كتب/بروفيسور. سيف العسلي بدلا من التعصب الاعمى لكل من الانفصال او الوحدة فانه ينبغي على اليمنيين ان يعملوا معا من اجل يمن مستقر و مزدهر. فاليمن المستقر و المزدهر هو الغاية النبيلة أما الوحدة او الانفصال فما هما الا وسائل و لذلك فانه لا قيمة لاي وحدة او انفصال اذا لم يؤد أي منهما الى الاستقرر و الازدهار. و يبدو ان التعصب الاعمى لاي منهما قد حجب الهدف النبيل الذي يجب على اليمنيين ان يعملوا معا من اجله. و في هذا الإطار فإنه ينبغي الإقرار بأن الوحدة الحقيقية هي أفضل بكثير من الانفصال. انها لا تلغي التنوع في حين ان الانفصال لا يؤدي بشكل تلقائي الى التطابق. فما نسب الى الوحدة من اخطاء فهي منها براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب. و ما ينسب من فضائل للانفصال ما هو إلا محض أوهام. فمهما كان شكل الانفصال فانه لا يضمن عدم سيطرة منطقة من المناطق على المناطق الاخرى و لا يضمن عدم تنفذ شلة على البقية و لا تحقيق المشاركة الحقيقية في السلطة و الثروة. و في هذه الحالة فإن ما كان يتذمر منه في ظل الوحدة سينتقل الى تذمر من الانفصال أيا كان شكله او حجمه. و لذلك فإن النضال من اجل الانفصال سواء كان سلميا او غيره ما هو إلا نوع من تعمد الأساة الى الذات و التسبب بأضرار بالغة دون تحقيق أي مكاسب على الإطلاق. أما العمل على معالجة ما واكب تحقيق الوحدة من اخطاء فانه مفيد للجميع. و في هذا الإطار فانه يجب الاعتراف بانه قد رافق تحقيق الوحدة في 22 من مايو 1990 العديد من الأخطاء. و لعل من أهمها تجاهل العديد من الحقائق التي كانت قائمة قبل ذلك. فقد كان الجنوب يخضع لنظام سيطر فيه الحزب و الدولة على كل مقدرات البلاد. و بالاضافة الى ذلك فانه على الرغم من التوحيد القسري للمناطق المكونة للجنوب فان التمايز بينها ظل موجودا تحت الرماد. و من اجل تعميق الوحدة فانه لا بد من معالجة ذلك و بدون الاضطرار الى العودة الى حالة التشطير السابقة. فقد اثبت التاريخ بما لا يدع أي مجال للشك انه من المستحيل تحقيق أي استقرار مستدام في ظل التشطير. و اذا كان الامر على هذا النحو فان اليمن لم يزدهر الا في ظل تحقيق قدر معقول من الوحدة. ان ذلك يعني انه يجب توفير شروط معينة حتى تكون الوحدة عاملاً مساعداً على بناء يمن مستقر و مزدهر. فإذا لم يتم توفير كل عوامل النجاح للوحدة في 1990 فإنه من الواجب العمل على توفيرها في الوقت الحاضر. اذ انه من غير المعقول إلغاؤها حتى يتم إعادتها من جديد و انما يجب العمل على توفير ما ينقصها من شروط و مقومات و الاستفادة مما تم تحقيقه فعلا. و في هذا الإطار فان ذلك يتطلب العمل على تحقيق التمكين و التنمية. ان ذلك سيعمل على تمكين اليمن الموحد من تجاوز أي مشكلات يواجهها في الوقت الحاضر او في المستقبل و التغلب على كل ما يحدث بين أبنائه من تباينات و اختلافات. إنهما سيمكنان المناطق اليمنية كلها من المشاركة في السلطة و الثروة دون ان يكون ذلك على حساب المناطق الاخرى او على حساب السلطة المركزية. و لا شك ان ذلك سيمكن من العمل على تحقيق التنمية العادلة و المتوازنة في كل مناطق اليمن. ان إدراك ذلك و السعي لتحقيقه فورا يتطلب التخلص من الأنانية الضيقة الناتجة من زمن التنافس و الانجرار وراء الأهواء و بالتالي الوقوع في التعصب الاعمى. فمن المؤكد ان يترتب على ذلك معالجة ما يشتكي منه بعض المنتمين إلى المحافظات الجنوبية من مظالم بشكل أفضل و ليس على حساب حقوق ابناء المحافظات الشمالية. في ظل ذلك ستكون الوحدة جاذبة لكل اليمنيين و الدعوات الانفصالية ان وجدت منبوذة منهم جميعا. يتمثل التمكين بالاتفاق على الحقوق و الواجبات لكل من الفرد و الأسرة و