يرقد الفتى محمد علي الحوصلي (13 عاما) في سريره بالمستشفى بجنوباليمن وقد غطت الضمادات جروح الطعنات التي أصابه بها خاطفون انفصاليون مشتبه بهم ويحاول جاهدا أن يتكلم رغم الالم الذي يشعر به. يرقد شقيقه ابراهيم البالغ من العمر ثلاثة أعوام نائما في الفراش المجاور يتعافى هو الآخر من محنة استمرت ليومين حين خطفا وعذبا وطعنا ثم تركا ليموتا في ما تصفه السلطات اليمنية بجريمة كراهية. وقال محمد علي الحوصلي لتلفزيون 'رويترز' من المستشفى الذي يعالج فيه هو وشقيقه 'رجم بي ورجم أخي (ألقى بي على الأرض وبأخي على الأرض) وشعطني وشعط أخي ( طعنني بالسكين وطعن أخي) وشعط ايدي وشعط رجلي ( جرحني يدي ورجلي)'. وتقول الحكومة ان الصبيين استهدفا لان والدهما ضابط بالقوات الجوية من شمال اليمن المتمركزة في جنوبه حيث وصلت التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بين الانفصاليين وحكومة صنعاء الى أسوأ حالاتها خلال اكثر من 15 عاما. وشهد جنوباليمن أعمال عنف وحشية انتقامية متبادلة في الاشهر الاخيرة حيث تقود مجموعة صغيرة من الانفصاليين المسلحين ما وصفه بعض المحللين بتمرد ناشئ بعد عقدين من الوحدة بين الشمال والجنوب. واذا كانت جريمة كراهية بالفعل فان طعن الصبيين يظهر أن الصراع في جنوباليمن بات شخصيا ويثير شبح المزيد من الاعمال الوحشية فيما تتفاقم كراهية الجنوبيين للشمال. ونصب انفصاليون مشتبه بهم كمينا لعربات حكومية فيما طوق الجيش بلدة الضالع الجنوبية المضطربة وقصفها واشتبك مع محتجين انفصاليين. من ناحية أخرى يشكو الجنوبيون من أن مدنييهم يجدون أنفسهم محاصرين في قصف يصفونه بأنه يجري دون تمييز. ويتبادل الجانبان اللوم في أعمال العنف. ويؤكد الانفصاليون أن حركتهم سلمية وأن اي قتال هو دفاع عن النفس ضد حملة غير متناسبة تشنها قوات الامن التابعة للرئيس علي عبد الله صالح. في الوقت نفسه تقول الحكومة ان الانفصاليين المسلحين خارجون على القانون يستهدفون الشماليين دون تمييز. وقال ياسر اليماني نائب محافظ لحج في جنوباليمن 'هم يتحدثون على انهم عناصر سلمية.. عناصر تبحث عن مطالب حقوقية، بينما هذه هي في الظاهر لكن في الباطن لديهم ممارسات لا يتقبلها بشر. هؤلاء (الانفصاليون) مازالوا في الشارع.. كيف اذا وصلو الى السلطة؟ ماذا سيعملون في الشعب؟'. وأضاف 'أصبح الثقافة التي يبثوها بين أفراد الشعب خاصة بين في المحافظات الجنوبية.. ثقافة الكراهية. أنا اعطيك مثالا. يقتلون الناس بالهوية. الذي يأتي من صنعاء يمر الى عدن في الطريق العام. ما ذنب المواطن تقتله بالهوية؟ هل هو السلطة؟ هل هو وزير؟ هو مواطن؟ وانت تقتل المواطن أخاك؟'. ويستعد الجنوبيون الآن لمزيد من أعمال العنف. وقال قيادي في الحزب الاشتراكي اليمني المعارض ان العنف يرد عليه بمزيد من العنف نتيجة لتعطل العملية السلمية. وقال يحيى أبو اصبع القيادي في الحزب الاشتراكي المعارض 'هذا شيء مؤسف. ونحن نأسف ونستنكر. ولكن هذه كلها ردة فعل فشل الحوار السلمي..