إصلاح المهرة يدعو لاتخاذ إجراءات فورية لمعالجة أزمة الكهرباء بالمحافظة    الاتحاد الدولي للصحفيين: ما يجري في غزة إبادة جماعية وصمت العالم مخزٍ    صنعاء .. الصحة تعلن حصيلة جديدة لضحايا استهداف الغارات على ثلاث محافظات    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    قيادي في "أنصار الله" يوضح حقيقة تصريحات ترامب حول وقف إطلاق النار في اليمن    الجنوب.. معاناة إنسانية في ظل ازمة اقتصادية وهروب المسئولين    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 7 مايو/آيار2025    هي الثانية خلال أسبوع ..فقدان مقاتلة أمريكية "F-18" في البحر الأحمر    وزير الشباب ومحافظ ذمار يتفقدان أنشطة الدروات الصيفية    عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    الإرياني: استسلام المليشيا فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها والمضي نحو الحسم الشامل    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    الكشف عن الخسائر في مطار صنعاء الدولي    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    الحوثيين فرضوا أنفسهم كلاعب رئيسي يفاوض قوى كبرى    57 عام من الشطحات الثورية.    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    بذكريات سيميوني.. رونالدو يضع بنزيما في دائرة الانتقام    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    الإمارات تكتب سطر الحقيقة الأخير    صرف النصف الاول من معاش شهر فبراير 2021    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    تواصل فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة لليوم الثالث    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الكهرباء أول اختبار لرئيس الوزراء الجديد وصيف عدن يصب الزيت على النار    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    ودافة يا بن بريك    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تفضل الحكومة السياسات الخاطئة و المدمرة؟!
نشر في الوسط يوم 19 - 05 - 2010

كتب/ بروفيسور.سيف العسلي لم يكن قرار الحكومة البدء برفع الدعم عن المشتقات النفطية في الوقت الحاضر حتميا و لا ضروريا و لا مفيدا لا لها و لا للوطن. صحيح ان هناك عجزا كبيرا في الموازنة العامة و انه قد تم تمويله عن طريق طباعة النقود لكن الصحيح ان هذا العجز لا علاقة له بدعم المشتقات النفطية. ان ما يقف وراء ذلك هو ما ترتب على خروج سياسة الاسترضاء عن السيطرة ووصولها الى مستويات قياسية من تكاليف. فعلى الرغم من وجود الدعم فقد سجل تنفيذ الموازنة العامة فائضا كبيرا في عام 2006. و من الواضح ان دعم المشتقات النفطية المتوقع في عام 2010 هو تقريبا مساويا للدعم الذي سجل في عام 2006. لقد تم تحقيق مع وجود دعم للمشتقات في عام 2006 لانه تم حينئذ النجاح في تحجيم عملية الاسترضاء نسبيا. لكن عودة سياسات الاسترضاء من جديد في عام 2007 و استمرارها بل و توسعها حتى الآن قد ترتب عليه ارتفاع عجز الموازنة العامة منذ عام 2007 و حتى عام 2010. لذلك ان السيطرة على هذا العجز لا يمكن ان يتحقق من خلال رفع الدعم فقط بل انه لا بد ان يسبقه او ان يترافق معه كبح عملية الاسترضاء. ذلك ان رفع الدعم قد يوفر إيرادات محدودة قد لا تستطيع