لا تختبئوا وراء الحوثي.. أمريكا تكشف عن وصول أسلحة ضخمة للمليشيات في اليمن    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    نقل منصات إطلاق الصواريخ الحوثية استعدادًا للحرب واندلاع مواجهات شرسة مع الأهالي ومقتل قيادي من القوة الصاروخية    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    الحوثيون يواصلون افتعال أزمة الغاز بمحافظتي إب والضالع تمهيد لرفع الأسعار إلى 9 آلاف ريال    طعن مواطن حتى الموت على أيدي مدمن مخدرات جنوب غربي اليمن.. وأسرة الجاني تتخذ إجراء عاجل بشأنه    المبادرة المُطَالِبة بالكشف عن قحطان تثمن استجابة الشرعية وتحذر من الانسياق وراء رغبات الحوثي    قائد الحراك التهامي السلمي يعقد لقاء مع المعهد الديمقراطي الأمريكي لبحث آفاق السلام    الحوثيون يواصلون حملة اعتقال الطلاب الفارين من المراكز الصيفية في ذمار    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    تحميل لملس والوليدي إنهيار خدمة كهرباء عدن مغالطة مفضوحة    الدولة العميقة ومن يدعمها هدفهم إضعاف الإنتقالي والمكاسب الجنوبية    اعضاء مجلس السابع من ابريل لا خوف عليهم ويعيشون في مأمن من تقلبات الدهر    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    انفجار الوضع في عدن وقوات الانتقالي تخرج إلى الشوارع وتطلق النار لتفريق المظاهرات وهذا ما يحدث الآن "شاهد"    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    "نكل بالحوثيين وادخل الرعب في قلوبهم"..الوية العمالقة تشيد ببطل يمني قتل 20 حوثيا لوحده    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    اليمن تجدد رفضها لسياسة الانحياز والتستر على مخططات الاحتلال الإسرائيلي    برشلونة يتخطى سوسيداد ويخطف وصافة الليغا    البوم    غروندبرغ يحيط مجلس الأمن من عدن ويعبر عن قلقه إزاء التصعيد الحوثي تجاه مارب    انخفاض أسعار الذهب إلى 2354.77 دولار للأوقية    السفيرة الفرنسية: علينا التعامل مع الملف اليمني بتواضع وحذر لأن الوضع معقد للغاية مميز    السعودية: هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    الاكاديمية العربية للعلوم الادارية تكرم «كاك بنك» كونه احد الرعاة الرئيسين للملتقى الاول للموارد البشرية والتدريب    صراع الكبار النووي المميت من أوكرانيا لباب المندب (1-3)    دموع ''صنعاء القديمة''    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



'يوميات الحزن العادي' لدرويش في ترجمة انكليزية
نشر في الوطن يوم 04 - 04 - 2011

في 13 آذار ( مارس) الماضي، مرت ذكرى ولادة الشاعر الكبير الراحل محمود درويش (1941 - 2998) حيث تذكر محبوه ولادته ورحلته الشعرية وتذكروا عوالمه الشعرية وابداعه وتكريسه حياته وشعره كله تقريبا لفلسطين وتأكيد وجودها.
وهو هم يجري في شريان ودم شعره، بل في تلافيف الاغنية الدرويشية، وفي ضوء هذه نعود الى ما قدمه لنا المترجم ابراهيم مهاوي من ترجمة ل 'يوميات الحزن العادي' للانكليزية، وفيها قدم لنا المترجم الترجمة الكاملة لليوميات التي صدرت عن دار العودة عام 1973 في بيروت اي بعد عامين من خروجه من فلسطين للمنفى.
كانت الذكرى والم الخروج طازجا، وتصميم التمسك بكل ما يمت الى الارض والانسان والوطن والهوية حاضرا في هذه اليوميات العالية الكثافة والتي جمع فيها درويش بين ثقافته الوطنية والانسانية، وكشف عن رؤيته لنفسه ولوطنه وهويته، ومعنى المنفى الذي يجربه لاول مرة وجربه الفلسطينيون وهو منهم قبل عقدين، يدخل درويش في مأساة العدو وغرابته عن الارض وسعيه دائما للتخلص من شبح الضحية التي قتلها بمنع الاحتفال بذكريات الموت والهزيمة والنكبات التي حلت بالوطن واهله. فمأساة الفلسطيني انه شرد من ارضه ولكنه لم يشرد من ذاكرته وظلت فكرة الوطن: تجسيدا ووعيا حاضرة معه في سيرته واغنيته ورحيله وتجواله. وفي استحضار درويش لوضعه الانساني كحاضر غائب وكاسم غير موجود في الكيان الموجود على تراب ذكرياته يقدم لنا الشاعر في هذه اليوميات صورة ساخرة وعبثية احيانا عن التعامل اليومي مع الاحتلال، فالاحتلال وان كان في وعي العدو يعني العودة لارض السمن والعسل لكنه يعني في جوهره محاولة التخلص من شبح وذاكرة الفلسطينيين الذين شردهم.
