لا يلوح في الأفق أي مؤشر لنتائج ايجابية لأعمال اللجان الرئاسية التي شكلها رئيس الجمهورية بعد خطابه في مايو المنصرم والذي قال فيه إن معالجات ستتخذ لإزالة آثار حرب 94 وإغلاق قضية الجنوب نهائياً ، فحالة القمع للاحتجاجات الجنوبية والانتشار العسكري والعنف المسلح زادت عما كانت عليه ، بل امتدت هذه المظاهر إلى مناطق كانت آمنة نوعاً ما وفي مقدمتها محافظة عدن. منذ السبت الفائت تعيش عدن حالة استنفار أمني وعسكري كثيفين وذلك عقب الهجوم الذي شنته جماعة مسلحة كانت ترتدي الزي العسكري على مبنى الأمن السياسي ما أسفر عن مقتل سبعة جنود وطفل وإمرأة تعمل سكرتيرة في مبني الأمن السياسي وإصابة أكثر من 12 شخصاً. وبدا أن الهجوم كان مركزاً ومخططاً له مسبقاً، وأن المهاجمين ربما حصلوا على معلومات دقيقة ومهمة عن مواقع دوريات الحراسة ونقاط الضعف فيها بالإضافة إلى خرائط حول مداخل المبنى ومخارجه وإلا كيف تتم العملية بهذا الشكل وتمكن منفذوها من الفرار في ظل الإجراءات الأمنية المشددة . وذكرت المعلومات الرسمية إن قرابة خمسة مسلحين كانوا يستقلون سيارة نوع كريسدا هاجموا مبنى الأمن بالقنابل وقذائف ال آر بي جي والأسلحة الرشاشة ما أسفر عن اشتعال النيران في مكاتب الدور الأول من المبني المكون من طابقين ، في حين لم تعرف هوية منفذي الهجوم الذين لاذوا بالفرار بعد اشتباكهم مع قوات الأمن. غير أن وزارة الداخلية التي قالت عقب الحادثة بيومين إنها ألقت القبض على زعيم منفذي الهجوم ويدعى غودل محمد صالح ناجي دون أن تكشف عن تفاصيل الهجوم سوى إشارتها إلى أن زعيم المهاجمين ينتمي للجماعات الإرهابية, وله العديد من السوابق الإرهابية والإجرامية ومنها عملية السطو المسلح لفرع البنك العربي في عدن وسرقة 100مليون ريال أواخر العام الماضي. وأعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجوم الذي استهدف مبنى الأمن السياسي بمدينة عدن , وقال زعيم تنظيم القاعدة -في تسجيل منسوب له بث على الانترنت بحسب ما ذكرته إحدى الإذاعات العربية- إن الهجوم جاء ردا على القصف الذي تعرضت له منطقة عبيدة في محافظة مأرب في الأيام الماضية خلال ملاحقة الجيش لعناصر التنظيم . وكانت اللجنة الأمنية العليا قالت في بيان إن التحقيقات الأولية تبين أن الهجوم يحمل بصمات تنظيم القاعدة. وأكدت عزمها على ملاحقة الجناة الإرهابيين وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم، منوهة في هذا الصدد إلى استمرار جهود الأجهزة الأمنية في مكافحة ظاهرة الإرهاب التي أساءت لسمعة اليمن وأضرت بالاقتصاد الوطني وعملية الاستثمار والسياحة. وأكدت اللجنة الأمنية العليا أن الأجهزة الأمنية وفي الوقت الذي تقوم فيه بواجباتها ضد تلك العناصر الإرهابية فإنها لن تسمح للعناصر الخارجة عن القانون في بعض المديريات أن تكون عاملا من عوامل زعزعة الأمن والاستقرار وبما يتيح لعناصر الإرهاب ارتكاب مثل تلك الأعمال الإجرامية وان الأجهزة الأمنية ستقوم بملاحقة كل العناصر المخلة بالأمن والاستقرار وتقديمها للقضاء. ولا تزال قوات الأمن تفرض طوقاً أمنياً على المبني وجميع المنافذ ومداخل مدينة التواهي والطرق المتفرعة إلى خارج مدينة عدن بحثاً عن بقية المهاجمين. وتأتي هذه العملية بعد يوم واحد من بيان لتنظيم القاعدة اتهم فيه الحكومة اليمنية بمحاولة "زرع الفتنة بين القبائل" في