تغطيته حتى في السنة الحالية ثم ما تلبث ان تعود مشكلة العجز من جديد. فمقدار دعم المشتقات النفطية في موازنة عام 2010 من المتوقع ان يزيد قليلا عن ثلاث منة مليار ريال. في حين ان العجز المتوقع تحققه في عام 2010 قد يزيد عن 600 مليار. هكذا يتضح ان قرار الحكومة بالبدء برفع الدعم في الوقت الحاضر ليس مفيدا لانه لا يستطيع التعويض عن حجم الدين العام الكبير سواء منه الحالي او المتوقع. فلو افترضنا انها تمكنت من رفع الدعم بالكامل فورا فان ذلك لن يعمل على تغطية العجز بالكامل و بالتالي فانها ستحتاج الى تمويل العجز من خلال طباعة النقود. و لا شك ان ذلك يعمل على رفع الأسعار نتيجة لرفع الدعم و نتيجة لتمويل العجز من خلال طباعة النقود. ان على من يشكك بذلك ان يراجع ما ترتب على رفع الدعم عن السلع الاساسية خلال الفترة الماضية. لقد ساعد في تغطية الزيادة في النفقات لفترة قصير ثم ما لبث التزايد فيها من ان يتحول الى عجز في الموازنة العامة من جديد. و سيكون لرفع الدعم عن المشتقات النفطية نفس الأثر. ان ذلك يحتم إعادة النظر بسياسة الاسترضاء و خصوصا انها لم تعمل لا على تثبيت الوحدة و لا على حماية الديمقراطية و لا على تعميق السلم الاجتماعي. فعلى العكس من ذلك انها في الوقت الحاضر تهددها بقوة. بالاضافة الى ذلك ان إطلاق العنان لهذه السياسية لقد تسبب بتشويه بنية الاقتصاد و نشر ممارسة الابتزاز و تبرير الفساد. هذا من ناحية و من ناحية اخرى ان عدم وضع حدود لها قد تسبب في اضعاف كل مؤسسات الدولة بدون استثناء. لقد كان من نتائجها تحول تركيبة الاقتصاد الوطني من تركيبة قوية الى تركيبة مشوهة نتيجة للأخطاء السياسية و الاقتصادية التي ارتكبت و بسبب هذه السياسة سمح لها بان تصبح مزمنة. فالأخطاء السياسية التي رافقت عملية تحقيق إعادة الوحدة و ما تلا ذلك من تطورات قد عملت على تحويل أسس الاقتصاد اليمني الى أسس هشة. فنتيجة لسياسة الاسترضاء تم تجاهل الآثار الاقتصادية المترتبة على تحويل الاقتصاد في المحافظات الجنوبية من اقتصاد مركزي الى اقتصاد حر و خصوصا تلك الآثار السلبية التي حصلت لعامة الناس. فنتيجة لها فقد تم فقط الاهتمام بمصالح النخب السياسية و الذي عبر عنه التقاسم الذي تم بين قيادات الشطرين. و قد تم نتيجة لسياسة الاسترضاء إعطاء مصالح النخب السياسية الأولوية و ترك مصير المواطنين العاديين للمجهول. و قد كان مصيرهم مأساوياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فعلى الرغم ان عامة الناس في المحافظات الجنوبية لم يكن لديهم أي أصول مالية او غير مالية بعد ان صادرت حكومات الحزب الاشتراكي كل ما يملكون فصار كل ما يملكون ملكا للدولة على أمل ان تعمل هي على رعايتهم رعاية كاملة فلم يهتم احد بذلك. فكان كل ما يحصلون عليه بعد منها هو ما يكفي احتياجاتهم اليومية. فالمنزل ملك الدولة الأرض ملك الدولة و المستقبل لدى الدولة. فعلى سبيل المثال فان حكومة الوحدة لم تتعامل مع المؤسسات العامة في الشطر الجنوبي سابقا بما يحفظ حقوقهم و مستقبلهم. و هكذا انكشف غالبية سكان المناطق في المحافظات الجنوبية. فالمرتبات التي ظلوا يحصلون عليها من دولة الوحدة لا تكاد تكفي بالكاد لاحتياجاتهم الاساسية. و مع الوقت انها لم تعد تفي بذلك. و لأنهم تعودوا على تولي الحكومة توفير الخدمات الاساسية لهم