لم يُفضِ اجتماع دبي الذي رعته الأممالمتحدة ومثلها فيه المبعوث الأممي جمال بن عمر إلى اقناع قيادات الخارج بالمشاركة في الحوار الوطني المزمع إقامته في الثامن عشر من هذا الشهر على ما حاول بن عمر من توظيف لجزئية في البيان حملت تأكيد المجتمعين الجنوبيين على مسالة الالتزام بالحوار دون أن يوضح المعنى المقصود بالحوار الذي لم يكن بالتأكيد حوار 18 مارس، والذي خلا البيان الختامي للقادة الجنوبيين من أية إشارة لمشاركتهم فيه. البيان الختامي بدا أشبه بمحاولة لإخراج بن عمر بماء الوجه، حيث اكتفى بالتأكيد على ان الحوار هو السبيل الوحيد للتوصل الى تسوية للمسألة الجنوبية، وعلى الأهمية الكبرى التي تكتسبها القضية الجنوبية بالنسبة لاستقرار وأمن المنطقة. وإذ لم يشر البيان إلى منع حراكيي الداخل من المشاركة فقد أكد على اتفاق المجتمعين من أنه لا يمكن للقضية الجنوبية أن تحل بشكل مناسب إلا في إطار سلمي. وكذا الالتزام بنبذ العنف وعلى أن حل القضية الجنوبية يجب أن يكون عبر الحوار فقط وأنه ليس هنالك من بديل عن الحوار لتسوية هذه القضية سلميا. كما تم الاتفاق على إدانة أعمال القتل والاعتقالات غير القانونية والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين والكف عن استخدام العنف ومعالجة الانتهاكات الأخرى. وختم البيان بالتطلع إلى عقد لقاءات مستقبلية بإشراك جميع المكونات السياسية والحراكية المؤمنة بالقضية الجنوبية على أن يكون بتنسيق الجهود بين الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي. الاجتماع لايمثل إية إضافة فيما يخص نظرة الجنوبيين إلى الحوار القادم بقدر ما خطا بالقضية الجنوبية خطوة مهمة إلى التدويل كما أتاح للأمم المتحدة فرصة لتوضيح موقفها مما يجري في الجنوب وبالذات بعد الرفض الذي عبرت عنه الفعاليات الجنوبية لبيان مجلس الأمن الأخير، وإدراج اسم علي البيض كمعرقل للتسوية، وهي ما أوضحها بن عمر في اجتماع دبي وأكدها محسن بن فريد، الأمين العام لحزب الرابطة "رأي"، الذي قال للشرق الأوسط: من أن بن عمر أكد على حقيقة أن الاممالمتحدة لن تفرض على أبناء الجنوب أي أمر من الامور.. وعلى انه لا يوجد لدى الاممالمتحدة خيار محدد لحل القضية الجنوبية.. وإنما ذلك أمر وشأن يخص أبناء الجنوب انفسهم. وأوضح أنه وعند مناقشة مسألة الحوار الوطني المزمع عقده في صنعاء الأسبوع القادم، اجمع الحضور على عدم المشاركة في هذا اللقاء، الذي هو امتداد لاتفاق ووفاق بين القوى المتصارعة في صنعاء.. وليس هو المكان والآلية المناسبة لمناقشة القضية الجنوبية. وبعيدا عن البيان التوافقي الذي تم الإعلان عنه فقد أكد بن فريد إلى أن هناك شبه إجماع بين الأطراف الجنوبية المختلفة على أن يتم التفاوض حول المسألة الجنوبية بين الشمال والجنوب، وأن يكون التفاوض بإشراف ورعاية الاممالمتحدة ومجلس التعاون الخليجي، وعلى أن يتم هذا التفاوض في مجلس التعاون الخليجي أو الجامعة العربية، وكل ذلك يقوم وينطلق من حق شعب الجنوب في تقرير مصيره. اجتماع دبي لا يمكن اعتباره إلا رقماً فقط يضاف إلى اجتماعات سابقة للجنوبيين في المانيا والقاهرة وعمًان والرياض، والتي كلها انتهت إلى قناعة بضرورة عقد لقاء (جنوبي جنوبي) يفضي إلى مؤتمر لتوحيد الرؤية والقيادة. وكانت نقطة الضعف الأولى في اجتماع دبي حين حاول متفذلكون إثبات تعنت قيادة حراك الداخل