تطل اليوم 13 نوفمبر الذكرى السنوية الأولى لرحيل الزميل والصديق الحميم الصحافي القدير عرفات جمالي مدابش ولاتزال صدمتنا بغيابه المباغت حاضرة كما لو كانت حدثت للتو .. تعود معرفتي بالراحل عرفات إلى منتصف التسعينات حينما كان محرراً في صحيفة (الثوري) وهو لايزال يكافح ليحجز له مكاناً بسيطاً ما لبث أن بات مرموقاً وبسرعة في عالم الصحافة ، فأخلاقه وتواضعه ومثابرته واجتهاده وتطويره لأدواته المهنية سرعان ما أحرقت المراحل أمام الشاب التهامي الحالم لتجمعنا دمشق 99م وقد بات مراسلاً لصحيفة الاتحاد الاماراتية . و في بداية الألفية فاجأني باتصاله من صنعاء لدعوتي للكتابة في موقع التغيير نت وهو في طور التأسيس كأول موقع إخباري يمني مستقل ، وكانت التجربة بالنسبة لي وللكثيرين أشبه بالمغامرة فمازالت الصحافة الالكترونية في ذلك الحين تقتحمنا أو نقتحمها على خجل ووجل والبعض لم يكن يمتلك بعد بريداً إلكترونياً ، ولكن الرؤية الاستشرافية للصحفي الطموح الراحل عرفات مدابش كانت ثاقبة فما لبث أن بات التغيير في صدارة مصادر الأخبار والمقالات والتقارير في اليمن وخارجها ومنصة للسبق الصحفي على أنواعه ملتزماً الدقة والموضوعية والعمل الاحترافي ، وأصبح الموقع على كل لسان وحديث الساعة في غضون أشهر قليلة دفعت بالكثيرين للالتحاق به ككتاب أو لمنافسته كناشرين قبل أن يفوتهم قطار تهامة السريع ، ولكن القطار كان أسرع حينما حوّل مؤسس التغيير الموقع إلى شبكة إعلامية بأيقونات جديدة ومؤسسة كبيرة تتبنى المؤتمرات والندوات وتقيم ورش العمل وتتصدى لعملية التدريب والتأهيل في المجال الإعلامي والحقوقي الأمر الذي نقل مدابش وقد كان في الوقت ذاته مراسلاً لصحيفة "الشرق الأوسط" ول "راديو سوا الامريكي" نقلة نوعية جعلته محط أنظار الوسط الإعلامي المحلي والعربي والدولي ليتكلل بنيله شهادات التقدير ولعل آخرها قبل وفاته بوقت قصير والمتمثلة بجائزة الصحافة المتميزة من نيويورك . جاءت الجائزة التي استحقها الراحل بامتياز مواكبة لتعيينه وكيلاً مساعداً لشؤون الصحافة في وزارة الإعلام ، وهو المنصب الذي ناله باستحقاق في ظل الحرب المشؤومة التي فرضها الانقلابيون الحوثيون على بلادنا وشعبنا ؛ فقد كان مدابش الذي آمن بثورة 11 فبراير 2011م وانتصر لها أحد أهم من صارع المليشيا الإجرامية بيقين حتى الرمق الأخير وكان هدفاً لها حتى انتقاله إلى العاصمة المؤقتة عدن حيث غادر حياتنا بلا وداع. معظم ما في هذه السيرة الصحفية استطاعها مدابش بجدارة وهو يتوكأ عكازين بعد أن تعرض لحادث سير أقعده وأجهده على أنه قاومه لسنوات متنقلاً في علاجه بين دمشق والقاهرة اللتين كانتا محطتين للقاءاتنا المستمرة . . خسارتنا فادحة بالرحيل المبكر لمُحب الحياة عرفات وهو في أوج عطائه وتطلعه وإبداعه .. السلام لروحك ، رحمك الله وتوفاك بمغفرته ورضوانه أبا ياسر .. واخوانه عمار وعمر وجار الله.. وإنا لفراقك لمحزونون ..