مثل التعليم و العلاج و السلع الاساسية بما يتناسب مع دخولهم فإنهم اكتشفوا بعد الوحدة ان عليهم ان يواجهوا ذلك من دخلهم المحدود. فاذا كانوا قد حافظوا على وظائفهم فان أبناءهم لم يستطيعوا الحصول على وظائف و لم يستطيعوا كذلك الاندماج في الاقتصاد الجديد لعدم توفر تأهيل حكومي لهم. و قد تضاعفت معاناتهم عندما لم تستطع دولة الوحدة حل مشكلة المساكن التي أسكنتهم فيها حكومات الحزب الاشتراكي فأصبح بعضهم مهددا بالطرد و بالفعل تم طرد بعضهم. و في نفس الوقت فان تعامل حكومات الوحدة مع الأراضي المملوكة للدولة قد احدث تذمرا كبيرا حيث حصل على معظمها من لا يستحقها و تم التصرف على هذا النحو بمعظمها. ان أسلوب الاسترضاء الذي اتبع حينئذ قد خلق إهدارا للثروة العامة لصالح قلة من المتنفذين. و لم تتوقف عملية الاسترضاء على معالجة الآثار المتربة على إعادة الوحدة و انما تحول الى مكون أساسي من مكونات الحياة السياسة في اليمن. و قد عملت بعض الممارسات المحسوبة على الديمقراطية و التعددية على توسيع عملية الاسترضاء عند كل انتخابات عامة او حدوث أي توتر سياسي. و قد التهمت عملية الاسترضاء هذه إيرادات النفط و الأراضي العامة. بل انها امتدت لتلتهم الوظيفة العامة و مشاريع البنية التحتية. بل انها ذهبت الى ابعد من ذلك من خلال التضحية بالإيرادات الضريبية. فقد تضخمت أعداد المنضمين للخدمة العامة بدون وجود احتياج فعلي لهم او توزيعهم بحسب الاحتياج. لا شك ان ذلك قد مثل عبئا على الخزينة العامة من دون المساهمة بأي قيمة مضافة. و كذلك فقد أصبحت مشاريع البنية التحتية توزع على المتنفذين من خلال الامر المباشر بهدف استرضائهم. لقد ترتب على ذلك المبالغة في بعضها و سوء توزيعها و تنفيذها و ضعف الاستفادة منها. لقد ترتب على ذلك ان تشوه الاقتصاد اليمني. انه في الوقت الحاضر يتكون من 50% من مكوناته تعتمد على الخارج و 50% الاخرى و ان كانت في الظاهر داخلية فانها في حقيقة الامر تعتمد على الخارج. فالنفط و تحويلات المغتربين و القروض و المساعدات الخارجية تمثل مصادر الاقتصاد اليمني الخارجية و الزراعة و خصوصا زراعة القات و الخدمات التجارية و الخدمات الحكومية و قطاع البناء و التشييد يمثل مصادر الاقتصاد الداخلية. و ينبغي ان نلاحظ هنا ان مكونات الاقتصاد اليمني الداخلية هي تابعة للمكونات الخارجية لها بمعنى انها لا يمكن تصديرها للخارج و من ثم فانها لا تملك القدرة على البقاء إلا في حال استمرار مكوناته الخارجية على البقاء. و لذلك فان الاقتصاد لا يستطيع ان يثبت عند مستوياته المتدنية ناهيك عن قدرتها على التطور اذا حصل أي تراجع في المكونات الخارجية. و هذا ما حدث فعلا فعندما بدأ إنتاج و تصدير النفط في التناقص و عندما انخفضت أسعاره و عندما تقلصت التحويلات الخارجية و القروض و المساعدات الخارجية تقلصت مكونات الاقتصاد الداخلية. و لا شك انه ترتب على ذلك زيادة الحاجة الى مزيد من الاسترضاء و ما لم يتم ذلك فإنه يترتب عليه حدوث اضطرابات سياسية ( الحرب مع الحوثي و الحراك الجنوبي و الأزمة مع المعارضة). و في حال الاستجابة الى متطلبات الاسترضاء هذه فالنتيجة واضحة هي زيادة العجز و طباعة النقود و تدهور قيمة العملة الوطنية. فعملية الاسترضاء هذه هي التي أضعفت الاقتصاد اليمني. انها هي التي وقفت وراء فشل الحكومة