الحراك الجنوبي لم يأت من فراغ بل بعد معاناة وصبر داما سنوات على نظام صالح وممارساته الإنفصالية والإذلالية التي نتج عنها تحول الطيارالجنوبي كمثال إلى سائق تاكسي أو بائع قات أو مريض نفسيا، و بعد يأس من الاستجابة لمطالب عادلة لعشرات الألاف من المفصولين الجنوبيين تعسفا من أعمالهم لالذنب اقترفوه سوى أنهم من مواطني جمهورية اليمن الديمقراطية وخدموا هذه الجمهورية ومواطنيها بأمانة ونزاهة وبدون فساد ورشى وفق نظم إدارية سليمة لايوجد لها نظير في كل الدول العربية، وآمنوا بالوحدة أكثر من غيرهم. كان هؤلاء، وهم يواجهون رصاص جنود علي عبد الله صالح، يتمنون أن يسمعوا من إخوانهم "الوحدويين" في الشمال، بمختلف توجهاتهم، كلمة تعاطف مع قضيتهم أو تنديدا بممارسات صالح الدموية التي اعتاد عليها قبل أن يصل إلى السلطة. هذا اليأس والتجاهل الشمالي اضطرا الجنوبيين إلى إعادة النظر بالوحدة بعد أن انحرف مسارها وتحولت إلى نقمة وإفقار من كان مستور الحال من قبل ويعيش عيشة كريمة في وطنه وقادر على إعالة أسرته وتدريس أطفاله ورعايتهم، لأن الوحدة وسيلة وليست غاية. لقد ظل الشمال صامتا وصم أذنيه وأغلق عينيه عن سماع ورؤية معاناة الجنوبيين واستسلم الكل تقريبا لادعاءات صالح بأن هؤلاء انفصاليون مارقون لاحقوق لهم في بلاطه. بعد ثورة الشباب السلمية التي شملت 17 محافظة شمالية وجنوبية تغير الوضع وتوحد اليمنيون فيها من جديد وتطابقت مطالبهم وهي الخلاص من نيرون اليمن الذي احتكر السلطة وصناعة القرار وكاد، لولا هذه الثورة، أن يورث السلطة لابنه. تفيد ساره فيليبس في كتابها اليمن وسياسات الأزمة الدائمة الصادر عام 2011م عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن أن أربع دوائر كانت تحكم اليمن تتكون من خمسين نافذا تقريبا في قلب كل منها صالح ولكن اليد الطولى هي لثلاث دوائر أولاها وعلى رأسها الدائرة العائلية ثم دائرة النظام الداخلية وتتكون من شيوخ سنحان وبيت الأحمر والقادة العسكريين ثم دائرة النظام الخارجية وتتكون من نخبة قبلية حاشدية مختارة ونخبة قبلية بكيلية مختارة ونخبة دينية مختارة ودائرة رابعة للاستشارات (غير الملزمة) مكونة من طيف أسري يخلو من الجنوبيين (وإن ذكرت المؤلفة خطأ أسرة الجفري كواحدة منها). خلال الثورة الشبابية تغير المزاج العام في الجنوب واختفت وخاصة بعد مجزرة جمعة الكرامة في 18 مارس 2011 أعلام جمهورية اليمن الديمقراطية التي تسمى خطأ بأعلام التشطير لأن للتشطير علمين وليس علم واحد، وردد الشباب والشابات في عدن بملء حناجرهم "نحن فداك ياصنعاء". ولكن لم تمر إلا أيام قليلة حتى بدأ التراجع الوحدوي في الجنوب وإن استمر زخم المطالبة بإسقاط النظام، والسبب بروز عنصر غير متوقع تمثل بانشقاق قائد عسكري عن النظام كان شريكا كاملا لصالح في كل سياساته وأفعاله إزاء الجنوب وصعدة وغيرهما، وشريكا لفصيل سياسي كان أيضا شريكا لصالح في السلاح والمغانم والفتوى. الجنوبيون سبقوا غيرهم في إدراك أن الثورة في خطر وأن هناك قوى ستوظف الثورة كجسر لكي تصل إلى السلطة بمفردها باسم ثورة تمقتها ولا تريدها لأنها ضد إيديولوجيتها الاستاتيكية. الآن ونحن ننتظر مخاض الحوار الوطني نفاجأ بإرباك مفاجئ للمشهد السياسي شبيه بانشقاق 21 مارس 2011 العسكري. الإرباك أداته ما يسمى بالحراك الشمالي الذي بدأ الترويج له تحت مسميات "وحدة بعز" و"مقاومة الابتزاز المالي باسم القضية الجنوبية" الخ.... لمن العز؟ ولماذا اختفت هذه العبارة منذ أن بدأ الحراك الجنوبي سلميا عام 2004م وهل العز لجزء من الوطن أم للوطن كله ولكل اليمنيين؟ ولماذا اختفت هذه العبارة عندما كان إخواننا الجنوبيون يعانون الأمرين على يد صالح؟ وهل استفزتنا نحن الشماليين كلمة "دحابشة" ذات الأصل الشمالي وليس الجنوبي والتي سمعناها قبل الوحدة وقائلها فنان عالج بالدراما سلوكا لايزال سائدا وازداد توحشا تعبيرا عن إصرار على رفض النظام واحترام القانون وسلطة الدولة. فقط لاحظوا سلوك بعض سكان العاصمة وهم يخزون القات في الشوارع ثم يبصقونه فيها وكيف يقودون سياراتهم ويرتكبون كل يوم عشرات الآلاف من المخالفات. وكمثال فقد رأيت وأنا أتحدث مع زميل يوم الخميس 5 سبتمبر في شارع السبعين وأمامنا صورة كبيرة لنسيم حميد عن سبب نزع ملكة بريطانيا للقب سيرSir منه وبعد لحظات فقط من قولي إن السبب كان قيادته للسيارة في اتجاه معاكس وإذا بشابين بشعر مجدول ومدهون وطويل يفتحان باب سيارة غيّر السائق سيرها بسرعة وقادها في اتجاه معاكس وسط زحمة كثيفة للسيارات في يوم خميس مستخدما هون أو زمارة سيارات الأمن برغم أن السيارة لوحتها خصوصي. وفي يوم السبت 7 سبتمبر شاهدت قرب فندق رمادة حدة موتورا احتفظ برقمه وهو يقل ستة أشخاص معظمهم أطفال. الفوضى والاستهتار بالنظام من نتائج حكم صالح ونفوره من القانون والنظام. البعض استفزته في وقت متأخر جدا كلمة دحابشة وبسببها "ظاهريا" سيشكل حراكا شماليا انفصاليا. لقد اعتدنا على، وتغاضينا عن، سماع كلمات: لغالغة ،وبلغار، وخبّينة وهي كلها تحط من قدر جزء من سكان اليمن . وفي 1986 بعد نزوح قيادات عسكرية ومدنية جنوبية إلى الشمال سمعنا من يقول "ماقبلناش بالناطقين بالقاع والآن هانحن نسمع من يقول الغاع". و في 26 فبراير 2011م وعلنا ولهدف سياسي طالب البعض ممن قد يستهويهم الحراك الشمالي الآن برحيل البراغلة من صنعاء. دحابشة كلمة كان يقولها العدنيون للتعبير عن استيائهم مما هم فيه من معاناة على يد صالح وزبانيته وطبقا للباحث اليوناني بتريوس كانوا يقولونها وهم يبتسمون ولكن الكلمة والابتسامة فارقتهم بعد 2007م واستبدلوها بالصمت وبالوجوم بعد استخدام صالح للقوة ضد الحراك الجنوبي السلمي ورفع سقف المطالب الجنوبية. ومن المفارقات أن الحراك الشمالي يعبر عن من هم مصدر كل الأ وجاع الوطنية المزمنة.تاريخيا منطقة هذا الحراك تفضل السكون على الحركة والرضا بالأمر الواقع على تغييره وإذا ماتمت فيها حركة فلدواع حربية ومغانمية. هؤلاء يظنون أنهم يمثلون الجمهورية العربية اليمنية التي لم تعد قائمة ليس بسبب الوحدة ولكن لأن صالح قضى عليها أيضا في حرب 1994.