تؤكد الرؤية أن الانتخابات تؤدي إلى تحقيق الإصلاح الشامل وهذا سيحقق الحكم الرشيد، لكن الرؤية في فقرة لاحقة تناقض نفسها وتنفي أمكانية الانتخابات في تحقيق المنشود بسبب الأزمة الوطنية العميقة، فالتأكيد على دور الانتخابات ثم التأكيد على عدم جدواها في ظل توصيفهم للواقع لا معنى له إلا أن تغيير الواقع الذي يحتاج إلى وقت طويل هو المدخل لتحقيق الإصلاح. هذا الخطاب المخادع والمموه يعبر عن قناعات المشترك الحقيقية بأن الانتخابات حتى لو تم تنفيذ كل مطالبهم ليست هي الحل. الذي يخفيه الخطاب ويتحدث عنه التناقض في بنيته وطريقة توصيفه أن الانقلاب على الأوضاع هو الخيار الأكثر جدوى، قد يبدو الخطاب أنه يحمل في مضمونه تهديد للاستجابة لمطالبهم فيما يخص العملية الانتخابية، إلا أن الخطاب يعبر عن نزعة فوضوية مكبوتة بالثورة لا يمكن للخطاب أن يوضحها ولكنها بارزة في قناعته أن الأزمة الوطنية بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية جعلت من الديمقراطية كحل طريق غير ذات جدوى. المقدمة تعبر عن رؤية عامة يرددها الكثير في الوطن العربي ويقتبسها المشترك وينزلها على واقع اليمن: "إن اللقاء المشترك وهو يشدد على ضرورة توفير الأجواء والمناخات السياسية الملائمة لإجراء الانتخابات النيابية القادمة إنما ينطلق من حرصه الشديد على أن تؤدي هذه الانتخابات وظيفتها الحقيقية في وضع البلد على المسار الذي يفضي به إلى الاستقرار والتقدم وتعزيز وحدته الوطنية والسياسية وتوفير الشروط المناسبة لتنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تسهم في تحسين معيشة الشعب وتفاعل كل هذا مع العوامل الضرورية التي ستولده هذه الظروف لإنتاج الحكم الرشيد الذي لا يمكن التفكير في مستقبل اليمن بدونه، ونقصد بالحكم الرشيد ذلك الحكم الذي يستند على دولة شراكة ومواطنة ذات نظام مؤسسي ديمقراطي لا مركزي يتم فيه تداول السلطة سلميا عبر انتخابات حرة ونزيهة، أي حكم غير قابل للعودة بالبلاد إلى سيطرة البنى الضيقة "ما دون الوطنية".". التناقض مع المقدمة: "وفي ظل الوضع الحالي الذي تتحكم فيه أزمة وطنية عميقة بمظاهرها السياسية والاجتماعية والاقتصادية يصعب الحديث عن انتخابات تحقق هذا الهدف أو تسهم ولو جزئيا في تحقيقه فالأزمة بصورة عامة قد استفحلت لدرجة أضحت معها ضاغطة بقوة على الحياة السياسية وشوهت بذل كل العمليات التي تتم في إطارها بما في ذلك الانتخابات والمشروع الديمقراطي عموما." وهنا نسأل ما هو الحل من وجهة نظر المشترك؟ هل نلغي الانتخابات وتجربة التحولات والاتجاه إلى بناء توافق وطني لحل الأزمة الوطنية وعندئذ نتحرك نحو الديمقراطية. عندما وصفت الورقة جذور الأزمة الوطنية لم تعطي تفسيرات موضوعية وواقعية وركزت على دور الحاكم وحملته كل السلبيات التي استعرضتها وهذه الطريقة ليست إلا قراءة سياسية وسلاح في نفي الحاكم وإقناع الناس أن التغيير محال في ظل هذا النظام وهذه الفكرة تؤكد المخفي في الخطاب "إن جذر الأزمة يكمن في نظام سياسي أحادي تسلطي وصل بالبلاد إلى مأزق لم يعد معه قادرا على إيجاد حلول مناسبة لمشاكل البلاد الوطنية والسياسية والاقتصادية"، والتوصيف اللاحق لهذا الجذر يحمل النظام كل مشاكل البلاد وتجاوز الواقع اليمني بكليته وأن استمرار الوضع على ما هو عليه سيقود إلى كارثة، بمعنى أن الكارثة قادمة، وهذا التوصيف يؤكد أن إنقاذ البلد بالمواجهة وإلغاء النظام والثورة عليه سوف يخفف من الكارثة أي أن الصراع مع النظام وإسقاطه هو المدخل الأساسي لحماية البلد وهذا الطرح يهيئ البلاد لأي صراع قادم. وتؤكد الرؤية أن النظام غيب الدولة المؤسسية واستبدلها بسلطة من خارج الدولة لحماية النظام وهذا جعل الحرب أبرز