كتب/د.محمد ناجي الدعيس إن قُدرة أي نظام على تحقيق مطالب مستفيديه -مجتمع أو شعب - بكفاءة وفاعلية عاليتين لا يتوقف على مكوناته المادية فحسب، بل يسهم مكون العنصر البشري النوعي فكرياً ومهنياً بدورٍ محوريٍ في تحسين وتطوير جميع مكونات النظام وتحقيق مطالب المستفيدين بجودة منافسة وبأقل جهد وأقصر وقت.. من هنا لا بد على كل فرد يمني - منتمي لحزب أو مستقل - عاقل ورشيد أن يصطلح مع نفسه أولاً ليكون طريقه للاصطلاح مع خالقه ثانياً وصولاً إلى تقوى الله في عمله ومسلكه للاصطلاح مع وطنه وشعبه أخيراً.. لأن ما يشكوه الوطن من أبنائه هم الأخسرون أعمالاً والذين قد ضلّوا بأعمالهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعاً ..! إن الله حينما استخلف الخلق ليس لهدم الأرض وإنما لعمارها بكل ما تحمله العمارة من معنى - فالكلمة الطيبة والصادقة هي من أهم أسس عمارة الأرض بالعدل " .. إذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قُربى.." ، وهو ما نريد أن نبينه لما ينبغي أن يكون عليه دور قادة نظم الاجتماعية كافة مستقبلاً، والذي من المفترض فيه التكامل لا التقاطع لما قد شاب كثير من المفاهيم ضبابية معتمة مزمنة كالديمقراطية والانتماء النّظمي والولاء الوطني مما أعطى الحق للأقلية لبناء الذات الشخصية وفئويتها على حساب البناء الوطني ومقوماته، فحقيقة الانتماء النظمي والولاء الوطني يكمن في حقيقة وصدق الانتماء إلى النظم - المؤسسات الحكومية والمدنية - والولاء إلى الأرض بحدودها الجغرافية وواحدية شعبها في أمانيه وطموحاته ومصالحه بغض النظر عن تعدد قومياته أو أعراقه ومناطقه، مواليين لسلطة سياسية واحدة والتي تحترم الشعب وتعمل من أجله بسلاح العدالة الاجتماعية وصولاً للعدالة الوطنية، فالوطن باختصار هو مساحة جغرافية تضم أفراداً توحدهم رسالتهم ورؤاهم لبناء تلك المساحة، وفي حال تضبب تلك الرسالة والرؤى من قِبل بعض الأفراد رغبة منهم في تحقيق مصالحهم الشخصية تبرز أحد الأسباب الرئيسة في اختلال كفة ميزان المواطنة وعدالتها، والذي من أخطره تصدع صدق الولاء لدى الغالبية المستضعفة.. فالأوطان قد تمر بأزماتٍ أو ثورات وهي ظواهر صحية في حياة الشعوب المعقلنة والموحدة الرسالة والرؤى، والتي ترفض حياة الكينونة والركود وتعشق تلك الظواهر للتغيير نحو حياة أفضل.. ولتحقيق ذلك لا بد من توافرت ثلاثة شروط، هي " عقيدة صالحة وسليمة من العلل + مواطنون صالحون مؤمنون بقيمة وطن ورسالته ورؤاه + أعضاء حكومة واضحي البرامج وسليمي السريرة يعملون بجد على ترجمة الرسالة والرؤى الوطنية ".. ولن يتأتى ذلك إلا بتصحيح مسار الفرد وصدق انتمائه وسلامته.. يصبح مفهوم سلاح العدالة الاجتماعية الذي تنشد الأغلبية ممارسته من قادة يمن الغد يُعرّف بأنه توزيع المنافع المادية في المجتمع بمسطرة متساوية ليضمن كل فرد حقه. بمعنى أن كل فرد لديه الفرصة بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو حزبه ومنطقته..الخ في الحصول على مطالبه الأساسية للصعود الاجتماعي.. وتحقيق تلك العدالة يصبح من مسؤولية قادة الدولة المدنية القادمة والأطياف السياسية والمدنية كافة، وإذا انعدمت الديمقراطية الحقيقية لممارسة تلك المعادلة ستؤدي إلى اختلالات مجتمعية أكثر من سابقتها بين أفراد الشعب الواحد.. ومن هنا أرجو أن يقلع قادة الأحزاب وبقية النظم وبصدق عن التجنيد السياسي والمهني الخاطئ الذي أسهم فيما مضى وبشكلٍ كبير في تغييب ممارسة حقيقة الديمقراطية وهو أحد المرتكزات الأساسية التي جعلت إرادة الأغلبية الصامتة من الشباب تركل ثوب الحزبية الشّكلية القائمة على الخنوع وتحقيق مصالحها الشخصية على حساب وطن وأغلبيته.. ركلته وخرجت لتبحث ودونما هدي أو رؤى تصلها إلى ديمقراطية حقيقية تتسم بممارسة سلاح العدالة الوطنية لكل