تواصل السلطة محاولة إعادة بسط سيطرتها على بعض مناطق المحافظات الجنوبية ، مستعينة بالحضور الأمني الكثيف المسنود بقوات الجيش ، وهو ما أجبر أنصار الحراك على تخفيف فعالياتهم الاحتجاجية ، واحتفاظهم بيوم الأسير الجنوبي الذي يتم إحياؤه يوم الخميس من كل أسبوع ، ومع ذلك يبقى مشهد العنف والدم حاضراً. خميس الأسبوع المنصرم لم يودع ليله إلا وقد بلغ ضحايا المصادمات التي اندلعت بين قوات الأمن والمتظاهرين في محافظة الضالع بيوم الأسير ثلاثة قتلى هم (علي محمد ناجي ، محمد سالم الأصم ، سيف علي سعيد) وأربعة جرحى ، وذلك إثر قيام قوات الأمن بتفريق مسيرة احتجاجية جابت شوارع المدينة مستخدمة القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي . وقد أعقب سقوط القتلى والجرحى تبادل لإطلاق النار بين قوات الأمن ومسلحين كما قام المتظاهرون بوضع الأحجار وإحراق الإطارات في الشوارع وقطع الخط العام صنعاء – عدن. وتشير المعلومات إلى أن المدينة شهدت توترا شديدا ظهر ذات اليوم خاصة بعد انتشار مسلحين على السلسلة الجبلية المحيطة بالمدينة قيل أنهم قدموا من مديريات جحاف والأزارق بعد سقوط القتلى الثلاثة . الرواية الرسمية للحادثة جاءت وكالعادة مغايرة تماماً لما ذكره شهود عيان ، حيث قالت وزارة الداخلية على موقعها الإخباري إن أنصار الحراك هم من استهدفوا المواطنين وحملت -على لسان إدارة امن محافظة الضالع- من وصفتهم بالخارجين على القانون مسؤولية "مقتل ثلاثة مواطنين وإصابة 4 آخرين في المسيره غير المرخصة التي أقامتها تلك العناصر بهدف إشاعة الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار بمدينة الضالع ". وقالت إدارة أمن الضالع إن ما يقارب من 100 شخص من العناصر الخارجة على القانون -معظمهم مسلحون والبقية منهم ملثمون- نظموا مسيرة غير مرخصة وأخذت تلك العناصر بإشاعة الفوضى وترديد شعارات مسيئة للوحدة ، موضحة أن رجال الأمن وعند محاولتهم تفريق المسيره أمطرتهم العناصر الخارجة على القانون بوابل من الرصاص مما اضطر رجال الأمن إلى الرد عليهم دفاعا عن أنفسهم ، مؤكدة بان تلك العناصر المسلحة والملثمة هي من استهدفت المواطنين وتسببت في مقتل وإصابة عدد منهم وذلك بهدف خلق الفوضى والاضطرابات وزعزعة الأمن والاستقرار . وتابعت قائلة إنها لن تسمح للمسلحين من الخارجين على القانون بإشاعة الفوضى والخوف بمدينة الضالع وأنها ستقوم بملاحقتهم في كل مكان يختبئون فيه إلى أن يتم القبض عليهم وإحالتهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل وتشير المصادر إلى أن إدارة الأمن في محافظة الضالع بدأت تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الأمنية الخاصة بضبط الأوضاع في مديريات الضالع بعد أن انتهت من تنفيذ المرحلة الأولى الخاصة بالانتشار الكثيف لأفرادها وحملة الاعتقالات الواسعة في أوساط المشاركين في الفعاليات الاحتجاجية . وعلى عكس ماتطمح إليه السلطة من أن تؤدي الإجراءات الأمنية إلى إعادة الاستقرار للمحافظة , فإن ذلك زاد من حالة التوتر ، كما دفعت الإجراءات الأمنية المشددة وحالة القمع المتصاعدة قيادات في الحراك لإطلاق الكثير من الاستغاثات . الناشط والسياسي "محمد مساعد سيف النقيب" نائب رئيس المجلس الوطني بمحافظة الضالع ناشد قيادات أحزاب اللقاء المشترك والمجالس المحلية بمحافظة الضالع والمديريات والقيادات السياسية الجنوبية في