في صنعاء يبدو الجو متشحاً بالسواد والكآبة جراء التراجع الدائب والمتواصل والمستمر للهامش الديمقراطي كنتاج بديهي يترجم الرغبة في التفرد بالسلطة حتى وان كان هذا التفرد ضد ما تمليه المصلحة الوطنية العليا للبلاد. الاحزاب السياسية بكوادرها المعروفة والمشهورة وقياداتها غادرت ارض الوطن او نزحت صوب الجنوب كذلك الحال بكوادر منظمات المجتمع المدني ورجالات الصحافة والاعلام في الوقت الذي تعاني فيه الصحافة من موجه استهداف والغاء ومصادرة ومنع طباعة واحتلال للمقرات ومصادرة لاجهزة الاخراج الصحافية. تلك وغيرها اعمال واحداث احالت ايام العمل والفعل الديمقراطي الى خبر كان لتغدو بذلك الحياة السياسية في حالة تجميد ومنازعة لفرضية البقاء والديمومة كما لو لم تشهدها من قبل. قيادات تحت طائلة الاسر اضحت الحقوق السياسية والمدنية والمجتمعية في صنعاء تعاني واقعاً مريراً جراء تصرفات واعمال القائمين على سلطة الامر الواقع، ورغم ان موجه الاعتقالات شهدت مؤخراً تراجعاً نسبياً الا ان الموجات الاولى لحملات الاعتقال تعد كافية لوصم الواقع الحياتي بالكآبة والتراجع الديمقراطي. قيادات سياسية وسلطوية سابقة - كبيرة- مازالت واقعة تحت طائلة الأسر والاخفاء القسري محمد قحطان وناصر منصور هادي انموذجا. سوق الصحافة هو الاخر تعرض لانتكاسة شديدة فمن نحو خمسين مطبوعة كانت تصدر قبل هيمنة الحوثيين على صنعاء لم يعد في هذا السوق سوى نحو سبع صحف وهي في واقع الامر التي تؤيد سلطات الامر الواقع. التكريس لحالة من الطوارئ ومع ان هذه السلطات تتحجج بتعليل وقوع البلاد في حالة حرب وهو ما يستتبع التكريس لحالة من الطوارئ الا ان هذا التعليل ليس كافيا على اعتبار ان عجلة الحياة بشتى تنوعاتها وتفريعاتها وبالاخص السياسية ينبغي لها الدوران وليس البقاء في مربعات التجميد والمصادرة والملاحقة اذ ان كل شيء ينبغي ان يمضي في طريقة العمل والفعل الديمقراطي بتفرعاته المختلفة من جهة وفعل الحرب من جهة اخرى. هنا تحديداً كان ينبغي على انصار الله المباداة الى تسوية الملعب الديمقراطي وتعبيد الطريق بما يسمح لهامش الحرية ان يتجه في مساره الطبيعي والتقليدي. الافراج عن الصحف كان ومازال بوسع سلطات صنعاء على سبيل المثال الافراج عن الصحف الموقوفة ودعوة الاعلاميين من رؤساء تحرير الصحف الوطنية الى اجتماع او لقاء موسع يتم خلاله طرح وجهة نظر هذه السلطات واقناع هؤلاء الصحافيين بانتهاج طريق لا يتسبب في تقويض اتجاه هذه السلطات والراي العام المحلي في صنعاء نحو ما يريدون تحقيقه الا وهو احراز النصر في هذه الحرب. كان ومازال بوسعهم ايضا توجيه الدعوة الى كل القوى السياسية لعدم الهجرة من صنعاء وتبني خطاب معارض من الداخل لا يتسبب في حرف مسار الراي العام تجاه ضرورة مقارعة الطرف المهاجم في الحرب بتعبير اخر ممارسة ديمقراطية لا تؤثر على مسار مقاومة هذه السلطات وقتالها في الميدان. الانصات لانين الوطن في صنعاء ايضا ثمة حالة من التذمر الشعبي جراء الارتفاعات الجنونية للاسعار والتراجع الاقتصادي الشامل وهي ارتفاعات اخذت تُظهر سلطات صنعاء كما لو انها لم تعد تنصت لالام الناس بعد اعتلاءها لسلم الهرم السلطوي. تعليل الحرب لا يجسد سبباً كافيا لتبرير الاعمال والافعال المخلة بمبدأ الشراكة الوطنية ووجوبية الالتزام بالنهج الديمقراطي فهل من انصاف من جانب سلطات صنعاء لانين الوطن وقواه الحية والفاعلة ام ان عهد هذه السلطات سيوصم بأسوا العهود التي عاشتها العاصمة صنعاء منذ عصر الامامة وحتى واقعنا المعاصر. يتعين على سلطات صنعاء ارداك ان احياء الواقع الديمقراطي والسياسي والمجتمعي يعد جزاءً لا يتجزاء من افعال الدعم والاسناد للمعارك في الميدان اذ بدون داخل متماسك وحي وفاعل تغدو افعال سلطات صنعاء في حالة من التضعضع والتراجع. اختزال الوطن لصالح فئة حاكمة ليس من الوطنية في شيء السعي الى اختزال الوطن وتهميش قواة الحية والفاعلة لصالح فئة حاكمة كما لا يجوز تأطير الوطن وحشرة في مربعات بعينها في الوقت الذي يبدو فيه هذا الوطن كبيراً ومتصفاً بالتعدد والتنوع الخلاق والايجابي. وليس من المنصف اظهار الوطن كما لو انه صغير وليس فيه ذلك التعدد والتنوع والاتساع في الفكر والعمل والممارسة. اثبات الوطنية ينبغي ان يتم من خلال السماح للوطن بممارسة الافعال والاعمال في اطار حجمه الكبير المحتوي على واقع حافل بالحياة الشاملة بشتى معانيها وتفريعاتها المختلفة ابتداءً بشعب يرنو الى واقع افضل مروراً بتكتلات سياسية تتطلع نحو ممارسة الديمقراطية وانتهاءً بتعدد المجتمع المدني. كبح جماح الوطن الكبير لا تدرك سلطات صنعاء انها بنهجها الراهن انما تحاول اختزال الوطن في تكتل بعينه وكبح جماح الوطن عن التعبير عن عالمه الواسع المتعدد والمثقل بشتى صنوف التنوع والتعدد وهي بذلك تتخذ مساراً مسيئاً للوطن ولواقعه الكبير اللا متناهي. يتعين هنا على سلطات صنعاء ان تدير دفه الوطن باتجاه يسمح للجميع المشاركة فيه وطي صفحة الاختزال لهذا الوطن ودحض محاولات تحجيمه في وقائع وممارسات محدودة ومحددة سلفاً. وماذا بعد بيد سلطات صنعاء التحول الى سلطات وطنية تعي اهمية معنى اتساع الوطن لجميع ابناءه او ان لا تتحول بحيث تكون متصفه بانعدام هذه الوطنية. في الحالة الاولى ستحصد حب جزء من مكونات الامة اليمنية وتقدير القوى الحية والفاعلة وفي الثانية ستجني بغض ونفور الشعب اليمني وهذه القوى فهل من مراجعة شاملة من جانب سلطات صنعاء تؤدي الى تعديل السلوكيات والممارسات الراهنة بصورة تعيد للوطن اعتباره وخروجه من قمقم الاختزال ام ان هذه السلطات ستمضي قدماً في نهجها الاختزالي الذي سيجعل الشعب اليمني يذكرها مقترنة بفاصل من عبارات التانيب وعدم الاحترام وكفى! [email protected]