أدواته والتي عصفت بالوحدة السلمية وكرست القوة والعنف، وهذا الطرح الانطباعي لا يقرأ الواقع ولا يحلل أو يفسر أنه يقدم تبريرات متناسبة مع قناعاته الحقيقية وهي قناعات سياسية أنتجها الصراع وأصبحت حق مطلق لا يأتيه الباطل، وتجاهل بقية العوامل المختلفة التي أضعفت الدولة كالبنية الاجتماعية وتجربة الدولة في مراحلها المختلفة ودور الصراع السياسي بين القوى المتنازعة فإن الخطاب يتحول إلى خطاب سياسي دعائي للتأسيس للمواجهة القادمة التي لا يتحدث عنها الخطاب مباشرة. والرؤية تؤكد أن الأزمة الوطنية لا علاقة لها بالخلاف بين المشترك والنظام بل هي بنيوية ويوحي بإن الانتخابات لا يمكن أن تحدّ من الانحدار باتجاه الكارثة ما لم يكون حل الأزمة الوطنية في الصدارة. ونقل الصراع إلى مشاكل الواقع المختلفة لا معنى له إلا البحث عن آليات مختلفة لا علاقة لها بالآليات الديمقراطية، وهذا يؤكد أن المشترك واعيا أو لا واعي يدير الأزمة الراهنة في اتجاهات لا تبحث عن حلول غير حل الصراع. في حالة حصل الصدام، هل يكرر التاريخ نفسه ونبدأ البحث عن وثيقة عهد جديدة؟ أما الدخول في صراع مدمر ينهك البلد ويفتته ويجعل المستقبل رمادا من أجل تغيير بحاجة إلى نفس طويل وفهم تاريخي للواقع وتحولاته. عندما توصف الرؤية فكرة الشراكة الوطنية فإنها هنا توضح حقيقة الصراع وطبيعته؛ أنه النزاع على الثروة والسلطة، المحور المحرك للفعل السياسي كله، ويؤكد المشترك أن كل من في السلطة لا يمثلوا الشعب وهذا يعني أنهم وحدهم من يمثل الشعب. التوصيف المقدم للشراكة الوطنية يعبر عن تنازع النخب فيما بينها على موارد الدولة المحدودة، بما يعني أن الغضب كله متمحور على أخراج البعض من الغنيمة والاعتماد على البعض الآخر لذا فإنهم يحاربون النظام، وهذا التفسير يؤكد حقيقة رؤية المشترك التي تريد أن تقول أن صراع المشترك مع المؤتمر هو صراع على الغنيمة، فأعيدوا القسمة حتى نتفق. والرؤية تريد أن تقول أن إعادة القسمة للغنيمة هي الحل أو الصراع، وتوحي أن الجنوبيين في الحزب الحاكم لا يمثلوا الجنوب والمؤتمر لا يمثل الوطن، وقيادات الإصلاح والمشترك والحراك لابد أن يشاركوا في الغنيمة حتى تصبح الشراكة حقيقية والانتخابات ليست الأداة الأسلم للتوزيع لأنها زائفة في ظل توصيفهم للواقع. فيما يخص التوصيف المقدم لضعف الروابط الوطنية تقدم الرؤية تفسر جزئي وبشكل مقتضب وتحمل خفوت الوطنية وتعاظم الولاء للطائفة والقبيلة والمنطقة نظام الولاءات التي شكلها النظام المسئولية وهذا التوصيف يعبر عن النظرة القاصرة وجهل الواقع أو تجاهله بالأصح في تناول مشكلة كبيرة تواجه المجتمع والدولة، أما المشكلة الفعلية التي تخاف منها الرؤية عند تناولها لهذه المشكلة التي يعاني منها اغلب ان لم يكن كل الدول العربية ان لديها قناعة أن الواقع اليمني بوضعه الراهن لا يخدم أحزاب المشترك والتحالفات الراهنة هي مصدر قوة المؤتمر والنظام، على المشترك أن يدرك أن التغيير في بنية المجتمع والسياسة والاقتصاد تحتاج إلى نضال طويل وهي من يغير لا القرارات الآنية أو الأحلام الإيديولوجية، وعليه أن يدرك أن الممارسة الديمقراطية جزء من الحل وليست الحل فهي ليست عصى سحرية كما تؤكد الدراسات، والديمقراطية هي نتاج لواقع وتسهم في تطوير الواقع مع الوقت ولكنه لا تنتجه. عندما تناولت الرؤية للقضية الجنوبية لم تقدم أي جديد والتوصيف يبين ان المشترك لا يدرك طبيعة الحراك وواقعة والتوصيف المقدم لا يختلف عن الكتابات الصحفية التي تكتبها صحافة المعارضة. ويحاول أن يقدم قراءة سياسية لا تاريخية. وفيما يخص قضية صعدة والمرأة والعنف والمستوى المعيشي والقوات المسلحة ومؤسسات المجتمع المدني لا تختلف الرؤية عن