مساهمة في قراءة ، القضية الجنوبية (الجذور ، والواقع ، والمحتوى). القضية الجنوبية 1- علاقة الجذور ، بالواقع: (5-4) هذه الدراسة كتبت في العام 2013م وانا في قلب مؤتمر الحوار(فريق القضية الجنوبية) محاولة سياسية فكرية للأضاءة على القضية الجنوبية في مرحلة صعبة:خلفياتها التاريخية، وواقعها السياسي المأساوي الذي أنتجته جريمة حرب 1994م الذي يجب ان تدان سياسيا ووطنيا، وليس الاعتذار عنها فحسب. وهي دراسة لم تنشر في حينه وماتزال تحتفظ بكامل معانيها ودلالاتها السياسية، وقد تساهم اليوم رغم كل مايجري في الكشف عن الابعاد السياسية والوطنية للقضية الجنوبية العادلة بإمتياز. ولشهداء الحراك الجنوبي السلمي من بعد حرب 1994م وحتى 2007م وإلى اليوم عظيم الاجلال والتقدير 5-المحتوى الاجتماعي والوطني للقضية الجنوبية: أن القضية الجنوبية في مستواها الراهن المعاصر ، هي نتاج طبيعي ، وموضوعي لحرب 1994م ، التي أعلنت وشنت ضد الجنوب ، واجتياحه عسكرياً ، بهدف إقصائه من الشراكة السياسية والوطنية في دولة الوحدة (1)التي ساهم في صناعتها ، وأصبح شريداً ، وطريداً ، خارجها ، ومحروماً من إمكانية المشاركة في بناء دولتها ، التي حلم بها ، وصادرتها قوى الحرب ، والذي تجسد في حرمان شعب الجنوب من ثروته الوطنية ، وتجويعه ، وإفقاره ، بعد تحويل ثروته الوطنية ، والاجتماعية ، ومكتسباته التاريخية إلى غنيمة حرب ، وفيد للمتنفذين ، العسكريين ، والقبليين ، والجهاديين الإسلامويين ، وكان أكثرها قسوة ومرارة على العقل ، والقلب ، والوجدان ، تدمير وإهانة تراثه الثقافي ، والاجتماعي ، والوطني ، وتحقير رموزه السياسية والوطنية التاريخية ، وإزالة معالمه الثقافية ، والاجتماعية ، والوطنية المجسدة لشخصيتهم ، ولمعنى وجودهم الاجتماعي ، والوطني ، في عملية تدمير وتخريب واسعين ، وبصورة ممنهجة ، ومنظمة ، من تدمير للذات الوطنية ، والاجتماعية الجنوبية ، لم يعرفها أبناء الجنوب ، حتى في ظل الاستعمار ، وكما قال اللواء علي محسن الأحمر ، أحد رموز النظام السابق ، "إن علي عبدالله صالح استعمر الشمال ، وأحتل الجنوب" (2)، وهو تعبير واقعي يفوق بلاغة أي مجاز. وعلى ذلك فإننا لن نستطيع مهما حاولنا أن ننزع القضية الجنوبية الراهنة ، من سياقها السياسي التاريخي المرتبط بحرب عام 1994م ، تلبية لرغبة هذه الجماعة ، أو تلك ، فإننا لا نقوم بأكثر من حرف القضية عن مسارها ، وتشويه معناها ، ومضمونها الواقعي. ومن هنا انطلقت وتأسست البدايات الأولى المبكرة ، للحراك السياسي السلمي الجنوبي ، الذي تجلت وتمظهرت من خلاله محتوى القضية الجنوبية في مستواها الحاصل اليوم في صورة التعبيرات ، والحركات السياسية والاجتماعية ، الآتية: حركة "موج" والتي ظهرت بعد الحرب ، وحركة "حتم" وجماعة إزالة أثار الحرب ، وتيار إصلاح مسار الوحدة من داخل الحزب الاشتراكي ، والتكتل الوطني" و"اللجان الشعبية" و"ملتقى أبناء الجنوب" و"حركة تاج" (3) وكان تتويجها السياسي والتنظيمي النوعي في تأسيس "جمعية المقاعدين والمسرحين" ، حتى تشكيلات ، ومكونات الحراك السياسي الجنوبي السلمي العديدة المنتشرة في قلب كل