وحدة تريم يتأهل إلى نهائي البطولة التنشيطية للكرة الطائرة الثانية بوادي حضرموت    مديريات إب تشهد وقفات شعبية تأكيداً على استمرار التعبئة    حضرموت تضرب من داخلها.. "بن شملان" يحذر من رأس الفتنة ومخططات حلف الهضبة    مونديال الناشئين قطر2025 .. ايطاليا إلى المربع الذهبي    الدكتور عبدالله العليمي يزور منتدى باصره الثقافي ويشيد بمسيرته العلمية والسياسية    «ليالي الفنون الخالدة» تعيد الغناء بالفصحى    اكتشاف تابوت روماني محفوظ منذ 1700 عام    علماء آثار يعثرون على حجر شعار نبلاء عائلة "توت" السويدية    جرحى تعز يؤدون صلاة الجمعة أمام المحافظة ويجددون مطالبهم بالإنصاف والرعاية    صادرات اليابان ترتفع قرابة 4 %    الانتقالي الجنوبي صلابة الموقف ومسار السلام: رؤية الزُبيدي نحو مستقبل آمن للجنوب    بترومسيلة تسلم قطاع نفطي في شبوة    متفوفا على مبابي وفينيسيوس.. "لامين" يحصد جائزة أفضل لاعب بإسبانيا    استهداف دورية عسكرية بعبوة ناسفة في شبوة    صحيفة امريكية: أوكرانيا عدّلت "بند الفساد" في خطة واشنطن للتسوية    الأوقاف والخطوط اليمنية توقعان اتفاقية لنقل أكثر من 6 آلاف حاج    تحطم مقاتلة هندية خلال عرض جوي بمعرض دبي للطيران    أهم مفاتيح السعادة    دبي تستضيف نزال بطولة العالم للوزن الخفيف بين نور محمدوف وديفيس    ميزان الخصومة    اتحاد المنسوجات يعلن استعداده توفير الملابس المحلية بجودة اعلى ومنع المستورد    مدير عام هيئة المواصفات يطّلع على سير العمل بفرع الهيئة بتعز مدير عام هيئة المواصفات يطّلع على سير العمل بفرع الهيئة بتعز    الكاتب والصحفي والاعلامي القدير أمين محمد الخرساني    تغاريد حرة.. وحدي بلا رئيس    صنعاء تُعدم تلفزيون عدن... والإرياني يكمّل جريمة محو ذاكرة الجنوب العربي    الأسعار في الجنوب ترتفع مجددًا رغم تحسن العملة وسط إجراءات حكومية لا تعكس واقع السوق    يمن شباب تدين لغة التحريض من سلطة تعز والنقابة تدعو لوقف الزج بالأجهزة الأمنية بقضايا نشر    النفط يتراجع للجلسة الثالثة.. ضغط أمريكي للسلام الروسي الأوكراني يهدد الإمدادات    نزهة نتنياهو في الجنوب السوري.. عارٌ جلبه الجولاني يطعن كرامة العرب    أحمد الواحدي.. شابٌ شبواني يطرده جشع الحرامية من عدن (صور)    الحياة تعود لميناء عدن: سفينة ثانية ترسو في ميناء المعلا    هائل سعيد والعليمي: سطو على نفط شبوة وصفقات مشبوهة وتسليمات غامضة(وثيقة)    الأصبحي: آلاف المرضى محرومون من العلاج بالخارج    بطولة كأس العرب 2025.. الموعد والمكان والمشاركين    "زيم" البحرية تسعى للعودة إلى الإبحار عبر باب المندب    ضبط قاتل بائع السمك في مدينة البيضاء    زيارة ولي العهد السعودي لأمريكا استنزاف الثروات وتبديد السيادة    كم سيربح؟.. مقابلة ترامب تعزز ثروة كريستيانو رونالدو    الجاوي: رفع سلطة صنعاء للرسوم الجمركية إعلان استسلام للعقوبات والحصار    مينديش يعود لpsg الفرنسي    إحباط عملية تهريب مخدّرات وإيقاف المتورطين في منفذ الوديعة    الاتحاد اليمني لكرة القدم يصدر تعميمًا تنظيميًا شاملًا يحدد ضوابط ومواعيد مسابقات الدوري بدرجاته الثلاث    قراءة تحليلية لنص "هروب وعودة" ل" أحمد سيف حاشد"    اللحم غير المطهو جيداً... مسبّب للسرطان؟    