فشل المعالجات السلمية. الاصرار على العنف من الجانب الرسمي. من جانب السلطة. هذا - كما قلت لك - ولد تيار يدعو الى مقابلة العنف بالعنف'. وأضاف 'هنا بدأ تيار يبرز داخل الحراك الجنوبي يدعو للرد على العنف بالعنف. على الاعمال العسكرية بالاعمال العسكرية. وانا أقول لك ان هذا التيار يكبر كل يوم ويتسع كل يوم وينتشر كل يوم'. ويتعرض اليمن المجاور للسعودية اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم لضغوط دولية لاخماد الصراع الداخلي وتركيز جهوده على مكافحة تنظيم القاعدة بعد أن أعلن تنظيم القاعدة بجزيرة العرب مسؤوليته عن محاولة فاشلة لتفجير طائرة ركاب متجهة الى الولاياتالمتحدة. وعرضت صنعاء الحوار مع المعارضة اليمنية بما في ذلك الجنوبيون لكن جهود تهدئة الاضطرابات في الجنوب شملت اعتقالات واسعة النطاق ونشر قوات اضافية بالمنطقة التي يتزايد عداؤها تجاه الشمال. ويقول سكان الجنوب ان حكومة صنعاء تمارس التمييز ضدهم وتحرمهم من فرص العمل وتغتصب أراضيهم ومواردهم. ويشيرون الى أن المناصب الرئيسية في الجنوب تعطى للموالين لصنعاء الذين يأتون عادة من الشمال. ويعتقد الكثير من الجنوبيين أنهم كانوا أفضل حالا قبل الوحدة حين كان جنوباليمن جزءا من الكتلة الاشتراكية ودولة رفاهة أنشئت بمساعدات سوفييتية. وأثار مقتل محتجين اشتباكات يسهل اندلاعها في مجتمع ينتشر فيه السلاح حيث يحمل الكثير من المدنيين أسلحة وتضعف سيطرة الحكومة. وتستهدف الاضطرابات الشماليين عادة وأشعلت النيران في منشآت تجارية مملوكة لشماليين. ولم يساعد الموقف اقتصاد اليمن المتراجع. وعلى غرار بقية أنحاء البلاد يعاني الجنوب من بطالة مستشرية وفقر لكن الحرمان يحرك اعتقادا بأن الحكومة التي تهيمن عليها مصالح الشمال تهمل الجنوبيين. ويقول البعض انها مجرد مسألة وقت قبل أن يتفجر تمرد على نطاق كبير في الجنوب على الرغم من أن صنعاء تقول ان الانفصاليين الذين يريدون حمل السلاح يمثلون قطاعا صغيرا من الجنوبيين. وزادت الخسائر البشرية من الاشتباكات بين الجيش والانفصاليين بشكل ملحوظ في احدى مناطق الجنوب مقارنة بالعام الماضي وفقا لما ذكره نائب مدير المستشفى بالحوطة حيث يعالج الصبيان اللذان كانا مخطوفين والذي قال انه يرى المزيد من جروح الاعيرة النارية والاصابات بشظايا. وقال الطبيب محمد عبد الله نائب مدير مستشفى ابن خلدون في مدينة الحوطة بمحافظة لحج 'فيه ارتفاع موجود (إصابات عنف) مقارنة بالعام الماضي والضحايا أكثرهم ناتجة عن اصابات برصاص وانفجار قنابل'. وطالب يحيى أبو اصبع القيادي في الحزب الاشتراكي المعارض جميع المواطنين بالتحلي بالمسؤولية لانهاء التوتر. واضاف لتلفزيون رويترز 'الكل ينبغي ان يتصور بمسؤولية وموضوعية حجم الكارثة المهولة المنتصبة أمامنا وخاصة القضية الجنوبية. قضية الانفصال. قضية تمزيق الوطن وتقطيع أوصاله..لا الشمال سيبقى شمالا ولا الجنوب سيبقى جنوبا'. وتركزت معظم أعمال العنف في الآونة الأخيرة في بلدات اقليمية بينما تجنبتها حتى الآن عدن العاصمة السابقة لدولة جنوبية مستقلة.