عبر عصورها التاريخية عرفت اليمن جدلية التجلي والانحسار، كان تجليها الحضاري في وحدتها, وكان انحسارها الحضاري في انقسامها وتفتتها، يتغير الزمن والناس والمتغيرات المحيطة وتظل دروس التاريخ قيمة وعبرة، في تاريخنا المعاصر ليست المرحلة التفتيتية والمرحلة الشطرية ببعيدة زمنياً، وكأننا ضد منطق التاريخ والجغرافيا، وظلت الوحدة في الوجدان اليمني، عبر عنها النضال الوطني بسقوط الإمامة في 26 سبتمبر 1962م، وجلاء الاستعمار البريطاني وإعلان الاستقلال متزامناً بتوحيد 23 كياناً مصنوعاً فيما كان يُعرف بالمحميات من سلطنات ومشيخات في 30 نوفمبر 1967م، ولم تطل المرحلة الشطرية حتى كان انجاز الوحدة باندماج الشطرين في دولة واحدة يوم 22 مايو 1990م، والذي يعد أعظم انجاز عرفته الأمة العربية في تاريخها المعاصر، تحقق عبر الحوار، وليعبرِّ عن الضمير اليمني العام، بعد اسبوعين تحل علينا الذكرى التاسعة عشرة لتحقيق الوحدة اليمنية وفي المشهد تتجلى تداعيات وتحديات.. فمن غير المنطقي القول باصلاح مسار الوحدة، فهذا المسار -ان جاز التعبير- كان قبل 22 مايو 1990م وقد تم باعلان الجمهورية اليمنية، ومايستقيم في الأمر هو اصلاح الدولة لا إصلاح الوحدة، ليس ثمة ارتباط بين الممارسات الخاطئة وبين الوحدة كما تدعي قلة قليلة تملك أصواتاً عالية، كما أن الدفاع عن الوحدة لايعني الدفاع عن الممارسات الخاطئة في الإدارة. وتقتضي الديمقراطية ان يكون الانتماء والولاء للوطن وليس لانتماءات أولية أي الانتماء لليمن وليس لمنطقة أو قبيلة او طائفة. في المشهد تعبئة خاطئة تزيف الوعي، وممارسات فاسدة، وأحسب أن الجماعة الوطنية في الحكم والمعارضة قد أدركت عمق التحديات لتأتلف في حوار جاد يفضي الى إصلاحات جوهرية سياسية واقتصادية وإدارية وثقافية، تؤدي الى التجلي الحضاري لليمن باستكمال انجاز المشروع الوطني في التحول الديمقراطي والتنمية الشاملة السريعة، ودون ذلك عزيمة وإرادة وادارة لا أعتقد الا ان الجماعة الوطنية مدركة لعمق التحدي والمسؤولية في التوافر على المشروع الوطني الجامع انجازاً لا يطول مداه الزمني.