رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    عاجل: البحرية الإيطالية تعلن الاشتباك مع هجوم حوثي بالبحر الأحمر    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    عاجل: إصابة سفينة بهجوم حوثي قبالة المخا بالبحر الأحمر وإعلان بريطاني بشانها    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    استشهاد 6 من جنود قواتنا المسلحة في عمل غادر بأبين    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    موعد الضربة القاضية يقترب.. وتحذير عاجل من محافظ البنك المركزي للبنوك في صنعاء    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    العميد أحمد علي ينعي الضابط الذي ''نذر روحه للدفاع عن الوطن والوحدة ضد الخارجين عن الثوابت الوطنية''    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوثيون (أنصار الله) من البكاء على الأطلال إلى اكتساح الشمال
نشر في الوسط يوم 27 - 08 - 2014

بعد التنكيل والإقصاء السياسي والعداء باسم المذهب الذي مارسته الدولة اليمنية ضد الجماعة الزيدية في الشمال، نهض الحوثيون من أقصى الشمال (صعدة) مهد الإمامة في اليمن، ونبتوا مثل الأشجار الشوكية، فخرجوا من بين الأجداث ومن زوايا الإقصاء والإبعاد حتى استقاموا للدفاع عن حق البقاء، وعن المذهب، والموروث الديني، والإرث التاريخي.. هكذا في كل جماعة لها ملة ودين لا تستطيع أية قوة أن تمحو هذه الطائفة أو الجماعة الدينية التي عاشت في هذه الأرض أو تلك وتلونت بلونها وتنفست هواءها، وترعرعت على أرضها، ونمت تحت ضوء شمسها، فكلما تبدلت الظروف وارتوت بمائها، فإن المذهب أو العقيدة الدينية هي البذرة التي لا تموت بالتقادم؛ لأن العقيدة الدينية هي أقرب الممكنات إلى العاطفة البشرية، وهي فكر أو أيديولوجيا من المستحيل أن تذوب أو تغيب أو تمحى من أرضها، إلا إذا انتهى الإنسان أو التهمها فكر آخر، لأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، وقد يتحول الفكر إلى قوة منقطعة النظير، ففي العام 2004 إلى 2010م انخرط الحوثيون في ست جولات من القتال ضد الحكومة، كانوا هم الطرف الأضعف في المواجهة إلى حدود أن صمودهم (جعل الجارة السعودية التي تراقب الوضع عن كثب) تتدخل في الحرب السادسة ضد القوة الصاعدة، فلم تفلح القوة أن تثني هؤلاء عن الاستمرار والمحافظة على المذهب الذي يواجه بمحاولة الإبادة والإفناء من أرضه بذرائع إقصائية ليس لها مبرر إلا المكر السياسي.. الإقصاء والحروب القذرة التي قادتها الدولة خلال العقد الأول من هذه الألفية ضد الجماعة الزيدية في محاولة لفصلها عن تاريخها وتذويبها لإدماجها قسرا في نسق مذهبي سياسي مؤدلج جديد يخدم أجندة خارج وطنية، تتجاوز حدود حفظ السيادة والمواطنة الكريمة، دفعت بالجماعة إلى الميل نحو قوى تتقارب معها بالفكر الديني، وإن كانت خارج نطاق الداخل والمحيط، أي في حدود الإقليم في احتماء عقائدي أو مذهبي ضد الالتهام من قبل مذهب مخالف له تحميه السياسة والمال، وهذا التوجه هو للحصول على الدعم المعنوي قبل المادي، وبذلك تفتحت أعين الجماعة على التوسع والتمدد ومقاومة الضد وترتيب وتنظيم أنفسهم بالاستفادة من تجربة طويلة في مقاومة الإقصاء والتهميش وضد تذويب ومحو فكرها المذهبي الزيدي، بعد أن كانت لا تحتاج لأكثر من تطبيق أسس التعايش والشعور بالمواطنة في المجتمع، حينما كانوا لا يطمحون في نشاطهم إلى ابعد من محافظة صعدة، ولم تكن لهم أجندة سياسية واضحة إلا بعد أن دفعهم الضغط عليهم تجاه أي نشاط طبيعي أو مطالب عامة لهم، وخوف النظام اليمني الملحوظ من تحركاتهم الطبيعية، إلى إثبات وجودهم، لكن التعامل الاستثنائي الغير عادي في التعامل مع هذه الجماعة، والحذر فوق المبرر منهم، والضغط المتزايد عليهم خارج حدود الخيار الديمقراطي المتفق عليه بعد الوحدة هو الذي كشف لهم الاستهداف المباشر وغير المباشر ضدهم وألهمهم إلى فكرة الممكن والمتاح، ودفعهم إلى التوسع المعاكس لفعل الخصم، وهذا جعلهم يبحثون عن تحالفات ايديولوجية وسياسية لغرض التحصن وحق البقاء والعيش، فقاموا بتأسيس وتنظيم وتأطير كيانهم تحت قيادة ومرجعية دينية استطاعت إبراز هذا المكون الزيدي بطريقتين:
الأولى/ إحياء الموروث التاريخي والديني للجماعة والمذهب الزيدي بالاستفادة من الفساد والترهل في الدولة القائمة.
