قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    34 ألف شهيد في غزة منذ بداية الحرب والمجازر متواصلة    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    الريال ينتظر هدية جيرونا لحسم لقب الدوري الإسباني أمام قادش    أول تعليق من رونالدو بعد التأهل لنهائي كأس الملك    جامعة صنعاء تثير السخرية بعد إعلانها إستقبال طلاب الجامعات الأمريكية مجانا (وثيقة)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    غارسيا يتحدث عن مستقبله    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    الكشف عن قضية الصحفي صالح الحنشي عقب تعرضه للمضايقات    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يحقق العام الجديد امنياتهن.. فتيات على أبواب التشرد والضياع.. وطفولة محاطة بالمآسي والعذاب
نشر في الوسط يوم 23 - 12 - 2009

تحقيق / محمد غالب غزوان إن العمل المطلوب من الجميع اليوم النهوض لأجله هو الضغط على الحكومة كي تقوم بواجبها نحو حماية الطفولة من المخاطر التي تحدق بها، حيث لا توجد حتى الآن إحصائيات رسمية بعدد الأطفال المشردين في المحافظات اليمنية وكذلك لا تتوفر أي بيانات تتضمن تشخيص أوضاعهم حتى يتمكن الباحثون والناشطون من تقديم الحلول المناسبة لتلك المخاطر المتنوعة التي تحدق بالطفولة من أجل التصدي لها ومن أجل ضمان مستقبلها واحترام وجودها وإنسانيتها ويعتبر هذا بالمقام الأول حفاظا على وجودنا في خارطة الغد البشري، إلى مفاصل تحقيق (أوجاع الطفولة). كان يعتبر منظرا يثير الدهشة إلى ما قبل بضع سنوات مشاهدة فتاة في عمر الخامسة عشرة أو السادسة عشرة وهي ترتدي زيها المدرسي وتركض في الجولات في الشوارع تسابق باقي الباعة الجوالين لعرض المياه المثلجة على سائقي وركاب السيارات في الشوارع والجولات اليوم فقد أصبح هذا المنظر مألوفاً ففي جولة حدة، المواجهة لباب البلقة شارع الزبيري.. تشارك الطفلة ابتسام البالغة من العمر خمس عشرة سنة تقريبا في هذا الركض من موقف إلى آخر لعرض المياه المثلجة وتبدأ ابتسام مباشرة عملها من بعد عودتها من المدرسة الساعة الواحدة ظهرا حيث تخرج بزيها المدرسي إلى الجولة لبيع المياه وتستمر حتى الساعة التاسعة مساء ولا تنجو من تلك المعاكسات البايخة وتخرصات بعض كبار السن مثل قولهم "تزوجي لك يا بنتي واستتري" رغم أنها من خلال بيعها للمياه تسعى للستر وحفظ ماء الوجه من التسول ومد يد الحاجة للآخرين.. فهي تواصل دراستها وتساعد أسرتها المكونة من أم وأخوات ما زلن صغيرات، إنها تعمل وتكد بكل جد وبصمت.. لا ترد على الكلمات التي تصدر من شباب صغار يركبون سيارات فارهة ويستعرضون بها أمام هذه المكافحة الصغيرة التي أجبرها فقرها على الخروج إلى الشارع كي تواصل تعليمها وتعين أسرتها. زنزانة فاطمة فاطمة طفلة صغيرة تبلغ من العمر أربع سنوات تقريبا هي من فئة المهمشين ولكنها ذات بشرة قمحية اللون وهي صحيحة البدن سليمة من أي مرض وفي يدها اليمنى ارتسمت آثار حروق ما بين ساعد اليد والزند تلك الآثار البارزة هي ما دفع