نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رداً على افتراءات (شاهد على العصر)
نشر في الوحدوي يوم 21 - 02 - 2009

استكمالاً لحديث الوثائق الذي قدمته “الخليج” للرد على افتراءات برنامج “شاهد على العصر”، تقدم “الخليج” ثلاث شهادات ومعها رؤية تحليلية لواحد من كبار أساتذة تاريخ مصر المعاصر حول ما ردده جمال حماد في ذلك البرنامج، وهي شهادات لثلاثة من رجال ثورة يوليو الذين أدوا أدواراً مهمة في مسارها الوطني والقومي التحرري، أول شاهد هو السيد أحمد حمروش الرئيس الحالي لمنظمة التضامن الآسيوي الإفريقي وصاحب الموسوعة التاريخية التي أرخت لثورة يوليو في عدة مجلدات، ومسؤول تأمين الإسكندرية ليلة قيام الثورة.
والشاهد الثاني هو السيد محمد فائق الأمين العام السابق للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، ووزير الإعلام والدولة للشؤون الخارجية الأسبق، والمسؤول الأول عن حركات التحرر الإفريقية منذ عام 1953 حتى عام 1970.
أما الشاهد الثالث فهو اللواء سمير غانم أحد كبار رجالات المخابرات المصرية وقائد المقاومة في منطقة قناة السويس إضافة الى شهادة رابعة يقدمها المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي.
و”الخليج” إذ تنشر هذه الشهادات وتلك الرؤية لا تهدف لجدل عقيم حول شمس يسطع ضوؤها إنما هي تنحاز لشعارها الذي رفعته منذ صدورها والتزمت به وهو “للحقيقة دون زيف، وللواقع دون خوف” فكان لابد إذاً أن تصل المعلومة الصحيحة للقارئ.
على مدى 18 عاما عكف محمد فائق وزير الإعلام المصري الأسبق وأحد رجالات ثورة 23 يوليو/ تموز على “الملف الإفريقي”، على الاتصال بقادة حركة المقاومة والاستقلال في مختلف ربوع القارة السمراء، وتابع عن كثب وصول الدعم المصري الذي وفرته الثورة لتلك الحركات التحررية إلى منابعه الأصلية.
وعلى مدى سنوات طوال ظل محمد فائق يتابع عن كثب أيضاً تلك السهام المسمومة التي توجه على فترات إلى ثورة 23 يوليو وقائدها، لكنه بين وقت وآخر كان يخرج ليلجم هؤلاء المتربصين، ويكشف عظمة الدور الذي لعبته الثورة في دعم المد التحرري في إفريقيا.
عمل محمد فائق بالقرب من الرئيس عبدالناصر لسنوات وهو يروي تالياً العديد من التفاصيل ويكشف العديد من الحقائق، وكيف كان الرئيس عبدالناصر يختار معاونيه، وإلى نص الحوار:
كيف كان الرئيس جمال عبدالناصر يختار معاونيه وكيف كان يتعامل معهم؟
كان الرئيس جمال عبدالناصر يختار للوظائف الكبرى عناصر من الذين حققوا نجاحات في مهام سابقة ومثال ذلك صدقي سليمان الذي نجح في بناء السد العالي واختاره عبدالناصر رئيسا للوزراء، ومحمود يونس الذي نجح في مهام خاصة في تأميم قناة السويس وإدارتها، وعين بعد ذلك نائبا لرئيس الوزراء، وكذلك أنا بعد أن حققت نجاحا في المجال الإفريقي بشأن حركات التحرر عينت وزيرا للإعلام.
