ضبط 397 جهاز اتصالات وإلكترونيات مهربة في ذمار    هل أخطأنا في الوجهة؟ (2)..متى أصبح ال "تيك توك" منبراً والمتنبي "مُتحفاً"؟    تصريح لميسي يثير ذعر الأرجنتينيين قبل مونديال 2026    عدن.. البنك المركزي يحذر من التصرف بممتلكات وعقارات البنوك في صنعاء    العفو الدولية تطالب بتحقيق في ضربة أمريكية على سجن في اليمن    إصلاح حضرموت يؤيد ميثاق قبائل حضرموت والمهرة ويثمّن موقفهم الوطني    مليشيا الحوثي تصعّد القمع.. مئات المختطفين في إب وذمار وسط صمت دولي مريب    أحمد سيف.. الذاكرة التي لا تغيب وصوت الدولة المدنية    عبد السلام وبرغ وشريم يبحثون في مسقط خارطة الطريق للسلام في اليمن وأزمة الموظفين الأمميين    الهيئة النسائية بأمانة العاصمة تدّشن فعاليات الذكرى السنوية للشهيد    الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى يخفض سعر الفائدة بنسبة 0.25%    شهيدان في قصف صهيوني شمالي قطاع غزة    أبناء مديرية الزيدية في الحديدة يؤكدون جهوزيتهم لمواجهة أي تهديدات    مكونات حضرمية بلا مبدأ: أحد قياداتهم سيقدم جماجم الحضارم دفاعا عن الوحدة    تنفيذية انتقالي شبوة تبحث المستجدات السياسية والتنظيمية بالمحافظة    قراءة في نص "غصة ندم وجودية" ل"أحمد سيف حاشد"    اكتشاف اثري في ذمار ..!    من دارفور إلى لندن: خيوط الحرب السودانية تمتد إلى مصانع السلاح البريطانية    الصحافي.. حينما تتحول السلطة الرابعة إلى شريحة مسحوقة!    لقاءات الرياض.. محاولات إنعاش في واقع يزداد اختناقاً    مصر.. حكم قضائي بحبس "ميدو" نجم الزمالك ومنتخب مصر السابق    رئيس نادي التلال: "مرحلة تصحيح شاملة لإعادة هيبة العميد.. والقادم أفضل بإذن الله"    بمشاركة اليمن.. اتحاد كأس الخليج يحدد الثلاثاء المقبل موعدا لقرعة بطولة المنتخبات الأولمبية    نابولي يهزم ليتشي ويعزز صدارته للدوري الإيطالي    إشهار برامج الدكتوراه لتسعة برامج أكاديمية طبية بجامعة 21 سبتمبر    أمين العاصمة يتفقد سير العمل بمشروعي صرف صحي في مديريتي الوحدة ومعين    محكمة أمريكية تصدر حكمًا بالسجن على يمني بتهمة تهريب مهاجرين إلى الولايات المتحدة    توقعات بموجة برد خلال الأيام القادمة.. وكتلة باردة جافة تسيطر على البلاد    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يبحث مع وزير الخدمة المدنية أوضاع الوظائف والتسويات بمحافظة لحج    الأجهزة الأمنية تطيح بمتهم متخصص في نشل جوالات النساء بمديرية المنصورة    فضيحة.. الاحهزة الامنية بتعز ترفض تامين محطة عصيفرة للكهرباء    مدير المواصفات يطلع على جناح الهيئة في معرض منتجات اليمن    منفذ الوديعة.. والإيرادات المفقودة    مدفعية العدو السعودي تستهدف القرى الحدودية في صعدة    أستاذ قانون دولي: أساتذة الجامعة في الجنوب براتب "جائع"    وقفة.. اللجنة الإعلامية لكرة القدم إلى أين؟    تعز.. توجيهات بتفعيل إلزامية التعليم الأساسي ومعاقبة أولياء الأمور المخالفين    غزة: 983 حالة وفاة بسبب منع السفر للعلاج خارج القطاع    4 قطع أثرية يمنية نادرة بمزاد أمريكي في نوفمبر القادم    إصابة "صعبة العلاج" تكبح 50% من قدرات لامين جمال في الملعب    فضيحة جديدة لمعمر الإرياني: 12 مليون دولار لموقع إلكتروني!    