تناولت مسلسلات رمضان هذا العام - في جرأة غير مسبوقة وتطور لافت في مستوى النص والسيناريو والاخراج وأداء الممثلين - قضايا كان من الصعب تناولها في السابق بتلك الطريقة الساخرة وبقالب كوميدي جذب اليه ملايين اليمنيين لمتابعتها, حيث هاجمت بلغة مباشرة وبسيطة وان كانت مكلفة " ماديا " قضايا الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية والفاسدين فيها بأسلوب أكثر حدة في بعض الحلقات من هجوم أحزاب المعارضة التي لا يخلو أي بيان لها بمناسبة أومن بدون مناسبة من تناول قضايا الفساد واتهام الحكومة بها. ففي مسلسل " كيني ميني " في جزئه الرابع الذي يخرجه اسماعيل السياغي وعرض في رمضان على قناة " السعيدة " الخاصة تناول في أربع حلقات قضية الفساد المالي والاداري في المؤسسات الحكومية, ومن خلال الشخصية المحورية عادل سمنان الذي يلعب دور المدير العام "رشيد" يكشف المسلسل كيف تتحول المؤسسات الحكومية في اليمن الى مؤسسات عائلية خاصة يسيطر على كل مقدراتها أقارب المسؤول الأول وحاشيته وكيف يتم فيها نهب أموال المؤسسة وتحويلها الى ملكية خاصة وحصر العمل الاداري على شخص المدير العام فقط وابن أخته الذي يعرف في اليمن ب ̄" البزي " ليكون بمثابة مدير عام ثان يأمر وينهي بحكم قرابته بالمدير العام الى جانب " رزق " المسؤول المالي الذي يقوم بدوره الممثل يحيى ابراهيم . واذا ما تطورت أحداث الحلقات الأربع فان المسلسل يظهر مدى ما يذهب اليه المدير من خلال أفكار " رزق " للاستيلاء على أموال المؤسسة وشراء الفلل والسيارات الفارهة باختراع السفريات والمؤتمرات للمدير العام في أكثر من بلد للحصول على بدل سفر بالعملة الصعبة لتغطية نفقاته وصرفياته بملايين الريالات دون رقيب أو حسيب . ويكشف المسلسل من جهة ثانية مدى الفراغ العاطفي والوحدة الذي تصله زوجة المدير العام نتيجة انشغال زوجها " المسؤول" بنهب مال المؤسسة التي يرأسها وتغيير كل شيء في حياته بعد الفقر الذي كان يعانيه حتى انه يضيف زوجة أخرى الى قائمة ممتلكاته الجديدة بالزواج من سكرتيرته, ليكتب للأولى في آخر حلقة "الفيللا" باسمها وخمسة ملايين ريال يودعها لها في البنك لارضائها, لينهي أحداث الحلقات بحوار قصير بين المدير العام والمسؤول المالي " رزق " حين يصارحه الأول بأنباء سمعها عن اقتراب تغييره ويطالبه باخلاء ما عليه من عهد فيرد عليه " لن يسألك عنها أحد أو يحاسبك عليها أحد هل سمعت أن مديرا عاما قد حوسب أو حوكم من قبل" وما ان يتم اقالة رشيد فعلا وتعيين آخر بدلا عنه حتى يظهر " رزق " نفسه وهو يستقبل المدير العام الجديد بنفس الحرارة التي كان استقبل بها رشيد, محضرا معه " ابن اخته " " البزي " ليتكرر ما كان من المدير المقال. أما الممثل صلاح الدين الوافي الذي لعب دور "البزي" كرمز لتحويل المؤسسات العامة الى " عائلية خاصة " وان كان المخرج اسماعيل السياغي قد قدمه كنسخة مطابقة للممثل عادل امام في فيلم "الهلفوت" من حيث طريقة كلامه ومشيته وتعامله مع الآخرين, الا أنه أبدع في لعب الدور وتغلب على البطل الأول للمسلسل عادل سمنان وكشف عن طاقة كبيرة من الكوميديا الساخرة غير المتكلفة ليفجر في واحدة من حلقات المسلسل سخرية أصبحت حديث الشارع اليمني " عندما طالب بمؤتمر عربي وعالمي لأزياء مدراء العموم ليكون له ما