هل سيحدث اعتراف الرئيس بالأزمة فارقاً لصالح إيقاف التداعيات؟ لطالما كان القمر (بكسر القاف) واحداً من أكثر عادات العسكر سوءاً، وهي عادة متداولة بين قصور العالم الثالث حيث تُغادر بوابة الرئاسة ظهيرة الفوضى أو منتصف ليلة الانقلاب. على مدى ربع قرن كان علي عبدالله صالح يتجاوز (فخ) القِمر هذا بخفة من لم ينقلب على أحد. وكونه يحاول تجاوز هذا الفخ بشأن الجنوب مؤخراً –وإن بحركة ثقيلة- فهذا يعني أننا لسنا بصدد إزالة آثار خطأ رئاسي منذ عشية الاعتراف بوجود أزمة بقدر ما هو الحصول على الوقت اللازم للتفكير بطريقة سوية. أدرك الاشتراكيون (الحاضر التنظيمي) أنهم لم يعودوا صوت الجنوب، وأنه من غير الحكيم الركون للماضي الاشتراكي للعب دور هذا الصوت أو المشاركة فيه بفاعلية وعبر رجال يمثلون ليس الماضي (الوحدة والحرب) بقدر ما هو ماضي الأزمات، التي كانت واحداً من الأسباب الرئيسة لقبول المركز الثاني في الوحدة بعد قبول الفكرة من الأصل. ناهيك عما يمثله تجمع تلك الأصوات من دلالة على أن الجنوب في حالة مجازفة كاملة أثناء لجوئه القسري لبعض رجال الذكريات السيئة. لم يكن الوعي الجمعي هناك ليحبهم بحال، ولم يكن الجنوب مكتملاً ليتمكن من محبة العطاس وعلي ناصر في آن واحد. كل ما هنالك أن الجنوب لم يعد لديه خيار، ولا مرجعية.. وأظن هذا ما أقلق الرئيس أكثر من أي شيء آخر. هو لا يدعي استغرابه كل هذا الاستياء والاستعداد للمجازفة بكل شيء. إنه مستغرب بالفعل، يعرف حقاً قصص الأراضي والنخيط، ويفكر فيها أثناء سيره الطويل في الطرقات الجديدة وخور المكلا. وقائمة بمخصصات رموز جنوبية وبقايا سلاطين تم استرضاؤهم. لا يمكن للرئيس القبول بفكرة أن أراضي وعقارات الدولة قد ورطته في هذا المستنقع. ثمة ما هو ملتبس بين وعي الجنوب وخبرة (بكسر الخاء) الرئيس.. هذا ما تأكد لديه على الأقل بعد سلسلة الإجراءات التي لم تفض لشيء، والتي أعتقد أنه قدم فيها تنازلات. وهو ما دفعه آخر المطاف للقبول بفكرة إشراك الآخرين.. يدرك الرئيس أن الاشتراكي صوت جنوبي يصلح طرفاً للبحث عن حل وليس طرفاً للتفاوض معه. الإصلاح هو الآخر لم تمنحه الأزمة أراضي جديدة لعملية من نوع ما ضد الرئيس، الذي تأكد أن الإخوان (المتوجس دائماً من خطورتهم التنظيمية) لم يتخذوا من عدن مقراً ملائماً لمخططاتهم الشريرة. تحصل شعوب ما، ليست دولة كاملة، على فرص من هذا النوع أثناء اكتشاف أطراف الصراعات فقدان السيطرة على مجريات صراع ناشئ على ما قبله كالأزمة الجنوبية مؤخراً.. شيء من قبيل عكس المثل الشهير الذي أصبح "يعملوها الكبار ويتورطوا فيها الصغار"، والذي سينتهي بتورط الكبار مجدداً ليس باعتبارهم طرفين بقدر ما هم جميعاً ضحايا من لم يتوخ الحذر. أو أن هذا كله لم يحدث أصلاً.. باستثناء أن لقاءً جديداً لتبادل الاتهامات قد سبق رحلة الرئيس الأخيرة إلى تركيا وألمانيا. يخشى المشترك أن الأمر لا يتجاوز تحميله مسؤولية جديدة ضمن لعبة (دفعهم لإهدار الفرص) ضمن مشروع إقصاء استراتيجي يعتمد فكرة إنسانية متداولة مفادها أن القوى التي تخفق في المشاركة الكاملة في الأحداث تقصي ذاتها آلياً. على أن الرئيس لا يدرك تماماً أنه بدافع نقمة تراكمت على مدى عقود، وأن الأمر تجاوز غضب ملاك أراض منهوبة ومتقاعدين تركوا بلا ضمانات.. إنه استياء متفاقم مدفوع بنهم اكتشاف مزايا الاستياء ويندفع بقوة القصور الذاتي. بعد فترة طويلة من الصمت، حتى أثناء الفترة الانتقالية، لم يجد غضب الجنوب الظروف الملائمة للتعبير عن الاستياء، إذ بقي الاشتراكي العم الذي لا يجدر بأحد الخروج من تحت معطفه وبرعاية من الوالد الذي يرعى شؤون البيت الكبير. الجنوب الآن بلا عاقل. والأمر بأيدي جيل جديد من المنشقين مفرطي الحماسة، حيث لا يسع الأدوات التقليدية إنجاز تسوية مع الوظيفة الجديدة لجيل وجد أخيراً شخصيته الملائمة. (صحيفة الشارع )