هذه الجمهورية جغرافيا وديمغرافيا لم يعد لها وجود في الواقع السياسي ككتلة سكانية متماسكة أو شبه متماسكة ذات مصالح متشابكة وتطلعات مشتركة. الآن توجد مشاكل في هذه الجغرافيا بدون حلول كمشكلة صعدة ومطالب الحراك المأربي والحراك التهامي والملتقى الوطني لأبناء المناطق الوسطى (تعز وإب والبيضاء). كل هذا في الشمال الممزق الذي لايستطيع أحدا الزعم بأنه يمثله أو قادرا على لملمته. الحراك الشمالي حراك بدون قضية وبدون رسالة وطنية إذا كان ماقيل عنه حتى الآن هو جوهر أهدافه. الحراك الشمالي المطلوب: - نحن مع حراك شمالي لتنمية الشمال ونشر التعليم ومحو الأمية فيه ونشر ثقافة المواطنة الصالحة التي لا ترفض النظام ولاتقاوم القانون، يحث رجال الأعمال بمن فيهم المشايخ على الاستثمار فيه لتحسين الوضع المعيشي والحد من البطالة . - نحن مع حراك شمالي يعتذر للجنوبيين عما عانوه في السنوات العشرين الأخيرة وليس حراكا يحول الضحية إلى متهم. - نحن مع حراك شمالي يحاور كل القوى الجنوبية لبحث أفضل السبل للحفاظ على الوحدة في إطار المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وسيادة دولة القانون. - نحن مع حراك شمالي يجسر الفجوة السياسية بين الشمال والجنوب ويسهم في معالجة أخطاء وخطايا صالح. - نحن مع حراك شمالي يقدر تقديرا كاملا أن الوحدة وما قبلها خلقت مصالح واسعة لأبناء الشطرين في كل منهما وأن وشائج وصلات أسرية توطدت ويجب تقويتها وليس إدارة الظهر لها. - نحن مع حراك شمالي يعقلن أي نزعة متطرفة في الجنوب ولايبادل ثقافة الكراهية بمثلها. - نحن مع حراك شمالي يذكر المشايخ بواجبهم في التحرك العاجل لمنع قبائلهم من قطع الكهرباء وتفجيرأنابيب الغاز والبترول ويحثهم على منع بعض قبائلهم وبعض مشايخهم من توفير ملاذ آمن للقاعدة. - نحن مع حراك شمالي يدعو إلى نزع سلاح القبائل وبيعها واستثمار أثمانها في مشاريع مساهمة في مناطقها تعود على المساهمين فيها بالنفع لأن الاستثمار في السلاح استثمار راكد وغير مربح. - نحن مع حراك شمالي يحس بمظالم التهاميين والجنوبيين وكل أبناء اليمن ويسهم في حلها ويطالب بتعويض من لحقتهم خسائر جراء هيمنة مراكز قوى أغوتها السلطة أو القوة أو غياب الدولة بمخالفة الدين الإسلامي الحنيف ومبادئ حقوق الإنسان. - نحن مع حراك شمالي يعمل على تعليم المرأة في الشمال وإنصافها بمنحها حقها في الميراث عملا بالشريعة المسكوت عنها من قبل أولئك الذين يتاجرون بها ويتجاهلون استمرار إحلال الشريعة محل العرف في هذا الصدد. - نحن مع حراك شمالي يعمل على جعل صنعاء عاصمة مدنية جاذبة وليس عاصمة للفوضى والسلاح والقريح وموتورات الاغتيالات والموت. - نحن مع حراك شمالي يعلي قيمة الولاء الوطني والقانون والدستور ويعلن بوضوح وبدون مواربة انحيازه للمصالح الكبرى للشعب ولمخرجات مؤتمر الحوار الوطني ولايعلن في 26 سبتمبر ما يشوه هذا الحدث العظيم. ماعدا ذلك فعمل يدعو إلى حروب أهلية ومناطقية وتمزيق اليمن وإجهاض مؤتمر الحوار الوطني ويخدم نظام صالح المتطلع لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء. وأخيرافإن الحراك الشمالي ضد المبادرة الخليجية وقراري مجلس الأمن رقم 2014 و2051 عن تأييد المجتمع الدولي لوحدة اليمن واستقراره وأمنه.