خلافًا لتجارب دول الربيع العربي في الحشد منذ سنة 2011، فإن ما يحدث في اليمن ليس بالثورة المضادّة بأتمّ معانيها وليس بحرب أهليّة، بل ما يحدث مُعلّق بين الاثنين. فبينما كان البعض يتكلم عن ان اليمن شهدت نجاح نسبي لما يسمى بالربيع العربي، جاءت المبادرة الخليجية المدعومة دولياً لتخرب على ذلك النجاح، حين استفاقت صنعاء على صدمة سقوط صنعاء في يد الحوثيين في ال21 من سبتمبر الماضي. شكلياً يبدو أن الوضع السياسي مستمر في اليمن كما كان عليه قبل سبتمبر، لكن على أرض الواقع يبدوا الوضع متضارب إلى حد كبير مع تزايد حدة الاضطرابات والتدهور الأمني والتي تلوح في الأفق حاملة رياح تغييرٍ قد يكون أكبر مما نتج عن أحداث 2011، فالرئيس هادي وحكومة بحاح يبدوا للعيان، أنهما من يديرون البلاد، لكن على الواقع وما هو في الخفية، فإن طرفين يحكمان على الأرض، هما جماعة الحوثي المسلحة، والطرف الاخر الذي يديره علي عبدالله صالح. يعمل علي عبدالله صالح بما يملك من أموال وعتاد ورجال، من أجل شيئين أحدهما أهم من الآخر، الأول الانتقام من معارضيه، وهو ما تحقق فعلياً حتى الان، اما الاخر وهو الخفي، الاعداد وتجهيز الحكم لنجله احمد الذي كان يقود الحرس الجمهوري سابقاً قبل ان يعين اخيراً سفيراً لدى الإمارات. لكن هل يسمح الحوثيين ان يصعد احمد علي للحكم، ام ان ما يطلق عليها الحوثيون "ثورة سبتمبر"، قد اطاحت بأحلام وطموحات أحمد الذي يبدوا عليه أنه لا يزال يسيطر على قوات كبيرة من الجيش خصوصاً في العاصمة صنعاء. علاقة الحوثيين بأحمد علي ؟ تبدو علاقة الحوثيين بنجل الرئيس السابق علي عبدالله صالح متناقضة، فقد وجه لهم ضربات موجعة أيام حروب صعدة وفي منطقة بني حشيش شمال صنعاء، في حين ساندهم عقب الانتفاضة التي أطاحت بوالده وزودهم بسلاح الحرس الجمهوري، وفق بعض المتابعين. وكشف الكاتب البريطاني ديفيد هيرست عن صفقة سرية عقدت بين أحمد علي عبدالله صالح والإيرانيين في روما قبل شهور من هجوم الحوثيين على صنعاء؛ وهو الأمر الذي يفسر لماذا كانت قوات علي عبد الله صالح تذوب كلما تقدم الحوثيون واقتربوا من مواقعها. التفاصيل التي نقلها موقع “عربي 21″ في شهر أكتوبر المنصرم، قال فيها هيرست أنّه توصل إلى معلومات عن طريق مصادر مقربة من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي أفرغت رئاسته من كل مقوماتها بسبب هذه الأحداث، أن اجتماعاً عقد في روما في شهر مايو بين الإيرانيين وأحمد علي عبد الله صالح، وأخبر الإيرانيون أحمد في هذا الاجتماع أنهم على استعداد للاعتراف له بالوضع في اليمن إذا امتنعت الوحدات الموالية لوالده عن اعتراض تقدم الحوثيين. وقال هيرست على لسان هادي إن الأمريكان هم الذين أخبروه عن الاجتماع الذي انعقد في روما، ولكن بعد أن تمكن الحوثيون من الاستيلاء على صنعاء. وكشف الكاتب عن الدور الإماراتي في الفوضى التي تجتاح اليمن هذه الأيام بالقول “يزداد عامل الفوضى سوءاً