائه ومتابعيه على السواء . وهنا أيضاً أوجعت أعماله بعض مراكز البلاد في البلاد ، فلقيَ صنوفاً من القمع والاضطهاد الى حدّ منعه من دخول مبنى البرلمان ! كانت هذه النجاحات التي يحققها عرفات تباعاً ، والتي كنت فخوراً بها وبه جداً ، أغرت عدداً من الصحف العربية والدولية واحدى الاذاعات وبعض وكالات الأنباء ، باستقطابه للعمل معها ، فأشتغل مع بعضها ، حتى بعد أن أسَّس موقعه الاليكتروني الصحافي الخاص " التغيير " الذي حقق سمعة طيبة في الأوساط الاعلامية لجهة التزامه بشروط الأمانة والدقة والموضوعية التي يقوم على مداميكها كل أداء صحافي مهني بحق وحقيقة . خواطري ومواقفي وذكرياتي مع عرفات كثيرة جداً ، شخصية ومهنية وعامة ، غير أن فجاءة المناسبة التي داهمتني على حين غرَّة قيَّدت قلمي عن الاسترسال وذاكرتي عن الابحار وأشجاني عن التحليق بعيداً في الزمان والمكان والانسان والعلاقة الحميمة والمتميزة جداً التي ربطت بيننا لسنين طويلة .