كانت اختيارات الرئيس تتم وفق معايير النجاحات التي حققت في مهام من قبل، وقد استعان عبدالناصر بعدد من أساتذة الجامعة اللامعين في عدد من الحقائب الوزارية، لكن للأسف الشديد البعض منهم لم يحقق النجاحات التي كانت تأملها الثورة، والبعض الآخر حقق نجاحا باهرا مثل الدكتور نبوي المهندس الذي كان يعمل أستاذا في الجامعة، ثم اختاره الرئيس عبدالناصر وزيرا للصحة، وقد كان الشخص الذي يفشل في تحقيق ما كانت ترنو إليه الثورة يتم تغييره، فلم يخلد وزير في زمن عبدالناصر بالبقاء لفترات طويلة، كما يحدث الآن، وعمليات التغيير التي كان يجريها عبدالناصر كانت تجدد الحيوية بما يحقق مصالح الشعب.
الاختيار وأهل الثقة لكن البعض كان يرى أن عبدالناصر كان يختار معاونيه وفق معايير الصداقة الشخصية؟
لو نظرنا إلى معاوني عبدالناصر من الذين لمعوا وأجادوا في العمل لم يكن من بينهم واحد من أصدقائه، فمثلا عزيز صدقي لم يكن يعرفه عبدالناصر إلا من خلال عمله وما حققه من إنجازات، وكذلك الدكتور محمود فوزي لم يكن من أصدقاء عبدالناصر لكنه برع في عمله فاختاره الرئيس، وكذلك رمزي استيفانو لم يكن من أصدقاء عبدالناصر عندما اختاره عضوا في اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي وهو التنظيم السياسي لمصر في ذلك الوقت، وكان عضوا في مجلس الرئاسة بعد انفصال الوحدة المصرية السورية.
لكن البعض يقول إن الرئيس عبدالناصر استعان بأصدقائه في سدة الحكم في بدايات الثورة؟
الأمر الطبيعي أن يأتي عبدالناصر برجال يعرفهم في بدايات الثورة لتثبيت أركانها وهؤلاء الرجال خضعوا لمعايير الوطنية الخالصة من دون الأخذ في الاعتبار أنهم أصدقاء للرئيس.
وما صحة أن الرئيس كان يضع أهل الثقة في أولوية اختياراته؟
وهل كان عزيز صدقي وصدقي سليمان ورمزي استيفانو من أهل الثقة الذين اختارهم عبدالناصر للعمل معه؟ بل كانوا من المتميزين في العمل الميداني، ولا أعتقد أن معيار أهل الثقة كان واردا في ذهن عبدالناصر، وإذا كانت الاختيارات الكبرى من أصحاب محل الثقة فهذا أمر طبيعي، والثقة هذه جاءت من خلال الكفاءة والبعد الوطني فيهم، وليس عيبا أن يستعين عبدالناصر برجال الثورة من الضباط الأحرار في مواقع في بدايات الثورة فهذا هو الأمر الطبيعي لأي ثورة، ولكن في عام 1956 أراد الرئيس فصل السياسيين عن الجيش، وعرض على جميع أعضاء تنظيم الضباط الأحرار أن يختاروا بين البقاء في الجيش أو العمل في السياسة، فخرج البعض للعمل السياسي بجوار عبدالناصر والبعض أسند له مهام معينة، والبعض الآخر ظل في الجيش برغبته، وأستطيع القول إن عبدالناصر كان يضع معيار الكفاءة والقدرة في اختياراته للأفراد الذين تولوا مقاعد السلطة.