فرد من أفراد المجتمع الواحد، وهو ما عجز عن القيام به أحزاب المعارضة وغيرهم برغم بروز غُبنهم السياسي على السطح والذي نشأ عنه الغبن المجتمعي، وهو ما جعل تلك الأغلبية تخرج عن صمتها وتطلق صيحة الحريّة نحو تغيير سلمي ديمقراطي حقيقي، والذي يرتقي بقيمة الإنسان اليمني وكرامته.. وهنا أعتب على قادة الأحزاب والنخب لعدم احتضان شباب التغيير في توعية صادقة وفريدة وخصوصاً حينما طال نسبياً أمد الثورة فعلى سبيل المثال لا الحصر لماذا لم يمارس شباب التغيير والحرية ديمقراطية حقيقية في التداول السلمي لقيادة التكوينات واللجان فيما بينهم وفق انتخابات نزيهة خلال فترة محددة لضرب أروع أنموذج بين مطلبهم والممارسة؟ .. لأننا قد عانينا وشكونا كثيراً من حُسن الخطاب وجماله وسوء الواقع وبؤسه حتى اللحظة..! إن قدرة قادة الأحزاب في التخلص من ماضيها السلبي المكتسب لتصبح قادرة على قيادة الدولة المدنية المأمولة يكمن في صدق نواياهم وممارساتهم لإيثار وطن، حيث تكون من الأولويات المهمة هو إعادة ترتيب مكوناتهم الحزبية المادية منها والبشرية، لأن غياب الهيكلة الحقيقية الداخلية وتوصيفها عن المنهجية العلمية لغالبية الأحزاب، قد أدّى إلى : 1. تملك المناصب القيادية داخل الأحزاب من قِبل ذوي النفوذ ومراكز القوى بغض النظر عن كفاءتهم الحزبية أو المهنية، الأمر الذي نتج عنه عشوائية وشلل الأداء الحزبي أو السياسي والوطني، وكأن الحزب أسس فقط لثراء فئة ولمجاملات شخصية، ولم تغيّب بذلك الكفاءات الموجودة داخل الأحزاب وخسرتها فحسب، بل غيبت كثير من قيم الأحزاب الحقيقية وأدوارها السامية في بناء المكونات الوطنية.. 2. جهل المواطنين بمفهوم التنمية السياسية الناتج عن إغفال الأحزاب لذلك الدور المنوط بهم في توعية وإرشاد المواطنين بأهمية فهم المعاني المُثلى وممارستها في حقهم الانتخابي، وهو ما أدّى ويؤدي باستدامة في كل موسم انتخابي إلى اختيار الناخب لممثله خطأ للجوئه إلى معيار اختيار الأغلبية المضللة لا اعتماد معيار المواصفات المهنية والشخصية للمرشح للقيام بمهامه في المجلس بكفاءة ومهارة عاليتين، فيكون اختياره للحزبي الذي حصل منه على وعود لمصلحة شخصية آنية - ما تلبث أن تزول بانتهاء التظاهرة - دون علمه بمدى إضراره بالوطن.. وقد تجلّى ذلك ليس في تملك أعضاء مجلسي النواب والسلطة المحلية - لكل الأحزاب - لمقاعدهم منذُ ولود التجربة الديمقراطية الشكلية والهزلية التي أفقدت صندوق الاقتراع قيمته وهيبته.. وهو نتيجة حتمية وكافية لغياب دورهم الفاعل في معالجة الإشكالات المجتمعية لممثليهم أو للوطن.. وقد كان ذلك كافياً لخروج البسطاء للتعبير عن بؤسهم بسبب خذلان أحزابهم في تحقيق مطالب الشعوب نحو استقرار أفضل ووطن بلا أزمات.. 3. انعدام حكومة الظل لدى أحزاب المعارضة والتي من شانها تقييم أداء حكومة الحزب الحاكم في اتزان معادلة العدالة الاجتماعية وفق معايير علمية ووطنية فهي مرآة حقيقية للسلطة مستقبلاً، وحتى إذا ما دعيت أحزاب المعارضة للإسهام في تشكيل حكومة وطنية أو فازت بالأغلبية يكون لديها وزراء جاهزين لتقلد المناصب بدلاً من ضياع الوقت في الانتقائية والتخبط العشوائي الذي لا يعتمد على معيار الكفاءة والنزاهة.. تلك وجهة نظر أطرحها كإجابة على السؤال الوارد في نهاية المقال قبل الماضي وهو : هل تستطيع أحزاب المعارضة أن تتخلص من ماضيها لتدع قيادة البلد لمن هو أجدر وأكفأ ولو خالفها الرأي والفكر وفق ما طرحناه؟.. فهل تستطيع قيادة الأحزاب التخلص من ذلك الطبع الموروث للاصطلاح مع وطن وشعب والقبول بممارسة حقيقية نحو تغيير فعلي بدءً من بيئتها أولاً وما تزخر به الأحزاب من كفاءات هم كثر مغيّبون؟.. أم ستظل العقلية تعيش بنفس العقلية ونرى نفس الأوجه؟ ..... يتبع بقية المقال في العدد القادم [email protected]