الجنوب ، والتي أثرت ، وأغنت ، وأضافت الكثير من المعاني ، والدلالات لمحتوى القضية الجنوبية ، اجتماعياً ، ووطنياً ، ورفعت من مستوى سقفها وفعلها السياسيين ، وجميعها أشكال مقاومة اجتماعية ، وثقافية ، وسياسية ، سلمية ، ديمقراطية ، لم يوجدها ، أو يخلقها النظام التشطيري الجنوبي السابق ، ولا مظالم وإقصاءات الحزب الاشتراكي خلال فترة حكمه للجنوب ، كما يرى البعض ، ولم تستطع جميع صراعات الماضي السياسي الجنوبية ، الجنوبية أن تنتج قضية جنوبية ، بمثل ما هو قائم اليوم من مفهوم ، ومن واقع سياسي للقضية الجنوبية... ، قضية جنوبية بمحتوى وبمضامين جديدة ، استطاعت أن توحد جميع أبناء الجنوب ، في بوتقة واحدة ، بعد أن شملت النتائج السلبية لحرب 1994م جميع مستويات حياة أبناء الجنوب ، (دولة ، وشعب ، وثروة) أي جميع مستويات حياتهم ، السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والدستورية ، والحقوقية ، والقانونية ، فالقضية الجنوبية الحاصلة اليوم هي نتاج شرعي ، وسياسي ، وعسكري ، لحرب 1994م ، وهي قضية جنوبية ، وجدت ، وتشكلت داخل تاريخ الوحدة بالحرب ، وداخل تاريخ الحرب ، والوحدة أو الموت ، وداخل أيديولوجية عودة الفرع إلى الأصل ، والتي تجسدت موضوعياً ، وعملياً ، في سياسة الضم والإلحاق ، في مضمونها السياسي ، والاقتصادي ، والاجتماعي ، والوطني ، ضد كل أبناء الجنوب ، وعند هذه اللحظة ، يمكننا أن نجد القاسم المشترك ، بين أشكال ، ومضامين ، التوحيدات ، والإتحادات ، والوحدات ، السياسية الإقطاعية العسكرية القديمة (التي كانت مبررة سياسياً ، ومفهومة ومقبولة ، تاريخياً) وبين وحدة الحرب ، والضم والإلحاق ، التي تمت في عام 1994م ، حيث القواسم المشتركة فيما بينهما ، تتمثل وتتحدد في الآتي: إنهما وحدات ، وتوحيدات تقومان على ، العصبية ، والجهة ، والشوكة. إنهما معاً ترتكزان وتعتمدان على فرض الوحدة ، والتوحيد ، بالقوة ، والحرب ، والتغلب. وحدات ، وتوحيدات ، لا ترى في الوحدة ، سوى ، سلطة ، وثروة ، وبُعد جغرافي يضاف إلى مساحة المنتصر في الحرب ، أي وحدة ضم وإلحاق. جميع الوحدات ، والتوحيدات السياسية ، القديمة ، تشترك مع وحدة عام 1994م ، في أنها تقوم على وحدة تحالف ، القبيلة ، والعسكر ، والدين السياسي. وحدات ، وتوحيدات ، يغيب فيها الوطن ، ويتعملق الحاكم الفرد ، سواءً ، بإسم العائلة ، أو السلالة ، أو القبلية ، أو المذهب ، أو الجهة ، والمنطقة. وحدات ، وتوحيدات ، وإتحادات لا تعترف بالآخر ، إلا ملحقاً ، وتابعاً ، ينعدم فيها مطلقاً مفهوم وقضية الشراكة والمشاركة. ولذلك ليس من فراغ القول ، حديث الخطاب السياسي ، والإعلامي ، والأيديولوجي ، الرسمي (السابق ، بل وما يزال) ، عن "إعادة تحقيق الوحدة" ، على نفس المثال السابق (الماضوي/ التاريخي) ، وليس على قاعدة الممكن ، والمستقبلي المنشود ، في وحدة ، تعددية ، سلمية ، ديمقراطية ، وحدة مواطنة ، ومساواة ، ودولة مدنية ، وتداول سلمي للسلطة ، وهو ما يفسر ذلك العنف ، والوحشية ، في الخصومة ، والعدوان ، على المحتوى السياسي ، والاجتماعي ، والوطني ، لقضية الوحدة ، والقضية الجنوبية