بوالدتها إلى أن تجعل منها مشروعاً استثمارياً، حيث يفرض على الطفلة فاطمة لفها يوميا من الساعة الثامنة صباحا داخل بطانية بعد أن تمدد على ظهرها وتخرج يدها اليمنى وتضعها على الأرض وتستمر بهذا الشكل أمام إحدى البنوك في شارع الزبيري لمدة ست ساعات متواصلة وبدون حركة حتى أنه يفرض عليها أن يكون وجهها متجهما ولا تبتسم كي يعتقد من يراها أنها مصابة بمرض جعلها كئيبة فيرحم حالها ويتصدق عليها وأصبحت تلك البطانية اللعينة أشبه بزنزانة تحبس حرية هذه الطفلة التي هي بحاجة للعب والركض مثل سائر الأطفال ولكن آثار الحروق القديمة التي في يدها حولتها إلى مشروع استثماري حرمها من براءة طفولتها وحرية تحركها. نوال نوال طفلة في السابعة من عمرها تعمل في جولة حدة في عرض العلك (اللبان) على ركاب السيارات عند إشارات الوقوف ولكنها لا تركض كثيرا وأحيانا تمارس حقها الطفولي في اللعب على الرصيف الأوسط بين الشارعين وتقوم بمطاردة الفراشات التي تتجمع عند أضواء الكهرباء ولكنها سرعان ما تتذكر أن عليها مهمة بيع العلك فتعود تركض بين زحام السيارات وتمارس عملية العرض.. حاولت أن أتحدث معها فردت بفصاحة عجيبة علي وقالت لي "أهلي فقراء أيش تشتي مني" ثم ركضت بعيدا. إن هذه الطفلة تستمر في هذه الجولة حتى ساعة متأخرة في الليل وهي عرضة لمخاطر الدهس من السيارات بدرجة أولى بالإضافة إلى مخاطر شدة البرد. مدخل صنعاء بالقرب من النقطة العسكرية عند مدخل صنعاء من جهة محافظة عمران كان هناك طفل يبلغ الرابعة عشرة من العمر وبجانبه طفلة صغيرة تبلغ من العمر أربع سنوات، تلبس ملابس سوداء حتى وجهها تم تغطيته بالقماش الأسود ويقودها هذا الطفل وكأنها عمياء ويلصقها إلى جانبه بطريقة عنيفة بإحدى يديه وباليد الأخرى يعرض تقارير طبية عبارة عن صور ويتسول بها عند السيارات في النقطة وعلمنا في صحيفة الوسط أن الطفلة والطفل من محافظة حجة وهما يتيمان، يتولى استثمارهما رجل عجوز في تلك النقطة وهو يذهب إلى اللوكندة الشعبية القريبة من النقطة لتناول القات والراحة ويأتي في المساء ما يقارب الساعة العاشرة ليأخذهما معه للمبيت في اللوكندة وأخذ حصيلة تسول ذلك اليوم.. فإلى من يلوذ هذان الطفلان من هذا الراعي الرسمي لهما؟! معاناة الجانحات من تم عرضهن عليكم مجرد نماذج فقط من عشرات الفتيات اللاتي يقعن تحت مخاطر متعددة تحدق بهن، منها أن يتحولن إلى جانحات يتم اقتيادهن إلى سجون تسمى مأوى وهن مكسورات الخواطر، وأكثر ما يهدد الفتيات الصغيرات في الشوارع تعرضهن للاعتداء الجنسي فقد علمنا من مصادر مطلعة أن طفلة تعرضت للاعتداء الجنسي وهي في سن الثانية عشرة وتم إيواؤها بعد ذلك داراً خاصاً بهن وحين أصبحت في سن الزواج كانت هناك صعوبة في إقناع من يتزوجها علاوة على أن يدفع مهرها فاعل خير وعليها أن تقبل بمن يتقدم لها لصعوبة موقفها. وقالت تلك المصادر المطلعة لصحيفة الوسط إن أسباب جنوح الصغيرات يعود إلى أسباب سوء المعاملة في المنزل ورغبة بعض الأسر في أن تتسول بناتها وأكثر المخاطر التي يتعرضن لها الاعتداء الجنسي عن طريق