ما صحة القول إن الرئيس عبدالناصر استطاع فرض رجاله على مجلس قيادة الثورة في حين فشل اللواء محمد نجيب في فرض أحد من أعوانه، وإن عبدالناصر منذ اللحظة الأولى للثورة كان يخطط للانفراد بالسلطة؟
هذا غير صحيح، وعبدالناصر هو قائد تنظيم الضباط الأحرار وكانت له وضعية ونفوذ داخل مجلس قيادة الثورة عن اللواء محمد نجيب رغم الاحترام والتقدير الذي كان يحمله عبدالناصر للواء محمد نجيب، لكن عند التنفيذ واتخاذ القرار كان لعبدالناصر ثقل كبير حتى قبل أن يتولى رئاسة مجلس قيادة الثورة، وأعتقد أن الأزمات داخل مجلس قيادة الثورة بدأت عندما بدأت الأحزاب السياسية المنحلة تتصل باللواء نجيب، وتحاول حثه على أنه وحده يستطيع قيادة الثورة بعد أن استقرت، كما سعت تلك الأحزاب إلى أن تفصله عن الثورة، وإلى حد ما استجاب اللواء نجيب إلى رغبة الأحزاب وهو ما أحدث خلافا داخل مجلس قيادة الثورة وقد كان لهذه الأحزاب مصلحة في تعميق الخلاف بين عبدالناصر ونجيب.
المستشارون ومؤسسات الدولة
وهل كان عبدالناصر يستشير معاونيه في القرارات التي كان يتخذها؟
الرئيس عبدالناصر جاء في فترة من الفترات وعين مجموعة مستشارين له في جميع المجالات، بمعنى أنه في الرئاسة كان هناك مستشارون للشؤون العربية الإفريقية الاقتصادية وهكذا، ثم وصل إلى قناعة مفادها بأن الوزير هو مستشاره الأول، فبدأ التركيز على الوزراء باستثناء بعض الأمور الدقيقة جداً كان للرئيس مستشاروه فيها، وكان الرئيس عبدالناصر يرجع دائما إلى جهة الاختصاص عند اتخاذه القرارات، لأن عبدالناصر كان يؤمن إلى حد كبير بأهمية ودور دولة المؤسسات في صناعة القرار، رغم أن تاريخه وثقله وشعبيته أهلته لاتخاذ أي قرار، لكنه في النهاية كان يلجأ إلى مؤسسات الدولة في اتخاذ القرار، ولا أعتقد أنه اتخذ قرارا بشأن الشؤون الخارجية مثلا من دون الرجوع إلى وزير الخارجية ومؤسسة الوزارة.
الانفصال عن السودان
ما حقيقة انفصال مصر عن السودان وكيف تم هذا الانفصال؟
قبل قيام الثورة كان الملك فاروق قد توج نفسه ملكا لمصر والسودان، بدافع من تأييد القوى الوطنية وللعلاقة التاريخية بين مصر والسودان والترابط الأسري، وقد نحت الثورة منحى مختلفا وذلك لوجود تيار كبير جداً داخل السودان يعارض الوحدة مع مصر.
بريطانيا وأمريكا تغذيان هذا التيار وتحثانه على ضرورة الانفصال عن مصر، وعبدالناصر قبل فكرة تقرير مصير السودان في مفاجأة أذهلت الاستعمار الانجليزي.
وقبل عبدالناصر بهذه الفكرة لإيمانه بأن فكرة حق “الفتح” باتت أمرا لا يتماشى مع روح العصر، رغم إيمانه بأهمية الوحدة في وادي النيل، لكن من منطق أن تأتي الوحدة بإرادة شعبية جامعة وليس إكراهاً، وهذه النقطة حكمت علاقة الرئيس عبدالناصر بكل مشروعات الوحدة التي أتت بعد ذلك، لأنه كان يؤكد ضرورة أن تكون هذه الوحدة لا إكراه فيها ولا حتى شبهة إكراه، لكنها وحدة تقوم بإرادة الشعوب، وكان السبب الأساسي في ذلك أن عبدالناصر أراد إدخال تقرير مصير السودان في مفاوضات الجلاء مع الإنجليز عن مصر، لأنه كان ينظر إلى ضرورة تحرير السودان من الاستعمار الانجليزي أيضا، لأنه لا معنى لأن يخرج الإنجليز من السويس (مصر) ويبقوا في السودان، وبالإضافة إلى أنه سواء كان السودان في وضع الوحدة مع مصر أو قرر مصيره بالاستقلال فإن أمنه بالنسبة لمصر مهم جدا، وإذا ظل متحدا مع مصر فسيكون هناك 7 حدود إفريقية أخرى واقعة تحت الاحتلال، وكان ذلك دافعا لدخول مصر في مواجهة شاملة مع الاستعمار، ففرنسا كانت موجودة في تشاد وإفريقيا الوسطى، وانجلترا موجودة في كينيا وأوغندا وبلجيكا موجودة في الكونغو.
