بعد أن فشلت المساعي الخليجية الجديدة لحل " الأزمة " في اليمن ، كما توصف ، بات مطلوبا من دول مجلس التعاون الخليجي أن تعلن صراحة حقيقة الدور الذي قامت به في الوساطة بين السلطة والمعارضة في اليمن ، وان تعلن الطرف المتسبب في إفشال المبادرة ، فالمواطن اليمني وأيضا العربي وغيرهما ، بحاجة ماسة لمعرفة ما دار في كواليس الوساطة ، وما لم يعلن منها ، فالشأن الذي انصبت عليه المبادرة ومساعي الأشقاء ، هو شأن يمني بامتياز ، لا يعني النخبة السياسية فقط سواء في اليمن أو في دول المنطقة ، بل يعني جميع المواطنين اليمنيين ، بدرجة رئيسية ، لأنه يتعلق بمصير بلدهم ومستقبلهم ومستقبل أطفالهم . إن ما يعتمل في اليمن اليوم ، خطأ فادح ، بدأ بدخول أحزاب اللقاء المشترك كطرف في ثورة شبابية شعبية ، وهذا الدخول أسفر عن تغيير مسار النشاط الثوري ، حيث أصبح له وكلاء وهم الأحزاب ، وهذه الأحزاب ، مع الأسف الشديد ، لم تستطع خلال عقد ونيف أن تتوصل إلى حل لأية أزمة مع نظام الرئيس علي عبد الله صالح ، باستثناء التمديد لمجلس النواب في اتفاقية فبراير عام 2009م ، دون ذلك لا نتائج تذكر في جولات مفاوضاتها مع النظام خلال السنوات القليلة الماضية . لقد كان الشعب المصري عظيما عندما لم يسيس ثورته ، وكانت أحزابه ونخبه السياسية أكثر نضجا ووعيا ، عندما لم تنخرط في الثورة بصورة رسمية ، رغم أن بعض الأحزاب الصغيرة او العتيقة الساعية لإعادة مجدها ، حاولت ذلك لكنها فشلت فشلا ذريعا ونجحت الثورة رغم أن المشاركين فيها كانوا من جميع ألوان الطيف السياسي ، غير ان مشاركتهم لم تكن بصفة حزبية محضة ، ولذلك لم يستطع نظام مبارك أن يتهم طرفا سياسيا بعينه بالتورط في الاحتجاجات ولم يطلب وساطة إقليمية أو دولية لتقديم مبادرة أو تأخير مطالب ، لأنه لم تكن هناك أحزاب سياسية في الواجهة تريد أن تفرض شروطا وان تخرج بمكاسب سياسية ، في حالة ثورية لا تتناسب معها مطلقا الحوارات أو المفاوضات . الأحزاب السياسية في اليمن ، تدرك جيدا أنها لا تستطيع مجاراة علي عبد الله صالح في أي حوار ، فهو يخبرهم جيدا ويخبر دهاليز السياسية في البلاد ، كما انه يعرف انه يستطيع التلاعب بهم والتنصل من أي اتفاق في أي وقت شاء ، رغم أن الوضع الراهن في الشارع ، ونقصد ساحات التغيير والحرية والتحرير في جميع المحافظات ، تشكل مشهدا مختلفا ، أكثر وضوحا بالنسبة لمطالب الناس. إن المواطنين اليمنيين الذين يعتصمون في الساحات منذ أكثر من ثلاثة أشهر والذين يتظاهرون يوميا ، بلا شك ليسوا فقط من المنتمين للأحزاب السياسية ، ولكن ممن جار عليهم نظام حكم الرئيس علي عبد الله صالح ، بالفساد والمحسوبية والمناطقية والشللية ونهب المال العام والإفقار وعنجهية رموز وأركان نظامه ، وبتحويل الوطن إلى " ضيعة " خاصة به وزبانيته ، وبالمستقبل المظلم الذي ينتظرهم وأطفالهم جراء الإقطاعية المتفشية ورأس المال الطفيلي وغير المعروف مصدره ، إضافة إلى قائمة من الأسباب لا تنتهي ، جعلت الناس يخرجون إلى الشوارع ، ولم تكن المعارضة " شاطرة " في اجتذابهم ، بقدر ما خدمتها الظروف والعوامل الداخلية ، وما جرى في مصر وقبلها تونس ويجري في المنطقة عموما مما يسمى " ربيع الثورات العربية " . لقد تبنت المعارضة اليمنية منذ وقت مبكر الكثير من القضايا التي تهم المواطن العادي والسياسي والنخبوي ، لكن نظام صالح يبدو انه حجمها كثيرا بطرق وأساليب يعرفها الجميع ، تقريبا ، لكنه اليوم بات عاجزا عن ممارسة نفس الاساليب ، رغم انه مستمر فيها . إن فشل المبادرة الخليجية ليس أمرا مستغربا أو مفاجئا ، فمن يجهل السياسية يمكنه أن يعتقد بغباء سياسي أو بطيبة