التجمعات السكانية ( قرية و عزلة و مديرية و محافظة) و الدولة و مكوناتها ( التنفيذية و التشريعية و القضائية) و مكونات السلطة التنفيذية ( رئاسة الجمهورية و الحكومة) و مكونات الحكومة ( رئيس الوزراء و الوزراء) الموظفين الآخرين. و يمثل التمكين كذلك تشجيع و مساعدات كل هذه المكونات من ممارسة حقوقها و الوفاء بواجباتها. يتحقق التمكين عندما تحدد الحقوق و الواجبات بطريقة تعمل على تحقيق القدر الكافي من التنافس و التكامل. و لا بد ان يكون هناك الحد الادنى من العدالة بحيث لا تكون الحقوق اكبر من الواجبات و لا العكس. و من اجل تحقيق القدر الكافي من المساءلة فانه لا بد من الحرص على الشفافية الكاملة. و على وجه الخصوص فانه ينبغي ان يكون الفرد حرا في اختيار عمله و مستقبله و ان يتاح له التصرف بما ينتج عن ذلك من دخل او تميز. و في مقابل ذلك فإن عليه التزامات تجاه الأسرة و القرية و الدولة و بقية مؤسسات المجتمع الاخرى. و الأسرة كذلك فانه لا بد ان يكون لها دور في حياة أعضائها بالقدر الذي تقدمه لهم من مساعدة. و من ذلك ان يكون لها نصيب معقول من دخل أعضائها المنتجين. و القرية لا بد ان تنظم بحيث تكون قادرة على إدارة القضايا المرتبطة بها من المياه و المراعي و التعليم و حل الخلافات البسيطة. و لا بد ان يكون هناك تنسيق بين القرى المختلفة التي تكون (عزلة) من حيث مكافحة الآفات و الأمراض و المعدية و القضايا البيئية و كل ما يدخل في اهتمامات القرى المكونة لها. و نفس الامر ينطبق على المديرية التي تتكون من عدد من العزل و المحافظة التي تتكون من عدد من المديريات. ان النجاح في تحقيق ذلك سيخلق وظائف محددة لكل مكونات المجتمع و سيوفر لها متطلبات القيام بهذه الوظائف. و لا شك ان ذلك سيعمل على تحقيق المشاركة الكاملة غير المنقوصة. في هذه الحالة سيتعرف الفرد على حقوقه و على واجباته و على ما يترتب على قيامه او عدم قيامه بذلك من آثار. و في حال تساهله في القيام بذلك فما عليه إلا ان يلوم نفسه و ليس غيره في التقصير في ذلك. و كذلك سينطبق الأمر على كل مكونات المجتمع الاخرى أي الأسرة و القرية و العزلة و المحافظة و الدولة و مكوناتها المختلفة. و في ظل حالة المجتمع اليمني فان على الدولة ان تلعب الدور الأساسي في توعية المواطنين بذلك و ان تساعدهم على ممارسة ذلك على ارض الواقع. فعلى مؤسسات الدولة المركزية ان تهتم في إيجاد البيئة التنظيمية و الإدارية الضرورية لتحقيق ذلك. لكن ذلك لا يعني ان تتدخل الدولة المركزية بكل صغيرة و كبيرة تتعلق بالمحافظة او المديريات المكونة التابعة لها. فعلى سبيل المثال فانه لا بد من تمكين المحافظة و المديريات من المشاركة في إدارة أمورها. و لذلك فانه لا بد و ان تعمل مؤسسات الدولة المركزية على تمكين المكونات المحلية من الاحتفاظ بالنصيب الأوفر من مواردها سواء الزراعية او النباتية او المحجرية باستثناء النفط و الغاز. و على وجه الخصوص فان عليها ان تسند إدارة المحافظات الى قيادات منتخبة من أبنائها. و لا بد ان تمكن هذه القيادات من إدارة موارد المحافظة المهمة مثل الأراضي العامة فيها ومن تنمية موارد مالية تخصها و تمكنها من القيام بوظائفها على الوجه المطلوب. لكن ذلك لا يعني ان ترفع مؤسسات الدولة المركزية يدها عن هذه الادارة. فعليها ان تكثف من عمليات المحاسبة عن التقصير من قبل أجهزة المراجعة و المحاسبة المركزية الى جانب المحاسبة المحلية. ان تمكين المكونات المحلية من ذلك سيقضي على العديد من القضايا الحالكة بين المحليات و الدولة المركزية. و في هذه الحالة ستتوقف المحليات عن تحميل مؤسسات السلطة المركزية كل الإخفاقات التي تعاني منها و خصوصا تلك التي تقع ضمن