القوى الكبرى تصنع الأزمات لتملك القرار.. والحل في اليمن هو فك الارتباط السلمي    منظمة أمريكية: يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولية تفشي الكوليرا في اليمن    جزائية صعدة تصدر احكاما بقضايا مخدرات وتواجد غير مشروع باليمن    تعيين أمين عام للسياسي الاعلى بصنعاء واخر لمجلس الوزراء بعدن    قراءة تحليلية لنص "مراهقة" ل"أحمد سيف حاشد"    كأس المانيا: ضربات الترجيح تمنح بوروسيا دورتموند بطاقة التأهل على حساب اينتراخت فرانكفورت    رئيس هيئة الاستثمار يطلع على سير عمل مصنع شفاكو للصناعات الدوائية    الأسعار بين غياب الرقابة وطمع التجار    ثاني حادثة خلال أقل من شهر.. وفاة امرأة نتيجة خطأ طبي في محافظة إب    وداعا أبا اهشم    مرض الفشل الكلوي (25)    عن ظاهرة الكذب الجماعي في وسائل التواصل الاجتماعي    عندما تتحول الأغنية جريمة.. كيف قضى روفلات القومية على أحلام عدن؟    الأوقاف تحدد 30 رجب أخر موعد للتسجيل في موسم الحج للعام 1447ه    فلاحين بسطاء في سجون الحقد الأعمى    الآن حصحص الحق    أبشرك يا سالم .. الحال ماهو بسالم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديثا ليس سياسيا.. حاجات الأفراد أهم الأهداف
نشر في الوطن يوم 01 - 04 - 2010

عشنا طفولتنا معا.. وكلما تقدمنا في العمر قل تواصلنا.. ومنذ 14 سنة تقريبا لم نلتق إلا نادرا، فكل ذهب في اتجاه واهتمام.. وقبل أسابيع رأيته في منامي في حلم كنت أحمل له فيه رسالة من أبيه المتوفى بأن "لحمة العيد عليه"، هذا هو نص الحلم. نعم الأحلام ليست سوى "أضغاث" لذا لم اكترث. ليش الكذب؟ هذه محاولة ترقيع حتى لا تقول -عزيزي القارئ- إني "خرافي" اما الحقيقة فقد "اكترثت جدا".. لقد خفت على أبي المريض، والذي كانت تربطه بوالد صديقي هذا صداقة دافئة.. تشاءمت من الحلم على حياة أبي المريض أسأل الله له الشفاء, فاتصلت مع ساعات الصباح لأمي التي فاجأتني أن "قاسم عبده محسن مات"..
رحم الله روحك ياصديقي التي تواصلت مع روحي في لحظات مغادرتها الدنيا بعد سنوات من القطيعة.. عموما، مقالي ليس عن الروح المهدورة في هذه البلاد المكتئبة.. ولكنه لتذكر مآسينا الجمعية كجيل شاب يموت قبل أن يرتاح ولو لحظات.. أتحدث عنا معاشر أبناء البسطاء الذين وإن كنا بالملايين فإننا لانملك سوى أقل من 25٪ من فرص الحياة مقابل أغلبية الفرص التي تسطو عليها الأقلية من أبناء "النخبة الحاكمة" في كل السلطة وغالب المعارضة.
مات "قاسم" الأب لخمسة أطفال قبل أن يبني لهم ولو غرفة واحدة.. مات واقفا على باب بوفيته التي يعمل في مثيلاتها منذ عقدين من الزمن.. وهو واحد من آلاف بل ملايين اليمنيين الذين يموتون وانجازهم الوحيد الذي خطفوه من حياة صعبة هو أطفال كأنهم يضمنون عبرهم التداول القسري للمتاعب. لو حدثت في بلادنا إصلاحات ثقافية في الميدان السياسي لتحولت صفحات الوفيات إلى مادة سياسية للجدل حول الحياة المهدرة.. جدل حي يتتبع كيف يموت اليمنيون.. هل تغيرت قصص وفاة البسطاء أم زادت قسوة، كيف هي سجلات الانجازات الشخصية.. وهذا أثمر من هذا الجدل حول الوحدة والموت، مقابل الموت للوحدة.. ومثيلاتها من شعارات لاتعني شيئا للحياة وأسبابها.
