لم يحظَ قادة الدول في قمة العشرين المجتمعين في كان بفرصة الاسترخاء في ربوع الكوت دازور.. الاقتصاد العالمي غارق في مأزق كبير مرة أخرى، فأزمة الديون السيادية ما زالت تثقل كاهل أوروبا وأميركا أكثر من قبل، وكذلك معدلات البطالة المرتفعة والاختلال الماليّ العالميّ واختلال العملة، فضلاً عن الانخفاض المستمر لمعدّل النموّ في الدول المتقدّمة وزيادة الضغوط التضخميّة في البلدان الناشئة. في القمة الماضية في سيول بدا المجتمعون مستعدين للانتقال من لجنة إدارة الأزمات إلى مجموعة توجيه اقتصادي عالمي... ولكنهم مرة أخرى، وجدوا أنفسهم في قلب الدوّامة، وفي موقع إدارة كاملة للأزمات. في الواقع، ركّزت قمة كان في برنامجها على هدفين: تعزيز اتفاق منطقة اليورو الأخير لضمان عدم انتشار الأزمة القارية في جميع أنحاء العالم واستعادة زخم النمو العالمي. ولكن ثمة أهدافاً ستة يتعيّن على قمة العشرين تحقيقها كي تنجح في انتشال الاقتصاد العالمي الغارق في أزماته: 1- احتواء أزمة منطقة اليورو: بعد أشهر من المراوحة، سعت الدول السبع عشرة في منطقة اليورو إلى تهدئة الأسواق الماليّة العالميّة عبر التصديق على أحكام دعم الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي وإنقاذ اليونان. ومن المرجّح أن يكون لهذه الإجراءات تأثيراً موقتاً، فالصندوق الأوروبي يبقى عاجزاً عن التعامل مع أزمات الديون السياديّة في دول الاتحاد الأوروبي الكبرى، كما أنه لا يقوى على تصحيح الخلل الهيكلي الأساسي: منطقة اليورو مجرّد اتحاد نقدي يُدار محلياً، وليس على أساس أنه كيان واحد. في هذا الإطار، يجب أن تتيح قمة العشرين للرئيس الأميركي باراك أوباما ولقادة الدول الآخرين فرصة تصعيد الضغط على رؤساء الدول الواقعة في منطقة اليورو. كما أن تعطي لدول مثل الصين والبرازيل فرصة المساعدة في احتواء انتشار الأزمة في منطقة اليورو، وذلك باستخدام مواردها الهائلة في رأس المال لدعم صندوق النقد الدولي لمكافحة أزمة الموارد. 2- تقديم خطة ذات مصداقيّة لتنسيق السياسات الاقتصاديّة الكليّة: واحدة من أكبر العوائق أمام النمو العالمي هو انعدام اليقين بشأن اتجاه السياسات الاقتصادية العالميّة في الدول العظمى. ولمواجهة الانجرار الفوضوي في هذا الانطباع، على قادة الدول أن يقدّموا رسالة واضحة عن الخطوات التي تنوي اتخاذها، فردياً وجماعياً، للمضي قدماً ضمن أطر محدّدة لتحقيق نمو قوي ومستدام ومتوازن، كانت أيّدته حكوماتهم منذ أيلول العام 2009. لذا يتعيّن أن تضمّ خطة مجموعة العشرين المقبلة قائمة من الخيارات السياسية المثيرة وذات المصداقية، والمبنيّة على حقيقة أن جميع البلدان لا يمكنها أن تشقّ طريقها إلى النمو بمفردها. 