الثاني/ إنشاء هذا الكيان على أسس تنظيمية دينية وسياسية وعسكرية للتماهي مع الطموح المستقبلي للجماعة من اجل الاستثمار السياسي والكسب والتأثير الشعبي.
وبفعل المتغيرات الداخلية برزت الحوثية على الساحة مع الانتفاضة التي أسموها ثورة عام 2011م ضد الرئيس صالح، وظهر الحوثيون كلاعب رئيس في الجمهورية اليمنية، وبرزوا أكثر بعد المآل الذي وصل إليه الوضع العام من التردي والاضطراب، خاصة بعد مصادرة الثورة وعودة الوضع السياسي إلى سابق عهده على ضوء الاتفاق على المبادرة الخليجية والتدخل الخارجي وعودة الفساد والتقاسم وتثبيته بشرعية الاعتراف الإقليمي والدولي.. بعد فترة تزيد عن العام من الثورة شعر المواطن بأنه قد سلب منه حقه في التغيير وفي طموح بناء الدولة الحديثة والشعارات التي كانت تطلق للاستهلاك السياسي من قبل المستفيدين من التغيير السلبي، وهم الذين صادروا الثورة.
حيرة المواطن وتحرجه ونقمته واستياؤه من الوضع الذي يزداد سوءا جعله يتخبط في الاختيار العشوائي بين من يقف معه لتحقيق الهدف الذي كان يحلم به من قبل وبين من يمثله في هذا الحق، وبعد انكشاف أمر الحزب الديني (الإصلاح) بأنه لم يعد يمثل الطموح الأمثل الذي يستجيب لتغيير حياة المواطن البسيط وتحسينها إلى الأفضل كون همه هو الوصول إلى السلطة والتفوق على شريكه القديم وخصمه الجديد.. وكان للإخفاق وفشل الحكومة التوافقية أثرها الشعبي الرافض للوضع القائم بحيث استطاع الحوثيون وأتباعهم التقاط تلك السلبيات والعمل بين أوساط الجماهير لزيادة التذمر، ولغرض اكتساب مكونهم تأييد الطيف الواسع والشعبي، لهذا قاموا بإدخال اسم أنصار الله على مكونهم بعد أن شعروا بزيادة حجم القاعدة الشعبية لديهم، واتباع فرضية إنقاذ الثورة، وادعوا خلق تغيير حقيقي جراء ازدياد تردي الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى موقف الجماعة الزيدية من الإخوان المسلمين، خاصة بعد إخفاقهم السياسي في الحكم بعد الثورات الربيعية داخليا وخارجيا، وظهور تعاطفهم مع تنظيم القاعدة الأكثر دموية وتطرفا، ودخول الصراع بين أنصار الله والإصلاح الذي أسندته عناصر تنظيم القاعدة ابتداء من دماج إلى عمران، وحياد الدولة وصمت المجتمع الدولي، خاصة الراعية منها للمبادرة الخليجية عن اكتساح الحوثيين لمناطق الشمال بعد عقود من البكاء على الأطلال، في محاولة لاستعادة المجد الإمامي بقوة التمنطق بالشعارات الرنانة وشعار الصرخة، وشعار العدل والمواطنة المتساوية، ومحاربة الفساد، والاستقرار الأمني الذي أصبح واقعا معاشا في صعدة والمناطق القريبة منها، وتلك المزايا تعتبر من المطالب الملحة للجماهير.