الأمر الثاني كان عبدالناصر ينظر إلى أمن السودان من خلال حدوده لدول إفريقيا، وهو ما أدخل مصر في مواجهة شاملة مع الاستعمار القديم، وبالفعل بعد فشل عدوان عام 1956 انتهت الإمبراطورية البريطانية.
بعد الانفصال هل تخلت مصر عن عمقها الاستراتيجي في الجنوب؟
لا طبعا، بدليل أنه بعد 1967 تم نقل الكلية الحربية إلى الخرطوم وأنشأنا مطاراً هناك، وهو ما يعني أن السودان ظل هو العمق الاستراتيجي لأمن مصر، وقد عملت مصر “الثورة” على إقامة علاقة قوية ومتينة مع السودان ودول إفريقيا وساهمت في تحرير تلك الدول من الاستعمار.
مصر كانت ترغب في الوحدة لكنها كانت تأمل في تحقيقها عبر إرادة شعبية، غير أن حزب الاتحاد الوطني السوداني بقيادة الأزهري سعى إلى الاستقلال، فبادرت مصر بالاعتراف بالسودان كدولة مستقلة حتى تكسب مزيدا من الصداقة والعلاقة مع السودان، بل واستمرت في دعم الاستقلال باعتبار أن تأمين السودان هو بوابة مصر والثورة للدخول إلى إفريقيا لمساندة حركات التحرر من الاستعمار.
لماذا تجاوزت ثورة يوليو حدود مصر الجغرافية؟
دائما الثورات الكبرى يكون لها تأثير خارج حدودها، فمثلا الثورة الفرنسية التي رفعت شعار الإخاء والمساواة أثرت في أوروبا ونفس الأمر بالنسبة لثورة 23 يوليو/ تموز 1952 كان لها تأثير كبير جدا في مجالها العربي أولا ثم الإفريقي ثم العالم الثالث.
ففي بداية الثورة بدأت حركات التحرر بالتوسع، وقادت مصر هذه الحركة وفتحت القاهرة أبوابها لهذه الحركة التحررية من الاستعمار، فتحولت مصر إلى القاعدة الأساسية لحركة التحرر العالمي خاصة في محيطيها العربي والإفريقي، وهو ما أعطى مصر ثقلا سياسيا ووزنا استراتيجيا وسط العالم.
هذا الثقل دفع مصر لتصدر المشهد العالمي التحرري ومثال ذلك أن القاهرة شهدت خلال عام 1964 أربعة مؤتمرات للقمة من بينها مؤتمران للقادة العرب ومؤتمر دول عدم الانحياز ومؤتمر القمة الإفريقي. فضلا عما قامت به المجموعة الاقتصادية التي أنشأتها مصر، وحركة عدم الانحياز، فمصر خلال فترة حكم الرئيس عبدالناصر ومنذ بداية الثورة كانت محورا سياسيا دوليا كبيرا.
بوصفك كنت مسؤولا عن الملف الإفريقي ماذا قدمت مصر ثورة 23 يوليو إلى إفريقيا؟
مصر فتحت أبوابها لكل حركات التحرر الإفريقي ووقفت مع الجزائر ولعل أحد عوامل دخول فرنسا طرفا في العدوان الثلاثي عام 1956 كان مساعدة مصر لثورة الجزائر، فمصر ربطت بين أهمية التحرر من الاستعمار وبين مشروعات الوحدة ودعم الاستقلال.