كإعلاميين، يرى الواحد إصرارا عجيبا منا معاشر الشباب على التقافز للأمام.. صبري بن مخاشن صار له صحيفة، أمين الوائلي.. سمير جبران، عبدالرقيب الهدياني، صلاح الحيدري.. وعشرات الشباب الذين يتخرجون من الجامعات ليواصلوا كفاحهم حول أقل قدر من المصاريف الشخصية.. ولأن مهنتهم تتقاطع ومزاعم جيل الحكم المصر على التمسك بحقه في حياة ولو على حسابنا جميعا.. يعانون الأمرين.. ويظل الواحد منا قيد التعب والحاجة مهما بذل من جهد وحاول تغيير محيط حياته.
كان حميد شحرة رحمه الله دوما يقول: "سنصل الاربعين ولم نفعل شيئا".. ومع ماحققته مثابرته فلقد مات ولا رصيد له أكثر من الوجع.
حين أكمل الدكتور سيف العسلي بناء بيته، قبل أن يعين وزيرا للمالية كنت ضيفا عليه ولن أنسى بريق الفرح في عينيه وهو يرينا تقاسيم بيته.. هنا سيذاكر الأولاد.. وهنا ستكون مكتبته.. ذات الشيء رأيته مع الأستاذ محمد قحطان الذي أظنه لليوم لم يكمل أقساط البناء.. العسلي كان يتحسر على النظام المالي الحاكم في مجتمعاتنا حيث لايمكن للمواطن أن يملك شيئا إلا في نهاية عمره.. قال إن في الدول الحديثة يملك المواطن أساسيات الحياة في مقتبل عمره، ثم فيما يقضي العمر يقضي ديونه, في نفس الوقت يستمتع بماحققه بها.. في دولتنا لايمكن أن تصل الى بيت مثلا إلا في نهاية عمرك -إن وصلت- فلا أنت تستمتع بالبيت ولا هو يسع أولادك من بعدك..
وموضوع البيت مستوى من الطموحات ليس في ذهننا معاشر البسطاء الذين غادروا قراهم بحثا عن تحسين ظروف الحياة المتوفرة في المدينة. ثم وقعوا فريسة تخلف بلادهم التي أسوأ مظاهرها أن مدنها ليست سوى شكل أكثر تخلفا من القرية، فالمدن نظم مختلفة بالمطلق ونخبنا السياسية لاتكترث لهذا مطلقا فيتحول انجازنا الأكبر الذي غالبا مانفشل فيه هو دفع ايجار المنزل بشكل منتظم. وأيا يكن جهد الواحد منا أو قدراته فلسنا سوى "شحاتين" لفرص الحياة..
إن حلماً للزميل سامي غالب مثلا هو أن يرسل صحيفته أسبوعيا دون ملاددة مع المطبعة وأن يسدد مرتبات موظفيه ويتفرغ هو لغير التصحيح وكتابة الأخبار!!
حين أراجع جهودا مرهقة بذلتها لتمويل مناشطي الصحفية أشعر بالوجع.. لقد بذلت مالو كان في مجتمع آخر لصنع نجاحا كبيرا -أقصد لحياتي الخاصة وليس لمعنويات وقت الصدق لاترافقك حتى للصيدلية- أو لأدركت مبكرا أني غير نافع لهذه المهنة.. في هذه البلاد لاتقول لك الظروف لا لهذه المهنة.. الكل يشكو والجميع يحوم حول الصفر.
لطالما سأل محمود ياسين: "متى يمكن للواحد منا أن يصحو من نومه غير مهموم بمصاريف الحياة الأساسية"، ويسال جمال أنعم:"متى نتخلص من أجر الفتات".. وهذه أسماء كبيرة في ميدانها -لكنهم أصلا في بلاد صغيرة جدا.. صغيرة للحد الذي بالكاد تكفي "الحيتان الكبار".. الحيتان الذين يلتهمونها ابنا بعد أب بعد جد.. يلتهمونها بقصورهم الذهني وهو اخطر من الفساد.
