فيما عمدت السلطة إلى تهدئة جبهة الشمال تركت جبهة الجنوب مشتعلة وتمضي في طريق تحولها إلى بؤرة صراع مفتوحة بين الجيش والعصابات المسلحة وتنظيم القاعدة والحراك. فالجهود الرسمية المبذولة هناك تقتصر على شراء الولاءات وضرب الخصوم ببعضهما ،فضلاً عن تشكيل لجان وساطة للتهدئة فقط في حال اشتداد الأزمة لا لإيجاد معالجات حقيقية للقضية الجنوبية التي لم يتم حتى الاعتراف بها. الجيش وبعد أشهر من محاصرة ردفان بمحافظة لحج بدأ مطلع الأسبوع الجاري بالانسحاب من عدة مواقع عسكرية كانت تتمركز في المنطقة وهو ما نفته الجهات الرسمية. وذكرت معلومات أن هذه الخطوة جاءت نتيجة وساطة تقودها شخصيات في الحكومة في مقدمتهم العميد ثابت جواس وعبد القادر هلال.، وأفضت إلى رفع القطاع العسكري من الجهة الغربية لمدينة الحبيلين بردفان. وأشارت إلى أن لجنة الوساطة استمعت إلى سكان محليين وقيادات في الحراك وأنها توصلت لاتفاق بين الجانبين يقضي بالرجوع إلى اتفاقيات سابقة تم التوقيع عليها عام 2008م والذي يشدد على رفع استحداثات الجيش ورفع النقاط مقابل انسحاب المسلحين من شوارع مدينة الحبيلين والجبال المطلة عليها. وقد شهدت مدن ردفان, يناير المنصرم, توترا ومواجهات مسلحة عنيفة بين وحدات من الجيش ومسلحين تابعين للحراك الجنوبي عند محاولة الجيش اقتحام مدينة الحبيلين وكانت المواجهات والقصف أسفرا عن وقوع ستة قتلى وأكثر من ثلاثين جريحاً معظمهم من المدنيين بالإضافة إلى نزوح الكثير من أهالي مدينة الحبيلين خوفاً من تعرضهم لأذى وهو ما أصاب مدينة الحبيلين بالشلل التام طيلة شهر كامل وتعطلت فيها مصالح الناس وفي الاثناء، أفادت مصادر محلية أن شبكة الهاتف المحمول عادت إلى الخدمة بعد انقطاعها طيلة فترة الحصار الذي فرضه الجيش على منطقة ردفان. كما عاد السكان المحليون الذين نزح الكثير منهم خارج المنطقة، إلى ممارسة حياتهم الطبيعية. كما أن المحلات التجارية بدأت تفتح أبوابها التي أغلقت اضطرارياً تحت وطأة المواجهات المسلحة التي وقعت مع بدء فرض الحصار بين قوات الجيش ومسلحين من الحراك، وأدت إلى مقتل وجرح العشرات من الجانبين. وكانت منطقة ردفان قد شهدت خلال الشهر الفائت توتراً وأعمال عنف، حيث اندلعت اشتباكات بين مسلحين من الحراك وقوات الجيش بعدما هاجم المسلحون مواقع عسكرية، فيما قامت وحدات من الجيش بعملية قصف مكثفة لمواقع سيطر عليها مسلحو الحراك. وأدت الاشتباكات التي استمرت عدة أيام إلى مقتل وجرح العشرات من الجانبين وآخرين من المدنيين. وحيث يسعى الحراك الجنوبي إلى جعل العاصمة التجارية عدن مركزاً لفعالياته الاحتجاجية خلال الفترة القادمة بدأ منتصف الأسبوع الجاري العشرات من أنصار ونشطاء الحراك ومواطنون عاديون من محافظة الضالع بالزحف إلى مدينة عدن للمشاركة في "يوم الغضب" المقرر أن يكون بعد غد الجمعة والتي سميت ب"انتفاضة الجمعة". وبهذا يكون الحراك الجنوبي الذي تمثل محافظة