مصر قدمت لإفريقيا مساعدات سياسية، فكنت كلما ذهبت إلى اجتماعات الجمعية العمومية في الأمم المتحدة كان بصحبتي قادة التحرر الإفريقي الذين أصبحوا الآن رؤساء لدولهم.
كنا نضع مستشارينا القانونيين تحت تصرفهم وقد ساعدنا العديد من الدول الإفريقية بالسلاح مثل جنوب إفريقيا وروديسيا الجنوبية وكينيا أيام “جومو كينياتا” وساعدنا أنجولا وموزمبيق وغينيا الاستوائية بالسلاح لمقاومة المستعمرات البرتغالية.
وقدمت مصر مساعدات عسكرية كبيرة ومنها تدريب ثوار التحرر في تلك البلدان كما قدمت مساعدات تعليمية، وأنشأت إذاعة موجهة لإفريقيا بثت بأكثر من 25 لغة ولهجة إفريقية ووافقت على فتح مكاتب سياسية لحركات التحرر في البلدان الإفريقية، وتم ربط هذه الإذاعة بهذه المكاتب، ومن حسن الحظ أن راديو الترانزستور كان منتشرا في ذلك الحين وهو ما ساعد شعب إفريقيا على التقاط ما بث من خلال تلك الإذاعة عبر الموجات القصيرة، لدرجة أن جومو كينياتا وهو في محبسه مثلا كان يأتي إليه السجانون ليحكوا له ما تبثه الإذاعة الإفريقية، وقد حكى لي جومو كينياتا بعد خروجه من السجن أن أكثر شيء كان يرفع من روحه المعنوية داخل السجن حين كان يأتي إليه السجانون ليقصوا عليه ما بثته إذاعة إفريقيا من القاهرة.
في ذلك الوقت كان هناك زعماء كبار مثل نيكروما وسيكوتوري ومانديلا وغيرهم تم الالتقاء بهم لتصبح ثورة إفريقية حقيقية ونقطة الارتكاز فيها هي القاهرة ولهذا حتى الآن تجد العلاقة بيني وبين مانديلا ممتدة.
لقاء مانديلا
بمناسبة مانديلا ما قصة لقائك الأخير مع مانديلا في القاهرة؟
اتصل بي مندوب من الرئاسة وقال لي إن مانديلا سيأتي إلى القاهرة وأنه يرغب في مقابلتك، وعندما حضر إلى القاهرة اتصل بي من رئاسة الجمهورية وقال لي أنا اتصل بك لأقدم لك اعتذاري.. عن موعد سابق.. فما كان مني إلا أن ذهبت إلى رئاسة الجمهورية لمقابلته، وهناك قال لي مانديلا إنني كنت على موعد لمقابلة الرئيس عبدالناصر قبل أن يلقى علي القبض فتذكرت مانديلا عندما جاء لطلب مقابلة الرئيس، كان عبدالناصر في ذلك الوقت مشغولا بزيارة الرئيس تيتو، وكان مانديلا في ذلك الحين من المفترض أنه سيغادر القاهرة بعد يومين إلى مالي في غرب إفريقيا.
تذكرت أنني بعد أن غادر إلى مالي اتصلت بمانديلا وقلت له تعال إلى القاهرة لمقابلة الرئيس عبدالناصر، فقال لي إنه سوف يتوجه إلى جنوب إفريقيا أولا ثم يعود إلى القاهرة، وأثناء وصوله إلى جنوب إفريقيا ألقت سلطات الفصل العنصري القبض عليه وظل 27 عاما داخل السجون.
في اللقاء قال لي مانديلا إنه جاء إلى القاهرة وسيتحرك إلى العديد من الدول بعد خروجه من السجن لحشد العالم إلى إسقاط نظام الفصل العنصري.