لخاله المدير العام من امتيازات وبدل سفر " أما المسلسل الثاني وعرضته ذات القناة فهو " يافصيح لمن تصيح " ولعب دور البطولة فيه الفنان الساخر محمد الأضرعي الذي ينتقد في كل حلقة ظاهرة معينة تنتهي بأغنية ناصحة ناقدة, غير أنه في واحدة من حلقاته تعرض بسخرية شديدة لوزير الكهرباء وطالبه بالبحث عن عمل آخر غير وزارة الكهرباء مادام غير قادر على حل مشكلة الاطفاءات المتكررة في أكثر من مدينة يمنية وفي مقدمتها العاصمة صنعاء. وتعرض المسلسل الثالث " شعبان في رمضان " اليمني الخليجي المشترك, وعرض على قناة "اليمن" الحكومية لقضايا الفساد والرشوة في جهاز الشرطة واكملها العمل الرابع " عيني عينك " الممول حكوميا والذي عرض على قناة "اليمن" أيضا من اخراج الدكتور فضل العلفي وتناول عدة قضايا بينها قضايا فساد وقضايا اجتماعية وأخرى متعلقة باحتكار التجار وارتفاع الأسعار وبأسلوب كوميدي ساخر جدا وهو من بطولة: عبدالكريم الأشموري, عادل سمنان, ومنى الأصبحي, مع ظهور لافت لوجوه جديدة تألقت في المسلسل منهم ابراهم شرف, احمد حجر, عصام القديمي والممثلة الشابة ارجوان. يقول د. فضل العلفي المخرج السابق لمسلسل "كيني ميني" في أجزائه الثلاثة ومخرج مسلسل "عيني عينك": "كنت مخرجا ل"كيني ميني" خلال السنوات الثلاث الماضية قبل أن اتركه بعد خلاف وتخليت عن الاسم واتجهت لاخراج مسلسل "عيني عينك" وبقي اغلب فريق "كيني ميني" في "عيني عينك" باستثناء بعض الممثلين الذي تركت لهم حرية العمل في "كيني ميني" ومنذ أول سنة عرض فيها كيني ميني ونحن نطرح مواضيع جريئة فمساحة الحرية موجودة المهم أن لاتمس أشخاصا أو مؤسسات بعينها, ويكون تناول المواضيع منطقيا وموضوعيا فالرقابة الصارمة غير موجودة انما يجب عدم تجاوز "الخطوط الحمراء". ويصل العلفي الى القول: "وبشكل عام لدينا حرية في تعاطي قضايا الفساد والنقد لبعض القضايا سواء كان ذلك سياسيا أو اجتماعيا أو اداريا أوماليا, وهذه القضايا كنا قد بدأناها في الأجزاء الثلاثة من "كيني ميني" وتفرعت الآن في كل الأعمال الدرامية التي عرضت خلال شهر رمضان بعد وصول مخرجي تلك المسلسلات الى قناعة أنه لايمكن لمسلسلاتهم النجاح الابتناول تلك القضايا الحقيقية وبقالب كوميدي. غير أن العلفي انتقد المواضيع التي تناولها مسلسل "كيني ميني" في جزئه الرابع وعرض على قناة "السعيدة", وقال انهم أخذوا أفكارا كانت موجودة من قبل في الأجزاء الثلاثة من المسلسل وقاموا بتطويرها وعملوها بنفس الطريقة التي اعتمدنا عليها مع ضعف وهشاشة وهزالة وليس بنفس القوة التي كنا نطرحها نحن, فقد أخذوا فكرة "البزي" من الجزء الثالث للمسلسل وقدموها في أربع حلقات بفكرة أخرى وربطوها مع الفكرة السابقة وهذا ما افقد العمل هويته. وبالنسبة لمسلسل "عيني عينك" فيقول: المسلسل ناقش قضايا المبدعين والبحث العلمي والثقافة السائدة لدى كثير من الناس بأن الذي يسرق وينهب أموال الدولة يسمى رجلا و"أحمر عين" يحترمه الكل, أما الانسان الضعيف النظيف فليس له احترام ولا تقدير, كما أن المسلسل يناقش قضايا اجتماعية منها ما يحدث بين الزوجة وأم الزوج " الحماة " وهناك حلقات في المسلسل تتطرق الى موضوع الخارج من السجن ونظرة المجتمع اليه وهذه مواضيع جديدة يتم تناولها في اليمن للمرة الاولى. المصدر : السياسة الكويتية