على ضوء تلك العوامل، وإزاء المتغيرات الكثيرة والأوضاع المتفسخة والفساد المستشري والانهيار المحتمل للدولة اليمنية، والذي استدعى الحكومة إلى ضرورة فرض الجرعة، أي رفع الدعم عن المشتقات النفطية، كان أنصار الله يعملون بثبات من اجل إيجاد واقع مريح لهم واستغلال تلك الإخفاقات بالعمل بين الجماهير انطلاقا من التالي:
1- إعادة إحياء المذهب الزيدي في البيئة ذات النزعة المذهبية تاريخيا، والتي سعى فيها الحوثيون إلى حماية التقاليد الدينية والثقافية تجاه ما يعتقد أصحاب المذهب بأنه تعديات سلفية، وهابية وتدخل غربي في العالم الإسلامي.
2- رغبة الجماهير في التغيير والعيش في كنف دولة قوية لها هيبة تحمي الحقوق وتسيرها الأنظمة والقوانين والتخلص من الفساد.
3- من خلال انتفاضة 2011م وانضمام الحوثيين إلى الاحتجاجات فهم أكثر من استطاع الصمود والثبات مع الموقف الشعبي وكسب العلاقات مع الجميع وتوسيع قاعدتهم الشعبية.
4- في المرحلة الانتقالية استطاع الحوثيون أن يدخلوا في العملية السياسية دون التخلي عن التوجه الثوري وتحقيق أهداف الثورة، كما استطاعوا في مؤتمر الحوار الذي تدعمه الأمم المتحدة من إثبات حياديتهم وكسب الشرعية السياسية المحلية والدولية، وبعد أن أظهروا موافقتهم على مبادئ تسوية الصراع في الشمال ونزع الأسلحة من القوى الفاعلة دون تعنت، وكذا ظهورهم بموقف ليبرالي يؤمن بالديمقراطية والتعددية وليس بهدف إقامة دولة دينية.
5- استمرار أنصار الله في معارضتهم للمبادرة الخليجية التي أعطت الحصانة للرئيس السابق، ومعارضتها لحكومة الوفاق ومناصفتها فيها، وهذا اكسبها تأييد كثير من الشرائح المجتمعية الطامعة في التغيير.
6- معارك الحوثيين ضد الإسلاميين والمتحالفين والداعمين لهم من القاعدة عزز تحالفهم بكثير من القبائل، بالاستفادة من ذلك في تحالف الرئيس السابق وحزبه معهم بحكم عدائهم للإخوان، والذي وسع مساحة تواجد أنصار الله على الأرض.
7- اكتسب الحوثيون سمعة جيدة كمحايدين ومعارضين للقوى المتصارعة خلال حكم الرئيس السابق ،وللحكومة الانتقالية بعد ذلك، وهو ما أضفى لهم دعما شعبيا إضافيا خارج معقلهم التقليدي في الشمال، وتكوين تحالفات متعددة ومتقلبة استفادوا منها شعبيا.
8- استغل الحوثيون الكره ضد رموز الحكم التي تتقاسم مغانم الدولة دون إيلاء أهمية لأمن ومعيشة المواطن، كما استفادوا سياسيا من موقفهم تجاه الفساد الذي لم تتلوث أياديهم فيه، واستثمار ضعف الدولة وتدهور حياة المواطن على كل المستويات.
9- مرت الفترة الانتقالية ولم تكن هناك معارضة واضحة، بل كان أنصار الله هم المكون الأكثر معارضة ضد النظام الفاسد.
10- الإحباط المزمن من آل الأحمر وعلي محسن والإصلاح وثراؤهم الفاحش من مكتسبات الوطن وحقوق المواطن، أظهر أنصار الله بأنهم أكثر قدرة للتصدي لهذه الرموز الشرهة.
هذه العوامل وغيرها ساعدت أنصار الله على تصدر جبهة إنقاذ الثورة وإعادة الأمل للتغيير في نفوس البسطاء، ومع تعقيد الأوضاع الداخلية وعلاقة الخارج بهذه الأوضاع، وما يوجد من فساد ومن رموز متعفنة ومتضخمة بهذا الفساد، والتي ما زالت تطبخ المؤامرات على نار هادئة، بالإضافة إلى وجود خصومة مذهبية لا تقبل بالتقارب ولا بالحلول، ومع خطورة التوجهات الفكرية الدينية التي يمخر بها أنصار الله عباب بحر السياسة إلى المجهول كونهم مستجدين على واقع سياسي وعملي في الحكم ومشاكل بلد منهك أو مثقل بكل الأوجاع، فلا يغتر أنصار الله بقدرتهم على استمرار انتصاراتهم بالقوة والسلاح، ولا يعتمدون على الاكتساح التتري، لأن الزمن قد تغير، ولم تعد فيه القوة والعنف معيارا أساسيا لتحقيق الهدف والنصر.