انا الوطن
في وعي اليوميات وقالبها ولغتها وشكل محاوراتها التي يلعب فيها درويش دور الانا المعبرة عن الوطن ويتجادل هو مع الاسماء والتواريخ التي تشير إلى ولادته، ورحيله وتسلله عائدا لارضه وسجنه، ويلعب السارد اكثر من دور يحاور نفسه وعدوه ويحاور وطنه وذكرياته. ويحاور رحلته مع محنة اثبات الوجود، ففي محنة السجن والولادة والنفي من الاخر يتساءل عن الفرق بين الوجود القانوني تصريح وشهادة ولادة ومكان ولادة وبين الوجود الفلسفي، فالشاعر الكاتب يؤكد في النهاية ان قوة التمسك بالهوية، وتحمل كل المحن والالام والصرخات الجارية في قلب الفلسطيني تعني في النهاية اثبات الحق والوجود، والكفاح ضد المعتدي الذي تحول من مشرد ( بفتح الراء وتشديدها) الى مشرد ( بكسر الراء وتشديدها) ومن ضحية لقاتل. 'يوميات الحزن العادي'، وان كانت في وجه من وجوهها عن الوضع الاشكالي للفلسطيني في اسرائيل، فهي عن احتكار الالم واحتكار المنفى واحتكار التاريخ، وقوة الحجة، امام كذب التاريخ ومدرسه الذي يحاوره درويش عن قصة التاريخ - فلسطين الذي بدأ قبل انشاء الدولة، حيث يجرد استاذ التاريخ من حجته، يجيب هذا باضطراب ان التاريخ هو التاريخ والسياسة هي السياسة. في المعنى المبسط وفي عالم درويش لا توجد قضية مبسطة، بل هناك جدل بالغ التعقيد وحوار دائم مع هوية تسعى لنفي هوية الاخر، وعن غرابة عن المكان، حيث يتعامل صديقه الفنان القادم من مكان بعيد ليستعيد باسم التوراة والسيف المكان ومعه معمار البيت الفلسطيني ويحوله الى ديكور، يذكره وهو في قلب الشرق بالشرق. اية غرابة وعزلة واية غطرسة وسوء فهم لمعنى العلاقة بين المكان الاصيل وبين الحقيقي؟ فالوطن لا يستعار ولا يقام باسم السيف، فحتى من ولد من ابناء الصابرا في فلسطين لا حق لهم بادعاء الانتماء للوطن ف 'ليس المكان الذي ولدت فيه هو وطنك الا اذا كانت الولادة جماعية وطبيعية، اذا كانت الولادة فردية واصطناعية فان المكان قد يكون صدفة'، وان 'يتناسل غزاة في ارض الاخرين لا يؤكد حقا وطنيا لهم'.
ومن هنا فحضور الفلسطيني بنفسه وغيابه امام الاخر، يجعل هذا في حالة من التوتر والتشوش والغباء، فهو وان كان بيده القانون لا يستطيع الغاء الحق.