مسئولياتها و في حدود الموارد المتاحة لها. الامر الذي سيمنع تخلي مكونات المجتمع عن تمحل مسئولياتها وسيؤدي ذلك الى الحد من الارتباك الامر الذي سيعمل على تعزيز الوحدة و تجفيف منبع إثارة الفرقة و التلاوم. ان تحقيق هذا القدر من التمكين سيجعل أي مطالبة بالانفصال لا معنى لها و بالتالي فإن أي دعوات من هذا القبيل ستقاوم من قبل المكونات المحلية لان الانفصال في هذه الحالة سيكون مضرا بهم قبل غيرهم. ولأن اليمن لا زال دولة غير حديثة فإنه لا بد وان يرتبط تحقيق التمكين بتحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية. لذلك فانه لا بد من قيام شراكة بين المحليات و مؤسسات الدولة المركزية لتحقيق ذلك. فهذه الشراكة هي التي ستعمل على إيجاد الحوافز الضرورية لتعاون كل من السلطات المحلية و المركزية. و لذلك فانه لا بد من التحاور المسبق بينها على حجم الحقوق و المسئولية التي ينبغي ان تسند لاي منها. ان إطلاق الحوار حول هذه القضايا أهم بكثير من الحوار بين النخب السياسية حول شكل النظام المناسب لليمن ( برلماني او رئاسي) او الحوار حول الفدرالية او الحوار حول أي مطالب فردية أخرى. ان التركيز على ذلك -من وجهة نظري- أهم بكثير من الحديث عن النظام البرلماني و النظام الرئاسي. فالمشكلة في اليمن ليست في المؤسسات المركزية بقدر ما هي مرتبطة بالمؤسسات المحلية و في العلاقة بينها و بين المكونات المحلية. و لذلك فإنه ينبغي ان يتركز الحوار على إيجاد حلول لهذه المشاكل بدلا من التوهان في مناقشة قضايا هامشية تهم النخب السياسية و لا علاقة لها بما يهم الأفراد العاديين الذين يحلمون ببناء يمن مستقر و مزدهر. و في نفس الوقت فانه ينبغي التنبيه الى انه لا يمكن استنساخ أي تجربة خارجية للحكم المحلي واسع او محدود الصلاحيات. ذلك ان التنوع بين مناطق اليمن المختلفة اكبر بكثير من التنوع بين أي دولة مركزية قوية مثل مصر او سورية او بريطانيا او حتى فرنسا. و لذلك فإن تصميم الشراكة بين الدولة المركزية و المحليات في اليمن يجب ان يركز على الفعالية الإدارية اكثر من تركيزه على المشاركة السياسية. و ينبع ذلك من حقيقة ان مستوى التنمية في اليمن و في كل المحافظات اليمنية لا زال متدنيا. و قد ترتب على ذلك تدن واضح في مستوى الدخل المتاح لكل من الأفراد و الأسر و المحليات و الدولة المركزية. فالمشاركة السياسية الواسعة مكلفة و قد تعمل على استنزاف الموارد النادرة المتاحة. و لا شك ان ذلك سيكون على حساب تحقيق التنمية الاقتصادية على مستوى اليمن كله. ان ذلك يعني ان تكون مهام تحقيق التنمية الاقتصادية مقدمة على مهام تحقيق قدر أوسع من المشاركة السياسية. و لا شك ان ذلك سيتوقف على ما سيتم منحه من صلاحيات للسلطات المحلية و على حجم و طريقة انتخاب المجالس المحلية. و على وجه الخصوص فان على الدولة المركزية ان تستمر بتحمل الجزء الأكبر من مسئولية التعليم و تحديث القوانين و اللوائح و التنسيق بين مختلف المحافظات. بل ان عليها ان تستمر في الإشراف على المشاريع الإستراتجية الكبيرة التي تحتاج الى موارد كبيرة و قدرات إدارية و تنظيمية لانجازها. و على كل حال فإن توفير البيئة المناسبة لبناء يمن مستقر و مزدهر يتطلب الحوار بين مختلف مكونات المجتمع اليمني حول الحقوق و الواجبات التي يتحملها كل مكون من مكونات المجتمع اليمني و على وجه الخصوص المكونات المركزية و المحلية. إني اعتقد جازما بأن ذلك سيعمل على تغيير الخطاب السياسي الحالي المأزوم و سيفتح آفاقا جديدة للتصالح و التعاون بين جميع ابناء اليمن. فذلك وحده كفيل ببناء يمن مستقر و موحد و الذي سينعكس خيرا على جميع ابناء اليمن و على الدول المحيطة و على العالم كله.