وادي عبيدة. وهددت القاعدة بإشعال الأرض ناراً تحت السلطة انتقاما لمقتل النساء والأطفال في وادي عبيدة بمحافظة مأرب. ويعد امتداد مربع العنف المسلح إلى محافظة عدن مؤشراً خطيراً لما تتجه إليه الأوضاع في الجنوب في ظل عدم اقتراب السلطة نحو وضع معالجات حقيقية للأزمة المتفاقمة . وفي محافظة لحج تبدو الأوضاع أشد انفلاتاً حيث عاودت الجماعات المسلحة المنتشرة على حدود الخط العام بين عدنوتعز استهداف ناقلات النفط والتقطع للمسافرين ومن ذلك نهب سيارة العقيد قايد صالح الجحافي الذي يعمل في اللجنة الوطنية لنزع الألغام بعدن من قبل مسلحين مجهولين حيث نصبوا نقطة تفتيش في منطقة الحبيلين للسطو على السيارات وتفتيش المسافرين ونهبهم بصورة، كما قاموا أيضاً بنهب سيارة لأحد المواطنين. وقد تعرضت مساء الخميس الماضي ناقلة محملة بمادة المازوت لإطلاق نار مجهولين بين منطقة مثلث العند ومنطقة "جول مدرم" ، أدى إلى تسرب كميات كبيرة من مادة المازوت .وعقب الحادثة قام أفراد يتبعون معسكر 33 مدرع في عقان بتفريغ ما تبقى من مادة المازوت إلى ناقلة أخرى واعتقال ثلاثة مواطنين كمشتبهين ، كما تم استحداث مواقع عسكرية في جبل الجشم المطل على طريق عقان كرش. وفي محافظة الضالع المحاصرة عسكرياً منذ شهرين توصلت لجنة رئاسية تضم قادة كبار في الجيش إلى اتفاق مع مسلحين قبليين، يقضي برفع المسلحين نقطة تقطع نصبوها في الطريق ما بين مدينة الضالع ومديرية جحاف التابعة للمحافظة، مقابل إزالة الجيش نقطة تفتيش عسكرية واقعة بالقرب من قرية "تلاعث"، وإزالة موقع "دار الحيد" العسكري الواقع في منطقة بمدينة الضالع. ويعد موقع "دار الحيد" أحد المواقع العسكرية المستحدثة والتي تقع في منطقة استراتيجية بمدينة الضالع. واستحدثت قوات الأمن والجيش في الفترة الأخيرة قرابة عشرين موقعاً ونقطة عسكرية في مدينة الضالع. ووعد محافظ الضالع بإخلاء المواقع العسكرية وإزالة النقاط بعد ستة أشهر من الآن، مشترطاً عدم استخدامها من قبل مسلحي الحراك، حسبما أفاد مصدر مطلع . وفيما تتهم السلطات أنصار الحراك بالقيام بأعمال التقطعات والعنف المسلح ، ينفي الحراكيون ذلك، ويشيرون إلى أن السلطة هي من تدفع اشخاصاً للقيام بهذه الأعمال كي تبرر قصفها للمدينة. و قالت الحكومة إن الأجهزة الأمنية رفعت قرابة( 20 ) قطاعاً قبلياً من على طرقات محافظات ( شبوة -أبين -لحج -مأرب -صنعاء وعمران ) في حملات أمنية متتالية أسفرت عن ضبط (15) متهما بقطع الطرقات واستعادت (30) سيارة نهبت في تلك الأعمال خلال النصف الأول من شهر يونيو الجاري وأكدت وزارة الداخلية بأنها تتعامل بحزم وشدة مع القطاعات القبلية التي تؤثر سلباً على الأمن والاستقرار.مطالبة السلطات المحلية في المحافظات بتحمل مسؤولياتها في القضاء على القطاعات القبلية التي لا تحل مشكلة وإنما تزيد في تعقيداتها . وتعيش محافظة الضالع حصاراً أمنياً وعسكرياً منذ مايقارب الشهرين، ما جعل نشطاء سياسيين وحقوقيين وعلماء من محافظة تعز ينظمون الاسبوع الفائت قافلة لكسر الحصار، وأطلقوا عليها اسم "قافلة السلام". وقال بيان صادر عن المشاركين في قافلة السلام "إن القافلة تعبير رمزي لمشاعر الحب الذي يشعر به أهالي تعز تجاه الضالع". وأضاف مخاطباً ابناء الضالع "إن قافلة السلام التي كان لها شرف الوصول إلى مدينتكم جاءت اليوم لترد جزءاً من الدين