حينما تأخذ بالحسبان الأدلة المتواترة على أن الإمارات العربية المتحدة، الحليف الأقرب للمملكة العربية السعودية، هي التي فتحت الطريق أمام الحوثيين ليجتاحوا البلاد. لم يجد التمدد الحوثي ما يوقفه لأن قوات الحكومة التي ما تزال على ولائها للرئيس السابق والرجل المتنفذ علي عبد الله صالح تخلت عن قواعدها. أحمد علي خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد قبل سقوط صنعاء كان متواجداً في اليمن، فقد وجه رئيس الحكومة السابق محمد سالم باسندوة في يونيو الماضي إلى وزير الخارجية رسالة نصت على إبلاغ السفير «أحمد علي» بسرعة العودة إلى صنعاء من أجل تسليم ما بحوزته من عهد مختلفة للدولة ووزارة الدفاع. وبحسب المذكرة فأن الاستدعاء تم بناء على قرار مجلس الوزراء في جلسته التي عقدت برئاسة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي يوم الخميس 12 يونيو الماضي بدار الرئاسة. وحاول نجل صالح ابعاد التهمة عنه، وتكذيب الاخبار التي تحدثت عن لقاءاته مع الإيرانيين في روما، عبر بعثه رسالة إلى وزير الخارجية عبدالله الصايدي، قال فيها إنه في اليمن منذ بداية شهر أغسطس، بطلب من وزير الخارجية السابق جمال السلال، ورئيس الوزراء السابق محمد باسندوة. وذكرت صحيفة الأولى أن نجل صالح قال أنه عاد بناء على دعوة الوزير السابق ورئيس الوزراء السابق، الصادرة وفقاً لقرار مجلس الوزراء، في الاجتماع الذي عقد برئاسة رئيس الجمهورية، والذي طلب منه العودة إلى صنعاء "وحددوا الغرض من طلب العودة بتسليم ما بحوزتنا من عهد مختلفة للدولة إلى وزير الدفاع"، حسب تعبيره. وأضاف: "فور استكمالنا الأعمال الهامة بالسفارة، عدنا إلى صنعاء بتاريخ 2/8/2014، وتم التواصل مع وزير الخارجية السابق وإبلاغه بوصولنا –بحسب الطلب- والذي بدوره طلب منا الانتظار حتى إشعارنا بما يلزم". وتابع: "منذ ذلك التاريخ وحتى الآن ونحن في صنعاء، لم يصلنا أي إشعار أو طلب من وزارة الخارجية أو من رئيس الوزراء أو من أي جهة أخرى، وتحديداً العهد المدعى أنها بحوزتنا، والتي لا نعلم عنها شيئاً، ولم يتم إبلاغنا أو حتى الحديث عن أي شيء متعلق بعملي السابق حتى تاريخ الطلب، خاصة وقد مضى على تنفيذ قرار تعييني سفيراً لليمن قرابة العامين". وفي أكتوبر من العام المنصرم كشفت مصادر حكومية عن شروع «أحمد علي» في تنفيذ خطة والده الثانية المتمثلة فى انقلاب عسكري، بمساعدة ضباط الحرس الجمهوري سابقا. ونقلت صحف خليجية إن اجتماعات سرية عقدت لضباط كبار في الحرس الجمهوري في إحدى الفلل التابعة ل«أحمد علي» في العاصمة صنعاء، مشيرة إلى أنه تم تشكيل لجنه لذلك المخطط الانقلابي، فضلا تشكيل فريق عسكري يتكون من ثلاثين ضابطا لقيادة الإنقلاب، وتم في هذه الاجتماعات مناقشة كافة الترتيبات التي تطيح بالرئيس «هادي»، والقيام بحملة اعتقالات تشمل وزير الدفاع وقائد الشرطة العسكرية وبعض من لايزالون مواليين للواء «الأحمر» واعتقال العديد