هل يمكن القول إن ثورة 23 يوليو 1952 قد تجاوزت حدودها الإقليمية لتفرض نفسها كواقع للتغيير في دول العالم من دون أن يكون لديها أيديولوجية؟
ثورة 23 يوليو/ تموز اكتشفت الدور المهم لمصر وسط العالم كونها كانت ثورة كبرى تجاوزت حدودها الجغرافية ومصر بموقعها كما قال عنه جمال حمدان في عبقرية المكان مهيأة بالتراكمات التاريخية التي تصاحبها بموقعها الجغرافي للعب دور في محيطها العربي والإفريقي والعالم الثالث، لذلك كانت مصر عبدالناصر من الدول الفعالة ولها تأثير كبير، وهذا الدور لم يكن قائما على أساس أيديولوجي بقدر ما كان قائما على أساس من الثوابت منها الاستقلال والتنمية والتي عمل من أجلها عبدالناصر.
هناك انتقادات وجهت للقيادة العسكرية في حرب 1956 بوصفها أولى المعارك المصرية بعد الثورة وأرجع البعض الهزيمة العسكرية إلى عدم خبرة المشير عبدالحكيم عامر لقيادة الجيش فما صحة ذلك؟
لم تكن هزيمة عسكرية، لكن مصر حققت انتصارا سياسيا ونجحت مصر في الأداء العسكري بشكل جيد عندما أفشلت خطة الهجوم العسكري، ونجحت القوات المسلحة في أدائها العسكري في سيناء، فقد عطلت كتائب من الجيش المصري تقدم الهجوم “الإسرائيلي” في 1956 على سيناء وأبلت بلاء حسنا، ولعل مذكرات القادة في “إسرائيل” أكدت ذلك، وأستطيع القول إن حرب 1956 شهدت أداء عسكريا جيدا أفشل الهجوم وحققت مصر نصرا سياسيا مدويا بمجرد فشل العدوان وصمود الجبهة المصرية الداخلية في عمليات المقاومة، وهنا أقول إن من حكمة الشعب المصري أنه عندما تتوافر له القيادة المناسبة يبدع في أدائه.
وماذا ربحت مصر بعد حرب العدوان الثلاثي عام 1956؟
أعطيك مثالا للملف الإفريقي الذي عكفت عليه منذ عام 1953 حتى استقالتي في عام ،1971 كنا نسعى لمقابلة قادة حركات التحرر في إفريقيا، فكنت اذهب إليهم في بلادهم متنكراً في شخص تاجر أو غيره قبل حرب ،1956 وبعد العدوان الثلاثي أصبح التوافد إلى القاهرة من قبل هؤلاء قادة حركات التحرر ليؤكدوا للاستعمار وللعالم أن تلك الحركات لها علاقة بمصر، وهنا ظهرت هوية الثورة وأهمية مصر في مواجهة الاستعمار في إفريقيا، وقد اكتشفت آسيا أيضا عبدالناصر في مؤتمر باندونج، وقد تغير الوضع في مصر والمنطقة بعد حرب 1956.
وماذا عن حرب 1967؟
حرب يونيو/ حزيران 1967 كانت هزيمة عسكرية قاسية، لكنها كانت هزيمة في معركة، لكن مصر لم تخسر الحرب، بدليل أنه بعد أيام قليلة استردت مصر ثقتها بفضل الجيش في معركة رأس العش، فالجيش لم يفقد إرادة القتال برغم ما فقده من سلاح وتجرعه لهزيمة عسكرية لم يكن يستحقها، وأمم كثيرة مرت بهذه التجارب، وأنا أرى أن عظمة عبدالناصر تجلت حقيقة بعد عام ،1967 الإرادة بقيت والقائد قال أنا مسؤول، والشعب أبدى رغبته في بقاء القائد، والمعنى هنا الإصرار على المقاومة ورفض الهزيمة ورفض الاستسلام، وصمود مصر مرة أخرى، وتبدأ حرب الاستنزاف وتعيد ثقة الشعب بالجيش والذي يعد نصرا للإرادة الوطنية المصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.