في الاستفادة من المنح و المساعدات الخارجية الكبيرة. و يرجع ذلك الى إصرار الحكومة على تقسيم هذه التمويلات على اكثر من ثمانين مشروعا بهدف استيعاب عدد كبير من المتنفذين في حين ان المانحين لا يرغبون بذلك. ان عملية الاسترضاء هي التي تفسر عدم نجاح الحكومة في جذب الاستثمارات الداخلية و الخارجية لان المتنفذين يعارضون ذلك او يستغلون المستثمرين الحقيقيين او ان البنية التحتية المطلوبة غير موجودة نتيجة لتنفيذها وفقا لمصالح المتنفذين. لقد ترتب على القبول بالاسترضاء و إعطائه أولوية قصوى ان أصبح من المستحيل تغيير القيادة الفاشلة و الفاسدة مما تسبب في ترهل الأداء الحكومي و انتشار الفساد على نطاق واسع. بالاضافة الى ذلك ان صبحت عملية المساءلة عملية مستحيلة. ان عملية الاسترضاء هي التي تفسر تعثر كل من الجهاز المركزي للرقابة و المحاسبة و الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في تحقيق أي تحجيم لها. ان ما يقف وراء إصرار الحكومة على رفع الدعم في هذا الوقت و بهذه الطريقة ما هو الا استجابة لضغوط المتنفذين على الرغم من معرفتها ان ذلك غير مفيد و غير قابل للاستمرار و يعمل على إحداث اضطرابات سياسية خطيرة. انه يدل فقط على تلبية مطالب المتنفذين و عدم المبالاة بالشعب. و لا شك ان ذلك أمر لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية. ان قرار الحكومة البدء برفع الدعم في الوقت الحاضر ضار بل مدمر. فالارتفاع الكبير المتوقع في الأسعار و الذي قد يصل الى ما يقرب 40 % يعني ان أصحاب الدخول الثابتة سينخفض دخلهم بما لا يقل عن40 %. و اذا كانت هذه الدخول لا تفي بالكاد باحتياجاتهم الاساسية فان وضعهم بعد هذا الارتفاع سيكون كارثيا بكل ما تعنيه الكلمة. و اذا ما حاولت الحكومة تعويضهم عن ذلك فان ذلك سيؤدي الى ارتفاع في العجز مما يعني زيادة طباعة النقود، ما يعني زيادة معدل ارتفاع الأسعار الذي سيحتم معالجة اثر ذلك عن طريق زيادة العجز و بالتالي طباعة النقود. و في هذه الحالة فان الاقتصاد اليمني سيدخل مرحلة التضخم الجامح و الذي سيحتم أعادت الدعم ليس فقط للمشتقات النفطية و انما للعديد من السلع الاساسية. و بذلك فان الحكومة بقرارها هذا تكون قد إعادة الأوضاع الى ما كانت عليه في عام 1995. ان خيار رفع الدعم لا يعالج جذور المشكلة و لا حتى التخفيف من حدتها. بل على العكس ان ذلك سيعمل على زيادتها حدة. لقد كان على الحكومة ان تعمل على وضع الاقتصاد الوطني على أسس ثابتة. ان ذلك يتطلب تطوير قطاعات اقتصادية فعالة و جعلها قاطرة للاقتصاد الوطني بدلا من النفط و تحويلات المغتربين و القروض و المساعدات الخارجية. و من حسن حظ اليمن و الحكومة ان ذلك ممكن و سهل تحقيقه. فالكثافة السكانية التي تتمتع بها يمكن تحويلها من عبء الى مصدر من مصادر الدخل القابلة للتطور و الاستمرار. و كل ما يتطلبه الامر لتحقيق ذلك ليس سوى التركيز على التعليم الفني و المهني. و بالمثل فان قطاع الغاز لا زال واعدا و خصوصا في حال استخدامه للاستخدامات المحلية أي في توليد الكهربا و تحلية المياه و ووسائل النقل. وكذلك فان قطاع السياحة يعد من القطاعات الواعدة و لكن ذلك يتطلب إعادة النظر في مفهوم الأمن و الشرطة. فعقيدة المؤسسات الأمنية في الوقت الحاضر اقرب الى عقيدة القوات المسلحة و قد انعكس