صنعاء .. البنك المركزي يعلن صك عملة معدنية جديدة ويحدد موعد بدء تداولها    منصة متخصصة: السفينة "إترنيتي سي" لم تكن مؤمّنة ضد مخاطر الحرب    سعر الدولار في عدن وحضرموت اليوم السبت 12يوليو 2025    سحب استوائية ضخمة تضرب محافظة يمنية اليوم .. فيديو    مدينة إسبانية تنسحب من استضافة مباريات مونديال 2030    محافظ الحديدة يطلع على أعمال حماية وتصريف السيول بمديرية الدريهمي    وزارة العدل وحقوق الإنسان تُدين الجريمة الوحشية لمرتزقة العدوان في تعز    استشهاد 4 أطفال إثر انفجار مقذوف من مخلفات المليشيا شمال تعز    نواب بريطانيون يطالبون حكومتهم بالاعتراف بدولة فلسطين فوراً    اجتماع في إب برئاسة المحافظ يقر تقرير الإنجاز السنوي للمشاريع للعام 1446ه    نيوكاسل الانجليزي يعلن تعاقده مع إيلانغا في صفقة ضخمة    برشلونة يعتزم تكريم ميسي في إعادة افتتاح ملعب كامب نو    المحويت.. وفاة شاب بصاعقة رعدية في مديرية الرجم    النفط يصعد 3% مع تقرير متخصص بأن الإمدادات أقل مما تبدو عليه    رئيس الوزراء يدشن الجولة الأولى من الحملة الوطنية الطارئة للتحصين    الرئيس الزُبيدي يُعزّي بوفاة المناضل اللواء محمد بن محمد عسكر    الزواج ليس سباقًا مع الزمن بل رحلة تحتاج الى شريك مناسب    الحوثيون يتهمون غروندبرغ ب«الانحياز» ويلوِّحون بقطع التواصل معه    خاطرة عن الفضول في ذكراه    شيرين وفضل شاكر في دويتو غنائي جديد    مقتل جندي وإصابة آخرين في كمين مسلح استهدف دورية عسكرية بأبين    متوسط أسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 12 يوليو/تموز 2025    حريق يلتهم سوق تجاري بعدن    القوات الروسية تنفذ ضربة جماعية ضد منشآت المجمع الصناعي العسكري الأوكراني    غارات ليلية دامية في غزة وسقوط شهداء    وسط تحذيرات من انهيار الوضع الصحي.. تزايد حالات الإصابة بالأوبئة في ساحل حضرموت    بيان نقابي صادر عن نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين بساحل حضرموت    السلطان عبدالله آل عفرار يدعو أبناء المهرة لوحدة الصف    عن المناطقية التي يراد لها أن تسود في تعز    بيان صادر عن القيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة المهرة    اليوم بعدن.. انطلاق الجولة الأولى من الحملة الوطنية الطارئة للتحصين ضد مرض شلل الأطفال    الريال يلفظ أنفاسه الأخيرة في عدن    - صاعقة تضرب منزلًا في عمران وتحذيرات لسكان الأرياف من مخاطر البرق*     "إشهار الإفلاس" من قبل "عمائم على بهائم،.. فسبحان الحي الدايم"    قمة أوروبية في نهائي مونديال الأندية    جيسوس ثامن برتغالي يدير دفة النصر السعودي    ب 287 مليونا.. «ثاندر» يمدد عقد وليامس    أسقطوه من ذاكرتهم.. فعاد ليصبح في كل العناوين    الإمارات تنهب ذهب حضرموت بحماية الانتقالي    الترب: علينا مراجعة ما يجري والعمل من أجل اليمن واستقراره    الضالع.. عناصر أمنية تعبث بموقع أثري وتطلق النار على فريق من مكتب الآثار بالمحافظة وتمنعه من الدخول    القبض على عنصرين متورطين في 3 تفجيرات بعدن    "الأيروجيل".. إسفنجة شمسية تحول ماء البحر إلى عذب من دون طاقة    ثمن باهض وفشل عظيم مقابل نص راتب شهري!!    مات كما يموت الطيبون في هذا البلد..!    ماذا يحدث في عدن وهل سيتم الغائها    ستلاحقه اللعنات.. بن ماضي يتحمل مسؤولية جريمة هدم جسر المكلا    ريال مدريد يحسم صفقة كاريراس    اليابان تطور أول رحم اصطناعي كامل.. نحو مستقبل بلا حمل ولا ولادة تقليدية    العثور على كنز أثري مذهل يكشف أسرار ملوك مصر قبل الأهرامات    العثور على نوع جديد من الديناصورات    عن بُعد..!    آلام الظهر أزمة عصرية شائعة.. متى تحتاج للطبيب؟    يهودي من أبوين يهوديين.. من هو الخليفة أبو بكر البغدادي؟    أين علماؤنا وفقهاؤنا مع فقه الواقع..؟    العام الهجري الجديد آفاق وتطلعات    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة بذكرى استشهاد الإمام الحسين 1447ه    عاشوراء.. يوم التضحية والفداء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدينة الخالدة
نشر في التغيير يوم 06 - 03 - 2010

من فوق ألأرض أنادي كل أحرف الكلمات أستجديها أستحضرها ألملم أحرفها المبعثرة فوق ألواح المقابر المزركشة ،من فوق الأرض استنهض أقدامي المتثاقلة من خمر الأمس الماجن كمجون الليل المسحول علي أرصفة طرقات صنعاء الخالدة المنسية والمتسخة بأقدام بقايا الفرس والأتراك أحاول أن أخرج من بين أزقتها كجنين يخرج من بين فخذي أمه المصلوب علي قارعة الطرقات المذبوح صوتها خوفا من العار تعظ علي أسنانها تطحنها تكسر الصوت تلوا الصوت تتوسل للسماء أن تأخذ بيدها تهز إليها جذع النخلة المتيبسة ، هيا.. نادمة على حملها متوجعة من مستقبل الجنين لكنها حبلى بفعل الغازي المجنون لا.. حول لها ولا قوه ..