بغرض إثارة المجتمع الدولي عليهم حين تمت دعوتهم باعتبار أنهم سيرفضون كإسقاط للحجة وحين قبلوا تم عرقلة سفرهم دون أن يبدو ذلك مقصودا ولأسباب تم تحميلها السفارة الإماراتية، الذي قيل إنها لم تمنحهم التأشيرة مع أن مسألة كهذه المفروض أن يقوم بها الداعون بحسب ما هو متعارف عليه في دعوات كهذه خاصة، والجهة الداعية هي منظمة دولية ذات اعتبار. وعلى أي حال فإن مجريات اللقاء الذي انتهى في يوم واحد وبجلستين صباحية ومسائية أريد له أن يكون بمثابة محاولة لتوسيع الهوة بين معارضة الداخل والخارج، وحين لم ينجح تصور كهذا استعيض بالممكن باعتبار الاجتماع يمثل تهدئة وإن مؤقتة ورسالة للداخل الجنوبي تعبر عن اهتمام دولي يمكن أن يخفف من حدة الاحساس بالظلم من تجاهله إزاء قضيته. وباستثناء علي سالم البيض وحيدر العطاس اللذين تحدثا بصوت واضح عن مسألة فك الارتباط، فقد تجنب الرئيس علي ناصر محمد وقياديون آخرون الحديث عنه بشكل واضح ولكن دون التأكيد على الوحدة، مفضلين المطالبة بتهيئة الأجواء للحوار على أن يكون بين دولتين على مستوى قيادة حراك الداخل فقد أبدت تطوراً على المستوى السياسي حين لم تبدِ ردا انفعاليا على مسألة إقصائها رغم وصولها إلى صنعاء استعدادا للمغادرة لحضور اجتماع دبي واستعاضت بإرسال رسالة إلى جمال بن عمر طالبته بكشف أسباب إقصائهم في اللحظات الاخيرة من المشاركة، وأن تتحمل الأممالمتحدة مسئوليتها تجاه شعب الجنوب وقضيته وحمايتهما وعدم السماح بالعبث بإرادته الشعبية أو حرفها قسرا عن مسارها المعلن. وقالت إن هناك من لا يريد لمثل هذا اللقاء أن ينجح، أو لربما يتجه وجهة غير المخطط لها سلفاً، وحملت الرسالة نداء أيضا إلى المشاركين في اللقاء أن يكونوا على قدر حمل أمانة التعبير عن إرادة الشعب الجنوبي المعلنة من أجل التحرير والاستقلال، وهو على عكس ما كان متوقعا من ردة فعل كان يمكن أن تؤثر سلبا على تماسك المشاركين. وعلى نفس السياق ظهر الرئيس السابق علي سالم البيض في رسالة للمبعوث الأممي جمال بن عمر مما يؤكد أن معارضة الداخل والخارج قد فهمت معنى خسارة المجتمع الدولي ودول الجوار وبالذات حين تفتقد القضية للإجماع من الداخل وما يهم في الخطاب تحديدا رسالتان الأولى للأمم المتحدة لما تمثله من ثقل حين عدّ البيض قرار إرساله مبعوثين للقاء مع بن عمر هو تأكيد للرغبة بالعمل مع الاممالمتحدة و المجتمع الدولي وفق مبادئ ميثاق الاممالمتحدة والقانون الدولي وشرح باستفاضة الأرضية القانونية والتأريخية التي تمنحه حق المطالبة بالانفصال. أما الرسالة الثانية فقد كانت لدول الجوار حيث حاول من خلالها تطمين دول الخليج والمجتمع الدولي حول توجه الدولة القادمة وعلاقاتها على ضوء ما يثار حوله من اتهامات عن علاقة له مع إيران، التي تمثل للقضية التي يتبناها نقطة ضعف حقيقية أثرت على دعوته الانفصالية وألبت الخليج والخارج ضده فكان أن ربط دولتي الشمال والجنوب بمجلس التعاون أمنيا واقتصاديا. وأوضح: "بما أننا أمام قضية معقدة لا تقبل أنصاف الحلول، فإن مجلس الأمن أصبح مدعواً أكثر من أي وقت مضى للشروع في تحديد نقطة الانطلاق للخروج بحلول ناجعة للأزمة القائمة بين الشمال والجنوب واستحداث وإرساء دعائم نظام سياسي جديد يجمع كياني الشمال والجنوب مع دول مجلس التعاون الخليجي ويربط الأرض بالأمن والاقتصاد ويعزز الدور الحيوي لمجمل دول الإقليم