من القيادات السياسية. كما كشف المصدر أن «مهدي مقولة» نائب رئيس هيئة الأركان بوزارة الدفاع، وقائد المنطقة الجنوبية العسكرية سابقا، كان حاضرا في أحد الاجتماعات، وتم تكليف أحد ضباط الحرس الجمهوري بتجهيز قوة ضخمة واقتحام دار الرئاسة، لتنفيذ المخطط. والمخطط السري بحسب المصادر يتم بالتعاون مع ميليشيات الحوثي التي يتزعمها «عبد الملك الحوثي» لتضليل السعودية عبر التقليل من قدرة الحوثيين على السيطرة على زمام الأمور باليمن. هل سحب عبدالملك البساط من أحمد علي ؟ يحظى عبدالملك الحوثي بشعبية جارفة بين الحوثيين فهو يعتبر السيد الأول الذي لا يخرج عن طوعه أحد، ولا يمكن لأحد منهم التفكير ولو لبرهة مخالفة أوامره. ينقسم الحوثيون إلى قسمين، فالقسم المدني المتواجد في المدن أقل تشدداً من الذين يتواجدون في القرى والمناطق النائية، خصوصاً في محافظة صعدة، والذين يرون ان الولاية والحكم لا يمكن ان تكون لشخص غير سيدهم عبدالملك الذي يقولون ان الله اصطفاه عن غيره ليكون هو الحاكم للبلاد. بينما يرى من الحوثيون الذين يعيشون في المدن واختلطوا في السياسة انه يجب ان يكون هناك شخص يحكم البلاد غير عبدالملك الحوثي، فيما يضل عبدالملك صاحب القرار الأول والمرجعية في البلاد، مثل المرشد الأعلى للثورة الايرانية. قبل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، كان انصار المؤتمر الشعبي العام، يتناقلون اخبار عن ترشيح احمد علي للرئاسة، وبدئوا بتدشين حملة دعم وتجهيز ومطالبته للترشح للرئاسة، ووزعوا أوراق وقعت عليها تأكيد مطالبهم. يجمع الكثير من الشباب الذين ايدوا الرئيس السابق علي عبدالله صالح، انه لن يعود للحكم مرة أخرى، لكنهم يأملون ان يعود نجله وعبر بوابة الانتخابات التي كان يفوز بها والده وبغالبية كاسحة. وخلال الاشهر الماضية انتشرت صور مختلفة في شوارع العاصمة صنعاء جمعت زعيم جماعة الحوثيين، والعميد أحمد علي، وهو ما بدا واضحاً ان ما يحدث في اليمن بدا وكانه اتفاق بين الطرفين. يجمع مراقبون ان عبدالملك الحوثي لم يسحب البساط من تحت نجل الرئيس السابق، بل مهد له الطريق ليصل إلى مبتغاه، (الرئاسة اليمنية)، خصوصاً وانها صارت تهاجم نجل هادي "جلال هادي"، فخلال الفترة الماضية شنت الجماعة هجوماً لاذعاً عليه ، ووصفته بأقذع الالفاظ، كما اتهمته باختلاس ملايين الدولارات. ومنذ دخول الحوثيين إلى صنعاء، وقبل ذلك بأشهر، لم يوجه عبدالملك الحوثي أي هجوم تجاه صالح أو نجله، كما ان المسلحين الحوثيين لم يقتحموا منازل وشركات احمد علي، على غرار ما قاموا به تجاه منازل وشركات معارضي صالح من آل الأحمر. لكن يبقى أمام أحمد علي عقبة وحيدة وهي مخرجات الحوار، التي اشترطت لمرشح الرئاسة القادم ألا يكون منتسبا للمؤسسة العسكرية أو الأمنية، ما لم يكن قد ترك عمله في المؤسستين قبل فترة لا تقل عن 10 أعوام، وهذا الشرط وضع حاجزا آخر أمام وصول أحمد علي الى سدة الحكم. " مندب برس "