فلا النوافذ تصغي للصراخ المبحوح الخائف ولا الأبواب تغيث العابر المكسور ، من بعيد تسمع أصوات الكلاب المتغطرسة والفارضة قانونها علي الليل الجاثم فوق الأكتاف ، صرير الصقيع عند ما يدلف من رواس أللأزقة المتعرجة والمتصلة ببغضها كلعبة المتاهة ، وجدنا في هذا المكان الصامت ، فقد صدرت لنا الأوامر أن نتواجد هنا لحماية هذه المدينة الصغيرة نقف على أبوابها السبعة نحرسها كل مساء هيا لا تعرف من نحن ولا من أين أتينا لكنهها تعرف لماذا نحن هنا نتسمر علي أبوابها وفي بدايات طرقة الضيقة المتعرجة ، هيا تعرفنا وتقبل أقدامنا الصغيرة لأننا نحبها ونحن لم نولد علي خاصرتها ، نتسمر كل مساء يلفنا الصقيع مع كل مكان يحاول أن يقذف بنا خارج أسوار المدينة كل مساء يصور لنا أشباح تتنقل بين البيوت وعلي أسطح المنازل العتيقة فكل شيئا في هذا البيوت الطينية يتنفس كما نتنفس ويتألم كما نتألم ويفرح كما نفرح تتسامر البيوت بالحكايات القديمة وذكريات اللذين رحلوا عنها الي بعيد نسمعها وهيا تتسامر بوشوشات أنثوية جميلة وضحكات صبيانية صنعانية علي رائحة القهوة الممزوجة بالرضا إلا أننا لا نفهما بعض الأحيان فالصقيع يسرق من أذاننا الكلمات المتسللة عبر شقوق الأبواب الخشبية العتيقة إلا من بعض سجائر متيبسة نتبادل عليها الأدوار لعلها تدفأ أنوفنا المتيبسة ،يا لله كم هيا مسكينة هذه المدينة الجميلة .
نتنقل بين الأزقة بخفة وسرية ونختبئ بين الجدران نذوب فيها بطينها المعطر بالبخور الصنعاني الجميل نتلصص كل شي يتحرك وأيدينا علي البنادق الجاهز للدفاع من أي قادم غريب نظل كما لو كنا قد نسينا أننا بشر فالصمت سيد المكان والظلام موسيقي الليل الخالدة
يؤنسنا المطر المتساقط علي الطرقات المرصوفة منذ مئات السنين تعيدها للحياة من جديد ويغسل وجهها المليح ويمتزج برائحة البارود القادم من التلال الحارسة للمدينة نسمع أصوات المدافع المتقطعة بين الحين والأخر ونسمع أنفاس البنادق الرشاشة المصوبة الي مواقع الغازين ، لا نعرف بضبط كما لبثنا في حراسة هذه المدينة ففي الليل نتوحد ومع قدوم الصبح نتفرق كلا إلى حالة ناوي الى ثكناتنا في طرف المدينة ليبدأ ليلنا وهنالك تدب الحياء مع كل فجرا جديد .
يبدأ اليوم من أوله مع قدوم الباعة الي أسواق المدينة فسوق الملح وسوق البز وسوق القماش وسوق الحبوب وسوق الحمير وسوق ، البائعة يدلفون من من الأبواب السبعة بما يحملونه من بضائعهم القادمة من المناطق القريبة من المدينة وينتشرون بين الأزقة والطرقات بأصواتهم الجميلة كل ينادي علي بضاعته ليبيعها وتنتشر البائعات للخبز الساخن بأزيائهن القديمة والساترة لكل شي إلا من أصبعهن تزينه الألوان الفاتحة لوحات متحركة تحمل الأصالة وعبق التاريخ ، فكم هو جميل منظر خروجهن من البيوت العتيقة يحملنا الأطباق الخزفية علي رواسيهن، لمن نكن نعرف أن هذه المدينة تسحر العقول في النهار وتجعل من يمر فيها كأنما يمر في أسواق بغداد أيام الرشيد ، ففي يوم قررنا التسوق لنبتاع لنا سجائر وبعض الملابس لتحل محل ملابسنا القديمة والتي أغتالها الصقيع وتسمرنا عندما رأينا منظر هذه المدينة بالنهار فكل شي هنا لا يوحي أنها رفيقتنا التي ننتشر بين أزقتها وطرقاتها بالليل فسبحان الله هنالك موت وهنا حياه عالم أخر نعيش خارجه وحدوده .