هذا الصعود المفاجئ لأنصار الله له أسباب كثيرة منها ما ذكرناه سلفا، بالإضافة إلى أن الفترة الانتقالية لم تحقق أهم المطالب الشعبية خاصة المعيشية والأمنية، فالرئيس هادي لم يعمل على إزاحة الفساد والمفسدين، بل جعل لرموز الفساد يدا طولى في السياسة والحكم خاصة من الذين سرقوا الثورة والتغيير، بل وأصبح الفساد أفظع من ذي قبل، ولم يزد أن حصن نفسه وجعل رموزا نفعية من محافظتي أبين وشبوة يمثلون الجنوب كله، وبدلا من حل القضية الجنوبية عمد إلى استدراج عناصر مهترئة ونفعية لصنع الولاء له، وهكذا صنع من الدعم المعنوي الخارجي ممثلا بمجلس الأمن سوطا تجاه معارضيه، يعني أنه يسير على نهج سلفه، لهذا كسب أنصار الله الجماهير.
إن جماعة أنصار الله بكيانهم على المحك، ولديهم اختبار يحدد مدى قدرتهم على النجاح، وفي نظري قبل أي حل عليهم الضغط للإثبات عمليا بمحاربة الفساد أمام الشعب، وإقامة العدل المطلق، وأن يتزامن ذلك بتطمين الجنوبيين بحل قضيتهم بناء على حق تقرير المصير، وأن لا يصبحوا كأسلافهم أمام حل هذه القضية ليتكئوا على الشعار الديني، الوحدة فريضة من الله، فإن فعلوا ذلك فإنهم سيصلون إلى نفس نتيجة حزب الإخوان؛ لأن حل القضية الجنوبية هو الحل الذي يثمر عنه الأمن والاستقرار.
وإذا تم القضاء على الفساد، وأقيم العدل، وتم حل القضية الجنوبية عبر الاستفتاء، ومن ثم العمل بالديمقراطية، فقد حققوا نصرا لهم ولشعبهم في الشمال ولإخوانهم في الجنوب.
والله ولي التوفيق..
صالح محمد مسعد (أبو أمجد)
24/8/2014م
بعد التنكيل والإقصاء السياسي والعداء باسم المذهب الذي مارسته الدولة اليمنية ضد الجماعة الزيدية في الشمال، نهض الحوثيون من أقصى الشمال (صعدة) مهد الإمامة في اليمن، ونبتوا مثل الأشجار الشوكية، فخرجوا من بين الأجداث ومن زوايا الإقصاء والإبعاد حتى استقاموا للدفاع عن حق البقاء، وعن المذهب، والموروث الديني، والإرث التاريخي.. هكذا في كل جماعة لها ملة ودين لا تستطيع أية قوة أن تمحو هذه الطائفة أو الجماعة الدينية التي عاشت في هذه الأرض أو تلك وتلونت بلونها وتنفست هواءها، وترعرعت على أرضها، ونمت تحت ضوء شمسها، فكلما تبدلت الظروف وارتوت بمائها، فإن المذهب أو العقيدة الدينية هي البذرة التي لا تموت بالتقادم؛ لأن العقيدة الدينية هي أقرب الممكنات إلى العاطفة البشرية، وهي فكر أو أيديولوجيا من المستحيل أن تذوب أو تغيب أو تمحى من أرضها، إلا إذا انتهى الإنسان أو التهمها فكر آخر، لأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، وقد يتحول الفكر إلى قوة منقطعة النظير، ففي العام 2004 إلى 2010م انخرط الحوثيون في ست جولات من القتال ضد الحكومة، كانوا هم الطرف الأضعف في المواجهة إلى حدود أن صمودهم (جعل الجارة السعودية التي تراقب الوضع عن كثب) تتدخل في الحرب السادسة ضد القوة الصاعدة، فلم تفلح القوة أن تثني هؤلاء عن الاستمرار