على عملية كل من تطويرها و تجهيزها. و لذلك فانها لن تنجح في تحقيق استتباب الأمن لأنها أعدت لمهمة مختلفة. فمن خلال تغيير هذه العقيدة و الإعداد و في حال نجاحها في تحقيق استتباب الأمن فان قطاع السياحة بشكل عام و قطاع الاستثمار سيتطور. و سيعمل ذلك على إعادة هيكلية الاقتصاد اليمني. لقد كان تحقيق ذلك ممكنا اذا ما تم استمرار الإصلاحات التي بدء بها في عام 2006 وخصوصا تفشي عملية الاسترضاء. أما في الوقت الحاضر فان تحقيق ذلك يحتاج الى جهود اكبر و تضحية اكبر. ذلك ان التخلي عن تلك الإصلاحات من قبل الحكومة الحالية قد افقدها مصداقيتها لدى كل من المانحين و الشعب. اذ انها ما كانت تحتاج الى البدء برفع الدعم و ان احتاجته فانه كان بإمكانها ان تقوم به في ظل مناخ خال من وجود أزمات اقتصادية و سياسية حادة. لقد كان على الحكومة ان تفاضل بين كل الخيارات المتاحة قبل إقرار و تنفيذ قرار خطير مثل قرار البدء برفع الدعم عن المشتقات
النفطية. لقد كان بإمكانها ان تدرك و بسهولة ان هذا الخيار ليس الخيار الأفضل المتاح للتعامل مع تزايد العجز في الموازنة. فقد كان هناك عدد من الخيارات الاخرى او على الأقل كان يجب ان يكون ضمن خيار أوسع. فقد كان على الحكومة ان تضع رفع الدعم في إطار أوسع يبدأ اولا ببذل جهود فعلية في عملية ضبط الانفاق العام و تحصيل الإيرادات العامة. ففيما يخص ضبط الانفاق العام فانه كان من الممكن الضغط على النفقات غير الضرورية بل و غير المفيدة. فعلى سبيل المثال فان إدارة النفقات العامة بكفاءة كان سيعمل على إيقاف هوس المباني الحكومية. فعلى الرغم من وجود عدد كبير من المباني الحكومية و ان بعض هذه المباني غير مستغلة فان هناك تكالبا من الجهات للحصول على إقامة مبان جديدة لها اكثر حداثة او مستقلة عن الوحدات الاخرى. و لا شك ان ذلك يشكل ضغطا غير مبرر على النفقات العامة و يمكن الاستغناء عنه. و كذلك فان العديد من المشاريع في مجال الطرق متعثرة او انها لا تتم وفقا للمواصفات الدولية و مع ذلك يتم وضع المخصصات المالية لها من اجل إرضاء المقاولين لها المتنفذين. فعلى سبيل المثال هناك مشاريع طرق تحت التنفيذ يزيد عددها عن ألف طريق. و في نفس الوقت فان عدد مقاولي الطرق لا يزيدون عن ثلاث مئة مقاول. و معظم هؤلاء لا يمتلكون المعدات الضرورية و لا الخبرة الكافية. بل ان بعضهم لا يملك حتى مقراً ناهيك عن المعدات الثقيلة لأنهم يتعاقدون مع الحكومة على تنفيذ الطرق ثم يذهبون للتعاقد مع مقاولين آخرين من الباطن. ان ذلك يعني ان عدد المقاولين الفعليين اقل من ذلك بكثير و ان معداتهم محدودة للغاية و لا يستطيعون ان ينفذوا طرقا إستراتجية بالمواصفات المطلوبة. و قد ترتب على ذلك ان ارتفعت تكاليف شق الطرق و تدنى معدل الانجاز مما تسبب بمتطلبات بإعادة النظر بالأسعار المرتفعة أصلا من جديد. ان الادارة المالية الكفء لهذا القطاع ستعمل على تفيض تكاليف الطرق و تحسين المواصفات الامر الذي سينعكس إيجاب على العجز في الموازن العامة. ان ذلك يتطلب استبعاد المقاولين الذي تعثروا عن انجاز ما التزموا به. و بالتالي فان عدد الطرق التي يتم تنفيذها وفقا للقدرة الاستيعابية سيكون محدودا مما سينعكس على حجم التمويل المطلوب. كذلك فان إلزام المقاولين بتنفيذ المشاريع التي تعاقدوا عليها قبل إعطائهم أي فرصة