هل سمعت بقرية اسمها البروة
يلعب درويش على لعبة التناقض في اللغة والمنطق والحوار ويتوصل بذكاء خارق الى تأكيد نفسه، ومع اثبات وجوده الطبيعي المتماهي مع التاريخ والارض والذاكرة يؤكد حق شعبه، تتكرر في لغة درويش الشاعرية القوية الايقاع وذات الاحساس المر، بحالة الحصار التي فرضها الغزاة عليه وعلى ابناء شعبه، يرسم حالة من التصميم للبقاء والتمسك بالذاكرة فهو مثل العاشق الذي فقد حبيبته يرى ان مجرد البقاء قريبا منها يعني البقاء على الحياة، ولكن بفارق ان الحس هنا ليس حس الفقدان، يحدثنا عن رحلاته بالباص حتى يمتع عينه ببلدته البروة التي لم تعد موجودة وقال له محاوره الاسرائيلي 'اذا كنت سمعت بقرية اسمها البروة، قلت لا فأين هي، قال لن تجدها على سطح الارض، فقد نسفناها ومشطنا ارضها من الحجارة ثم حرثناها واخفيناها تحت الاشجار. قلت: لاخفاء الجريمة؟ احتج مصححا ... لا بل لاخفاء جريمتها تلك الملعونة. قلت: وما جريمتها؟ قال: لقد قاومتنا.. حاربتنا، كلفتنا خسائر كثيرة واضطررنا لاحتلالها مرتين '. ومع مرارة ما سمعه وقسوة الانتقام وحس الكراهية داخل هذا المشرد كما يزعم من الفي عام الا ان جده - الذي كان اقرب اليه من والده الحريص على قراءة الجرائد وتتبع الاخبار رضي مرة بشراء موسم البطيخ من ارضه التي استولى عليها يهودي، لماذا؟ من اجل ان يستمتع بلحظات ولو قليلة للتمدد على ترابها والاحساس برطوبة المكان الذي دفن فيه روحه. خسر الجد تجارة البطيخ ولم يخسر الذاكرة ومتع احتضان التراب. يتساءل درويش في هذا السياق 'ايهما اكثر ايلاما؟ ان تكون لاجئا في ارض سواك ام لاجئا في ارضك؟ هل يكون التراب قدسيا الى هذا الحد؟ بالنسبة للفلسطيني، نعم'.
متى حدث هذا؟
درويش في دخوله في الظرف الفلسطيني بعد النكبة وتحوله وعائلته الى 'غائبون حاضرون' وان اشار الى محنة الفلسطيني العربي واشكالية علاقته / تهم مع الوضع الجديد، والده الذي كان يعمل في المحاجر ويوقع يوميا مع غيره ورقة وفاته لان المحاجر تمر في اراض ملغمة، وجده الذي رفض ان يبيع ارضه، وحصاره هو في حيفا، والحرمان الذي كان يخيم على العائلة ايام الاعياد 'وكنت تقف مع ابيك وجدك في طابور الشحاذين لتحصل على حصتك من طعام ولباس.. متى حدث هذا؟' يسأل السارد نفسه 'في عام 1949، بعد عام على الرحيل' كل هذه الظروف جعلته يفكر وفي سن مبكرة وبشكل غريزي 'ان خلاصك من الاهانة يتم في تخلصك من الظروف التي سببت لك الاهانة'. ولكن كيف للفتى الصغير ان يقاوم الظروف، بالقصيدة؟ هكذا بدأت حكاية محمود درويش وهي حكاية تمتد الى علاقته مع جده الذي حرص على تثقيفه وادخاله في عالم الثقافة الشعرية والشعر الكلاسيكي وقراءة القرآن، وللاسف كان درويش يتذكر القصائد القديمة ويخطئ في سورة 'يس'، ومع ذلك كان الجد يأخذه الى اصدقائه الكبار ليريهم هذا الفتى الذي يعرف ما لا يعرفه الصغار. يكتب درويش عن القصيدة الاولى التي القاها في المدرسة وبحضور المسؤول العسكري دوف - وكيف تضمنت القصيدة انتقاداً للوضع والدولة، وما تلا ذلك من تعنيف له من المدير والاسرائيلي، ورؤية كبار المجتمع له على انه خطر، وقصيدته خطر على سلام المجتمع المخادع 'هذا الولد يسبب لنا المشاكل'، لكن درويش عرف وبشكل غريزي ان الحجة هي سلاحه والقصيدة هي اداة مقاومته وصارت القصيدة معادلا لعملية انتحارية او قنبلة وعملية فدائية، وكان نزيل السجون من اجلها مع الثوار الذين جاؤوا من كل لون وجنسية.