معاً. وفي ختام هذه الفقرة حول المحتوى الاجتماعي ، والوطني للقضية الجنوبية ، وما آلت إليه أوضاع أبناء الجنوب الاجتماعية ، من عمليات قهر ، وإذلال ، وتهميش ، وإفقار ، ومن تدمير للنسيج الاجتماعي ، بإحياء للموروث الإجتماعي التقليدي ، (حكم الاعراف ، الثأر ، حمل السلاح ، ثقافة الفيد ، حتى تعيين شيخ لمشائخ عدن ، وهو قمة الاستهزاء والاحتقار للمدينة ، وللمدنية): وهنا من الواجب التأكيد إلى أن الجبهة القومية حين أصدرت في فترة حكمها ، قانون الإصلاح الزراعي، (4) الذي انتفع منه مئات الآلاف من الفلاحين الفقراء ، والمعدمين ، والمتوسطين ، وحين قامت بإصدار قانون التأميم بقرار جمهوري (5)معلن ، كان هدفها المباشر الاجتماعي ، والوطني قضية العدالة الاجتماعية ، والمصلحة الوطنية العامة المجردة ، على ما شاب عملية التأميم ولحق بها ، من قصور ، وأخطاء في سياق التجربة ، وهي إجراءات اجتماعية ، ووطنية ، يجب أن لا يخجل منها ، النظام السياسي الذي حكم الجنوب بعد تحقيقه الاستقلال الوطني ، وأن يعتز بذلك التاريخ ، وبتلكم التجربة ، ويدافع عن صوابها ، وعن مضامينها الاجتماعية ، والوطنية التقدمية ، وينقد بكل صرامة ووضوح ما صاحب التجربة من سلبيات وأخطاء ، يكفي أنه لم يصادر ، ولم ينهب أموال الشعب لصالح جماعة ، أو عصبية ، في القيادة الحزبية ، أو في قيادة الدولة الاشتراكية حين ذاك. وكل ذلك واضح ومعلوم أمام الملأ. الهوامش: (1) لقد دأب النظام السابق على المماهاه ، أو الخلط ، بين النظام السياسي ، وبين الوحدة ، في تصوير النظام ، وكأنه هو الوحدة ، أو أن النظام هو الجهاز السياسي الحامي للوحدة ، والحامل لها ، وكان من الطبيعي أن يقود فشل النظام وطنياً ، وعجزه سياسياً ، واقتصادياً ، إلى سقوط مفهومه السياسي ، والواقعي للوحدة ، الذي تم فرضه بالقوة ، والحرب ، وهو ما أوصل قطاع لا بأس به من أبناء الجنوب ، إلى تبني رؤى ، مضادة لفكرة ، وقضية الوحدة ، وكأن الوحدة في حد ذاتها هي العدو ، وسبب لكل ما نحن فيه ، وعليه. (2) حين نؤكد على أن القضية الجنوبية الراهنة ، التي نبحثها ونناقشها اليوم ، هي منتج سياسي ، وعسكري ، وأيديولوجي ، واقتصادي لحرب 1994م ، لا يعني ذلك أي تجاهل أو انكار ، أو محاولة لطمس إن قضية الجنوب السياسية شهدت تطورات ، وعمليات سياسية صراعية ، سبقت حرب 1994م ، كان من جرائها ونتائجها إقصاء ، واستبعاد ، أطراف سياسية ، أو قوى اجتماعية ، عن المشاركة السياسية في السلطة ، وفي إدارة الدولة ، وحكم البلاد في الجنوب ، وليس في ذلك أي دعوة ، أو محاولة لتجاهل أو إنكار ما تعرضت له هذه القوى السياسية أو المكونات السياسية ، والحزبية ، والإجتماعية ، من مصادرة سياسية ، ومن قمع ، وصلت حد التصفيات الجسدية ... ، وهي قضايا وإشكالات سياسية اجتماعية صراعية تاريخية ، يجب أن تذكر ، وأن تدرس ، وتبحث بعناية في سياق كتابه التاريخ السياسي ، والاجتماعي ، والوطني ، لمسار تحولات قضية الجنوب السياسية ، التي يجب أن توضع في سياق قانون العدالة الانتقالية ، على أن ما نبحثه اليوم ، هو القضية الجنوبية الجارية ، أو الراهنة ، التي جرى