عكس إقبال اليمنيين علي صناديق الاقتراع في انتخابات الرئاسة المبكرة التي فاز فيها المرشح التوافقي الوحيد عبد ربه منصور هادي برئاسة انتقالية مدتها عامان. عدة دلالات أهمها أن الشعب اليمني الذي عاني من متاعب جمة عاشها علي مدار عام كامل بات يرغب في التغيير السلمي ويرفض سفك المزيد من الدماء مع فرضية أن التسوية السلمية جاءت من واقع صعوبة الحسم الثوري الفوري ومخاوف الحرب الأهلية. صوت أنصار صالح وخصومه للرئيس الجديد. في معادلة يبدو أنها منحت الجميع شعورا بالزهو والانتصار. فأنصار الرئيس السابق يقولون أن الرئيس الجديد كان نائبا لصالح وما زال ينوبه في رئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام الذي لايزال يملك نصف أعضاء الحكومة, فضلا عن أسلوب الخروج المشرف لصالح من الحكم بانتخابات ديمقراطية وحصانة دستورية وبقاء أقاربه في السلطة. أما خصوم صالح فيرون في انتخاب هادي طيا لصفحة عمرها33 سنة وإنهاء عصر الأسرة الحاكمة وتنفيذا لشعار إسقاط النظام الذي رفعه شباب الثورة. ويؤكد حماس اليمنيين في الانتخابات أن الرئيس عبدربه منصور هادي ستكون لديه شرعية معقولة جدا لقيادة البلاد في المرحلة الانتقالية بما يمكنه من إحداث التغيير المطلوب ومواجهة تركة ثقيلة من المشاكل سبقت حتي ثورة الربيع ومطالب الشباب. توافق وطني ويري الدكتور أبو بكر القربي وزير الخارجية اليمنية في تصريحات ل( الأهرام) أن الجميع مقتنع بأن اختيار عبدربه منصور هادي لرئاسة المرحلة الانتقالية كان تعبيرا عن توافق بين الأحزاب السياسية, والأهم من ذلك أن حزب المؤتمر الشعبي والرئيس صالح اعتبر أنه الشخص المناسب في المرحلة القادمة لقيادة البلاد وإخراجها من الأزمة خلال عامين. ويضيف القربي: هناك أيضا إجماع إقليمي ودولي علي شخصية عبدربه منصور هادي, وأعتقد أن السبب في هذه القبول والإجماع أنه أثبت علي مدي السنوات الماضية كنائب للرئيس وقبلها منذ أحداث يناير1986 أنه من العسكريين والسياسيين الناضجين الذين يعرفون أن حل الخلافات يكون عبر الحوار والحلول السياسية. ويجزم وزير الخارجية اليمنية بأن إقبال المواطنين علي التصويت لم يكن يعني فقط اختيار رئيس للجمهورية وإنما لإعلان موقف الشعب اليمني وتعزيزا للاتفاق السياسي الذي وقعه المؤتمر والمشترك. ويعتبر الدكتور القربي أن الأوضاع التي وصلت إليها اليمن اليوم كان البعض يحاول اختزالها في الرئيس علي عبد الله صالح.. لكن الكل ساهم فيها سواء الأحزاب السياسية والقادة في الجيش وشخصيات اجتماعية ورجال أعمال ولو بدرجات متفاوتة حتي السكوت. ويؤكد وزير الخارجية أن القضية ليست بقاء أو ذهاب علي عبد الله صالح لكن ماذا بعد؟ اليمن في حاجة إلي إعادة التفكير في بناء الدولة الحديثة, وبناء مؤسساتها الفاعلة لخدمة المواطن وتحقيق العدالة والتنمية ومكافحة الفقر والتطرف والإرهاب. ويؤكد الدكتور عبدالسلام المهندي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة صنعاء أن عبد ربه منصور هادي يمتلك علي المستوي الشخصي العديد من الخصائص الفردية التي تجعل منه مرشحا توافقيا نظرا لقدرته علي التعايش مع مختلف الثقافات فهو من أوائل الطلاب اليمنيين الذين سافروا للدراسة في بريطانيا وتعرف علي جوانب المدرسة البريطانية من خلال التحاقه بجامعة سان بطرس برج وهي من أهم الأكاديميات التي تخرج القادة.. وبذلك فقد اكتسب القدرة علي التعامل مع المدرسة البريطانية, وفي ظل فترة الاتحاد السوفيتي سافر إلي روسيا وتعرف علي الثقافة الروسية, وقد اكتسب خلال هذه الفترة العديد من المهارات والقدرات التي أهلته ليكون قائدا عسكريا بامتياز. ويعتبر المهندي إن الخصائص التي يمتلكها هادي تجعل منه شخصا مخضرما وهو ما يجعل من التوافق عليه أمرا منطقيا بل مطلوبا خلال هذه الفترة الحرجة من تاريخ الشعب اليمني. ويري المهندي أن هادي عرف كشخصية مهنية بعيدة عن حالات الصراع السياسي. وعلي الرغم من حالات الاستنفار