لعل اكثر المتفائلين ما كان يتوقع أن تنتهي الأحداث الصاخبة في المحافظاتالجنوبية بهذه الطريقة، فالمسألة ابعد من كونها حراك عسكري يريد طرح قضيته الجنوبية كما اعتدنا سماعها طيلة عقد واكثر.ما حدث كان استثمار طويل الأجل يعود لما قبل ٢٠١١، رغم تبدل الداعمين من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أودعت تلك البذور عبر تبني رموز الانفصال وتمويلهم وتدريبهم وتسلحيهم وإيصال صوتهم عبر قنوات فضائية هي التي نشرت ورسخت كل ثقافة الكراهيه ضد الوحده وتجاه الشمال ووعي الانفصال التي تم الاتكاء عليها مؤخراً..في سياق غير مفهوم للشعب اليمني الذي ناضل لعقود لاستعادة وحدته وبذل من اجلها الغالي والنفيس . لذلك كان القلق مبرراً، خصوصاً بعد تبادل الزيارات الإقليمية لرعاة الانفصال قديما وحديثاً، وتنوعت اجتهادات المتابعين تجاه صورة الخاتمة المتوقعة، بين أقاليم تفرض بالقوة أو حرب شمال جنوب، أو ربما انعكاس الأزمة الداخلية إلى إعادة رسم خارطة تحالفات المنطقة. من الواضح أن الكلمة الفصل كانت لرجال الوطن في جنوب الوطن الذين وقفوا ضد هذا التحرك بصلابة ووطنية وحسم ووعي يمني أعاد الروح لكل الوطن. كما أن موقف المملكة العربية السعودية والتزامها الحازم تجاه حفظ وحدة اليمن والتي وضعت كل ثقلها في هذا الإتجاه رغم ما تعرضت له من حملات إعلامية عن فشل تحالفها وخلافها مع شريكتها الاستراتيجية دولة الامارات، إلا أن موقفها اخمد فتنةً وقودها دماء يمنية إضافية ومنع تمزيق البلاد في لحظة انقسامات وصراعات داخلية وتدخلات خارجية، كان من الصعب على اليمن بمفرده التعامل مع خطر كهذا والخروج موحداً. موقف المملكة يستحق بكل صدق وايمان شكرهم في هذه اللحظة الخطيرة التي كادت تودي بنضال اجيال وآمال مستقبل وبقيةُ يقينٍ باستعادة وطن، كما أنه يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة عن خلفيات كل القوى و صراعها العدمي، ويؤشر بقوة إلى طبيعة التقييم في المملكة عن جوارها ووثبات التزامها الاستقرار فيه وهو ما يتفق مع ماضيها منذ ٤٨ و حتى اليوم واعتبارها كل ذلك احد اهم ركائز (رؤيتها) المستقبليه. من زاوية أخرى كشفت هذه الأحداث مدى الترهل لدى الطبقة الثقافية والنخبة السياسية في البلاد، ودقت اجراساً في كل الاذهان، اين كنا من الوحدة ومن الوئام بين مكونات الشعب والحفاظ على نسيجه وكيف تبدلت السلطة إلى عامل تقسيم وتفرقة بدلا عن دورها الطبيعي في الحفاظ على وحدة البلاد وسيادته واستقلاله، والى اين اخذتنا الانقسامات؟ من باب رب ضارة نافعة؛ انقشعت بعض غيوم الشك، واتضحت بعض زوايا الصورة المعقدة للأزمة في البلاد، فالترحيب الشعبي الواسع بما الت إليه الأمور في جنوب البلاد، أعاد للأذهان صورة الوطن الواحد و ضرورة تلاقي ابناءه، كما كشفت ايضا عن ثوابت وجدانية لدى الشعب اننا جميعا أبناء وطن واحد و لن يستطيع أي طرف جر الوطن إلى تعريفه الخاص به. وبالتالي فإن استعادة الدوله الحاضنه والراعية والجامعة لكل ابناءها، وأن إعادة الاعتبار لمؤسساتها وثقافتها هي ما يجب ان يكون غاية مسعى اليمنيين جميعاً. كما انها اعادت تثبيت حقيقة حكرية وحصرية مصير العلاقة اليمنية-السعودية بين الطرفين، وأعادة انتزاع الاقرار الاقليمي والعالمي بذلك وان اي عبث بهذه الحقيقة او تجاوزٍ لها أو مساس بها انما هو لعبٌ بنار المنطقة كلها وتهديد طويل المدى للامن والاستقرار فيها ولن يسمح به. من النتائج العملية لما حدث ايضا ان الحديث عن (قضية جنوبية) لم يعد مجالا للبحث والابتزاز بين الاخوة، كما أنه لم تعد هناك ( قضية صعدة و الحروب الست)؛ الامر الذي سيفضي حتما الى تسارع وجدية في مساعي السلام وطي مرحلة الحرب على امل أن يتلاقى الجميع و تفتح نوافذ الحوار وتستبدل الدماء بالكلمات، ونعود لسويتنا وهويتنا العربية ضمن محيطنا وجوارنا وفي روابط اخوية تفرضها الجغرافيا والتاريخ والدين والعروبة والمصلحة لشعوبنا.