للدخول في المناقصات الجديدة سيرفع معدل الانجاز لأنهم لن يكونوا مضطرين لنقل معداتهم من مشروع الى آخر. كذلك فان المبالغة في تنفيذ المدارس الناتج عن تعدد الجهات المنفذة و الممولة, التربية و التعليم و السلطات المحلية و صندوق التنمية و الأشغال العامة و البنك الدولي و المانحين قد عمل على إقامة مدارس لا يحتاج لها، أي عدد كبير من المباني المدرسية في مناطق متقاربة. و لا شك ان ذلك لم يتواكب مع توفير المدرسين و الكتب و المستلزمات التدريسية لها مما جعل الاستثمار في هذه المباني عديماً او على الأقل قليل الفائدة. و لا شك ان إعادة النظر بها سيعمل على توفير التمويل الضروري لها و بالتالي سيعمل على تفييض عجز الموازنة. من الواضح ان جهود إصلاح الخدمة المدنية قد توقفت بعد توقف الدعم المالي لها من المنظمات الدولية. و بالتالي فانه لم يتم الاستفادة مما تم تنفيذه او كان يخطط لتنفيذه. فعلى سبيل المثال فانه لم يترتب على إدخال البصمة و إصدار البطاقة الوظيفية أي تفييض حقيقي في العمالة المزدوجة لانه لا يتم مقارنة كشوف الرواتب بقاعدة المعلومات. و كذلك فانه لم يتم استبعاد الوهميين لان وزارة المالية لا تستطيع التأكد من سلامة كشوف الرواتب. و بالمثل فان عدادا كبيرا ممن هم ليسوا وهميين و لا مزدوجين لكنهم غائبون لا زالوا في كشوفات الرواتب و الأجور لانه يتم التستر عليهم من قبل رؤسائهم المباشرين مقابل اقتسام الراتب بينهم. و من الواضح ان هناك تصاعدا في بنود المكافئات و الإضافي في العديد من الجهات مما ترتب عليه إرهاق الباب الأول و ممارسة الظلم و الفساد. فهذه المخصصة لا ترتبط بالانجاز و انما بالولاء و المحسوبية. أما فيما يخص تحصيل الإيرادات العامة فحدث و لا حرج. فالضرائب لا تحصل وفقا للقوانين المنظمة لها. و خذ مثالا على ذلك ضريبة القيمة المضافة و ضريبة الدخل و ضريبة المهن و ضريبة العقارات و كل أنواع الضرائب الاخرى. و المثير للاهتمام ان الحكومة لا تفكر حتى بتصحيح هذا الوضع و لو جزئيا. و مثالا على ذلك هو الرسوم الجمركية. فلا احد يستطيع ان يجادل حول العبث الذي يجري في تحديد نوع السلعة و قيمتها و الرسوم الواجب عليها. أضف الى هذين المثالين التهرب و التهريب في كل من الضرائب و الرسوم الجمركية. و لا يختلف الامر كثيرا فيما يخص مكونا آخر من مكونات الإيرادات العامة و الذي يتمثل في بيع الأصول العامة و خصوصا الأراضي المملوكة للدولة والتي يتم السطو عليها من قبل المتنفذين او يتم صرفها لهم من متنفذين لا علاقة لهم بها وبيعها بثمن بخس من قبل الجهة المشرفة عليها. بالاضافة الى ذلك ان الأرباح المستحقة للدولة من المؤسسات التابعة لها لا تمثل الا جزءاً يسيرا من الإيرادات العامة على الرغم من وجود عدد كبير من المؤسسات التابعة للدولة و التي من المفترض ان ترفد الخزينة العامة بموارد كبيرة اذا فقط حولت لها ما يقارب 10% من رأس مالها العامل. ان هناك مؤشرات كبيرة على العبث الجاري في القطاع النفطي. و من يريد ان يتأكد من ذلك فما عليه الا ان يطلع على تقارير الجهاز المركزي للرقابة و المحاسبة. اذا هناك عبث غير محدود فيما يطلق عليه نفط الكلفة و المتمثل في استرجاع تكاليف الاستثمار و ضم تكاليف التشغيل و الادارة. فهناك مبالغة في استيراد السيارات و في العقود التي تتم من الباطن مع شركات