الخارج, وكل الأخيار والغيورين على الحريات وحقوق الإنسان, أن ينهضوا بمسؤولياتهم التاريخية لإنقاذ مدينة الضالع ومؤازرتها وفك الحصار المحموم عليها وما يلاقيه سكانها من قتل وسفك لدماء شبابها وأطفالها علاوة على المطاردات والاعتقالات التي تقوم بها قوات الجيش والأمن ليل نهار. ودعا النقيب, في مناشدته, كل القيادات السياسية بالداخل والخارج عدم غرس رؤوسهم بالرمال تجاه ما تتعرض له مدينة الضالع من حرب إبادة, حسب وصفه "دون أن نلمس أدنى موقف مساند ومؤازر أو حتى متضامن على أدنى تقدير". وأشار النقيب إلى أن انكسار مدينة الضالع هو انكسار للجنوب كله, محذرا من أن الحملة والضربة التي تتعرض لها محافظة الضالع ستصل إلى كل قرية ومدينة إذا ما نجح مخطط النظام في الضالع. معتبرا السكوت على ما يحدث لمدينة الضالع بمثابة التخلي عن القضية الجنوبية. وناشد القيادي في المجلس الوطني كل المنظمات المحلية والعربية والدولية الحقوقية والإنسانية والسياسية أن تنهض لإنقاذ سكان وأهالي مدينة الضالع التي دخلت أسبوعها الثالث تحت الحصار، وتحويل مدارس الجريذي والحمزة وصالح قاسم ومباني البريد والمستشفى وكلية التربية والمعهد الصحي ومبنى الإدارة المحلية, إلى ثكنات عسكرية بعد إغلاقها كاملة من جميع الجهات. وكشف النقيب أن عدد القتلى في محافظة الضالع منذ انطلاق فعاليات الحراك في 2007م تجاوز 30 قتيلا, و320 جريحا, إضافة إلى تدمير وإحراق كلي وجزئي لأكثر من 90 منزلا ومتجرا . السلطة من جهتها تواصل حملة الاعتقالات ، حيث أعلنت أنها خلال يومين فقط اعتقلت 23شخصاً ، قالت إنهم مطلوبون على ذمة أعمال تخريب وجرائم جنائية وإساءات للوحدة في محافظتي لحج والضالع ، وفي حين تعيش محافظة أبين حالة هدوء منذ توصل السلطة إلى اتفاق مع الشيخ طارق الفضلي. فقد أعلنت اللجنة الأمنية بالمحافظة أنها أقرت خطة لتأمين حركة المركبات والسيارات على طرقات مديريتي احور والمحفد اللتين شهدتا خلال الفترة الماضية عدداً من جرائم نهب السيارات والممتلكات . ووفق مصادر أمنية فإن الخطة تتضمن نشر عدد من النقاط الأمنية على طرقات محافظة أبين تعمل على مدار الساعة لمواجهة أعمال التقطعات، وتنظيم حملات تعقب واسعة للمتورطين بهذا النوع من الأحداث والقبض عليهم وإحالتهم للقضاء وأشارت السلطة إلى أن ال23 المحتجزين تم ضبطهم في أوقات متفرقة وأماكن مختلفة ، وبحسبها فقد ضبطت الشرطة بمحافظة الضالع الخميس الماضي (9 أشخاص) على ذمة قضايا جنائية وتخريبية وأعمال مسيئة للوحدة استهدفت زعزعة الأمن والاستقرار بالمحافظة. وأنهم كانوا جميعاً في منزل تم مداهمته . موضحة أن المتهمين -كانوا جمعهم مسلحين- أطلقوا النار على رجال الأمن المكلفين بإلقاء القبض عليهم في محاولة منهم للهرب, إلا أن رجال الأمن والذين كانوا يفرضون طوقاً أمنياً محكماً على المنزل أحبطوا تلك المحاولة وأجبروهم على الاستسلام . وفي محافظة حضرموت قالت وزارة الداخلية إن الشرطة احتجزت ( 5 ) مطلوبين على ذمة تكسير نوافذ مدرسة رشقوها أمس الأول بالحجارة بمديرية غيل باوزير بالإضافة إلى تكسير زجاجات سيارة مواطن أوقفها جوار المدرسة وكذا إحراق إطارات وإقلاق السكينة العامة ورفعهم أعلاماً شطرية وترديدهم شعارات مسيئة للوحدة . وضبطت الشرطة في المكلا متهما آخر بإحراق أخشاب في الطريق العام وتحطيم مصابيح الإنارة في الشوارع. ووفقا لما أورده مركز الإعلام الأمني بوزارة