و يؤدي الى تحقيق الوئام وتعزيز الأمن و السلم والاستقرار في المنطقة. من جهته وفي ما بدا تقاربا أكثر مع البيض فقد أكد رئيس الوزراء الأسبق حيدر أبو بكر العطاس في كلمته بالجلسة الأولى مع بن عمر أن "الجنوب كان دولة ذات سيادة فكما هو الحق له بالدخول في الوحدة له الحق في الخروج منها"، معتبرا أنه كان من الخطأ إدراج اسم الاخ البيض الى جانب اسم علي صالح، لأنكم بذلك تزجون الجنوب في مبادرة لم تشملهم بالأساس، وهذا إجحاف بحق القضية الجنوبية. وفيما يعد غضبا من كل الأطراف في الشمال (السلطة والمعارضة)، وهو نتيجة لتجارب عدة مر بها من خلال لقاءات تبناها سياسيون ومشائخ قبائل بغرض توحيد جبهة ضد الرئيس السابق ظلت مستمرة مع قيادات الخارج ومعه بشكل خاص منذ سنة 2000 وما بعدها، والذي يبدو أنها مازالت تمثل له خيبة أمل كبيرة. فقد عبّر عنها بقوله: "نحن لا نريد صدقات من اخواننا في الشمال بتعاطفهم مع القضية الجنوبية، فنحن بعد ثورة عام 2011 مع الأسف لم نجد من السلطة الحالية أو أحزاب اللقاء المشترك او الاخوة في الشمال أية مبادرة تجاه قضيتنا الجنوبية العادلة، مذكرا بالتوقيع على اتفاق وثيقة العهد والاتصال التي تنصلت عنها حين ذاك السلطة والمعارضة وحدد تجمع الإصلاح ورئيس الحكومة الحالي محمد باسندوة. كان واضحا أن قياديي الخارج في اللقاء كانوا واقعين تحت ضغط الداخل وبالذات من يحاولون مسك العصا من الوسط والشغل ضمن منطقة رمادية فلا هم يطالبون بالانفصال ولا هم يؤكدون على الوحدة وحل قضية الجنوب من خلال حوار مارس. الرئيس علي ناصر محمد يحاول أن يكون على مسافة من كل الأطراف ولذا كان حديثه موجها إلى الجميع دون أن يقدم نفسه كطرف وفي كلمته تحدث عن الوحدة بصيغة الماضي باعتبارها كانت تمثل مشروع الحزب الاشتراكي.. معتبرا أن حل القضية الجنوبية لم يعد حاجة وطنية بل ضرورة إقليمية دولية متابعا وعليه يجب أن تدرك كافة الأطراف أن هذا الحل لن يرى النور دون استشعار أهمية الحوار (الجنوبي الجنوبي) ومن ثم الحوار مع الأطراف المعنية، وأن تتم هاتين العمليتين على أساسين: هما أن الجنوب ليس حزباً بل شعباً ووطناً، وأن تقرير مصير الجنوب لن يمر إلا بالجنوبيين المؤمنين بعدالة قضيتهم وبتعاون الأشقاء والأصدقاء . ومع ما طرحه، وهو يحمل أوجها عديدة، فإنه مع ذلك فتح نافذة في مسألة التعاطي مع حوار مارس المقبل حينما قدم رؤية تفصيلية أرفقها مع خطابه وقدمها للمبعوث الاممي باعتبارها ضرورة للالتزام بالتهيئة للحوار وتوفير المناخ المناسب لإجرائه، ومن ذلك النظر لآراء مختلف الفرقاء، ومن بينها الرؤية التي تقدمت بها لجنة الاتصال إضافة إلى الرؤى التي تقدمت بها أطراف أخرى، وكذلك على أن تكون النقاط العشرين التي أقرتها اللجنة الفنية للحوار واقعاً ملموساً.. وأيضا البدء بخطوات إجرائية عملية فورية كمرحلة أولى لإزالة آثار حرب عام 1994م على الجنوب. ومن موقعه الذي اختاره فقد وجّه نصحه لطرف السلطة وللطرف الآخر المطالب بالانفصال بمختلف قواه ومكوناته مستبقا التمني لتنفيذ مخرجات الحوار، قائلاً: إن سياسة فرض الأمر الواقع بأية قوة كانت غير ذي جدوى كما أن التعاطي السلبي من أي طرف أي كان موقعه في مرحلة بهذه الحساسية ينقلنا من الخطأ إلى الخطيئة، ونأمل أن تسهم في التوصل إلى ضمانات لتنفيذ مخرجات الحوار وإن كان أمراً لاحقاً لقضايا التهيئة للحوار من