الذاكرة والصراع
وبالقصيدة والكلمة كان درويش قادرا على الكشف عن نفاق وهشاشة وضعف المستعمر الجديد، وعبثية الحديث عن لقاء بين من سرق الارض ومن سرقت ارضه، فدرويش عرف منذ البداية ان من يسرقون الارض ثم يتحدثون عن السلام، ومن يقتلون القتيل ثم يمشون في جنازته، لا يريدون التعايش، لماذا؟ لأن درويش يرى ان اللقاء بين ضدين على ارض صلبة مستحيل، فمن يقول مثل ذلك الفنان في عين حوض التي سموها عين هود، ان هناك امكانية لان يعمل المشردون منذ ازمنة عتيقة مع المشردين الجدد على بناء الارض والحب، خادع لنفسه ويرد درويش ان القادم: عندما يحرمني من ذاكرتي وأصمم على تأكيدها فماذا يجمعنا اذا؟ الصراع. طبعا قوة الفلسطيني في عدالة قضيته ولكن درويش الساخر من الوضع، الاهانة والتحقير والملاحقة والنفي وهو يعري الرواية الصهيونية التي يرى ان غطرستها دليل ضعفها. وهو هنا يرد على 'الرواد' الذين جاؤوا كالمستعمرين من اجل تنظيفها من الذباب وتحويل الصحراء الى جنة عدن قائلا 'بلادي ليست صحراء لانها لو كانت صحراء لم تكن جئت' ويمضي درويش للقول انه ليس محامياً عن الحجر والرمل والاشجار.
بين المتنبي ومونت نيفي
وما يثير في العلاقة التي يتحدث عنها درويش او يحاول القادم الحديث عنها ان القوي هو من يرسم خطوط الدائرة وعلامات العلاقة فهو 'الخصم والحكم' هكذا قال الشاعر العربي المتنبي: واللافت هنا ان درويش في نقاشه عبثية الوضع وخواء الرواية والذاكرة من المنطق يقول انه غير كل الاسماء العربية بعبرية ومع ذلك فصوت العربية ظل حاضرا كما في شارع المتنبي الذي ظل صوت العربية حاضرا في نطق الاسم العبري 'مونت نيفي'، طبعا صاحب السيارة الذي نقل درويش ( بالمناسبة يهودي مغربي)، اعتبر كل اسم غريب اسما عربيا، وافصح لراكب سيارته بضرورة تخليص البلاد من كل هذه الاسماء. لماذا يسأل السارد هنا، يقول السائق لانها عربية وعندما يسأله عن العرب يقول انهم قذرون. وفي المشهد السوريالي الذي يرسمه درويش ويجرد السائق اسرائيل من حجتها يعتذر الاخير انه لم يكن يقصد كل العرب. ينسى السائق هذا الذي جاء من ارض غريبة ان العرب هم من بنوا اسرائيل، وهؤلاء القذرون يعاملون كالرقيق في بلدهم، ويرى الكاتب هنا ان وضع اسرائيل مع ابناء الارض الاصليين هو تعبير عن عقدة النقص فالعبد عندما تحول الى سيد، عامل الفلسطيني بحقد وكراهية، لان العبد من الصعب عليه التخلص من رواسب العبودية والقهر اثناءها، ولكن مأساة الفلسطيني انه لم يكن سيد اليهودي، لان هذا الاخير كان ضحية قرون من الاضطهاد والنفي في اوروبا. هذه التصرفات لاحظها وسجلها احاد هاعام الشاعر اليهودي الذي كتب عن تصرفات اليهود القادمين من اوروبا المقززة ضد ابناء الارض في فلسطين. ومشهد السخرية والسوريالية في 'يوميات الحزن العادي' لا يتوقف عند هذه الممارسات بل يتعداها الى احياء ذكرى الهولوكوست والاستقلال، حيث تتوقف الحياة من اجل تذكر احياء هذا اليوم، فيما يتقطع الفلسطيني المجبر على الصمت حزنا، وان تجرأ على احياء ذكرى هزيمته فانه يوصم بالعداء للسامية، لا ينكر درويش المعاناة لان النازية هي عدو الجميع ولكنه ينكر احتكار الالم واحتكار الدموع، فهو يقول ان من يسمح لنفسه ان يبكي ليس من حقه لوم او منع من يبكون منذ عشرين عاما. في 'يوميات الحزن العادي'، تتكشف طبيعة الاخر، وتظهر حقيقته الشرسة وجهله بانه غريب عن الارض، يقول درويش ان المجند الاسرائيلي لم يعرف انه مستعمر ومحتل الا عندما ذهب للضفة الغربية التي احتلت عام 1967 حيث يواجه جندي فتاة فلسطينية صغيرة في نظراتها اكتشف ولاول مرة في حياته انه محتل. وعند هذه النقطة يكشف درويش في سرده عن نفاق المحتل وعذاب الضمير لديه وعادة تأتي متأخرة، فالاعتراف بالذنب ومعه الحقيقة نفي لهما، وفي داخل هذا الاعتراف لا حرص على عذابات والم الفلسطيني بل من اجل راحة ضمير المستعمر. عذاب الضمير، نكران الحقيقة، واحتكار الالم يؤشر الى مشكلة لدى المحتل وهي ان وجوده الذي ارتبط بمنع الضحية من التنفس، او حتى النظر للسماء لانها جزء من دولة اسرائيل، مرتبط في اطار اخر بالجريمة، لدرجة انهم في كل عام يحتاجون لتجديدها للتخلص من ذاكرة الجريمة السابقة.
