بينما يهطل المطر على الخيام يتجمع عشرات الآلاف من اليمنيين المعتصمين على موائد الإفطار متحدين الظروف التي تزداد بؤسا، داعين أن يجدد شهر رمضان حركة احتجاجية متراجعة. لقد اعتصموا في ساحة التغيير منذ ستة أشهر قرب جامعة صنعاء حيث انطلقت الاحتجاجات لإنهاء حكم الرئيس علي عبد الله صالح، لكن الرئيس اليمني ما زال في السلطة على الرغم من أنه مقيم في السعودية لتلقي العلاج بعد أن أصيب إصابات بالغة في محاولة اغتيال تعرض لها في يونيو/حزيران الماضي. ويتمسك المحتجون بالأمل ويحاولون رفع الروح المعنوية في اعتصامهم بوجبات إفطار جماعية يعدها متطوعون، وبتنظيم المزيد من الحشود والمسيرات خلال الفترة التي تحتشد فيها أعداد كبيرة للصلاة في المسجد مما يتيح فرصة طبيعية للتجمع. وبخلاف الأجواء الاحتفالية في الميدان يتساءل السكان الذين يسيرون في الشوارع المكتظة التي غمرتها مياه الأمطار ما إن كان الكفاح ضد حكم صالح يستحق هذا الثمن في بلد يقل فيه دخل أكثر من 40% من السكان عن دولارين في اليوم. وارتفعت أسعار المواد الغذائية في واحدة من أفقر الدول العربية بصورة كبيرة، وشح الوقود وأصبحت العاصمة صنعاء تضاء ساعة واحدة فقط في اليوم بينما ينهار الاقتصاد والبنية الأساسية في البلاد. وتذمر محمد وهو سائق سيارة أجرة قائلا "كان وضعنا قبل ذلك لا بأس به إنهم يريدون ثورة والآن أصبح سعر البنزين 175 ريالا (72 سنتا) للتر، لقد كانت الكهرباء تنقطع لمدة ساعة أو ساعتين يوميا قبل ذلك والآن الكهرباء موجودة بالكاد لمدة ساعة ونصف"، وأضاف "ليس بوسعنا سوى التساؤل عن ما إذا كانت الأوضاع أفضل من قبل". أما بالنسبة للمحتجين فإن مجرد بقائهم في الشوارع رغم الهجمات التي استهدفت المتظاهرين والاشتباكات الضارية بين مجموعات حكومية ومعارضين مسلحين يدعو للاحتفاء وهم يتعهدون بتصعيد احتجاجاتهم. وقال المحتج علي الخولاني بينما كان يجلس داخل خيمته في انتظار الإفطار "رمضان سيزيدنا قوة أصبحنا جميعا أسرة واحدة وأتوقع انتصار ثورتنا هذا الشهر لأنه شهر النصر للمسلمين". وتخشى قوى أجنبية أن تدفع الاحتجاجات اليمن إلى وضع الدولة الفاشلة، ويواجه اليمن أيضا نزعة انفصالية في الجنوب ونشاطا لتنظيم القاعدة. وما زالت واشنطن والرياض تدعمان عملية نقل السلطة التي رعتها دول الخليج وتراجع عنها صالح ثلاث مرات من قبل، ودعا صالح في كلمة له بمناسبة شهر رمضان إلى الحوار، بينما تجاهلت المعارضة هذا العرض والتزمت بالاعتصام في الشوارع. إفطار وأمطار وقبل الصلاة والإفطار تطوع زكريا عبد الفتاح وأصدقاؤه لوضع كتل إسمنتية لرفع الخيام بعد ارتفاع منسوب مياه الأمطار، وقال إن "الأمطار لن تثنينا تماما مثلما عجز النظام عن إجبارنا على الخروج من هذه الساحة". ويقول محتجون إنهم أعدوا وجبات إفطار من خلال جمع تبرعات من رجال أعمال ومنظمات خيرية وكذلك بجمع مدخراتهم معا. وفي مطاعم محلية يعد متطوعون حساء الخضر وطواجن كبيرة من الأرز واللحم والدجاج بينما يفطر المحتجون الصائمون على التمر، وقد ارتفعت تكلفة التمر نحو 50% في رمضان الحالي، وكذلك السكر الذي يستخدم في صنع حلوى رمضان، بل إن سعر الخبز ارتفع 30%. وقال بعض السكان في صنعاء إنه على الرغم من إحباطهم فإنهم يلقون باللوم على الحكومة في الظروف الاقتصادية التي كانت تتدهور حتى قبل الاحتجاجات وهم يتهمون المسؤولين برفع الأسعار عن عمد لزيادة الاستياء من المحتجين. من جهته قال وضاح شيباني وهو رجل أعمال في صنعاء "إنهم يحاولون تحويل غضب الناس من الأحوال المعيشية إلى من يدعون إلى إسقاط النظام بدلا من السماح بتراكم الاستياء لأن الحكومة لا يمكنها تلبية طلباتنا". وبالنسبة لكثير من المحتجين فإن السخط من أحوال الاقتصاد هو الذي جعلهم ينطلقون للشوارع، وكان ثلث اليمنيين البالغ عددهم 23 مليون نسمة يعانون بالفعل من الجوع المزمن كما واجه اليمنيون بطالة تبلغ نحو 40% نتيجة الفساد المستشري. لكن محمد العوضي وهو من سكان صنعاء قال إن رمضان الحالي ستكون الأوضاع فيه أسوأ من السنوات الماضية، وأضاف العوضي "لدي ثمانية أفراد في أسرتي ينبغي علي إطعامهم والأسعار مرتفعة للغاية لدرجة أننا اضطررنا إلى أن نتخلى عن الكثير من الأشياء في رمضان مثل الحلوى واللحوم، حتى نتمكن بالكاد من شراء الاحتياجات الاساسية".