أساسه. سالم صالح -عضو مجلس الرئاسة الأسبق، الذي توارى مؤخرا- لم يذكر الانفصال إلا أنه أكد ضمنا على أن الجنوبيين وأولهم الرئيس هادي لا ينكر الظلم الذي وقع على الجنوب، وإذ ذكر أنه كان من المتحمسين للتوقيع على الوحدة فقد أكد على أن القيادات الجنوبية لن تشارك في الحوار، ولكن في معرض اختزال القضية الجنوبية في إطار مطلبي وظلم وقع على القيادات الجنوبية الى الحد الذي لا يملكون فيها حتى بيوت، مذكرا بأن الجوع كافر، وهو ما قد يفهم من أن اسباب ما يجري في الجنوب هي الممارسات الظالمة ضد الجنوب. وقال: "لدينا دعوات إلى الحوار الوطني ولكن لن نحضر لأنه لم تتخذ أية خطوة جادة تجاه الجنوب سواء التي ذكرها الاخوة او النقاط العشرين، ونحن مع الحراك السلمي الديمقراطي وندين العنف مضيفا الجوع كافر.. القتل يومياً في بيوتنا ومنازلنا.. لقد دمروا جيلاً كاملاً فلا تدريس ولا تنمية". التباينات بين القيادات وعدم توحدها هي مكمن الخلل في مسار الحراك الجنوبي وعدم تقدمه، وهذا معلوم لهذه القيادات التي تجتمع ربما على الهدف وتختلف حول تفاصيل الوصول إليه.. وبهذا الخصوص أوضح عبدالرحمن الجفري -رئيس حزب "رأي" في تصريح لقناة دبي- أن هناك توافقاً جنوبياً بشأن التحضير لاجتماع واسع يضم الطيف الجنوبي بتنسيق مع الأممالمتحدة ودول الخليج العربي لحل قضية شعب الجنوب، وأن الغرض من اجتماع دبي هو التنسيق لاجتماع كهذا كما يأمل، وكان قد أكد في مداخلته على خطورة الأوضاع في الجنوب، قائلا: نحن السياسيون ندرك أن العمل السياسي هو الأساس وما سواه خراب، وانا لا اريد الخراب لوطني وشعبي هو المتضرر، ولكن علينا ان ندرك ان شعبنا مقهور، والمقهور لا يمكن ضبطه. وبعيدا عما يمكن عده توافقا بين قوى الحراك في الداخل ومعارضة الخارج عبر عنه لقاء دبي تبرأ المؤتمر الوطني لشعب الجنوب، والذي أعد له محمد علي أحمد المقرب من الرئيس هادي ويترأسه أحمد فريد بن صريمة من أن يكون لأي عضو فيه علاقة بلقاء دبي، وأشار بلاغ صدر عن مصدر مسؤول فيه إلى عدم حاجة شعب الجنوب للمزيد من لقاءات التمزيق والتشتيت في الخارج, فشعب الجنوب ذات هدف واحد باستعادة دولته المستقلة الكاملة السيادة, ولا تمثيل للإرادة الشعبية الا لشعب الجنوب في داخل الوطن. وإذ لم يمانع المصدر من المشاركة في الحوار إلا أنه اعتبر نجاحه مرهوناً باعتماد الإسناد الدولي لقرارات مجلس الامن الدولي (924) و(931) الصادرة في 1994, والإسناد الاقليمي لبيان دول مجلس التعاون لدول الخليج الصادر في 5 يونيو 1994 في مدينة أبها, ووجوب أن يكون الحوار ندّيا بين طرفي المعادلة السياسية الشمال والجنوب. وبالنتيجة لما يمكن أن يقال عن نتائج لقاء دبي فلا أحد يستطيع الحديث عن إنجاز من أي نوع رغم ما حاول جمال بن عمر الإيحاء من أن هناك موافقة على الحوار. حين عاد محملا بتأكيد الجنوبيين على أهمية الحوار والتمسك به ولكن منزوعا عن قصد الجنوبيين واشتراطاتهم المعروفة التي تم ذكرها، حيث تم إعادة ذات المواقف وذات الأفكار المكررة من معارضة الخارج ليقابله تأكيد مكرر ل بن عمر أثناء كلمته، الذي اعتبر الاجتماع فرصة كي يوضح مواقف حسبت عليه، منها أنه مع الفيدرالية.. مؤكدا: "أقول لكم نحن في الأممالمتحدة مع الحوار ولا ندعو لأي خيار.. اليمنيون يقررون مستقبلهم والشعب في الجنوب يقرر مصيره بنفسه ولكن عبر الحوار، ودعا الى نبذ العنف.