كفر قاسم : انني عدت من الموت لأحيا.. لأغني
ولعل الفصل المخصص لكفر قاسم ومذبحتها من اكثف فصول اليوميات، وهذا في ظني عائد لتماهي الكاتب الشاعر مع القصة الجريمة التي خلدها في ملهاة او ملحمة 'مغني الدم' والتي اعلن فيها ان الذي مات في ذلك اليوم ( 29 تشرين الأول / اكتوبر 1956) ليس الفلسطيني ولكن القاتل، ويعتقد درويش ان جذور الكراهية والحقد ضد عمال عزل واطفال ونساء تعود الى قرار هيرتزل ان يستل سيفه من التوراة، حيث اضفت الصهيونية الحديثة على السيف بعدا مقدسا، فالسيف والتوراة منحة السماء لشعب اسرائيل - الشعب المختار. ويرى درويش ان هناك فرقا بين مذبحة دير ياسين التي قال عنها مناحيم بيغن انه لولا دير ياسين لما قامت دولة اسرائيل، وكفر قاسم. فدير ياسين على الاقل قاومت العصابات الصهيونية ولكنها اي كفر قاسم كانت قرية مسالمة. واذا قررنا عنصر الكراهية في قتل العزل وكونه اساساً كامنا في النفسية الصهيونية فما حدث بعد ذلك من مهزلة محاكمة الجنود والاحكام التي صدرت ضدهم،وتدخل كل الهيئات القضائية لتخفيف الاحكام عليهم وبالتالي اطلاق سراحهم، ومهزلة التعويضات التي اجبر السكان على قبولها والثمن الذي دفعوه مقابل التعويضات وهو التصويت للحزب الحاكم الذي جرت في عهده المجزرة. وتغريم القائد العسكري يسخار شدمي التعامل مع السكان اومن يخرق منهم حظر التجول بلا رحمة - قرشا اسرائيليا واحدا. فيما عين جبرائيل دهان الذي قتل اكبر عدد من المدنيين في هذه المذبحة مسؤولا للشؤون العربية. عرت قصة كفر قاسم العدالة الصهيونية، والاعلام الذي صمت والضمير الاسرائيلي ومعها قصة 'طهارة السلاح' الاسرائيلي التي لا تزال تتردد حتى الان على الرغم من الممارسات التي يرتكبها الاحتلال في الضفة وقطاع غزة. جريمة كفر قاسم هي دليل واضح العنف المسلح الذي قامت عليه الدولة. والساخر في الامر انه عندما احيا اهل الخط الاخضر ذكرى المجزرة حاصرت الشرطة القرية، وهي نفسها التي قتلت الابرياء ومنعت المتظاهرين من تقديم العزاء وعندها لم يجد المتظاهرون الا الحجارة التي تعلم الوقت والزمن وعليها جلسوا وغنوا للوطن. في ترنيمته للفرح الخائب عن الجمال والعرب وفلسطين التي كانت ملتقى الشرق التي غنى فيها عبدالوهاب وام كلثوم وكان القطار يقطع الطريق سريعا للعريش ومنها الى القاهرة اما من يسافر شمالا فقد كان بامكانه ان يتغدى في ساحة بيروت ويتعشى على ضفاف بردى. هذا هو شكل الوهج العربي والوحدة التي جعلته يفرح ويؤمن بجمال العرب لانهم من كانوا يقفون خلفه. وكان هو يؤمن بصوتهم وامكانية انتصارهم ومع كل الفرح هذا كان يخشى من انهيار الحلم والذي حدث عندما انطلق صوت عبدالناصر من الراديو وهو يقول 'ايها المواطنون والاخوة'، فمع تلاشي الاغاني الوطنية العربية يرتفع صوت الاغاني القومية العبرية، ومع وصول الجنود المصريين كأسرى يصاب بالصدمة وهم جاؤوا ليحرروه من سجنه، وصاروا سجناء. وعندما يكتشف درويش الهزيمة يكتشف ان فلسطين التي تنام على شواطئ البعاد باتت تنام على دم المستقبل ولا بد من التحرير والكفاح من اجل الفرح المغتال واستعادة الامل. فما دام السلاح منكسرا لن يقف معك القاضي لأن العدالة تحتاج إلى البندقية.