ففي الليل تخلوا المدينة من كل شي إلا مننا نحن عساكر الحراسة ورائحة البارود المنبعثة من التلال القريبة وأصوات الهمس والحكايات القديمة ورائحة القهوة الصنعانية ،فقبل ثلاثة أيام ومن خلف الباب الرئيسي باب اليمن سمعنا أصوات عربات كثيرة وقع أقدام وهمسات تنتشر من خلف الباب الجاثم بشجاعة كبيرة احترنا من يحرس الأخر هل يحرسنا أم نحن نحرسه لقد تسلل الرجعيين الي خارج السور ويستعدوا بالهجوم علي المدينة تساندهم المدفعية الخفيفة وعربات النقل لم يكن هذا اول هجوم فهم يحاولون بين الحين والأخر تفوح من بين ملابسهم رائحة التراب المترسب فوق عمائمهم المربوطة بعشوائية القبيلة، فقفز أحد الجنود ليبلغ المواقع المرابطة علي التلال بأنهم قد تسللوا الي أبواب المدينة ويحاولن الهجوم علي المدينة نصف ساعة هيا عمر الزمان بيننا وبينهم والباب حارسنا الأمين ، تسمرت أصابعنا علي أزنده البنادق الرشاشة وعيوننا ترقب البداية لم أكن اعرف أن الخوف يولد قبل البداية بلحظات ويكبر سنوات في لحظات وينتشر في أجسامنا قبل البداية ويموت مع أول طلقات البنادق المدافعة ، لحظات هيا وبدا المتسللون يتسلقون من الثغرات التي يعرفونها من السوار القديم وبدأنا بالتصدي لهم طلقات هنا وهناك والليل لا يساعدنا في أن نعرف كم عددهم لكنهم كثيرين وهذه المرة مصممين أن يدخلوا المدينة مدافعهم تمركزت خارج الأسوار للتغطي المتسللين عند الهجوم بدأت طلقات مدفعيتنا المدافعة تحفزنا وتسمعنا صوت المدينة المستجدية وميض البارود المكشر عن أنيابه للدفاع من فوق التلال مهارة رجال المدفعية مذهلة وكأنهم يعرفون أماكنهم يصوبون بدقه وهم يبادلوهم القذائف الي قمم التلال ، عاد رفيقنا وهو يلهث من الجري وتعليماته لنا أصمدوا حتى النهاية فالمدينة أمانة عندكم وبدأت الأصوات تتعالي من ناحيتهم فالتصويب الدقيق للمدفعية يضربهم في مراكزهم إلا من بعض من استطاعوا الدخول من فوق الأسوار ويتسللوا الي الداخل نسمعهم بلهجاتهم التى نميزهم بها فنتعامل معهم لطردهم والتصدي لهم فيتحول الصقيع الي دفا والأزقة الي متاريس تحمينا من الهجمات المباغتة والأبواب الي رفقا لنا والنوافذ الي أبراج مراقبة ترشدنا الي العدو والجدران الي دروع واقية من الرصاص ، كم هيا عظيمة هذه المدينة الحنونة علينا تحبنا ونحبها تحرسنا ونحرسها .
ويمر العمر بنا يحملنا على عربات قطارة السريع بدون توقف في محطات الانتظار لنكتشف أننا قد خدعنا فالمدينة ما عادت كما تركناها ولا البنادق عادت تذكر أصابعنا ولا الأسوار والأبواب والنوافذ تحفظ ملامحنا ،حتي الأزقة والطرقات تنصلت لوجوهنا معادة تتذكر أنفاس صدورنا ولهثنا ونحن نتنقل بينها مدافعين عنها ، تغيرت الأشياء وقلبت الحقائق وسحل الأبطال وقتل المدافعين الشجعان وتنصل التاريخ من القادة الهمام لفض كل شي خارج الأسوار ومسحت الطرقات والجدران من رائحة البارود الثائر .
أستوطنها الجبناء والأنذال وبائعات الهوا وأصحاب الحانات وبيوت اللهو تفوح من بين ضفائرها رائحة الخمر المغشوش بالزبيب الميت ، طرقاتها أمست أماكن لقاء للرجعيين الذين كانوا يغتالونها قبل الفجر سكنت البيوت بشر غير البشر واستترت النوافذ والأبواب بالزجاج الملون والقمريات ذات الألوان المتعددة وأنتشر مخبرين وعسس الجبناء في كل مكان يتتبعون الأخبار ويرصدون القادمين الجدد ، فالمدينة الخالدة شوهها الغازين من الأبواب السبعة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.