الداخلية فقد ضبطت أجهزة الأمن بمحافظة حضرموت احد الخارجين على القانون على خلفية قيامه أمس الأول وبدافع الكراهية بإحراق محتويات محل لبيع الأقمشة وخياطة الملابس يملكه تاجر من المحافظات الشمالية . وضبطت الأجهزة الأمنية بمحافظة لحج 7 من المطلوبين أمنياً على ذمة قضايا اعتداءات على ممتلكات خاصة وعامة بالإضافة إلي أعمال شغب وفوضى وتخريب وأعمال مسيئة للوحدة. فيما أفرجت عن 3 من المعتقلين بعد أن أثبتت التحقيقات عدم ضلوعهم في أي أعمال من هذا النوع. وفي أول رد فعل جنوبي على حملة الاعتقالات المتصاعدة ، طالب عدد من المحامين والحقوقيين بمحافظة لحج بوقف ما أسموه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان بالمحافظة وكذا الاعتداءات على حريات المواطنين واعتقال عدد من الأبرياء بالمخالفة للدستور والقانون. وقال حقوقيو لحج في رسالة وجهوها إلى النائب العام ووزيرة حقوق الإنسان " إننا نلفت نظركم إلى ما يجري في مديريتي الحوطة وتبن من انتهاكات متكررة من قبل الأمن تمثلت بالزج بالمئات من المواطنين إلى السجون خلافا للدستور وقانون الإجراءات الجزائية. واستنكروا في رسالتهم اعتماد الأمن " لأساليب بالية وعتيقة عفا عليها الزمن والتي تمثلت باعتماد نظام الرهائن واعتقال الأبرياء من أجل الوصول للمطلوبين وهو نظام كان سائدا إبان حكم الإمامة البائد". ودان المحامون والناشطون الحقوقيون اعتقال أحد زملائهم " الذي كان يتابع الإفراج عن شقيقه الحدث والمصاب بمرض القلب وكذا المضايقات المستمرة للحقوقيين والمحامين ومنعهم من زيارة المعتقلين أو متابعة إطلاق سراحهم ومحاولة اعتقال المحامي محمد سعيد من قبل أحد ضباط البحث الجنائي" ، محذرين في رسالتهم من اتساع رقعة المخالفات والتي ستفضي حتما إلى تعميق الكراهية وعدم الاستقرار وتدهور الأوضاع". وانتقدت الرسالة أداء النيابة العامة في المحافظة واتهمتها بالتقصير وبأنها لم تقم بدورها المطلوب، وعددت بعضا من المخالفات والتي منها: الاعتقالات الليلية التي طالت عدداً من الأفراد ومداهمة المنازل وتخويف النساء والأطفال كل هذا دون أوامر النيابة والقضاء، وكذا اعتماد نظام الرهائن الذي طال عددا من الأبرياء منهم الخبير في الملاريا الدكتور محمد سعيد عامر الذي يقبع في السجن مع ثلاثة من أولاده . وقالت الرسالة: إن بعض المسجونين تعرضوا للتعذيب الجسدي والمعنوي واستخدم مع البعض منهم أساليب الإغراء المالي وغير ذلك من الأساليب أثناء التحقيق معهم، كما أن البعض من المعتقلين المصابين لم يسمح لهم بالخروج للعلاج وتقدر منظمات حقوقية عدد المعتقلين في المحافظة منذ أربعة شهور ب421 معتقلا، تم اعتقال 79 منهم في شهر ديسمبر من العام الماضي 2009م و91 شخصا اعتقلوا في شهر يناير الماضي من السنة الحالية 2010 م ، و(141) في شهر فبراير و(110) في شهر مارس الحالي " وتشير ذات المصادر الحقوقية إلى أنهم يتوزعون على السجن المركزي في منطقة صبر- تبن وفي سجن الأمن السياسي و سجن الأمن العام والبحث الجنائي وبعضهم تم ترحيلهم إلى سجون في عدن . وبالرغم من التواجد الأمني الكثيف في محافظة لحج ، فإن العناصر المسلحة لاتزال تفرض نفسها على الواقع والدليل على ذلك حالة الشلل التي أصابت عاصمة المحافظة يوم الاثنين الماضي ، بعد أن قام مسلحون ملثمون في الليل بتوزيع منشورات لما يسمى ب"مجلس الحراك الجنوبي" تدعو للإضراب وعدم الخروج من المنازل .