الخدمات التابعة للمتنفذين و في مقدار الرواتب و المكافأة للعاملين في الشركات النفطية و خصوصا غير اليمنيين و في عمليات الصيانة و الإحلال. فما يمكن توفيره من مبالغ من خلال ضبط الانفاق العام و تحصيل الإيرادات يتجاوز العجز المحقق في العام الماضي او المتوقع في هذا العام. و في هذه الحالة فان مقدار الرواتب و الأجور سيزيد من خلال حسن استخدام المخصصات الحالية و سيكون هناك زيادة فيها نتيجة لتحصيل الإيرادات العامة غير المحصلة. بل انه يمكن القول ان عملية تنفيذ مشاريع البنية التحتية ستتحسن نتيجة لتفييض تكاليف ذلك و التطبيق الصارم للمواصفات و المقاييس. و لا شك ان القيام بمثل هذه الإجراءات سيعمل على تحسين أداء الجهات الحكومية و سيعمل على الحد من الفساد. و سيترتب على ذلك كله تحسن في الخدمات الحكومية مثل التعليم و الصحة و الضمان الاجتماعي و غيرها من الخدمات العامة الضرورية لتحسين أداء القطاع الخاص مثل الحوكمة و الشفافية و التدريب. و لا شك ان ذلك سيجعل الشعب يقدر الحكومة و ستتحسن الثقة بينهما مما سينعكس إيجابا على كل من الادخار و الاستثمار. و لا شك ان من أهم نتائج تحسن هذه العلاقة سيكون تنشيط النظام المصرفي من خلال إقامة السوق المالية و تحسين عملية الوساطة المالية. و لا شك ان ذلك سيعمل على زيادة معدل النمو الاقتصادي و بالتالي على خلق وظائف جديدة لعاطلين و زيادة الضرائب و بالتالي زيادة الانفاق العام و بالتالي تحسين المرتبات و الخدمات العامة الاخرى. و في هذه الحالة فان العالم الخارجي سيمد يد العون لليمن و بسخاء مما سيمكنها من تحديث بنيتها التحتية و بالتالي خلق مصادر للدخل جديدة تعمل على تقليل الاعتماد على النفط و بالتالي وضع الاقتصاد الوطني على مسار النمو الكبير و المستدام. في هذه الحالة فان الحكومة اذا ما قررت معالجة الاختلالات الناتجة عن عدم المشتقات النفطية سيكون سهلا و مقبولا و متحملا من المواطنين. في هذه الحالة فقط يمكن ان يصدق الناس ان رفع الدعم عن المشتقات النفطية سيعمل على التقليل من تهريبها الى الخارج. و في هذا الحالة سيصدق المواطنون بان الحكومة ستعمل على معالجة الآثار المتربة على رفع الدعم من خلال آليات الضمان الاجتماعي. في ظل وجود هذه الخيارات الأفضل يظل السؤال لماذا لم تعمل الحكومة على التفكير بها و البدء بها قبل البدء في رفع الدعم غير المفيد و المدمر لها و للاقتصاد؟. ان الجواب لهذا السؤال هو ان الحكومة فضلت خيار رفع الدعم لانه فقط الخيار الأسهل و ان الذي سيتحمل أعباءه هم عامة الشعب و ان الذي سيستفيد منه هم المتقنفذون. لقد تجاهلت كل العواقب الوخيمة له. و مع ذلك ان عليها ان تدرك ان عملية الإصلاح الحقيقية لا بد و ان تبدأ من تحجيم عملية الاسترضاء قبل أي شيء آخر. فالاستمرار في إطلاق العنان لعملية الاسترضاء و بدون أي ضوابط سيعمل على القضاء على ما تبقى من مؤسسات الدولة بعد ان تم إضعافها. ان عدم إدراك الحكومة لذلك يدل على عجزها حتى على التفكير ناهيك عن قدرتها على تبني و إدارة مشاريع كبيرة و إستراتيجية او اتخاذ قرارات صعبة مثل تحجيم عملية الاسترضاء. ان تفضيلها الخيارات السهلة سيؤدي حتما الى الدمار المحقق. ان بقاء الأمور على ما هي عليه لا يبشر بخير لمستقبل اليمن.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.