الخطاب المطروح في صحافة المشترك وتابعيها من المستقلين المتحزبين!! والرؤية تسير في نفس الاتجاهات التي تحمل النظام السياسي كجذر جوهري للأزمة نتائج كل السلبيات ورغم مطالبتها ببعض المعالجات إلا ان طريقة التوصيف والحلول العائمة كلها تؤكد أن لا مخرج إلا بالقضاء على جذر الأزمة والانتخابات لا يمكن ان تقود إلى حل إذن فالثورة هي الحل. ويتضح من الرؤية أن المشترك يوصف الأزمة الوطنية ويجعلها مدخل للانتخابات ولكنه يضع عراقيل غير قابلة للحل في ظل اتجاه المؤتمر للانتخابات ليصل إلى النتيجة التالية " هذا هو المناخ السياسي الاجتماعي الذي تعيشه بلادنا اليوم والذي تريد هذه السلطة أن تمرر من خلاله انتخابات ذات نتائج معدة سلفا فيما يعتبرها المشترك لو تمت على هذا النحو وبصورة منفردة من قبل المؤتمر اغتصابا بالقوة لحق الشعب في انتخابات حرة ونزيهة وإقصاء للقوى السياسية فعل قسري إرادي وتراجعا مقصودا عن المشروع الديمقراطي تتحمل السلطة وحدها مسئولية ما يترتب عليه من نتائج ومن آثار خطيرة على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية." وهذه العبارة ليست تهديد بل في ظل السياق السابق هي التبرير للعنف القادم. وهذه العبارة التي وردت في الخلاصة تؤكد تهور المشترك ومنطقه الفعلي الذي يحكمه وأن الانتخابات ليست الخيار الأساسي لديه بل الثورة وأن لم يعلن ذلك : " ومن هذا المنطلق ترى أحزاب اللقاء المشترك أن معالجة الأزمة الوطنية والمشاكل المتفرعة عنها يجب أن يتصدر الاهتمام والجهد الوطنيين على النحو الذي يعيد الاعتبار والثقة للديمقراطية والانتخابات عند الشعب، خاصة وأن كل المؤشرات تدل على أن هذه الثقة قد أخذت تتراجع على نحو خطير بسبب اليأس الذي أصاب الناس منها ومن قدرتا على إحداث التغير المطلوب إذا ما واصلت السلطة توظيفها لإعادة إنتاج نفسها، وأن تجاهل هذه الحقيقة لن يكون سوى بمثابة مغالطة للنفس لن تلبث أن تتكشف على حقائق مروعة تكون البلاد وفقا لها قد غرقت في الكارثة." وفي الخلاصة تقدمت الرؤية بآلية لإصلاح العملية الانتخابية ومن يقرئها سيجد أنها لم تأتي بجديد والمطالب في ظل توصيفهم للأزمة الوطنية والإيحاء بأن المواجهة هي الخيار تصبح المطالبات الانتخابية أشبه بذر للرماد في العيون. وهنا نسأل: هل الرؤية السابقة تمثل ضغط على الحاكم وتهديده بالفوضى أن لم يستجيب لمطالبهم الانتخابية؟ يمكن القول أن المطالب الانتخابية بحاجة إلى تأجيل الانتخابات. فإذا أجلت هل سيكتفي المشترك بالمطالب أم سيزداد جوعا ويبدأ في فتح الملفات التي تحدثت عنها الرؤية والتي لا يمكن حل بعضها بين ليلة وضحاها بل ان بعض المشاكل بحاجة الى فترات زمنية طويلة فالتغيير بحاجة إلى عمل شاق ونفس طويل. وربما تكون الرؤية ضغط على الحاكم وإقناعه أن الأزمة كبيرة وان مطالبنا هي الحد الأدنى أما سقفنا فهو مواجهة النظام ونفيه أن لم يستجيب لمطالبنا وهذه الاحتمال ربما يكون نصيحة من قوى خارج المشترك بهدف الضغط على القوى المؤيدة لإجراء الانتخابات في موعدها. وقد تكون الرؤية آخر نفس للمشترك لتبرير قبوله الدخول معمعة الصراع السلمي من خلال الانتخابات ولو بمطالب الحد الأدنى. وهناك احتمال قوي أن الرؤية تعبير عن خوف المشترك من أن يقبل المؤتمر مطالبهم الانتخابية فرفعوا سقف المطالب بالقضايا التي تناولتها الرؤية والتي لا يمكن حلها إلا بالصراع العنيف. لنسأل، إذا دخل المؤتمر الانتخابات وحيدا هل سيندفع المشترك للصراع؟ إذا كان هناك مؤامرة لضرب الإصلاح (الإخوان المسلمين) فإن المشترك سيتجه نحو العنف، وهناك حديث عن خطة مدبرة لضرب الإصلاح وأطراف المؤامرة واضحين للعيان لكنهم غامضين وهم متواجدين في الجسم السياسي اليمني كله!!!!!