والمحافظة على المذهب الذي يواجه بمحاولة الإبادة والإفناء من أرضه بذرائع إقصائية ليس لها مبرر إلا المكر السياسي.. الإقصاء والحروب القذرة التي قادتها الدولة خلال العقد الأول من هذه الألفية ضد الجماعة الزيدية في محاولة لفصلها عن تاريخها وتذويبها لإدماجها قسرا في نسق مذهبي سياسي مؤدلج جديد يخدم أجندة خارج وطنية، تتجاوز حدود حفظ السيادة والمواطنة الكريمة، دفعت بالجماعة إلى الميل نحو قوى تتقارب معها بالفكر الديني، وإن كانت خارج نطاق الداخل والمحيط، أي في حدود الإقليم في احتماء عقائدي أو مذهبي ضد الالتهام من قبل مذهب مخالف له تحميه السياسة والمال، وهذا التوجه هو للحصول على الدعم المعنوي قبل المادي، وبذلك تفتحت أعين الجماعة على التوسع والتمدد ومقاومة الضد وترتيب وتنظيم أنفسهم بالاستفادة من تجربة طويلة في مقاومة الإقصاء والتهميش وضد تذويب ومحو فكرها المذهبي الزيدي، بعد أن كانت لا تحتاج لأكثر من تطبيق أسس التعايش والشعور بالمواطنة في المجتمع، حينما كانوا لا يطمحون في نشاطهم إلى ابعد من محافظة صعدة، ولم تكن لهم أجندة سياسية واضحة إلا بعد أن دفعهم الضغط عليهم تجاه أي نشاط طبيعي أو مطالب عامة لهم، وخوف النظام اليمني الملحوظ من تحركاتهم الطبيعية، إلى إثبات وجودهم، لكن التعامل الاستثنائي الغير عادي في التعامل مع هذه الجماعة، والحذر فوق المبرر منهم، والضغط المتزايد عليهم خارج حدود الخيار الديمقراطي المتفق عليه بعد الوحدة هو الذي كشف لهم الاستهداف المباشر وغير المباشر ضدهم وألهمهم إلى فكرة الممكن والمتاح، ودفعهم إلى التوسع المعاكس لفعل الخصم، وهذا جعلهم يبحثون عن تحالفات ايديولوجية وسياسية لغرض التحصن وحق البقاء والعيش، فقاموا بتأسيس وتنظيم وتأطير كيانهم تحت قيادة ومرجعية دينية استطاعت إبراز هذا المكون الزيدي بطريقتين:
الأولى/ إحياء الموروث التاريخي والديني للجماعة والمذهب الزيدي بالاستفادة من الفساد والترهل في الدولة القائمة.
الثاني/ إنشاء هذا الكيان على أسس تنظيمية دينية وسياسية وعسكرية للتماهي مع الطموح المستقبلي للجماعة من اجل الاستثمار السياسي والكسب والتأثير الشعبي.
وبفعل المتغيرات الداخلية برزت الحوثية على الساحة مع الانتفاضة التي أسموها ثورة عام 2011م ضد الرئيس صالح، وظهر الحوثيون كلاعب رئيس في الجمهورية اليمنية، وبرزوا أكثر بعد المآل الذي وصل إليه الوضع العام من التردي والاضطراب، خاصة بعد مصادرة الثورة وعودة الوضع السياسي إلى سابق عهده على ضوء الاتفاق على المبادرة الخليجية والتدخل الخارجي وعودة الفساد والتقاسم وتثبيته بشرعية الاعتراف الإقليمي والدولي.. بعد فترة تزيد عن العام من الثورة شعر المواطن بأنه قد سلب منه حقه في التغيير وفي طموح بناء الدولة الحديثة والشعارات التي كانت تطلق للاستهلاك السياسي من قبل المستفيدين من التغيير السلبي، وهم الذين صادروا الثورة.
