لا يصاحب الحرب إلا الدمار والخراب، ولا تخلفها إلا الآثار السلبية في جميع جوانب الحياة، وخاصةً الجانب البيئي؛ ليعاني المواطن من تدهور توفير الخدمات العامة، وفي حالات تنعدم لفترة طويلة؛ فيضعف إمداد المياه الصالحة للشرب وتتكدس النفايات "القمامة" وتطفح مياه المجاري وتنتشر الأمراض السارية والأوبئة، ونتيجة تقاعس المؤسسات الرسمية المعنية، يحاول المجتمع المدني تطويق ما يمكن من آثار التلوث البيئي. تسعى منظمة "صناع النهضة" من خلال مشروع "النقد مقابل العمل"، الممول من البرنامج الإنمائي التابع لمنظمة الأممالمتحدة UNDP – مكتب عدن، إلى توفير فرص عمل لخمسين شاب وشابة من مديرية المعلا، في مجال النظافة ورفع المخلفات، والذي يستمر على مدى أربعة أشهر. وأوضح المدير التنفيذي للمنظمة/محمد السيد بأن المشروع يمر بثلاث مراحل، تم إطلاق مرحلته الأولى مطلع شهر يناير الفائت، بخضوع 200 شاب وشابة لمقابلات منفردة، اعتمدت اللجنة المختصة باختيار 50 منهم/ن على عدة معايير، منها المستوى التعليمي للمتقدم/ة، ومدى القدرة على التعاطي مع المجتمع، وأهمية المشاريع المراد إنجازها، لينتقلوا إلى المرحلة الثانية، والتي تُنفذ على مدى ثلاثين يوماً، وتتمثل بالقيام بحملات نظافة في الشوارع الرئيسية والحدائق والمدارس بالمديرية، وينتقل عشرون متنافس/ة إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من المشروع، يتلقون فيها تدريباً مكثفاً بتصميم وإدارة المشاريع الاجتماعية المدرة للدخل؛ لتختار المنظمة عشرة، يحصلون على منح مالية للبدء بمشاريع تخدم النظافة والبيئة. وائل الجريري – أحد المتأهلين للمرحلة الثانية، تأثر كثيراً بمشروع توليد الطاقة من كبس النفايات في تركيا؛ لذلك وجد من المشروع فرصة سانحة لتحقيق إحدى أفكاره التي تحمل الهم البيئي على أرض الواقع، معتبراً المنافسة حافزاً للمثابرة وإثبات الذات في سبيل خدمة المجتمع والحفاظ على البيئة، وقال نظيره رأفت الوزان: "البيئة إدارة الإنسان لنفسه، وشأن يعني جميع أفراد المجتمع دون استثناء، ونتوقع تفاعل كبير من المجتمع، ما سيُحرج الجهات المعنية بالبيئة، ويضغط عليها باتجاه الالتزام بتقديم خدماتها للمواطن، ومع ذلك المدينة التي لا تخدمها سواعد أبنائها لا تحميها الأسوار مهما علت". شباب عدن ينظفون من جانبها تعتقد ليلى عمر – إحدى المتأهلات أن النزول الميداني للقيام بعملية التنظيف بحاجة لحملات توعوية ومحاضرات إرشادية للحفاظ على البيئة، بالتنسيق مع مكتب التربية والتعليم وصندوق النظافة والبلدية، مؤكدةً أن الإصلاح البيئي يبدأ بالحفاظ على النظافة الشخصية؛ فالتغيير يأتي من داخل الفرد، ومنه إلى البيت ثم المجتمع، بينما تشيد نظيرتها ولاء وليد بالأبعاد المتنوعة والمتداخلة للمشروع، أبرزها توفير فرص عمل مستدامة للشباب، وربطها بمشاريع فرعية تخدم بيئة المدينة ومظهرها الجمالي، متوقعةً أن تنبثق مشاريع تُعنى بفرز وتدوير النفايات وتشجير المتنفسات العامة وتحلية المياه وغيرها، وأشارت نجوى عبدالله إلى أن الحرب خلفت دمار مادي كبير، ولكن الأضرار النفسية أكبر، ولا يزال الشباب بحاجة للتوعية والدعم في ذات الاتجاه؛ لترقى بأفكارهم وتنمي قدراتهم، وتفرغ طاقاتهم بشكل إيجابي لصالحهم والمجتمع. ويأمل المهندس الكيميائي/غانم مروان بالحصول على تقييم من لجنة المتابعة بالمرحلة الثانية يسمح له بالعبور إلى المرحلة الأخيرة من المشروع؛ لينفذ مشروعه الخاص بِ "معالجة مياه الآبار"، وبهذا الصدد قال: "صعب على الناس الحصول على مياه صالحة للشرب أثناء الحرب؛ ولذلك لجئوا للآبار، أغلبها مغلقة منذ عدة سنوات، وبالتالي كانت مياهها ملوثة، وغير صالحة حتى للاستخدام؛ فاضطروا للشرب منها مما أدى إلى انتشار أمراضٍ عديدة كالحميات والفشل الكلوي"، مضيفاً: "للأسف ليست هناك معالجة سليمة للمياه، وتُباع على أنها نقية 100% بينما تحوي نسبة من الأملاح؛ ولذلك ستزود المحطة التي أرنو لها بفلاتر؛ لإيصال جودة المياه الصالحة للشرب إلى أعلى مستوى يوازي معايير الجودة العالمية"، وفي ذات الوقت تحمل ابتهال قاسم فكرة مشروع "إعادة تدوير المخلفات-النقد مقابل الصحة"، ولكن بطريقة مبتكرة، تعتمد على تخصيص صناديق تكافئ بالمال كل من يسلم المخلفات للقائمين عليها، على أن يتم تثبيت صندوق في كل باحة متنفس عام وساحة مدرسة بالمديرية، وبشقه التوعوي يهدف المشروع إلى إعادة تفعيل مجالس الآباء والطلاب؛ للتعريف بعملية إعادة تدوير المخلفات والطرق الأسلم للتخلص منها، وتخصيص يوم إذاعي مدرسي شامل؛ لتعزيز ثقافة النظافة الشخصية. حصدت مديرية المعلا - من بين مديريات محافظة عدن الثمان بتقييم من مكتب صندوق النظافة المركز الأول لمرتين على التوالي في السنوات الأخيرة، وتتداعى منظمة "صناع النهضة" بالتعاون مع الجهات الرسمية المعنية والمنظمات الدولية المانحة إلى توسيع أرضية الشراكة مع منظمات المجتمع المدني المحلية؛ لتحافظ على هذا المستوى من النظافة البيئية.