تجاهكم أمام الصمت الشعبي والإعلامي المحلي لكل ما يتعرض له أبناء هذه المدينة من حصار وعدوان". وتابع "لستم وحدكم المحاصرين، كلنا محاصرون في هذا الوطن، ومقهورون، ولا ننعم بالأمن والسلم والاستقرار، جميعنا نعاني من البؤس والفقر والجوع والمهانة والمواطنة غير المتساوية، كلنا محاصرون، لكن أنتم من كسر الحصار". ووعد المشاركون في القافلة بالسير على نهج نضال ابناء الضالع "إننا نستمد منكم الشجاعة والقوة والعزة في مواجهة الظلم والتعنت والعدوان الذي تمارسه السلطة، وماضون في طريقكم، فأنتم من أضاء رأس النفق بنضالكم الشجاع، واستمراركم بهذا النضال المدني السلمي الذي دشنتم بدايته، وستجنون ثماره في الفجر القريب". ونظمت القافلة، الحركة الجماهيرية للعدالة والتغيير بالاشتراك مع نشطاء حقوقيين ومدنيين وعلماء على رأسهم مفتي تعز. ودعت القافلة السلطة إلى "الكف عن استخدام القوة في مواجهة الاحتجاجات السلمية وفتح تحقيق جدي ومحايد لمحاسبة كل المتورطين في مجزرة الاثنين الدامي". وعبر الشيخ سهل بن عقيل مفتي محافظة تعز ورئيس "قافلة السلام" لفك الحصار عن مدينة الضالع عن سخطه وألمه لما رآه من قصف ودمار في محافظة الضالع، ووصف من يؤيدون مثل هذه الأعمال بالمنافقين والباحثين عن "فتات الموائد"، مبدياً تضامنه ومن معه مع أبناء الضالع ضد العُنف والقتل الذي يتعرضون له، كما شدَّ عليهم وأيَّدهم، وطلب منهم ألا يتركوا حقوقهم الطبيعية وأن يدافعوا عنها بطرق سلمية. وفيما ذكرت المعلومات أن مساع لمحافظ الضالع نجحت في التوصل مع المسلحين لإنهاء الحصار على المواقع العسكرية بجحاف والذين كانوا قد نصبوا عدداً من نقاط التقطع لمنع دخول التموين لتلك المواقع وذلك عبر وساطة قام بها بعض المشايخ والشخصيات الاجتماعية بالمديرية وفي مقدمتهم الشيخ "عبد الوهاب مطلق". لكن قائد اللواء 35 مدرع رفض تنفيذ ما تم التوصل إليه في هذا الشأن . وكانت اللجنة التي شكلها رئيس الجمهورية من أعضاء مجلس الشورى برئاسة وزير الدفاع الأسبق "محمد ضيف الله" وعضوية محافظ الضالع السابق "محمد أحمد العنسي" للتحقيق في أحداث القصف المدفعي للضالع قد غادرت المحافظة أواخر الاسبوع الفائت دون معرفة الأسباب. ما تجدر الإشارة إليه هو أن ثلاث لجان رئاسية قد تم تكليفها لمعالجة وضع المحافظة الملتهب الأولى لرفع الحصار عن المحافظة بمبادرة من القيادات العسكرية والأمنية والكوادر من أبناء المحافظة لرفع الحصار عن المحافظة وكان لها الفضل في الاتفاق الأخير، والثانية برئاسة من مجلس الشورى، وتكليف رئاسي ثالث للجنة محلية تضم الهيئة الإدارية لمحلي المحافظة وشخصيات من مختلف الأطياف السياسية بالمحافظة. وعلى ما يبدو فإن حالة القمع التي تستخدمها السلطة في وجه الفعاليات الاحتجاجية السلمية قد دفعت إلى تراجع نسبتها لصالح اعمال العنف التي تقوم بها الجماعات المسلحة . وفي هذا الصدد كشفت مسودة تقرير أعده المرصد اليمني لحقوق الإنسان عن تراجع عدد التجمعات السلمية على خلفية القضية الجنوبية عام2009م إذ بلغت 308 تجمعات بينما بلغت عام 2008 535 تجمعا إلا أن مساحتها الجغرافية ازدادت توسعا بشمولها محافظة شبوة والمهرة. وذكر التقرير انه خلال الأعوام الثلاثة الماضية سقط في الاحتجاجات الجنوبية حوالي 63 قتيلا و373 جريحا منهم 49قتيلا و271جريحا عام2009, ووصل عدد المعتقلين خلال