ثورة في علاج السكري: توصيل الأنسولين عبر الجلد دون حقن    أيهما أفضل: العمرة أم الصدقة؟    دراسة: سيجارتان يوميًا تضاعفان خطر فشل القلب والوفاة المبكرة    مصطفي حسان يطلق رواية أبناء الرماد.. تكشف خيبات الحرب وتعرّي الفساد    لوجه الله.. امنعوا الباصات وأعيدوا باصات النقل العامة    اختتام جمعية المنتجين ومركز سند دورة في تمكين المرأة اقتصاديًا    وزير الداخلية.. جابي ضرائب لا حامٍ للمواطن.. غرامة مالية متنقلة على ظهور الناس    قراءة تحليلية لنص "عيد مشبع بالخيبة" ل"أحمد سيف حاشد"    (هي وهو) حين يتحرك النص بين لغتين ليستقر    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع شبكة تحويلات مالية وأربع منشآت صرافة    العلامة مفتاح يشيد بالمشاريع الكبيرة لهيئة الزكاة    يا حكومة الفنادق: إما اضبطوا الأسعار أو أعيدوا الصرف إلى 750    إحصائية: الدفتيريا تنتشر في اليمن والوفيات تصل إلى 30 حالة    تسجيل 22 وفاة و380 إصابة بالدفتيريا منذ بداية العام 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"حماس".. يخربون بيوتهم بأيديهم
نشر في الوطن يوم 29 - 12 - 2008

تعبت فلسطين وأتعبت، أضناها الضيم والظلم، وطال ليل احتلالها حتى لم يعد يُطاق، المجرم الإسرائيلي لم ولن يراعي في أهلها إلاّ ولا ذمّةً، مسلسل القتل الإسرائيلي للفلسطينيين مستمرّ ومتواصل منذ الثمانية والأربعين وحتى يوم الناس هذا.
إنّ العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين قد أصبح وللأسف الشديد شيئاً معتاداً لدى العالم كله والعرب بشكلٍ خاصٍ، لا لشيء إلا لأن التكرار يبلّد الإحساس، ولكن هذا التكرار له طعم الدم ورائحة القتل وأنات الجرحى والثكالى والمصابين، وما أشد بؤسه من اعتيادٍ وأثقله من واقع!
لقد كان الجرح الفلسطيني وراء كثيرٍ من مآسي العرب واقتتالهم وتناحرهم، وشمّاعة علّق عليها الكثيرون فشلهم وتخلّفهم واستبدادهم، ونتيجةً له كانت جميع المحاولات الفلسطينية والعربية التي تعبت من مرأى الدماء وتعاقب المذابح والمسالخ التي تقيمها إسرائيل للفلسطينيين كلّما عنّ لها الإجرام أو دعتها واستجلبتها الحماقة، كانت جميع المحاولات الفلسطينية والعربية من مدريد إلى أوسلو ومن مشروع فهد إلى مبادرة عبدالله، كلها تسعى إلى منع العدوان الإسرائيلي وحقن دماء الفلسطينيين التي باتت دماؤهم وكأنها أرخص الدماء، يتلاعب بها الكاذبون والمنافقون من داخل فلسطين وخارجها.
إسرائيل عدوٌ غاشمٌ دون شكٍ، ولكن هذا أمرٌ لا جديد فيه ولا مثير في استعراضه وتناوله، ولا مفيد في تكراره واجتراره، والفلسطينيون مظلومون ومضطهدون دون شكٍ أيضاً، ولكن هذا أمرٌ قد فُرغ منه وليس مجالاً لنقاشٍ أو مدعاةً لحوارٍ.