غزة العصية
يتكثف نص درويش وهو يكتب عن القدس وينوع يوقع 'سورتها' ويخرجها من دائرة الصراع كي تكون هي القدس وحدها لا احد يملكها ولكنها تملك نفسها. وفي النص حنين صوفي يرى في القدس رمزا خاصا لا يحدده احد ولا يملكه احد باسم نص او قصة. وفي الفصل عن غزة يبدو النص ايقاعيا بدرجة عالية، غزة ليست قصيدة، وغزة تعمد نفسها بالقنابل لكي تلفت انتباهنا انها تستحق الحياة، وغزة ليست اسطورة، وليس من العدالة ان نمجد غزة لان تعلقنا بها يجبرنا على انتظارها. يعترف درويش بان لغزة ظروفها ولكن سرها هي ان جماهيرها - سكانها متحدون تحت ظل البندقية والمقاومة، ولهذا فهي عصية على من يريد التحكم بحياتها ولا تسمح لان يتعلق مصيرها بختم فلان او علان. ويمضي درويش في ترنيمته الحماسية للقول ان غزة يخسر من يراهن عليها في محلات الرهان - لانها ثروة روحية واخلاقية لكل العرب. فالعدو قد يهزم غزة ويقطع اشجارها ويزرع القنابل في بطون نسائها او اطفالها او يلقيها في الرمل والبحر والدم ولكنها لن تقول نعم للغزاة وستظل تنفجر وتقاتل.
في النهاية 'يوميات الحزن العادي' هي عن الهوية والانتظار- المرارة الحب الهزيمة الصمود 'بين الوطن والحقيبة لا حل الا المقاومة' وهي عن الذاكرة والذاكرة المضادة والالم واحتكاره والاتجار به من اجل الابتزاز وهي عن الولاء والانتماء والحقيقة والعدل، وهي عن الموت والجنة فالبحر الميت كان لا بد من ان يموت لأن الجنة التي ولدت من معاشرة المتوسط لبحر الجليل ستكون مملة. وهي عن المنفى والغياب والسخرية من 'سيد الحقد والانتقام والكراهية' ومن القاتل الذي حمل معه جرثومة الموت لمن لا يريد الموت ويقاتل من اجل الحياة والبقاء وفي النهاية عن فلسطين ومحمود درويش.
الترجمة
المترجم ابراهيم مهوي قدم نص درويش في كثافته وقوة لغته، وقد قرأت النصين العربي والانكليزي ووجدت الروح نفسها والكثافة لكن النص العربي تظل له جماليته وقوته. وفي النص المترجم قد تكون هناك بعض الاستراتيجيات التي يلجأ اليها المترجم اما للمحافظة على روح النص الحقيقية او تأكيد الايقاع وبالتأكيد فقد قام المترجم هنا بعمل يستحق الثناء فلا اقل من ذلك انه قدم اللغة الدرويشية ونص محمود درويش للقارئ الانكليزي، وفي النهاية فالحكم على الترجمة ليس قارئا عربيا مثلي ولكن ابن اللغة وبالتأكيد فالنص يمتلك جماليته الخاصة، وقد احسن المترجم انه قدم النص الاول الصادر عن دار العودة، وفي نهاية الترجمة قدم ما حذف من نصوص في الطبعات الاخرى التي تلت النص الاصلي وذلك في تتمة خاصة. واحسن المترجم صنعا عندما قدم توثيقا لما استطاع توثيقه من اشارات اوردها درويش في نصه دون اثبات المرجع. لا بد من ذكر ان 'يوميات الحزن العادي' عادة ما ينظر اليها كجزء من ثلاثية مع 'ذاكرة للنسيان' ( 1995) ترجمها مهاوي للانكليزية عام 1995 والجزء الاخير في 'حضرة الغياب' ( 2006).
*القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.