العام2009م إلى(2273) معتقلاً، أي بزيادة عن عام2008م مقدارها (1279) حالة اعتقال. ومثلت نسبة المعتقلين عام2009م بالمقارنة مع العامين السابقين 61% . وقال التقرير إن زيادة انتهاك حقوق الإنسان ناجمة عن سياسة معتمدة لدى السلطة باستخدام العنف والاستخدام المفرط للقوة وممارسات خارج القانون, فضلاً عن أن التنفيذ صار عشوائيا وارتجاليا يمارسه كل من يرغب في الانتقام تحت شعار الإخلاص المفرط واستغلال السلطة وازدراء بالقانون. مؤكداً أن مرد انتهاج سياسة القمع وانتهاك حقوق الإنسان هو مسعى الاحتفاظ باحتكار السلطة والثروة وعدم الاستعداد من قبل القائمين عليها لدفع كلفة الديمقراطية وإخراج البلاد من أزمة الشراكة التي نجمت بصورة حادة عن نتائج حرب عام1994م التي أخرجت احد شريكي الوحدة - الحزب الاشتراكي من السلطة ومعه خرج الجنوب من الشراكة في السلطة والثروة, وما لحق الحرب من تصرفات المنتصر فاقد المشروع السياسي ومنها التسريح القسري لعشرات الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين واستيلاء المتنفذين على أراضي الدولة والمؤسسات الاقتصادية والتعاونيات الزراعية ومزارع الدولة واحتكار الوظيفة العامة والمركزية الشديدة وتركيز السلطة والثروة في العاصمة, وتوقف العملية التنموية مما أدى إلى اتساع مساحة الفقر والبطالة. وأعاد التقرير فوضى القمع إلى ما وصلت إليه الدولة من رخاوة وفشل في الحفاظ على أي مستوى من مصالح المجتمع وشيوع الفساد "مما جعل الدولة في حالة فقدان مقومات الدولة العصرية, المتمثلة بالديمقراطية والمواطنة وحكم القانون والتنمية". وقال التقرير: لقد أدى مسعى تعطيل التعددية السياسية والحزبية إلى نكران التنوع الثقافي والتعدد المذهبي ومحاولة فرض الواحدية الثقافية والدينية والفكرية مما جعل عام 2009 حافلاً بالإرهاب الفكري والثقافي والعرقي وشمل ذلك المؤسسات التعليمية والدينية وخلف مناخاً معادياً للتنوع في ظل الوحدة" مؤكداً أن إنكار السلطة للحق في التنوع والاختلاف أوجد بالمقابل دعاوى بالتميز والاختلاف المطلق , خاصة بين الشمال والجنوب وهو خطر ليس على الاندماج الاجتماعي فقط , بل وعلى وحدة التراب الوطني . وذكر التقرير انه خلال العام 2009م أخذت الاحتجاجات امتدادا جغرافيا أوسع لتشمل محافظات مثل المهرة وشبوة, وتصاعداً متسارعاً في كل من الحوطة وزنجبار اللتين قفزتا إلى الواجهة منذ النصف الثاني عام 2009م. وفي أواخر هذا العام أيضا شهدت الفعاليات الاحتجاجية ميلا نحو العصيان المدني, من خلال الدعوة إلى الإضراب العام وان لم يكن يلقى تجاوبا في بعض المدن, فان مدناً أخرى استجابت بنسب مقبولة خاصة في أبين التي شهدت تجمعات سلمية شبه يومية بالإضافة إلى إقامة مهرجان يوم المعتقل وهو مهرجان أسبوعي يجري تنظيمه كل يوم خميس. وأوصى التقرير قادة الحراك وفصائله المختلفة بأن تدين صراحة التعرض لممتلكات وأرواح مواطنين شماليين وان يتم التحقيق في هذه القضايا وكشف الفاعلين وتقديمهم للعدالة. كما دعا السلطة إلى إطلاق سجناء الحراك الجنوبي واحترام حق التجمع السلمي واحترام الدستور اليمني في التعامل مع الاحتجاجات السلمية "ولابد من وقف العنف ضد المتظاهرين واللجوء إلى الحوار في حل المشكلات السياسية وإيجاد حلول فعلية للأزمة اليمنية عبر الحوار والوفاق الوطني وإحداث تغيير يحقق الشراكة في السلطة والثروة".