بما أنّ هذه مسلمّاتٌ واضحةٌ، فإنّ البحث الفلسطيني والعربي لم يكن حولها ولا حول التوصيف لها، وإنما الخلاف كان في سبيل حلّ هذه المعضلة وطريق الخلاص من هذه المصيبة بل الكارثة، جرّب العرب الحروب فلم تزدهم إلا خبالاً وخساراً، وجرّبوا المقاومة المسلّحة فلم تزدهم إلا رهقاً وتشتتاً وضياعاً، وليس آخرها ما فعله "حزب الله" من حماقة عام 2006 والتي جناها اللبنانيون علقماً مرّاً لم يزل في حلوقهم ولم تنفعهم بشيء شعارات النصر الكاذب وزيف الهتافات بالعزة والكرامة وغيرها من مفرداتٍ يتشدّق بها الحزب وأنصاره حتى اليوم، ويتغافلون ويتناسون حجم الخسائر الفادحة التي سدّد قيمتها العرب، وكأنّ دمار لبنان ليس من مسؤولية الحزب وكأن خرابه ليس من شأنهم، الأهم هو أن يبقى "الحزب الإلهي" مع نصر الله، أو أن يبقى "الزعيم الخالد" مع عبدالناصر، أو أن تستمر "الحركة" المجيدة مع مشعل.
مشكلتنا نحن العرب أنّ ذاكرتنا قصيرة المدى بشكلٍ مخزٍ، ورؤيتنا المستقبلية لا تكاد تتجاوز موضع أقدامنا، وإلا متى بدأت هذه المشكلة؟ ومتى بذرت بذور هذه الأزمة؟ لن أذهب بعيداً في تقصي الجذور التاريخية والثقافية والسياسية ولكنني سأكتفي بالقريب منها الذي لم يتجاوز سنياتٍ قليلةٍ، وتحديداً حين وصلت حركة" حماس" للحكومة بناءً- وهو ما يجب أن نتذكره- على أوسلو واتفاقيتها وبناءً على جهود عربية مذكورة غير منكورةٍ، ولكنّ هذه الحركة لم تعط الشعب الفلسطيني شيئاً مما يبحث عنه ولم توصله لما يرجوه لا عن طريق السلم ولا عن طريق الحماقة التي يسمّونها مقاومة، بل زادته ضغثاً على إبّالةٍ ومنحته الخيار بين العيش فقيراً ذليلاً أو الموت في سبيل اللامعنى واللاهدف، من حقّ قيادات "حماس" أن تختار الانتحار سبيلاً لها، ولكن ليس من حقها أبداً أن تجبر الشعب الفلسطيني على ذلك، فضلاً عن أن تجتره ليكون قرباناً على مذبح الولاءات غير الوطنية أو القوى الإقليمية وأعني بها تحديداً إيران وتابعتها سوريا.
نعم، بكل صراحةٍ ووضوحٍ وحتى نضع النقاط على الحروف، "حماس" تنطلق من رؤية جماعة الإخوان المسلمين التي تريد الوصول إلى السلطة بأي ثمنٍ والمحافظة عليها بأي سعرٍ، حتى لو كان الثمن دماء الفلسطينيين ودمار غزّة، وأن يخربوا بيوت الفلسطينيين، وليس غريباً أن يخرج محمد مهدي عاكف في قناةٍ إخبارية يسيطر عليها "الإخوان" ليعلّق على هذه المذبحة بالقول "إنّ الصهاينة لا يستطيعون القيام بهذا إلا بتضافر مع الحكّام العرب"! هكذا بكل بساطة وسذاجةٍ، تماماً كما هي التهم الإيرانية السورية التي سئمنا من سماعها وتردادها على مسامعنا حدّ التخمة.
ثمّ إنّ ولاء قيادات "حماس" للقوى الإقليمية التي تمثّلها إيران وتابعتها سوريا واضحةٌ مكشوفةٌ، فهم يجيئون لمكّة للصلح مع إخوانهم في "فتح"، وهم يضمرون كسب الوقت حتى ينفّذوا أجندة إيران في فلسطين، ثم يرجعون ليغرّدوا في سرب إيران من جديد، ويتذكرون مصالحهم هم وينسون مصالح فلسطين والشعب الفلسطيني، وإلا بماذا نفسّر بالله عليكم، أن يصرّح خالد مشعل بإنهاء الهدنة ويوعز ل"حماس" الداخل بإطلاق الصواريخ التافهة على إسرائيل، يعلن هذا من دمشق، في الوقت ذاته الذي يعلن فيه الأسد استعداده للحوار المباشر مع إسرائيل!