استدراجهن والانفراد بهن والغريب أن إحدى الأسر كانت ترغب في قتل طفلتها التي تعرضت لاعتداء جنسي جراء بقائها في الشارع تتسول وبصعوبة تمكنا من إقناع الأسرة أن تتبرأ منها. إن جنوح الفتيات الصغيرات جعل طفولتهن أكثر بؤسا وألما وأسهل إهدار لكرامتهن جراء بقائهن في الشوارع. في الأرياف .. مليون وأربعمائة ألف طفل عامل في عام 2009م جملة من المخاطر تهدد الطفولة في الأرياف وكذلك هناك محافظات هي أشبه بالأرياف لا تتوفر فيها دور لرعاية الأيتام مثل "شبوة ولحج والضالع ومأرب وعمران والجوف وأبين" وكذلك محافظات لا تتوفر فيها دور لرعاية الأحداث مثل "لحج وأبين والضالع ومأرب وعمران والجوف" ولهذا في هذه المحافظات يتم سجن الأطفال الصغار في سجون الكبار وتساء معاملتهم ويعمل الكثير من الأطفال في الأرياف في حمل الأحجار والزراعة وحراسة القات وقالت مصادر إنهم يتعرضون للتحرش الجنسي في أماكن حراسة مزارع القات إضافة إلى أنهم يتعاملون مع المبيدات الزراعية التي تعرضهم لمخاطر الإصابة بأمراض جلدية خطيرة منها السرطان مع احتمال تعرضهم للتسمم والموت وهناك حالات عديدة تعرض فيها أطفال للموت جراء تعاملهم مع المبيدات الزراعية شديدة السمية. وتعتبر مهمة جلب المياه من مهام الأطفال والنساء في الأرياف وهي مهمة شاقة وتعرض الكثير من الأطفال ذكورا وإناثا لمخاطر الانزلاق والسقوط من فوق الحمير وإصابتهم بجروح بليغة ومما يزيد الطين بلة عدم توفر مراكز صحية قادرة على معالجة تلك الجروح والنزيف الذي ينتج جرائها ما يعرض الطفل المصاب لمخاطر الموت. وتعتبر الأرياف النبع الذي يغذي المحافظات والمدن بالطفولة المتشردة حيث يتسرب الأطفال من تلك الأرياف والقرى صوب المدينة بسبب البؤس الذي يحيط بهم وحياة الضنك ومنها سوء التعليم وغياب المدرسين وبعد المدارس عن بعض القرى بمسافات كبيرة تستدعي نهوض الطفل من النوم الساعة السادسة صباحا حتى يسير في طريق وعرة لمدة ساعتين حتى يصل المدرسة وساعتين أخرى عند العودة في شدة الظهيرة وأمعاؤه تتلوى من الجوع مما يدفع بهم إلى كره التعليم والحياة في الريف ومجرد أن يبلغ الثانية عشرة أو الثالثة عشرة يغادر قريته فارا منها باتجاه المدينة فيواجه من اليوم الأول لفراره مشكلة عدم حصوله على مأوى آمن ينام فيه ليلا وأغلبهم يقعون فريسة الانحراف بكافة أنواعه، هذا بالنسبة لسكان الأرياف ذات الطابع الاجتماعي السلمي والتي تبدأ من جهة الجنوب من يريم وإب وتعز وغربا إلى ريمة والحديدة وشمال غرب محافظة حجة. أما باقي المناطق في المحافظات ذات الطابع الاجتماعي القبلي فإن الثأر يتولى عملية إبادتهم وينخرطون في السلك العسكري بشكل كبير. الأمراض في الأرياف (فقر الدم، الإسهال، سوء التغذية الحروق، طلقات الأعيرة النارية، الملاريا في المناطق التهامية، حمى الضنك في تعز) كل هذه الأمراض تحاصر الطفولة في الأرياف وعدم توفر الكادر الطبي القادر على تشخيص تلك الأمراض يدفع الآباء والامهات والجدات إلى تشخيص المرض بأنفسهم ومعالجة أطفالهم بطرق بدائية وشعبية قديمة، منها الأعشاب والكي