قالوا من خلال تصريحات نارية واثقة من نفسها ان الثورة التي قامت ضد نظام الرئيس المنصرف صالح- قبل ان يشيعها أصحابها خلسة إلى مقبرة (خزيمة) بعد مرضها بأمريكا ووفاتها بالرياض- كفيلة بأن تجعل الجنوب يعرض عن رغبته بمطلب الانفصال وفك الارتباط، لأن الجنوب -حسب قولهم- مشكلته فقط مع علي عبدالله صالح الذي استعمره منذ عام 94م وليس مع الوحدة.! - وبعد قرابة عامين من تلك التصريحات ومن عمر تلك الثورة (المرحومة) حدث العكس تماما، حيث ازدادت وتيرة الرغبة بالاستقلال لدى الجنوبيين وترسخت لدى الكثيرين منهم ممن كانوا يراوحون المنطقة الرمادية بين الشك واليقين من صحة خبث الطرف الآخر حيالهم نقول ترسخت لديهم قناعة اكثر بفك رقبة الهيمنة الشطرية عليهم باسم الوحدة من طرف طالما اعتبر نفسه هو الاصل وما دون ذلك هم الفروع والغصون المتهدلة.! فلماذا تفاقم هذا الشعور الجنوبي ولماذا اتسعت رقعة الريبة من نوايا الطرف الآخر وخصوصا الطرف الذي قدم نفسه مرارا انه النقيض لحكم صالح الاستبدادي وانه يمثل الوجه المشرق الذي سيعيد للوحدة حضورها وألقها بثوب ثوري (لنج)، وسينصف كل مظلوم طاله ظلم صالح. ومع انهم شركاء -هذا المخلوع حسب ما ينعتونه اليوم- بالحرب على الجنوب ونهبه وتكفيره؟. فهناك أسباب كثر لتفسير هذا الشعور المتعاظم بنيل الحرية والانعتاق ،اهمها انه كان ثمة أمل يحذو البعض ان يتم ترميم ما تصدع وانقاذ ما يمكن انقاذه من بين حطام كبير وذلك من منطق لعل وعسى ، ولكن حين كان المآل الثوري على تلك الشاكلة التي نراها اليوم وظهور تلك اللغة المتعجرفة- من قبل احزاب كانت ومازالت تزعم انها صورية ونصيرة للمقهورين- والتنكر الواضح للوعود التي اطلقتها تلك الاحزاب لحل عادل للجنوب وقضيته في غمرة الثورة أو بالأصح في غمرة الصراع على كرسي الحكم بصنعاء فقد تبخر أمل هؤلاء وهم يشاهدون بأم أعينهم هذا النكوص والارتداد الثوري، وان الامر لم يكن أكثر من ان هذه الاحزاب امتطت ظهر هبة شعبية لنيل وطرها بالحكم، وبالتالي فقد قطعوا شكهم باليقين ان ذلك الأمل قد تحول الى سراب بقيعة يحسبه الوحدوي الجنوبي الساذج ماء.. ثانياً ان اللغة التي تعاطت بها أحزاب كانت تقول إنها احزاب ثورية تصبو لدولة مدنية حديثة وانها ستضع القضية الجنوبية نصب اهتمامها، وتحلها الحل العادل الذي يقرره ابناء الجنوب انفسهم لم تكن إلا لغة ديماغوجية مخادعة، الغرض منها هو العزف على وتر الجنوب لحاجة في نفوس أحزاب باعت واشترت بكل شيء لتستوي على كرسي الحكم وتصبح بالتالي (نص حكومة وصفر ثورة) وقدمت الجنوب قربانا على مذبح (نقسم الحكم نصين) بعد ان تحولت وعودها من الحل السري لكل القضايا الى وعيد بالضرب تحت الحزام لمن يقول( لا) إلا في تشهده..! ورحم الله البردوني: ( سقط المكياج ، لا جدوى بأن..×...تستعير الآن ، وجها مفتعل) (كنت حسب الطقس ، تبدو ثائرا× صرت شيئا..ما اسمه ؟ يا للخجل) - نفس الفخ اليوم مدفون للجنوب ومغطى بغطاء اسمه ( حوار وطني)، مع ان الحوار كقيمة انسانية وحضارية لا خلاف عليه ولا يقف احد ضده من ناحية المبدأ، إلا ان هذا الشَرك لن يرحم أحداً إن تخطت نحوه أقدام البلهاء والسذج ،فسيعلقهم رأسا على عقب ان دخلوا مثل هكذا حوار على طريقة الأطرش بالزفة مثلما فعل الجنوب عام 90م ، فلن يسمح لهم وهم على طاولة حوار مستطيلة أو حتى مستديرة ان يكونوا اكثر من كمالة عدد ويمنحوا ابهام اصابعهم للتوقيع على شهادة وفاة للقضية الجنوبية، وإلا فإن السوط معلق بالحائط! - قالوا ان مجرد قبول الجنوبيين بالحوار سيختصر المسافة في حل قضيتهم الى أكثر من النصف.. من شواهد اليوم ومعطيات ما نشاهده نقول: للأسف إن هذا لن يحصل ابدا، والدليل ينتصب امامنا بحجم جبل نقم، فها هم الحوثيون يقبلون بالدخول بالحوار الوطني دون قيد أو شرط مع من سامهم سوء العذاب بحروب مريرة عددها ستة، وبرغم هذا ها هي كل القوى أو جُلها التي دعتهم ودعت غيرهم للحوار تُجيّش اليوم جيوشها، وتشحذ شفير إعلامها التحريضي ليل نهار وبنَفَس طائفي مقزز ،علاوة على استنفار قبائلها وعساكرها وشيوخ (فتاوى حسب الطلب) ضد الحوثيين، وكأننا أمام (نسخ-لصق) من الحروب الصعدية الستة ، فلم يشفع للحوثيين قبولهم واستعدادهم للحوار لأن الحُكم القاضي بنزعهم من الخارطة السياسية قد صدر مقدما، ولم يبق إلا التنفيذ، شاركوا بالحوار ام لم تشاركوا! والسعيد من اتعظ بغيره! -* حكمة:( إحقاق الحق أصعب من إبطال الباطل)