واضح ان اليمن لن تهدأ في القريب العاجل، او حتى في القريب المتوسط، خطاب الرئيس علي عبد الله صالح، بعد عودته الى صنعاء واضح، ملخصه اني هنا ولن اترك الا من خلال صناديق الانتخاب. يبدو انه حتى لو وصل اليمن الى صناديق الانتخاب فان علي صالح يعتقد ان فريقه يمكن ان يبقى قريبا من الحكم او مؤثرا فيه. احتمال ان يكون بعض ربيع العرب حملاً خارج الرحم، هو احتمال يجب ان نوطد انفسنا على قبوله ولو نظريا وبالتالي لا يمكن ان نتوقع الميلاد. فاليمن واحدة من الاماكن المستعصية على التغيير السريع، كما في سوريا. مهما قلنا او فسرنا ما يحدث الان في المكانين، فان الاحتمال ان ينتكس الربيع العربي في اكثر من مكان احتمال وارد. كل من الانتكاسات لها اسبابها الخاصة، ففي اليمن القبيلة تلعب دورا رئيساً في الصراع الدائر بجانب الحنكة السياسية لعلي صالح نفسه، الذي عاش ويعيش في بيئة مضطربة وقد خاض عددا من الحروب خرج منها سالما، ولا اقول منتصرا. علينا ان نتذكر ان عددا من رؤساء الجمهوريات اليمنية قبله قد اطيح بهم في اوقات متقاربة، قتلا او ازاحة،وفي الغالب قتلا. علي صالح استمر فترة طويلة مكنته من سبر غور المجتمع اليمني والتحكم في مفاتيحه القبلية والاقتصادية، لقد اسس لحكم العائلة كما فعل النظام في سوريا، فرجال العائلة هم قادة العسكر وقادة الامن وقادة الاقتصاد وبعضهم ايضا قادة المعارضة.! حقيقة الامر ان الدوائر المهتمة في الولايات المتحدة، وقد استمعت شخصيا لتحليل خبير في مركز متقدم للدراسات في واشنطن، الخبراء كانوا يقولون بأن علي صالح افضل من يحكم اليمن، بل وليس لديهم مانع، قبل سنوات قليلة، ان يترك الحكم لابنه احمد، في خضم الحديث عن التوريث في البلاد العربية. كان الهاجس حول اليمن هو كيف يمكن تحقيق الاستقرار في هذه البيئة القابلة للانفجار، لان اليمن في حالة فوضى سوف تنطلق منه كل الشرور الممكنة ، ليس على الجوار فقط ، بل ايضا على العالم. كانت قصة القاعدة و فروعها في اليمن هي الهاجس الاكبر هي البعبع. اليمن بلاد واسعة بها فقر منتشر وجهل مصاحب وجبال منيعة ورجال مسلحون دائما . هذه التوليفة من العناصر تصبح مكاناً دافئاً لتفريخ انصار للقاعدة، وكانت الفكرة تخيف الاصدقاء في الجوار وتهدد مصالح العالم الممتدة، فكان علي صالح هو صمام الامان، يؤكد ذلك في كل وقت ولا يضيق ذرعا. لم يكن في اي يوم علي صالح رجلا غبيا، فقد اسس للعائلة ولكنه خرج للحزب ايضا الذي حصل على تغطية واسعة له من شرائح يمنية متعددة، فكان هذا الحزب ( القائد) ثم كان بعد ذلك التآلف الذي حققه، خاصة مع المرحوم الشيخ حسين الاحمر الذي حقق له الاخير هدوءاً قبلياً واخوانياً (الاخوان المسلمون). عين القوى السياسية المنظمة في اليمن ليس على اليمن فقط، فهي ايضا عين على الجوار. لا ننسى ان القيادة القومية لحزب البعث، كان دائما بها يمني، وان القيادة الدولية للاخوان المسلمين بها ايضا يمني. كنت من سنوات في بيت الشيخ عبد الله الاحمر، الذي اولم لنا غداء حاشدا ، وانا انتهي من الغداء ذاهبا لغسل يدي اعترضني شاب يمني من الحاضرين وقال لي، انت يا دكتور كتبت كذا وكذا ! قلت له مازحا، لقد كتبت ذلك في الكويت، فما ادراك انت بهذا (كان ذلك قبل انتشار الانترنت) فنظر الي بنصف ابتسامة وقال، الا تعرف يا دكتور اننا سوف ننشئ الخلافة،واننا بهذا المعنى نتبادل المعلومات. كان ذلك من سنوات خلت، الا ان القصة لم تفارق ذهني،حيث ان التفكير في الجماعات السياسية العابرة للحدود العربية كانت دائما تمتد الى اليمن. ربما تدخل مجلس التعاون جاء في ظرف موضوعي من حيث الاشخاص غير مناسب، لقد كانت فرصة لمجلس التعاون في الموضوع اليمني ان ينتقل الى قوة اقليمية موحدة، تستطيع ان تقوم بحل المشكلات عند الجوار،ولكن ربما بسبب التوقيت والاشخاص، وايضا صعوبة الوضع اليمني، فوت مجلس التعاون الفرصة للوصول بالقضية اليمنية الى حل سلمي او شبه سلمي ينقذ اليمن والجوار من نتائج حرب اهلية وشيكة لن تكون يمنية فقط، بل وايضا اقليمية. فرصة الحرب تشتاق لها ايران لزعزعة السلم في جنوب الجزيرة تمهيدا للوثوب على الخليج،وهي فرصة تاريخية لتمدد النفوذ الايراني، ومحاصرة الاقليم الغني في الخليج بالتحالف مع حزام الفقراء حولة دون ان تتورط مباشرة في الصراع، بل تغذيه. في مثل هذا سوف يدخل الاقليم اليمني والخليجي في صراع جديد، وهو استمرار لاستنزاف الموارد والبشر، في اقليم شهد اكبر نسبة من حجم الصراعات الدموية في العالم . * الراى الاردنية