أجزم أن لو قرأ هذا المقال شخص ما وسأل بسببه مسئولاً عن رأيه لكان الرد: ايش تبني الدولة لكل واحد بيت؟ وبدون أن يعد الواحد منهم كم هو مصروف جيب أولاده سيزيد علينا.. "يحمدوا الله لو عرفوا ماعرفه جيل الثورة سيقدر حجم النعمة".. ولن نسأل: طيب هذه الثورة التي تمنح "هذا الإبن" كل هذه الحياة التي لم يبذل لها سوى لحظات خروجه من بطن زوجة أبيه، مالها عمياء أمامنا. لا أتحدث عن المصاريف التي تأتي من مستحقات الأب.. بل أشير لمايتوفر لنخبة السلطة ومقربيها من مصالح وأفق. (على فكرة حتى وظيفيا فمثلا إن ابن رئيس أعلى سلطة شعبية في البلاد "البرلمان" الشيخ يحيى الراعي، وهو الموظف حديثا -جدا- مش بس اتوظف علي طول بدون تعب بل أصبح وعلي طول بمرتبة وزير بقرار من والده الذي عينه مديرا لمكتبه. لم تأت على الراعي، فكل "أب أو قريب" قد غرس "العويلة" في أعلى المناصب.. والفضل للثورة والجمهورية. هنيئا لهم.. ولنقل آمين على دعوات عادل إمام في مسرحيته "الزعيم" عنا نحن الشعوب التي تقض مضاجع الزعماء). واللهم لاحسد، فنحن لانريد أن نشاركهم، بل فقط نتمنى مؤسسات رسمية مهمتها الاستماع لشكاوينا والعمل المنهجي لحلها.. هكذا قامت الدول والحضارات.. في بلادنا يمكن للواحد أن يحل مشكلته الشخصية.. لاأفق لحل المشكلات العامة، والطريق الأولى ليست سوى تأجيل لوجع يعود أقسى وأصعب.
هذا ليس حديثا سياسيا ياخلق الله.. لو أن مسئولا حكوميا يقرأه أرجو أن يعتبره كلاما من ابنه الذي يريد أن يشعر بالمواطنية.. لانريد أن نموت والطعم الوحيد في فمنا هي المعاناة.. لانتحدث عن الرفاهية بل الحقوق.. من حق المجتهد منا وهو يعمل لكسر الظروف المحيطة به أن تساعده الدولة كواجب عليها..
مش قصدي تندي له بيس بس. تندي له بيس تمام بس الأهم تدرس معوقات نجاحه.. تكف عن إعاقته.. وكلما لقتهم بعيدا تفكر كيف تعيد دمج مواطنيها في سوق الانجاز..
تخيلوا بلاداً فيها ثلاثون مليوناً لاتعترف بنوكها بواجبها تجاه تمويل الحياة "التأجير التمويلي". إن تجارة اليوم عبارة عن عمليات تقنية بفضل البنوك، لكن في بلادنا تتذرع البنوك بعدم الأمان أو هي محقة، لكن حين يتعلق الأمر بمسئول أو شيخ أو أبنائهم يتسهل كل شيئ. ثم لاتناقش الحكومة مع نفسها كيف تعالج هذه المعضلة بعد أن تعترف بها أنها فعلا كذلك.
نخبة الحكم وآبناؤها ومقربوها لاتعاني من مثل هذه المشكلة فهناك بنوك كاملة أسست فقط في خدمتها، راجعوا حسابات بعض البنوك ستجدون حافظة بنك التسليف "الأساسية" حكراً على نافذين، ولكل بيت تجاري بنكه الخاص الذي لا تتوفر لنا أي فرص للحصول على تمويلات لأفكارنا منها.. تمويلات بتأمينات معقولة غير الضمانات التجارية الموازية.. مع العلم أن تمويلات البنوك ليست مجرد "اعتماد" بل عبرها تتعلم المجتمعات كيف تدير شئونها المالية والتجارية.
أقول لأن مسئولينا بعيدون عن هذه المشكلة فلم نسمع ولامرة لافي خطاب رئيس الدولة ولا أبرز معارضيه ما يشي بالاهتمام بهذه المعضلة.
نعم نحن نعيش بين دول يملكها عيال العيال، لكن مافيها من وفرة يحقق لها الاستقرار ويغطي العيب.. والأهم أن غير العيال لايصعب عليهم الحصول على فرص تنافسية للنجاح مايشغلهم عن منافسة أولئك العيال من أساسه.
*نقلا عن (صحيفة الوسط)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.