اثار التمرد الذي اكدت السلطات اليمنية انها قضت عليه هذا الاسبوع جدلا كبيرا حول النزعات المذهبية في البلاد وخصوصا داخل المذهب الزيدي نفسه الذي ينتمي اليه الرئيس علي عبد الله صالح ومعظم القبائل اليمنية في المناطق الشمالية. واعلنت السلطات اليمنية انها قضت على ما اسمته "النعرة الطائفية". واكدت وزارة الدفاع مساء الثلاثاء "انتهاء كافة العمليات الامنية والعسكرية" في شمال غرب اليمن مع استمرار ملاحقة زعيم حركة التمرد بدر الدين الحوثي بعد اسبوعين من المعارك التي اوقعت نحو 280 قتيلا. وكانت السلطات كسبت الجولة الاولى من هذا الصراع الذي كان قد اسفر عن مقتل اكثر من 400 شخص من الجانبين, ومنهم حسين الحوثي الداعية المتطرف وزعيم الحركة المتمردة الذي قتله الجيش في ايلول/سبتمبر 2004 بعد حوالى ثلاثة اشهر من اعلانه التمرد. وتؤكد السلطات ان بدر الدين الحوثي والد حسين بدر الدين الحوثي والذي يعد احد المرجعيات الدينية للزيديين هو الذي يقود التمرد الجديد. ويعتبر بدر الدين الحوثي المرجع الروحي ل"الشباب المؤمن" وهي حركة متطرفة تأسست عام 1997. وابرز الزعماء المطلوبين في هذه الحركة هم نجله عبد الملك الحوثي وعبدالله الرزامي ويوسف المدني. واكد مرتضى زيد المحطوري رئيس مركز بدر لتعليم المذهب الزيدي في صنعاء, ان الحوثي لا يمثل المذهب الزيدي. وقال لوكالة فرانس برس ان "الحوثي لا يمثلني ولا يمثل المذهب الزيدي". واتهمت السلطات اليمنية الحوثي وانصاره "بالغلو والخروج عن المذهب الزيدي" وبانه يثير "نعرة طائفية تضر بوحدة البلاد". وكان علماء الزيدية في صنعاء تبرأوا من حركة الحوثي وادعاءاته, وذلك في بيان اصدروه خلال المواجهات المسلحة الاولى بين انصار الحوثي وقوات الجيش والتي انتهت باعتقال نحو 800 من انصار الحوثي لا يزالون يقبعون في المعتقلات. ويندد التيار المعتدل في المذهب الزيدي الذي يتحدر منه الرئيس اليمني ورئيس البرلمان, الشيخ عبدالله الاحمر الذي يتزعم حزب الاصلاح ابرز حزب اسلامي معارض, بحركة التمرد. ويتميز اتباع المذهب الزيدي الشيعي الاصل بالاعتدال والتسامح. وقد استمدوا اسمهم من الامام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (699-740), الذي يعتبرونه خامس وآخر الائمة. وتركزت التهم التي وجهتها السلطات اليمنية الى حسين بدر الدين الحوثي بالخروج على الشرعية الدستورية والتعصب العنصري والسلالي وادعاء الامامة والخروج على الحاكم. وفي تموز/يوليو الماضي, اتهم الرئيس صالح "جهات خارجية" بدعم التمرد من دون ان يحدد هذه الجهات. وكان بدر الدين الحوثي قال في حوار صحافي نشرته اسبوعية "الوسط" اليمنية المستقلة منتصف مارس/ آذار الماضي ان نجله حسين كان داعية الى الحق "ومقاوما للاميركيين واليهود"، واضاف ان حسين اعلن صراحة ان الحكم وفقا للنظرية الفقهية والمذهبية لا يكون إلا في "البطنين" من سلالة الامامين الحسن والحسين نجلي الخليفة علي ابن ابي طالب. وكان حسين الحوثي مثل في البرلمان من 1993 الى 1997 حزب "الحق"الديني التقليدي ثم انشق عنه عام 1997 ليؤسس حركته المسلحة "الشباب المؤمن"، وفي 2003, بدأ ينظم عبر البلاد تظاهرات معادية للولايات المتحدة مما اثار حذر السلطات منه. ثم تحصن مع قرابة 3000 من انصاره في جبال مران قرب الحدود مع السعودية على بعد نحو 250 كلم شمال صنعاء. وقبل مقتله, قال الداعية لوكالة الأنباء الفرنسية ان نزاعه مع الدولة نجم عن مواقفه المناهضة للاميركيين. وكان الحوثي يأخذ ايضا على السلطات عدم التزامها بالشريعة الاسلامية وخصوصا في المدارس، وكانت حركته بدأت بعمليات بهدف منع التلاميذ من الذهاب الى المدارس. ووصف الحوثي الرئيس صالح بانه "جبارا طاغية لم تعد له شرعية دينية ولا ديموقراطية ويتقرب بدماء ابناء شعبه لامريكا واسرائيل". ويعود تاريخ المذهب الزيدي في اليمن الى عام 897 بدخول الامام يحيى بن الحسين الحسني الرسي الذي لقب نفسه ب"الهادي الى الحق". ويعود اصل الامام يحيى الى جبل الرس في المدينةالمنورة (السعودية) التي قدم منها الى صعده بدعوة من عدد من قبائل اليمن لحل نزاعات بينها. وقد استطاع خلال 12 عاما ان يؤسس الدولة الزيدية الأولى التي اتخذت من صعده عاصمة لها واستمرت حتى 1052. وتستند الزيدية في اصولها الفقهية الى مذهب الامام زيد الذي لا يعترف بعصمة الأئمة ونظرية المهدي المنتظر مثل بعض فرق الشيعة الاخرى وخصوصا وبخاصة الاثنا عشرية. ويجيز المذهب الزيدي الخروج على حكم الظلمة. ويشكل معتنقو المذهب الزيدي الذين ينتسبون الى اسر هاشمية او القبائل القحطانية, بين 25 وثلاثين بالمئة من اجمالي السكان الذين يقدر عددهم بنحو 21 مليون نسمة غالبيتهم من السنة. والمذهب الزيدي هو اقرب المذاهب الشيعية الى السنة وهذا ما يفسر حالة التعايش المذهبي بين الزيدية والسنة في اليمن على مدى قرون طويلة لم يشهد خلالها هذا البلد اي شكل من اشكال الصراعات او الحروب المذهبية. وكانت الحروب والصراعات تتركز على الحكم ومنصب الامام فقط. وانتهت تلك الحروب والصراعات بثورة 26 سبتمبر/ايلول 1962 التي اعلنها الجيش في صنعاء وقضت على نظام الامامة باسقاط الامام محمد البدر.