حيرة المواطن وتحرجه ونقمته واستياؤه من الوضع الذي يزداد سوءا جعله يتخبط في الاختيار العشوائي بين من يقف معه لتحقيق الهدف الذي كان يحلم به من قبل وبين من يمثله في هذا الحق، وبعد انكشاف أمر الحزب الديني (الإصلاح) بأنه لم يعد يمثل الطموح الأمثل الذي يستجيب لتغيير حياة المواطن البسيط وتحسينها إلى الأفضل كون همه هو الوصول إلى السلطة والتفوق على شريكه القديم وخصمه الجديد.. وكان للإخفاق وفشل الحكومة التوافقية أثرها الشعبي الرافض للوضع القائم بحيث استطاع الحوثيون وأتباعهم التقاط تلك السلبيات والعمل بين أوساط الجماهير لزيادة التذمر، ولغرض اكتساب مكونهم تأييد الطيف الواسع والشعبي، لهذا قاموا بإدخال اسم أنصار الله على مكونهم بعد أن شعروا بزيادة حجم القاعدة الشعبية لديهم، واتباع فرضية إنقاذ الثورة، وادعوا خلق تغيير حقيقي جراء ازدياد تردي الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى موقف الجماعة الزيدية من الإخوان المسلمين، خاصة بعد إخفاقهم السياسي في الحكم بعد الثورات الربيعية داخليا وخارجيا، وظهور تعاطفهم مع تنظيم القاعدة الأكثر دموية وتطرفا، ودخول الصراع بين أنصار الله والإصلاح الذي أسندته عناصر تنظيم القاعدة ابتداء من دماج إلى عمران، وحياد الدولة وصمت المجتمع الدولي، خاصة الراعية منها للمبادرة الخليجية عن اكتساح الحوثيين لمناطق الشمال بعد عقود من البكاء على الأطلال، في محاولة لاستعادة المجد الإمامي بقوة التمنطق بالشعارات الرنانة وشعار الصرخة، وشعار العدل والمواطنة المتساوية، ومحاربة الفساد، والاستقرار الأمني الذي أصبح واقعا معاشا في صعدة والمناطق القريبة منها، وتلك المزايا تعتبر من المطالب الملحة للجماهير.
على ضوء تلك العوامل، وإزاء المتغيرات الكثيرة والأوضاع المتفسخة والفساد المستشري والانهيار المحتمل للدولة اليمنية، والذي استدعى الحكومة إلى ضرورة فرض الجرعة، أي رفع الدعم عن المشتقات النفطية، كان أنصار الله يعملون بثبات من اجل إيجاد واقع مريح لهم واستغلال تلك الإخفاقات بالعمل بين الجماهير انطلاقا من التالي:
1- إعادة إحياء المذهب الزيدي في البيئة ذات النزعة المذهبية تاريخيا، والتي سعى فيها الحوثيون إلى حماية التقاليد الدينية والثقافية تجاه ما يعتقد أصحاب المذهب بأنه تعديات سلفية، وهابية وتدخل غربي في العالم الإسلامي.
2- رغبة الجماهير في التغيير والعيش في كنف دولة قوية لها هيبة تحمي الحقوق وتسيرها الأنظمة والقوانين والتخلص من الفساد.
3- من خلال انتفاضة 2011م وانضمام الحوثيين إلى الاحتجاجات فهم أكثر من استطاع الصمود والثبات مع الموقف الشعبي وكسب العلاقات مع الجميع وتوسيع قاعدتهم الشعبية.
4- في المرحلة الانتقالية استطاع الحوثيون أن يدخلوا في العملية السياسية دون التخلي عن التوجه الثوري وتحقيق أهداف الثورة، كما استطاعوا في مؤتمر الحوار الذي تدعمه الأمم المتحدة من إثبات حياديتهم وكسب الشرعية السياسية المحلية والدولية، وبعد أن أظهروا موافقتهم على مبادئ تسوية الصراع في الشمال ونزع الأسلحة من القوى الفاعلة دون تعنت، وكذا ظهورهم بموقف ليبرالي يؤمن بالديمقراطية والتعددية وليس بهدف إقامة دولة دينية.
5- استمرار أنصار الله في معارضتهم للمبادرة الخليجية التي أعطت الحصانة للرئيس السابق، ومعارضتها لحكومة الوفاق ومناصفتها فيها، وهذا اكسبها تأييد كثير من الشرائح المجتمعية الطامعة في التغيير.
6- معارك الحوثيين ضد الإسلاميين والمتحالفين والداعمين لهم من القاعدة عزز تحالفهم بكثير من القبائل، بالاستفادة من ذلك في تحالف الرئيس السابق وحزبه معهم بحكم عدائهم للإخوان، والذي وسع مساحة تواجد أنصار الله على الأرض.