الشديد التي كانت تعيشها الساحة السياسية اليمنية.. إلا أن هادي لم يكن ينخرط فيها, ولم يكن في يوم من الأيام عنصرا من عناصر التوتر والشحن السياسي بل علي العكس من ذلك تماما فقد تبني العديد من المبادرات التي كان من شأنها رأب الصدع, وتبني عددا من جوانب الإصلاح السياسي بين المتخاصمين, وشهد منزله العديد من جولات الحوار خلال السنوات الماضية. ويؤكد الدكتور عدنان عبدالقادر الشرجبي أستاذ علم النفس والتحليل النفسي بجامعة صنعاء أن التوافق السياسي بين أحزاب اليسار واليمين والوسط علي شخصية عبدربه منصور هادي يدل علي السمات الشخصية الايجابية التي يتصف بها المتمثلة بالقبول الاجتماعي لشخصية الرجل والتاريخ النضالي والوطني والاعتراف له بالكفاءة والاقتدار فقد وجد فيه البعض تجسيدا لشعار رئيس من أجل اليمن, ولم يشع عنه انغماس في الفساد مما يجعله مقبولا لدي الآخرين مقارنة بغيره, كما يري فيه البعض الآخر الحل الأقل كلفة علي اليمن ووجد فيه آخرون تجسيدا للوحدة الوطنية لليمن. من هو هادي ؟ تشير السيرة الذاتية لرئيس اليمن الجديد أنه ينحدر من عائلة شهيرة معظم رجالها كانوا مناضلين ضد بريطانيا في عدن منتصف القرن الماضي, وكان منهمكا في الدراسة.. ثم التحق بالجيش, وفي مطلع الستينيات اختارت المملكة المتحدة أربعة من أفضل الشبان الأذكياء داخل الجيش, وابتعثتهم للدراسة إلي واحدة من أعرق الكليات العسكرية في بريطانيا; الملكية العسكرية( ساند هيرست), وفيها درس وتزامل مع معمر القذافي وعبدالفتاح يونس حتي تخرج منها متفوقا. وعاد الطالب النجيب من لندن إلي عدن بعد سنتين, وكان الصراع والقتال وقتئذ بين الجبهة القومية وجبهة التحرير في عدن علي أشده, لكن الشاب الذي انخرط في النضال الوطني واصل دراسته العسكرية, ولم ينغمس في الصراع, كما لم تطله لعنة الحرب الأهلية آن ذاك, وتلك ميزته. فالذين لم يعرفوا عبد ربه منصور هادي قبل اليوم, عرفوه هذا العام, عندما أمسك العصا من الوسط بجدارة فائقة. وأمضي عبد ربه منصور هادي سنة كاملة وزيرا للدفاع, ثم18 عاما بعدها نائبا لرئيس الجمهورية, ويقول سجله الوطني إن الرجل لم يتورط في صفقة فساد واحدة. والرئيس عبدربه منصور هادي من مواليد 1945 م محافظة أبين منطقة الوضيع جنوباليمن, وحاصل علي بكالوريوس علوم عسكرية بالمملكة المتحدة 1966 م, ودورة مدرعات بمصر 1969 م, وماجستير علوم عسكرية بالاتحاد السوفيتي السابق1979 م. وتقلد عددا من المناصب القيادية في جنوباليمن قبل الوحدة منها أركان حرب سلاح المدرعات, وأركان حرب الكلية الحربية, وقائد محور عملياتي, ومدير دائرة التدريب القتالي, ومدير دائرة الإمداد والتموين, ونائب رئيس هيئة الأركان العامة. كما تقلد مناصب بعد الوحدة22 مايو1990 منها مستشارا عسكريا لمجلس الرئاسة ووزيرا للدفاع1994 ونائب رئيس الجمهورية أكتوبر.1994 ومنح هادي عددا من الاوسمة الرفيعة منها وسام الوحدة, ووسام الاستقلال, ووسام الاخلاص. وانتخب نائبا لرئيس المؤتمر الشعبي في المؤتمر الخامس وأعيد انتخابه في المؤتمر السادس, كما انتخب نائبا أول لرئيس المؤتمر وأمينا عاما للمؤتمر الشعبي العام في12 نوفمبر.2008 تحديات جمة ويبدي مراقبون للشأن اليمني مخاوف من مرحلة ما بعد الانتخابات وإستحقاقات المرحلة الانتقالية خاصة في ضوء تعثر بعض خطوات مبادرة الخليج مع بقاء مخيمات الشباب المعتصمين في الساحات والذين يؤكدون انهم مستمرون حتي استكمال بقية أهداف الثورة وأيضا استمرار انشقاق الجيش اليمني. وبعد ذهاب سكرة الفرح الانتخابي خلال الأسابيع القادمة يتعين علي الرئيس الجديد الذي عاش في ظل الرئيس صالح اتخاذ قرارات حاسمة في إعادة هيكلة الجيش وسحب القوات والمظاهر المسلحة من المدن ومعالجة وضعية أقارب الرئيس وتبعات عودة علي عبد الله صالح لممارسة نشاط حزبي وسياسي من خلال حزب المؤتمر, فضلا عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتدني الخدمات وشحة الموارد.