إنتاجها ، وصناعتها في سياق عملية حربية ، وعسكرية شاملة ، وفي إطار عملية سياسية اقصائية كبرى ممنهجة ، ومنظمة ، جاءت بعد عملية توحيد دستورية ، قانونية. لدولتين ، ولنظامين ، سياسيين هما ، الجنوب ، والشمال ، وضمن اتفاقيات ومعاهدات ، جرى خرقها بالحرب ، حولت معها الوحدة السلمية ، إلى وحدة بالقوة ، والحرب ، وهي الحرب التي جرى فيها توظيف الدين ، والتكفير الديني ، والحرب على الجنوب تحت هذا الشعار ، والهدف السياسي ، الاستراتيجي ، إقصاء شراكة الجنوب ، السياسية ، والوطنية ، في الوحدة ، وفي بناء الدولة ، ومصادرة حقهم في السلطة ، والثروة ، التي جرى احتكارها جميعاً ، بيد النخبة السياسية السلطوية الشمالية ، بعد أن حولت ملكية دولة الجنوب ، ومؤسساتها ، إلى غنيمة حرب ، وفيد ، وإلى عطايا ، وهبات ، ومنح للمنتصرين في الحرب... ، جرى خلالها ، فرض نموذج نظام الشمال ، بجميع تفاصيله ، على كل الجنوب ، (عودة الفرع ، إلى الأصل) ، وهو الذي قاد إلى إنتاج ظاهرة الحراك الجنوبي السلمي ، والقضية الجنوبية الراهنة ، ومن هنا تأكيدنا أن القضية الجنوبية القائمة اليوم ، ليست نتاج صراعات جنوبية / جنوبية ، ماضية منذ 1967م ، وإن كانت بعض تداعيات تلك الصراعات السياسية ، الجنوبية/ الجنوبية ظهرت ، وجرى توظيفها ، كعوامل ثانوية في بداية الحرب ، وفي سياق عملية سياسية / عسكرية كبرى ، وحين أستتب أمر الحرب ، وتوج بالنصر الموهوم ، جرى إزاحة الطرف الثانوي (الجنوبي) في الحرب تدريجياً والغالبية العظمى منهم اليوم ، مشاركين فاعلين في الحراك الجنوبي السلمي ، سواءً بصورة مباشرة ، أو بصورة غير مباشرة . (3) علي محسن صالح الأحمر في مقابلة صحفية مطولة منشورة في صحيفة الجمهورية ، تعز ، أجراها: محمد سعيد الشرعبي ، تاريخ 29/9/2012م. (4) أنظر حول ذلك كتيب د. محمد حيدر مسدوس.(قضية شعب الجنوب ، وحلها الشرعي) ص 32-37 ط ثانية 2012م مركز عبادي للدراسات والنشر. (5) صدر قانون الإصلاح الزراعي ، الأول في 1968م ، والثاني صدر في 5/11/1970م ، والأخير ألغى الأول. (15) صدر قانون التأميم في العام 1969م. في جنوباليمن ، برقم (37) ، ثم صدر في العام 1972م ، قانون (الإسكان) برقم (32) ، "والتأميم نظام اقتصادي وطابع سياسي ، من شأنه أن تصير مصادر الثروة الطبيعية في الدولة ، والمرافق الحيوية ملكاً للأمة ، لتكون في خدمة الأمة ، وتحت سيطرتها ، وتتولى الدولة نيابة عنها إدارتها واستغلالها" أنظر أحمد عطية الله "القاموس السياسي" ص 255 ط ثالثة 1968م دار النهضة العربية/ مصر ، والتأميم ليس حصراً ظاهرة إشتراكية ، بل وظاهرة رأسمالية بشكل جزئي ، وفي تجربة التأميم الاقتصادي في الجنوب ارتكبت أخطاء فادحة في التنفيذ الاقتصادي لمفهوم التأميم ، كان من الممكن تجنبها ، حيث شمل التأميم مواقع ، وأماكن ، ومستويات ، اضرت من الناحية الاقتصادية ، والعملية ، والسياسية ، بتجربة التأميم في هذه الجزئية أو تلك ، ولكن الملكية المؤممة بقيت في ملكية الدولة والشعب بصورة عامة ، إلى جانب استفادة قطاع واسع من المجتمع من التأميم ، الذي لم يذهب للملكية الخاصة للنخبة السياسية الحاكمة.