7- اكتسب الحوثيون سمعة جيدة كمحايدين ومعارضين للقوى المتصارعة خلال حكم الرئيس السابق ،وللحكومة الانتقالية بعد ذلك، وهو ما أضفى لهم دعما شعبيا إضافيا خارج معقلهم التقليدي في الشمال، وتكوين تحالفات متعددة ومتقلبة استفادوا منها شعبيا.
8- استغل الحوثيون الكره ضد رموز الحكم التي تتقاسم مغانم الدولة دون إيلاء أهمية لأمن ومعيشة المواطن، كما استفادوا سياسيا من موقفهم تجاه الفساد الذي لم تتلوث أياديهم فيه، واستثمار ضعف الدولة وتدهور حياة المواطن على كل المستويات.
9- مرت الفترة الانتقالية ولم تكن هناك معارضة واضحة، بل كان أنصار الله هم المكون الأكثر معارضة ضد النظام الفاسد.
10- الإحباط المزمن من آل الأحمر وعلي محسن والإصلاح وثراؤهم الفاحش من مكتسبات الوطن وحقوق المواطن، أظهر أنصار الله بأنهم أكثر قدرة للتصدي لهذه الرموز الشرهة.
هذه العوامل وغيرها ساعدت أنصار الله على تصدر جبهة إنقاذ الثورة وإعادة الأمل للتغيير في نفوس البسطاء، ومع تعقيد الأوضاع الداخلية وعلاقة الخارج بهذه الأوضاع، وما يوجد من فساد ومن رموز متعفنة ومتضخمة بهذا الفساد، والتي ما زالت تطبخ المؤامرات على نار هادئة، بالإضافة إلى وجود خصومة مذهبية لا تقبل بالتقارب ولا بالحلول، ومع خطورة التوجهات الفكرية الدينية التي يمخر بها أنصار الله عباب بحر السياسة إلى المجهول كونهم مستجدين على واقع سياسي وعملي في الحكم ومشاكل بلد منهك أو مثقل بكل الأوجاع، فلا يغتر أنصار الله بقدرتهم على استمرار انتصاراتهم بالقوة والسلاح، ولا يعتمدون على الاكتساح التتري، لأن الزمن قد تغير، ولم تعد فيه القوة والعنف معيارا أساسيا لتحقيق الهدف والنصر.
هذا الصعود المفاجئ لأنصار الله له أسباب كثيرة منها ما ذكرناه سلفا، بالإضافة إلى أن الفترة الانتقالية لم تحقق أهم المطالب الشعبية خاصة المعيشية والأمنية، فالرئيس هادي لم يعمل على إزاحة الفساد والمفسدين، بل جعل لرموز الفساد يدا طولى في السياسة والحكم خاصة من الذين سرقوا الثورة والتغيير، بل وأصبح الفساد أفظع من ذي قبل، ولم يزد أن حصن نفسه وجعل رموزا نفعية من محافظتي أبين وشبوة يمثلون الجنوب كله، وبدلا من حل القضية الجنوبية عمد إلى استدراج عناصر مهترئة ونفعية لصنع الولاء له، وهكذا صنع من الدعم المعنوي الخارجي ممثلا بمجلس الأمن سوطا تجاه معارضيه، يعني أنه يسير على نهج سلفه، لهذا كسب أنصار الله الجماهير.
إن جماعة أنصار الله بكيانهم على المحك، ولديهم اختبار يحدد مدى قدرتهم على النجاح، وفي نظري قبل أي حل عليهم الضغط للإثبات عمليا بمحاربة الفساد أمام الشعب، وإقامة العدل المطلق، وأن يتزامن ذلك بتطمين الجنوبيين بحل قضيتهم بناء على حق تقرير المصير، وأن لا يصبحوا كأسلافهم أمام حل هذه القضية ليتكئوا على الشعار الديني، الوحدة فريضة من الله، فإن فعلوا ذلك فإنهم سيصلون إلى نفس نتيجة حزب الإخوان؛ لأن حل القضية الجنوبية هو الحل الذي يثمر عنه الأمن والاستقرار.
وإذا تم القضاء على الفساد، وأقيم العدل، وتم حل القضية الجنوبية عبر الاستفتاء، ومن ثم العمل بالديمقراطية، فقد حققوا نصرا لهم ولشعبهم في الشمال ولإخوانهم في الجنوب.
والله ولي التوفيق..
صالح محمد مسعد (أبو أمجد)
24/8/2014م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.