3- إنشاء آليات للتقييم المتبادل: في قمة العام 2009 في بطرسبرغ، دعم أعضاء مجموعة العشرين آلية متعددة الأطراف للتقييم المتبادل، بهدف تقييم تأثير سياسات الدول الأعضاء على تعزيز أهداف «الأطر المحدّدة». وكانت هذه الدول، قد صادقت في وقت سابق من العام الحالي على مجموعة من المؤشرات الواجب اعتمادها في تقييم مكامن الخلل في الاقتصاد الكلي، كما على المعايير التي يمكن من خلالها قياس اختلالاته. من الناحية النظرية، يمثل هذا الأمر تنازلاً كبيراً من جانب الدول الكبرى كالولايات المتحدةوالصين اللتين ستفتحان نفسيهما للتدقيق الخارجي، بما في ذلك صندوق النقد الدولي. 4- تطبيق الإصلاحات المتفّق عليها سابقاً في صندوق النقد الدولي: شكّل قيام مجموعة العشرين، كأول منتدى لتنسيق أعمال الاقتصاد العالمي، تحولاً هائلاً من الدول القوية إلى الدول الناشئة. إذ كانت مجموعة العشرين قد اقترحت إجراء إصلاح في نظام الحصص الحالي لصندوق النقد الدولي من خلال إعادة هيكلة هذه الحصص، بحيث يُسحَب جزء من تلك العائدة للدول ذات التمثيل المرتفع في الصندوق إلى التي تمتلك حصصاً أقل، وبصفة خاصة الدول الناشئة والنامية. ما معناه، أن في العام 1990، كان أعضاء الأسواق المتقدمة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يشكلون 60 في المئة من الناتج العالمي. أما في العام 2025، فمن المفترض أن تصبح هذه النسبة 30 في المئة، حتى تساوي أسهم الصين والبرازيل والهند وروسيا. من هنا على مجموعة العشرين اليوم أن تقدّم خطة طريق واضحة لهذه الإصلاحات، كما عليها أن تعمل على إقرار جدول زمني صارم لتطبيقها. 5- إظهار الالتزام بأحكام اللائحة الماليّة: بعد أكثر من ثلاث سنوات على إعلان مصرف «ليمان براذرز» (الإخوة ليمان) إفلاسه، وهو أكبر مصرف استثماري ينهار منذ العام 1990، لا تزال مجموعة العشرين عاجزة عن تحديد معايير احترازية مشتركة تحدّد عمل المؤسسات الماليّة الكبرى العابرة للحدود. هناك العديد من المخاطر المحدقة التي تهدّد بتكرار تجربة «الإخوة ليمان» أو باستمرار «السباق نحو القاع». من هنا، يتعيّن على مجموعة العشرين ابتكار وسائل للتصدي لهذه المخاطر، علماً أن مجلس الاستقرار المالي لا زال يعاني من نقص فادح في موارده كما في طاقمه البشري (20 موظفاً فقط). لذا ينبغي على مجموعة العشرين أن تلتزم بدعم مجلس الاستقرار المالي بالموارد التي يحتاجها وتوسيع دائرة العضوية فيه حتى تتجاوز دول العشرين. يُضاف في هذا الإطار، التشديد على ضرورة تعزيز الرقابة العالمية على الأسواق العالمية وعلى نظام الظل المصرفي. 6- إحياء أجندة التجارة العالمية: يشكّل فشل دول مجموعة العشرين في توحيد جهودها لتحرير التجارة المتعددة الأطراف خيبة أمل كبيرة. من هنا، على هذه الدول اليوم أن تجدّد تصميمها على إعادة تنشيط مفاوضات «التحرير» في الاجتماع الوزاري المقبل لمنظمة التجارة العالمية في كانون الأول المقبل. وفي النهاية، كما هو الحال مع جميع القمم، الثماني والعشرين، فإن البيان الختامي سيمسّ العديد من القضايا الحساسة منها تعزيز الأمن الغذائي واعتماد تدابير مكافحة الفساد، لكن الحكم بفشل أو نجاح أي قمة يتحدّد من خلال اتخاذ الخطوات الجريئة اللازمة لاحتواء المخاطر المالية، وإنعاش النمو العالمي كما العمل على تكييف المؤسسات القديمة وفقاً للحقائق الجديدة.