يوم أعلن علي سالم البيض بيان الانفصال، في خضم حرب صيف 1994، تنصَّلت جل - إن لم يكن كل - قيادات الحزب الاشتراكي عن مسؤوليتها تجاه هذا الإعلان المقيت.. إذ لم يجرؤ أحد على الزعم بأنه يتفق مع مشروع الانفصال، بعد أن انضوى الجميع تحت لواء دولة الوحدة في 22 مايو 1990م.. عدا أن امرأً يعلن خروجه على الإجماع الوطني الوحدوي - حينها - يعني خروجه على أكثر قوانين التاريخ صرامةً، بل وأكثر قوانين الحياة علاقة بالمقدس! وقد أثير جدل ساخن داخل الحزب الاشتراكي نفسه، آنذاك، بصدد الموقف من مشروع الانفصال، وليس الموقف من دولة الوحدة أساساً.. فقد كان الانفصال هو الاستثناء الذي شذّ عن القاعدة الراسخة.. ولذا ترك عدد من القيادات والقواعد صفوف الحزب الاشتراكي احتجاجاً على إعلان أمينه العام مشروع الانفصال.. غير أن عدم اتخاذ هيئات الحزب عقوبات صارمة ضد أصحاب هذا المشروع - يوم ذاك - ترك الباب موارباً قبالة المشروع ذاته للظهور من جديد!! ولهذا، عاد هذا المشروع - اليوم - ليطل من جديد، متخذاً من بعض القضايا الحقوقية أو المطلبية وسائل أو مبررات لانتزاع شرعية جديدة، برغم سقوط الشرعية عن أية مشاريع يمكن أن تولد خارج رحم الدستور والقوانين النافذة وهيئات الدولة المنتخبة على نحو ديمقراطي سليم - عبر صناديق الاقتراع - وفي مقدمتها مجلس النواب ورئاسة الجمهورية.. وبرغم إدراك أصحاب المشروع الانفصالي أنه - حتى في حال نجاح مشروعهم - لن يعود الوطن شطرين اثنين فقط! فقد أثبتت المعطيات المدعمة بمعلومات أن مشاريع ضرب مركزية دولة الوحدة لم تعد تركز اهتمامها على إعادة استنساخ المشهد اليمني الذي كان قائماً عشية 22 مايو 1990م.. إنما باتت السيناريوهات الجديدة التي تحملها هذه المشاريع تهدف إلى تقسيم اليمن إلى ست دويلات، إن لم يكن أكثر!!.. كما أن أصحاب المشروع الانفصالي «القديم» لم يعد لهم موطئ قدم - أو حتى قلم - في محتوى السيناريوهات الانفصالية «الجديدة»!! إن الغلاء والبطالة وسوء الإدارة وغيرها من الأوضاع المتردية من شأنها أن تقلق السكينة العامة من دون أدنى شك.. غير أن ضرب مركزية الدولة ووحدتها في مقتل لن يلغي البتة مثل هذه الأوضاع، إن لم يزدها جسامة على قتامة.. وبالتالي فإن اللعب بنار الأسعار والبطالة وغيرها من مشاكل الدولة والمجتمع كاللعب بقنبلة موقوتة ستنفجر في وجه اللاعب بها في أية لحظة لا محالة! ويكاد المرء يتيه عجباً من موقف قيادات المعارضة تجاه ما أثيرت في المجتمع من قلاقل.. لأن أولى قواعد اللعبة السياسية تشير إلى عدم تغليب التكتيك على الاستراتيجيا، أو - بلغة أخرى - عدم تقديم العربة على الحصان.. وهو ما ينبغي أن تفقهه جيداً قيادات سياسية بلغت تجربة أقلها خبرةً أكثر من ربع قرن من العمل السياسي المباشر! إذ لا يمكن للمرء أن يتقبل فكرة أن خلاف هذه القيادات - وأحزابها - مع الحزب الحاكم أو رئيس الجمهورية قد تُعميها عن أبسط قواعد السياسة أو قوانين الانتماء.. فالوطن لم يكن يوماً المؤتمر الشعبي العام ولن يكون يوماً علي عبدالله صالح.. ولذا، فإن التعاطي مع مصالح الوطن ومقدراته ومقدساته على ضوء العلاقة مع المؤتمر أو الرئيس يضع أصحاب هذه الرؤية في خانة لا يجرؤ صاحب هذه السطور - أخلاقياً - على إطلاق الصفة المناسبة لها! * المقال مأخوذ من كتاب "حديقة الحيوان اليمنية" الصادر قريباً.. وقد سبق نشره في الزميلة "السياسية" منذ عام.. غير أن التداعيات المقيتة في الساحة الوطنية - مؤخراً - فرضت إعادة النشر. Wareth 26 @hotmail.com