سياسية أن الرئيس علي عبد الله صالح سوف يوقع على المبادرة وسيرحل وسيسلم كل شيء لخصومه في الحياة السياسية ( ! ) ، إن صالح كان يمكن أن ينهار نظامه في بحر أسابيع محدودة وقليلة لو أن الثورة الشعبية ظلت شعبية ولم يتدخل فيها الساسة الطامحين للحكم ، وللحق فقد استطاع جرهم إلى مستنقع السياسة والمفاوضات والوساطات وانقادوا معه لتصبح " الثورة " مجرد " أزمة " سياسية بين سلطة ومعارضة ، وعندما صار له ما أراد بدأ يلعب معهم " سياسة " ، وهنا الخطر على الثورة ، وهو الأكثر خطورة من التهديد بحرب أهلية . السؤال الآن : هل لازالت المعارضة في اللقاء المشترك تؤمل في دور وساطة خليجية أو غير خليجية من اجل أن تنتقل السلطة إليها ؟! لنقل إن تبنيهم الثورة وتصدرهم إياها بصفات حزبية وسياسية كان خطأ سياسيا فادحا ، لكن أليس من المنطقي أن لا يستمر السياسيون المخضرمون في ممارسة الخطأ نفسه وقد بانت لهم " القصة " كاملة ؟!. ويظل الاعتقاد أن المراهنة على أي دور إقليمي أو دولي للضغط على صالح للتنحي عن السلطة ، أمر فيه الكثير من التقليل بشأن أهمية كرسي السلطة للحاكم ، أي حاكم ، مهما كان صغيرا أو كبيرا ، خاصة وان علي عبد الله صالح لم يجد ، حتى اللحظة " العين الحمراء " من قبل المجتمع الدولي ، وهذا المجتمع لا يقدم على أي رد فعل إلا عندما ينظر إلى الأوضاع على الأرض ، ولذلك نجد الولاياتالمتحدة تتحدث عن انتقال سلمي وسلس للسلطة ولم يتطرق أي مسؤول غربي بأي من اللغات ، إلى صالح ولم يتم نعته بأي من الصفات أو الاتهامات ! ورغم ذلك ، يظل الرئيس اليمني كمن يلعب بالنار دون أن يكون لديه الكثير منها ، فالغرب لا تحركه عواطفه او رصيد الخدمات التي تقدم له ، هو يتحرك ويتماهى مع مصالح الآنية والمستقبلية ، ونحن لا ننظر إلى ابعد مما نرى ، ومع مرور الوقت سيكون الرئيس صالح اكبر الخاسرين بعد أن تلطخت سمعته الدولية وبات الكثير من الناس ، في الداخل والخارج ، لا يثقون فيما يقول وفيما يقدم من التزامات ووعود . ونعتقد أن تصريحات الرئيس الأميركي باراك اوباما الليلة والتي قال فيها إن على الرئيس علي عبد الله صالح أن يفي بوعده فيما يتعلق بانتقال السلطة ، وكذلك طلب الحكومة الفرنسية من صالح التوقيع على المبادرة الخليجية ، رسالة إنذار ، يجب على صالح أن يفهمها جيدا وان لا يتعامل معها باستخفاف . ومن ابرز التوقعات لما يمكن أن يقدم عليه الخليجيون ، في القريب العاجل ، بعد أن شعروا أنهم منيوا بهزيمة دبلوماسية بامتياز وانه تم الضحك عليهم وتلطيخ سمعتهم ومكانتهم في وحل " الكذب " و " المراوغة " ، أن يعلنوا رفع غطائهم عن صالح ، فهم حتى اللحظة لم يظهروا مواقف متشددة تجاهه وهي المواقف التي إذا ما برزت للعلن ، سوف تؤلب المجتمع الدولي على الرئيس اليمني ، وربما لن تتوقف الضغوط الدولية عليه عند التلويح بكشف حساباته المالية السرية هو وعائلته ورموز نظامه ، أو الضغط عليه للتنحي أو التلويح بالمحاكمة .. ربما يتعدى الأمر ذلك إلى ما هو اخطر ، فهناك ملفات في تاريخ صالح ليست بالقليلة والتي يمكن أن تستخدم ضده في حال نفد صبر من يحاولون إلى الآن الإبقاء على المودة معه ، رغبة منهم في أن يرحل بهدوء دون أن يعرض البلاد لأي نوع من المخاطر ، فذلك يعني انه رحل وفي النفس شيء ! تبدو الأيام المقبلة أكثر خطورة في اليمن ، وعلى المعارضة أن تتوقف عن " لعب " السياسة في شكلها الراهن ، إما أن تنحاز إلى الشعب أو أن تتحمل المسؤولية التاريخية عن إفشال ثورة الشباب .. أما صالح فسيرحل بدون شك . الآن .. هل موعد الأحد الذي ضربه صالح وحزبه حقيقيا ؟ .. أم مجرد مناورة جديدة ، لا يستفيد منها هو أو شعبه ؟!