بالنار وفي إحدى الأرياف القريبة من تعز تم معالجة أحد الأطفال من قبل أسرته بدهنه بالزيت مع الشذاب وإعطائه محلولاً من شجرة المريمرة لكنه توفي في الحال، ثم تبين بعد ذلك أنه مصاب بحمى الضنك. وفي أحد أرياف الحديدة تم معالجة أحد الأطفال من قبل أسرته بالكي بالنار خلف رقبته ظانين أنه مصاب بالفجعة ولكن اتضح أنه مصاب بفقر الدم وسوء التغذية وسبب له ذلك الكي خرساً دائماً. بينما طفل آخر في ريف محافظة شبوة أصيب بتقيح في اللوزتين تم عرضه على امرأة عجوز ذات خبرة قامت بدعك لوزتيه بالملح بواسطة أصابعها فأصيب بالتسمم ومات. إن هذه الأسرة لا تكره أطفالها ولكن انعدام الرعاية الصحية وتحول المراكز الصحية في الأرياف إلى مبان جامدة تخلو من الكادر الطبي ومن المعدات والأدوية التي تنهب وتباع في الأسواق يدفع بهذه الأسر الفقيرة إلى أن تلجأ إلى العلاج البدائي وتعرض أطفالها على خبرات كبار السن فيفتك الموت بأغلبية هؤلاء الأطفال. غير أن هناك محافظة لا يوجد فيها مستشفى مؤهل لاستقبال أي مرضى رغم وجود مبنى المستشفى وتوفر المعدات.. تلك المحافظة هي محافظة الجوف لأن صاحب الأرض التي بنيت عليها المستشفى يصر أن يبقى هو مديراً للمستشفى رغم أنه تم شراء الأرض منه عدة مرات وما زال مديراً للمستشفى وهو مغلق وولده المدير المالي.. كل هذا الإهمال يدفع فاتورته الأطفال بصورة باهظة الثمن تفتك بحياتهم. مراكز الشرطة في الأرياف تشكل مراكز الشرطة في المديريات والعزل مصدر إرهاب للطفولة الريفية، حيث تتعامل هذه المراكز الشرطوية بهمجية مع الطفولة ولا تلتزم بنصوص القانون وتوجيهات وزارة الداخلية بعدم حجز الأطفال الصغار حتى سن الخامسة عشرة حسب قانون الأحداث والثامنة عشرة حسب الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الحكومة، لكن مراكز الشرطة في الأرياف تقوم باحتجاز الأطفال لأتفه الأسباب وغالبا تقوم باعتقالهم بدلا عن آبائهم أو إخوانهم المطلوبين في قضايا مدنية عادية وغالبا حين يتحرك طقم الشرطة إلى أي قرية للقبض أو استدعاء شخص معين فإذا لم يجده يطلب من أحد أبنائه الصغار الصعود على الطقم ثم يتم اقتياده إلى سجن العزلة أو المديرية كوسيلة ضغط على الأب حتى يمثل أمام قسم الشرطة وإذا طلبت الأسرة من الطقم العسكري الانتظار حتى يصل الأب يترتب على الأسرة أثناء التأخير تكاليف المأكل والمشرب والقات والسيجارة وفي النهاية لا ينجو الصغير من الحجز مما يضطر الأسرة على الموافقة على اقتياد طفلها إلى الحجز ثم عند وصول والده يلحق به إلى مركز الشرطة.. وهذا ليس ناتجاً عن عدم معرفة مسئولي الشرطة بنصوص القانون ولكنهم يخالفونه رغم علمهم من باب سجيتهم التي تميل إلى مخالفة القانون النافذ لأن في تلك المخالفات عوائد ربحية لهم وهذا التعسف يضع الأطفال في مأزق عدم الامان والاطمئنان في قراهم المحاطة بكافة أنواع البؤس والمآسي وانعدام الخدمات. قانون بدون بدائل هناك مادة قانونية تمنع عمالة الأطفال ولكن أي توجه نحو تطبيقها يعتبر خطراً أكبر على الطفولة وسيسبب تطبيقها ضجة كبيرة لأنها ستمنع