نفهم جيداً «وصايا» النائب هايف، لأننا نفهم محيط ظواهره السلبية.. وندرك أن وصاياه تنطلق من محيط الإسلام السياسي.. الذي أصبح مذعوراً في الفترة الأخيرة من رفض الناس «لثوابته» المعهودة بشكل جعله يتخبط في الإعلان عنها.. والحماس لتأصيلها! نفهم جيداً ان تتركز عملية الإصلاح في البلد لدى هايف وغيره من رعيل الإسلام السياسي على المقاهي والمطاعم والمايوهات النسائية! لكن ما لا نفهمه.. بل نرفضه أن تكون مثل هذه الوصايا الساذجة محور حديث وطرح الكتاب والمدونات والناس في لقاءاتهم اليومية! دولة طالبان التي يخشاها البعض ويحذر منها ليست في وصايا هايف.. ولا تعاليم دعاة الفضائيات.. وإنما هي في نهج أصبح يرسخ دعائمه بشكل مخيف في نفوس الناشئة والشباب من خلال بوابة التعليم الذي أصبح ساحة لهؤلاء يمارسون ويروجون فيها كل وصاياهم ومحظوراتهم تحت عين المسؤولين وسمعهم بل وأحياناً مباركتهم. فالمدارس أصبحت معسكرات لتجنيد طلائع الإسلام السياسي بشكل قد يكون أحياناً شبه إجباري.. والمناهج على اختلافها أصبحت بيد أقطاب الإسلام السياسي في حقل التعليم، وبصورة أفرغت المناهج من أدنى مقومات الإبداع والمهارات الفنية والتذوقية! دولة طالبان إذن التي يحذر منها البعض لم تبدأ من وصايا هايف.. وإنما تعود بدايتها الحقيقية من التعليم.. ومن المناهج.. ومن طرق إعداد المعلمين واختيارهم، بل ولم يسلم من ذلك حتى مدارس القطاع الخاص.. التي وجد فيها بعض الحريصين على مستقبل أبنائهم ملجأ وملاذاً آمناً يقيهم من تدهور التعليم وانهيار أسسه! الكويت اليوم تمر بحقبة غريبة عنها.. حقبة تسود فيها ثقافة لا تمت لثقافة أهل الكويت الحقيقية بصلة! فمنذ متى كان المايوه النسائي قضية تشغل أهل الكويت وتحجز مساحات واسعة من صحافتها؟ ومنذ متى ينشغل الناس في متابعة شروط الجلوس في المقاهي والمطاعم؟ وكيف أصبحت نزهة بحرية في جزيرة كجزيرة كبر.. قضية تمس الأخلاق وتستدعي فزعة شعبية لمواجهتها؟ نتمنى ألا تتحول وصايا هايف وضوابطه للمقاهي والمطاعم والمايوه النسائي إلى قضية وطنية ينشغل بها الناس.. وتنشغل بتفاصيلها الصحافة والكُتاب.. عن قضايا الوطن الحقيقية! فأغلبية الناس - ولله الحمد - تدرك هامشية وعدم واقعية مثل هذه الوصايا فلا تفرضوها عليهم كقضية يجب طرحها أو مناقشة تفاصيلها! أمامنا طريق للإصلاح.. والأولويات واضحة وضوح الشمس.. دلائلها ومؤشراتها التدهور المؤسف في التعليم ومخرجاته.. والتراجع الرهيب في كل مرافق الدولة.. وكارثة الكوارث ان يلتقط الإعلام والصحافة قضايا المقاهي والمطاعم والمايوه النسائي ويصوغ حولها المناظرات والندوات والافتتاحيات.. في وقت نحن في أمس الحاجة إلى فتح المنابر لمناقشة واقع التعليم المترهل.. الذي يعتبر المسؤول الأول عن كل ما نشهد ونسمع ونقرأ من ظواهر وفكر دخيل على الثقافة الكويتية! [email protected] *( القبس الكويتية )