هذا المخدوع عن نفسه يسيّره الآخرون إلى حتفه وهو يرى ويسمع دون أن يكون له عقل يحاكم ويحكم، ودون أن يعذّبه ضميره أو تتحرك فيه شعرةٌ لرؤية القتلى والجرحى والثكالى، وإنّ المراقب لا يملك إلا أن يتساءل: ألم يقرأ هذا الرجل التاريخ! ألم ير نتائج الشعارات والولاءات الخاطئة في فلسطين! ألم يتعظ من سنوات النضال والكفاح التي لم تثمر غير الألم واللوعة والحسرة! أم أنّه يحسب أنّ النضال الفلسطيني لم يبتدئ إلا معه ومع حركته الجديدة نسبياً على الساحة الفلسطينية؟!
إن فلسطين والعرب قد بذلوا الغالي والنفيس من أجل فلسطين، ومن أجل القضية الفلسطينية من قبل أن يولد خالد مشعل أو أن يكون شيئاً مذكوراً، وما تحققت المكاسب الفلسطينية الحالية إلا بعد تعبٍ وضنىً طويلين ومهلكين، وهو يأتي وما يمثله من قيادات الحركة ليقول لنا: إذا بتّ ظمآناً فلا نزل القطر!، وليس أصدق في الدلالة على هذا من تصريح إسماعيل هنية لذات القناة السابقة الذكر الذي نشرته على شريطها الإخباري حين قال: "سنستمر -يقصد حماس- حتى ولو أبيدت غزّة بالكامل"!
ما حدث باختصار هو أنّ مشعل -ومعه صاحبه- قد ارتمى في حضن الأيديولوجيا ونسي السياسة، وظنّ وبعض الظنّ إثمٌ أنها ستنجيه وتخلّصه فلم تفعل، ثمّ ظنّ وأغلب الظنّ إثمٌ أنّ ولاءه للإخوان أو ولاءه لإيران سيكون منجياً له من حساسيات الواقع وشروطه الصعبة والمعقّدة وبالطبع لم تفعل، وصار يسعى بأي شكلٍ للخلاص من حالة البؤس التي أوصل الغزّاويين لها حتى لو كان ذلك عن طريق استعداء العدوّ القويّ ليبطش بشعبه ويلتفت هو للمتاجرة بدمائهم وإحراج الدول العربية والزعماء العرب تجاه ما أحلّه هو بدارهم من دمارٍ وخرابٍ، وقد خاب ظنّه وخاب مسعاه.
إنّ العرب لن يتخلّوا عن فلسطين لحماقة ارتكبها مشعل وجنونٍ نفّذته "حماس"، فهم أعقل وأحكم من أن تلهيهم هذه الخزعبلات عن استيعاب دروس التاريخ ورؤية شروط الواقع والسعي لاختيار أفضل الممكن والمتاح وفرضه على الطرف الآخر المتجبّر بأحسن السبل، وتجنيب الفلسطينيين مزيداً من الآلام والمجازر والمذابح.
إنّ جرح فلسطين الغائر لن يحلّه الغوغائيون، ولن ينقذه المتاجرون به، بل حلّه يكمن في العقل والحكمة والسياسة الواعية المنضبطة، بعيداً عن الشعارات والهتافات الفارغة التي تضرّ أكثر مما تنفع، أعلم أنّ هذا الكلام قاس في مثل هذه الظروف ولكننا يجب أن نواجه مشكلاتنا بصدق بعيداً عن الحسابات القصيرة، ذلك أنّنا بأمس الحاجة لمثل هذه المصارحة في وقتٍ نحن أشدّ ما نكون فيه حاجةً للتعوّد على سماع أصواتٍ العقل والحكمة وأن نبتعد عمّن لا تجرّنا أصواتهم وغوغائيتهم إلا إلى الدمار والخراب، وقديماً قيل: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى، فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد.
*نقلاً عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.