مئات الآلاف من الأطفال من السعي خلف أرزاقهم وستحولهم إلى شلل وطوابير في المدن تعيش تحت رحمة بعض الكبار لسد جوعهم وحاجتهم بمقابل هو أفظع وأخطر من بقائهم في ممارسة العمل، بسبب أن تلك المادة القانونية عقيمة وليس لها بديل فالضمان الاجتماعي الذي يمنح لرب أسرة تتكون من أكثر من خمسة أفراد مبلغ اثني عشر ألف ريال لا تكفي لسد رمق هذه الأسرة لمدة خمسة أيام فكثير من هذه الطفولة العاملة تصرف على أسر وبعضها تدرس نفسها حتى وإن كانت تلك الاعمال شاقة ولا تتناسب مع أعمارها. وتنتشر ظاهرة عمالة الأطفال في كافة مدن الجمهورية وتعتبر بوابة التشرد، حيث يعمل الاطفال في حمل الأحجار والزراعة وورش الحدادة وسمكرة
السيارات والنجارة ومحلات ترقيع كفرات السيارات وفي محطات انتظار الحافلات وكباعة متجولين للمواد البسيطة في الشوارع والجولات.. ونقدم لكم نماذج لمجموعة من الأطفال ثم سنوضح مخاطر تلك الأعمال من جانب اجتماعي وأخلاقي. هو طفل يبيع المعاوز في باب اليمن التقت به (الوسط) على الرصيف: *ما اسمك يا بطل؟ -بسام *كم عمرك؟ -أحد عشر سنة، تشتي معوز؟ *كم تحصل (مشقاية) يا بسام؟ -أربعمائة وأأكل وأشرب. *كم ساعات تشتغل في اليوم؟ -من الصباح لما الظهر ومن العصر لما الساعة عشرة بالليل. *ليش ما تدرس؟ -أنا أجمع مصاريف الدراسة. *متى بدأت العمل؟ -قبل ثلاث سنوات وعمري تسع سنوات. *ليش أبوك ما يصرف عليك؟ -أبي معاق وعيب عندنا لما نشحت فخرجت أشتغل وأصرف على نفسي وأهلي. *ما فيش معاك إخوة كبار؟ -عندي خمس أخوات وأخ أصغر مني وأبي وأمي. *بس المشقاية التي تحصل عليها ما تكفيش صرفة للأسرة؟ -نعيش بالحاصل وأنا كلما كبرت أحصل على مشاقية أكبر. *أيش المشاكل التي تعاني منها في هذا العمل؟ -البلدية عساكرها خباث يشلوا علينا المعاوز ويفجعونا والزبائن بعضهم مغالطين. *ليش قد مسكوك أو حبسوك في البلدية؟ -مرة جريوا بعدي وخبطني العسكري بالعصا أوجعتني لكن جريتوا من أجل ما يشلوش المعاوز ومرة ثانية طاردوني بالسيارة كانت باتصدمني.. أقلك ما يرحموش. *طيب أين تنام؟.. عادك صغير واللوكندات خطيرة عليك؟ -معانا ناس من القرية يوبهوا لنا احنا الصغار ويرقدونا في مكان واحد لوحدنا. *متى رحت يا بسام الحديقة أو لعبت؟ -مرة وداني جدي إلى حديقة التحرير. *بس حديقة التحرير ما فيش ألعاب؟ -هذي اللي اعرفها وهي مرة واحدة بس في حياتي تمشيت. *أيش تحلم أن تكون في المستقبل؟ -أن يكون معي محل ملابس حقي. نماذج.. صدام يعمل من أجل الإيجار الطفل صدام ناجي يبلغ من العمر تسع سنوات، يعمل في بيع المياه المثلجة والعصائر وكما تشاهدونه في الصورة يحملها في داخل كرتون ويجول بها عند محطات الباصات ومواقف السيارات وقد قال أنه يحصل على بضاعة مقابل تأمين مبلغ ألف ريال عند صاحب بقالة قريبة يتعامل معها، يأخذ منها المياه والعصائر باردة وعندما يتم بيعها يحاسب البقالة ثم يسحب بضاعة أخرى وهو يكسب في اليوم ما يقارب خمسمائة ريال ويبدأ في مباشرة عمله من بعد عودته من المدرسة في الظهر وهذا المبلغ الذي يحصل عليه هو من أجل إيجار