ما تمر به الأحزاب السياسية اليمنية ومنظمات المجتمع المدني والمثقفون ليس فقط أزمة في الوعي وإنما هي أزمة بنيوية. سمحت هذه الأطراف لنفسها بأن تبقى رهينة لحالة مزمنة من الارتباك والجدل العقيم الذي أسهم في تغييب الوعي السياسي السليم وشيوع التشبث بالرأي الواحد والانغلاق بعيداً عن روح التعددية والديمقراطية لعلي أكون صريحاً وأقول إن غياب الوعي السياسي لدى هذه الأطراف قد أدى إلى هذا الارتباك المخيف على امتداد الخارطة السياسية نتيجة الفهم الخاطئ والتوظيف السيئ لأدوات ومضامين الديمقراطية ونتيجة لخلط الأوراق فقد أصبح من الصعب التمييز بين من يريد مصلحة الجماهير وبين من يحشدها بخطاب تعصبي أو عاطفي فارغ ناتج عن حالة من الهمجية الاجتماعية والسياسية التي تتنافر مع طبيعة الديمقراطية ذاتها خاصة إذا عرفنا أن الديمقراطية ما هي إلا اجتهاد بشري يهدف إلى رفع مستوى الإنسان ويحافظ على حقه في حرية الاختيار. ما دفعني لكتابة هذا المقال الموقف القائم بين جامعة صنعاء ونقابة أعضاء هيئة التدريس فالعلاقة بينهما علاقة تضاد وشد وجزر مما أعاق العملية التعليمية وأساء للديمقراطية ذاتها. لقد أصيب المجتمع بصدمة كبيرة بما جرى خلال الفترة الماضية خاصة وأنه ينتظر من الجامعة الأم أن تدفع به إلى النمو والتحديث وليس إلى المصادمة والتفتيت. للأسف الشديد الكل يشتغل تحت غطاء أيديولوجي وبدون وعي للمصلحة الوطنية فالجامعة منوط بها أن تركز على القضايا المجتمعية مثل إدارة وتخطيط الطاقة والمياه ومكافحة الأمراض والأوبئة وتطوير المناطق العشوائية والتنمية البشرية ومكافحة الفقر وتطبيق البحث العلمي في الصناعة والزراعة والصحة والبيئة والخدمات وغيرها. أما النقابة فمهمتها إيجاد حلول مناسبة للمشكلات التي تقف حائلاً أمام تطوير الأداء الجامعي والتركيز على الجودة المطلوبة والتأمين الصحي والإسكان الجامعي والاستقلال المالي للجامعة. إننا أمام أزمة خانقة لا تخدم المصلحة الوطنية ينبغي أن نتعامل معها بمنطق المواجهة وليس بمنطق الاختباء وأقصد بالمواجهة إعادة النظر بأمانة في مدى قدرتنا على استكمال البناء الراسخ الذي يوفر لنا المناعة الذاتية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية. بكل صراحة نحن نحتاج إلى نظم إدارية منظورة تقوم على تشغيلها قيادات عصرية غير مشدودة إلى الخلف بحبال المشكلات والأيديولوجيات التي يمكن أن تعيق قدرتها على توظيف ما في عقولها من علوم وأفكار ومبادرات ورؤى تتجاوز الأنماط التقليدية التي تجاوزتها روح العصر. أقول صراحة إنه لم يعد أمامنا من خيار للتعامل مع تحديات العصر بإعادة النظر بالجامعة ودورها في المرحلة المقبلة باتجاه يسمح ببناء الوطن وبناء الإنسان على حد سواء بعيداً عن الاستخدام السيئ للشعارات التي أفرزت الصراع الحزبي المقنع. علينا أن نعيد النظر في مخرجات الجامعة غير المؤهلة وهي تعد بطالة مقنعة تستنزف رصيداً كبيراً من الدخل العام وهي مخرجات لا تعمل ولا تنتج. وفي السياق نفسه أقول لابد من تجديد الرهان باتجاه الأرض الزراعية ومراجعة ما ارتكبناه من أخطاء في الأرض الزراعية وتحويلها إلى أرض مزروعة بالقات وليس بالقوت. إننا بحاجة إلى أن نلفت نظر الجميع إلى الوقوف أمام متطلبات التنمية بدلاً من الصراعات المجانية التي أعاقت التنمية وعمقت الجروح وكأننا شعب لا يجيد سوى الصراع. على الجميع أن يدركوا خطورة ما يجري قبل أن يصل الوطن إلى اللحظة الدامية والتي ستنتج بسبب حسابات داخلية مغلوطة موجهة بحسابات إقليمية ودولية. وبصريح العبارة علينا أن نصبر على الديمقراطية ونراكم الوعي لضرورة ممارستها فهي لا تأتي إلاّ نتيجة تتويج مسيرة من العمل لا نزعم أننا في اليمن أننا قطعناها فتجليات الثقافة الإقصائية في حياتنا اليمنية واضحة الهيمنة في كل الاتجاهات فنحن ما زلنا أحزاباً ومجتمعاً تسود خطابنا أنساق من الاستبداد والتسلط الكامن في بنية التركيبة العشائرية والقبلية والعصبوية. ولست بحاجة للقول إن أخطر ما يهدد الوحدة الوطنية ليس الصراع الذي أصبح عنواناً للمشهد العام، وإنما الخطر أن يتحول المأزق إلى خلط الأوراق بين المتطلبات الديمقراطية وضرورة الالتزام بالثوابت الوطنية الجامعة للشعب اليمني تحت مظلة الوحدة الوطنية لذلك فنحن بأمس الحاجة إلى المراجعة لأن الوطن يواجه خياراً صعباً ويراد له بسوء أو بحسن نية أن ينزلق إلى نقطة تختفي فيها الفوارق بين الديمقراطية والفوضى، وما يدعوني للقلق هو ما نلمسه جميعاً وخاصة في هذه الأيام من جنوح في الآراء من قبل أطراف تلغي أية أرضية صلبة للحوار، وتنتقل بالحوار إلى خندق العناد والتعصب والتشبث غير المبرر بآليات ثبت فشلها وقد عفا عليها الزمن. وهناك من يحاول الاندفاع نحو اللا وطن واللا حرية ويرفض الانتماء ويخلع الرداء الوطني بأكمله وليس انحيازاً لعلي عبدالله صالح وسياسته أن أقول إنه لولا الجهد الذي يبذله تحت مظلة من الإصرار على ترميم جدران الحوار لكان المأزق الراهن قد أصبح فجوة كبيرة وهذا الذي أتحدث عنه تشهد به كل الفعاليات السياسية والمجتمعية وتشهد به المبادرات المسجلة والثابتة في ملفات العمل الحزبي والمجتمعي. أخيراً يمكن القول: سنرتكب خطأً فادحاً إذا استسلمنا لهذا الخبث الذي يرتدي في الظاهر ثبات الحق وهو كل الباطل وليس أخطر على هذا الوطن من المثقفين الذين يجلسون على مقاعد المتفرجين وغرز تعاطي القات بينما دفة السفينة تتجه نحو منحنيات مقلقة ومفزعة.