أوصلتنا أحزابنا السياسية إلى مرحلة أن نبقى رهائن لحالة مزمنة من الارتباك والجدل العقيم الذي أسهم في تغييب المفاهيم الصحيحة خلف أسوار المفاهيم الغامضة وشيوع منهج التشبث بالرأي والانغلاق بعيداً عن روح الديمقراطية. ولنقل بصراحة: إن ما أفزعنا من موقف أحزاب اللقاء المشترك وبيانه الأخير هو ذلك الارتباك على امتداد الوطن وهو ارتباك ناتج عن الفهم الخاطئ والتوظيف السيىء لأدوات ومضامين الديمقراطية والتعددية السياسية. وفي ظل هذا الخلط السيىء للأوراق والاستقطاب الحاد أصبح من الصعب التمييز بين الوجوه الحقيقية والأقنعة الزائفة تحت طوفان من الاتهامات المتبادلة الذي يجتاح الجميع.. بل ويؤذي الجميع دون استثناء. إن الفراغ في اللجنة العليا للانتخابات والتلويح بمقاطعة الانتخابات من قبل اللقاء المشترك لم يكن محض صدفة ولم يأت أيضاً بسبب منهج العناد وإنما هو نتيجة طبيعية لرهانات الاستقواء بالخارج، حيث يصعب القول إن هذه الأحزاب السياسية تتخذ قراراتها اليوم بعيداً عن مشورات ودعم الخارج. وبصراحة يمكن القول إن أخطر ما يهدد الوطن حاضراً ومستقبلاً ليس في الانقسام القائم والصراع الذي أصبح عنواناً للمشهد السياسي وإنما الخطر كل الخطر أن يؤدي استحكام هذا المأزق إلى خلط الأوراق بين التعددية والثوابت الأساسية الجامعة لمفاهيم الديمقراطية. إن من حق كل حزب أن يصوغ سياسته التي تلائم ظروفه ولكن دون أن تكون على حساب الحد الأدنى من مقتضيات الالتزام الديمقراطي، ولا أخفي عليكم أنني قلق مما ألمسه هذه الأيام من جنوح في الآراء يلغي أية أرضية صلبة للحوار، وينتقل بالأطراف إلى خنادق الجدل والعناد والتعصب، وهو للأسف تعصب يندرج نحو تشبث لا مبرر له بآليات ووسائل ثبت عقمها، وعدم جدواها، فاللقاء المشترك يتشبث بالانسحاب والمؤتمر كان بإمكانه أن يلجأ إلى منظمات المجتمع المدني وهي منظمات لها قاعدة جماهيرية وتنتشر في أنحاء الجمهورية اليمنية.. وليس انحيازاً للمؤتمر الشعبي العام وسياساته أن أقول: هناك عناصر داخل المؤتمر تسعى إلى ترميم جدار التوافق والعمل على إعادة بناء التضامن على أرضية تجديد الوعي بخطر استمرار الانقسام. والحقيقة أنه لم يكن لمثل هذا التوجه الوطني أن يحقق أهدافه في غيبة من توجيهات رئيس الجمهورية الذي يحرص دوماً على إعطاء المعارضة الوقت الكافي لإعادة تقويم موقفها. عودنا رئيس الجمهورية دوماً على فتح صفحة جديدة ومد يده لكل يد تمتد إليه بالتفاهم والمصافحة والمصالحة. وتأسيساً على ذلك فإن منطلقات التحرك لبناء التوافق بين الأحزاب السياسية لابد أن تستند إلى عدة ركائز أهمها: 1 - لابد من الإيمان بوجود احتياج متبادل بين السلطة والمعارضة وبالتالي لايمكن لطرف أن يستغني عن الطرف الآخر. 2 - إنه مهما أفرزت الأحداث من خصومات وشكوك، فإن التشخيص الصحيح للأوضاع ينبغي ألا يصل بأي طرف إلى حد الاعتقاد بوجود عداوة تبرر أن يتنكر معها أي طرف للطرف الآخر. 3 - إن مقاطعة لجنة الانتخابات لم تعد من ضرورات الواقع، وإن التحول الديمقراطي يقتضي المشاركة في العملية الديمقراطية وإرساء دعائم الحوار السلمي مهما كان الثمن. وأقول صراحة: إذا كانت أحزاب المعارضة تعتبر نفسها جزءاً من النسيج الوطني.. فلماذا يبقى حالها على ماهو عليه من تشتت وتمزق وعجز فاضح عن توحيد الصف الوطني. أنا أزعم أن هذه الأحزاب مازالت تعيش حالة غيبوبة ثقافية وفكرية، هذه الغيبوبة ساعدت على تبني الأفكار المناطقية والجهوية والدينية، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يهون الوطن علينا وندمر أسباب قوته وننزلق دون وعي منا إلى الصراع والفرقة لمجرد أن البعض منا لم يكن ضمن المحاصصة التي شرعنا لها ذات يوم ثم بدأنا نلعنها لمجرد أنها تجاوزتنا! أريد القول: إن ما وقع من أخطاء في السنوات الأخيرة نتيجة لأساليب عملنا الخاطئة ينبغي ألا يكون مدخلاً للنيل من صحة ومشروعية استمرار التمسك بالعمل الديمقراطي. وصادقاً أقول: إننا نرتكب خطأً فادحاً إذا لم نستوعب متطلبات التحولات الديمقراطية وتبعاتها التي تجعل المصالح متضاربة مع بعضها البعض وإنه لابد من تفكيك العلاقة بين هذه الاعتبارات المتضاربة، وليس أسوأ ولا أخطر من مقارنة الديمقراطية اليمنية بالديمقراطية الغربية التي قطعت شوطاً كبيراً في تأسيس مبدأ الحرية والاعتراف بالآخر واحترام القانون في الوقت الذي مازلنا نعيش ثقافة الإقصاء ورفض الآخر حتى لو كان يملك الأغلبية!