المنزل، أما والدة صدام مريضة وتحتاج إلى عرضها على الطبيب كل شهر ولهذا هم يعيشون في صنعاء مما دفع الطفل صدام أن يعمل كبائع متجول بعد عودته من المدرسة بعد أن تحمل تكاليف إيجار المنزل والأب يتحمل تكاليف المعيشة ورسوم المستشفيات والدواء للأم. قسوة أب الطفل محمد يبلغ من العمر خمسة أعوام يمارس بيع مناديل الفاين ذات الحجم العائلي عند جولة الجامعة القديمة وعندما سألنا محمد لماذا يمارس مهنة البيع المتجول رد بلكنة طفولية من أجل أجمع مصاريف العيد وحق الملابس وعن عمل والده قال محمد إن أباه يمتلك سيارة صالون يعمل بها في حمل الركاب المسافرين إلى محافظة ريمة. ومن خلال جواب هذا الطفل يتضح أن والد الطفل محمد ليس فقيرا بل قادر على إعالة أسرة تتكون من سبعة أطفال ولكن قسوته وحبه للمال دفعاه أن يقذف بالطفل محمد إلى الشارع كبائع جوال، يواجه برد الليل القارس في المساء وحرارة شمس الظهيرة علاوة على المتاعب الأخرى، وجود مثل هؤلاء الآباء يستدعي صدور قانون يعاقبهم ويلزمهم بكفالة أبنائهم وتدريسهم. يس.. كفاح مرير الطفل ياسين يبلغ من العمر عشرة أعوام والده متوف وله ست أخوات يعمل في صنعاء كبائع جائل في بيع الفنايل ويكسب في اليوم مبلغ أربعمائة ريال علاوة على أكله وشربه ومنامه وطوال فترة العطل الدراسية يجمع هذا المبلغ وعند افتتاح المدارس يعود إلى قريته للدراسة مستعينات بالمبلغ الذي جمعه ومعونة للأسرة التي تعتمد على المبلغ الذي يعمل به ياسين ومبلغ آخر قدره عشرة آلاف ريال تصرف لهم شهريا من رجل الأعمال السعودي اليمني محمود سعيد ويا حبذا لو هناك شخص يستطيع أن يقنع محمود سعيد برفع المبلغ قليلا فسيكون بالتأكيد له الأجر من الله عز وجل. مع إيقاف التنفيذ إن تفعيل قانون منع الأطفال الصغار من العمل بدون بدائل وآليات تحل مشاكلهم الاقتصادية يعتبر كارثة وسنضطر في الأخير إلى المطالبة بإيقاف تنفيذه، فتلك النماذج التي عرضناها عليكم تمثل مئات بل آلاف من الأطفال يعملون في مجالات عديدة، فمثلا في مجال البيع والشراء هناك أطفال يعملون في سوق الخضار وآخرون في مجال الجزارة وبيع الملبوسات بكافة أنواعها كباعة جوالين وكذلك في بيع العطور والمياه ومستلزمات زينة السيارات وألعاب الأطفال والعصائر والمشروبات والأعشاب الطبية وغيرها كثير من المواد هذه الشريحة لوحدها تصل إلى عشرين ألف طفل في العاصمة صنعاء، غير العاملين في ورش النجارة والسمكرة والبنشر والدراجات النارية والمحلات التجارية والمطاعم والبوفيات ومصانع البلاستيك والأغذية الخفيفة وغيرها ويصل عددهم إلى ثلاثين ألف طفل في العاصمة صنعاء حسب مصادر محلية بمجموع يصل إلى خمسين ألف طفل في العاصمة صنعاء علاوة على من يعملون في مجال بيع القات وطواحين الشمة وجمع معلبات المعدن والقطع البلاستيكية وغيرها كثير أغلب هؤلاء الأطفال فيتحملون مسئولية إعالة أنفسهم وأسرهم و98% منهم محرومون من التعليم. تشرد وانحراف إن كافة هؤلاء الاطفال العاملين في كافة تلك المجالات التي ذكرناها سالفا تتهددهم مخاطر الانحراف، حيث يسهل جرهم إليه عبر