الضالع مركز الثقل فيه، يستلهم أحداث تونس التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي والاحتجاجات الحالية في مصر التي تهدد الرئيس حسني مبارك بالمصير ذاته. وذكر الناشط عبدالرحمن الضالعي -وهو أحد دعاة حملة الزحف هذه- في بيان وزع عبر الإنترنت أن أعداداً هائلة من الشباب من كافة مناطق ومديريات الضالع بدأوا بالفعل الزحف صوب عدن استعداداً للمشاركة في يوم الغضب الجنوبي يوم الجمعة القادمة. وحث الضالعي كافة الشباب بالاستعداد للزحف صوب العاصمة عدن خلال بقية هذا الأسبوع. كما دعا أبناء الضالع القاطنين في عدن إلى مساعدة إخوانهم القادمين من الضالع وإيوائهم حتى يوم الجمعة. في سياق ذي صلة، نفذت قوى الحراك إضراباً شاملاً الإثنين الماضي، كانت دعت إليه في وقت سابق، لكنه تركز في منطقة ردفان بمحافظة لحج، ومدينة الضالع. الإضراب تركز في عاصمة المحافظة، بينما سارت الحياة الاعتيادية في مناطق الجليلة والشعيب، حيث شوهدت أغلب المحلات مفتوحة كالعادة، كما أن المرافق الحكومية زاولت أعمالها بشكل طبيعي. ودأبت قوى الحراك على تنظيم إضراب شامل أول يوم اثنين من كل شهر، وإضراب الأسبوع الجاري هو الأول خلال العام الحالي بعد إلغاء إضراب شهر يناير الماضي. وفي الغضون بدأت المحكمة الجزائية المتخصصة بمحافظة عدن أولى جلسات محاكمة 11 متهماً من قادة الحراك الجنوبي رفعتها النيابة الجزائية وتعود للعام 2007م. وفي الجلسة التي عقدت برئاسة القاضي محمد الأبيض، تلا ممثل النيابة الجزائية دعوى الاتهام المتمثلة بالتحريض على الانفصال، وإهانة رئيس الدولة وتعكير السكينة وتسيير مظاهرات غير مرخصة في محافظة الضالع..غير أن المتهمين دفعوا ببطلان قرار الاتهام، في حين قرر قاضي المحكمة تأجيل الجلسة إلى 27 فبراير الجاري لتقديم الدفوع بشان القضية. ومن بين القيادات شلال علي شائع وعبده المعطري والمحامي العقلة، وثلاثة آخرون من الصف الثاني في الحراك، إضافة إلى عدد من أنصاره ونشطائه. وعلى ما يبدو فإن اتباع السلطة لوسائل الترغيب والترهيب في تعاملها مع الحراك الجنوبي قد ساهم كثيراً في تشتيت الحراك وتوسيع انقساماته ، خاصة في ظل الصراع الجاري بين قياداته حول الزعامة. القيادي ناصر النوبة من الشخصيات التي تستهويها الزعامة وخاض بشأنها صراعاً حاداً مع مناهضين له ، غير أن فشله في تحقيق مناه جعله يتوارى عن الأنظار لما يقارب العام ليعود مجدداً ولكن في إطار ضيق...فقد حاول أواخر الأسبوع الفائت إقامة مهرجان في محافظة شبوة، غير أن قوات الأمن أغلقت منافذ الدخول إلى مدينة عتق عاصمة المحافظة بسياج أمني مدعوم من قوات الجيش لإعاقة زعيم الحراك بالمحافظة ناصر على النوبة من إقامة مهرجانه للمرة الثانية على التوالي الذي دعا له تحت اسم "مهرجان الدم". وجاءت خطوة فرض الأمن بهذه الصورة منعا لاقتحام المتظاهرين للمدينة والتي كان النوبة هدد بدخولها "ولو بالقوة" بعدما أفشل