أقرانهم من الأطفال المتشردين والذين تورطوا في مخالطة من هم أكبر منهم سنا في ممارسات غير أخلاقية وأكثر هؤلاء الاطفال هم من يعملون عند محطات الباصات والذين يأخذهم بعض السائقين بعد العمل للمبيت معهم فوق الباصات في عصر وفي الأماكن الخالية الاخرى تحت مبرر البحث عن مكان هادئ، وصرح أحد الأطفال ل"الوسط" بأنه عمل في إحدى الأيام في محطات الباصات وفي الليل ذهب مع السائق للنوم في إحدى تلك الأماكن الخالية وهناك قام السائق بتناول الخمر أمامه وعرض عليه المشاركة فرفض، بعد ذلك دعاه إلى أن يعلمه قيادة الباص وأثناء التعليم تحرش به جنسيا فاضطر للهروب والإفلات منه بعد أن ادعى أنه محشور بالبول وعندما نزل من الباص فر راكضا. فمثل هؤلاء الأطفال الذين يقعون في الفخ يتم استخدامهم فيما بعد لجلب أطفال آخرين لمثل هذا العمل مع العلم أن أغلبية الأطفال الذين يعملون في محطات الباصات يتناولون القات ويدخنون ويتلفظون بألفاظ بذيئة وبسهولة يمكن مشاهدتهم عند محطات وقوف الباصات. منظمات غير فاعلة هناك عشرات المنظمات الحقوقية التي تحمل اسم الدفاع عن الطفولة ولكن حتى الآن لم تحقق هذه المنظمات إنجازات بمقدورها أن تحققها أو على الأقل تقوم بإثارتها إعلاميا حتى تحصل على مساندة المجتمع المدني، غير أن هناك منظمات مجرد مسميات من أجل الاستثمار باسم الطفولة ونهب حقوقها من الدعم الخارجي وتحولت إلى غطاء ومبرر لمن يقومون بانتهاك الطفولة فانعكست مهامها وتحولت إلى خطر من المخاطر التي تهدد الطفولة نفسها. ولا نستطيع أن ننكر دور برلمان الأطفال في مناهضة عملية تهريب الأطفال وإثارة هذه القضية حيث لعب البرلمان دوراً كبيراً للحد من هذه الظاهرة وجاءت حرب صعدة التي تركزت في حربها الأخيرة على الحدود فقلصت عملية تهريب الأطفال إلى أدنى مستوى ولكن لم تحل المشكلة جذريا لأنها قابلة للاستئناف بشكل أكبر وأفظع بعد انتهاء الحرب، أما من جانب مناصرة الأطفال قضائيا جراء ما يتعرضون له من تعذيب وقسوة في أقسام الشرطة فإن البرلمان يتغاضى عنها كثيرا رغم امتلاكه أدلة موثقة ولكن تمر عملية ظلمهم رغم قدرته على نصرهم وهذا أمر يعاب عليه برلمان الأطفال الذي أخذ دوره يتقلص. كذلك هناك منظمة سياج للطفولة والتي بدأت تثير بعض القضايا إعلاميا وأيضا قامت بدور جيد في قضية الحدث وليد هيكل الذي سبقها في إثارة قضيته برلمان الأطفال ولكن مع هذا نفسها الحزبي الذي يميل للإصلاح جرها إلى تسجيل مواقف سياسية ترضي السلطة بها مثل إدانتها للحوثيين في صعدة لتجنيدهم الأطفال وتغاضت عن التعبئة الشعبية عبر مشائخ القبائل والتي جندت الكثير من الأطفال وكذلك المنخرطين في صفوف الجيش من الأطفال وأيضا ضحايا الغارات الجوية التي يسقط فيها ضحايا أغلبهم أطفال ونساء.. فحين تتحول المنظمات الحقوقية إلى منظمات تبحث عن الكسب والربح سواء كان ماديا أو غير ذلك يصعب التعامل معها ويصعب عليها أن تدافع عن أي حقوق حتى وإن تبنت أي قضية، فمجرد أن يطلب منها التخلي سرعان ما تستجيب.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.