الأمن إقامة المهرجان في المرة السابقة الأسبوع قبل الماضي. وشهدت الساعات الأولى من صباح يوم التظاهرة توترا بين الطرفين، إذ ظهر عشرات من أنصار الحراك مسلحين يحيطون بالمدينة ساعين لدخولها بينما كان مئات من القوات المسلحة والأمن والدبابات المتمركزة في سفوح الجبال ومواقع المدينة الرئيسية تقف عائقا أمام تقدمهم. وعلى خلاف المطالب الرئيسة للحراك المرتكزة على حق الجنوب في تقرير مصيره، تمكنت السلطة من صرف بعض الفعاليات عن هذا المطلب إلى تركيز اهتمامها على المعتقلين لديها والمطالبة بالإفراج عنهم ، ومن ذلك أن خرجت مظاهرة في المكلا رافعة صوراً لمعتقلين وردد المشاركون فيها هتافات تطالب بإطلاق سراحهم.وخلال محاولة الأمن تفريق هذه التظاهرة مستخدماً الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع أصيب أربعة من المتظاهرين ما جعل رفاقهم يرشقون قوات الأمن بالحجارة ويحرقون محلاً تجارياً. ويعيش الحراك الجنوبي حالة خصام مع كل ما هو شمالي بما في ذلك أحزاب المعارضة التي يعتبرها مجرد تابع للنظام وأن مطالبها بشأن القضية الجنوبية لا تعني أبناء الجنوب بشيئ.. كما أن الفعاليات التي تنفذها فروع المعارضة في الجنوب تقاطعها مكونات الحراك ووصل الأمر الأسبوع الماضي إلى الاحتكاك مع المشاركين في مهرجانات للمشترك كان آخرها الخميس الفائت، حيث شهدت محافظة الضالع فعاليتين منفصلتين إحداهما للحراك الجنوبي في مدينة الضالع ، والأخرى للمشترك في إحدى الساحات بالقرب من مبنى المحافظة في منطقة سناح. مهرجان المشترك الذي حضره المئات، ، حاولت عناصر في الحراك منع وصول أبناء مديرية الحشاء، حيث اصطدموا بمجاميع من المسلحين الرافعين للأعلام التشطيرية وتعرضت بعض سياراتهم للاعتداء . ونفى قيادي في المشترك حراكية مهاجميهم "لم يكونوا من الحراك السلمي، وان كانوا رافعين أعلام التشطير ويهتفون للجنوب"، وأضاف "تأكد لنا بالدليل القاطع أنهم يتبعون أجهزة السلطة وتم التعرف على جندي يتبع الأمن وضابط يتبع الجيش، والأدهى أن الأجهزة الأمنية المحيطة بمكان المهرجان سمحت لهم بالدخول ووقفت موقف المتفرج بينما وقفت حاجز صد دون دخول أبناء دمت وحالت دون دخولهم عاصمة المحافظة". حسب قوله. وأبدى القيادي في الحزب الاشتراكي منصور أبو أصبع أمله في وقوف الحراك الجنوبي إلى جانب أحزاب المشترك في النضال السلمي من أجل التغيير، وحتى لا تجرهم السلطة إلى العنف.مؤكداً تبني المشترك للقضية الجنوبية بشقيها السياسي والحقوقي. وفي ظل الاضطرابات التي تشهدها المحافظات الجنوبية وجد تنظيم القاعدة بيئة خصبة لممارسة نشاطه مركزاً على استهداف الضباط والتي كان آخرها محاولة اغتيال ضابط في الاستخبارات في إحدى قرى حضرموت. وقال مصدر أمني إن "مسلحين تابعين لتنظيم القاعدة كانا يستقلان دراجة نارية أطلقا وابلا من الرصاص على سيارة المقدم في الأمن السياسي صالح باضريس".وأضاف "غير انه نجا من الحادثة.