فجر قرار الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي بتكليف مدير مكتبه أحمد عوض بن مبارك بتشكيل الحكومة ، أزمة سياسية جديدة في اليمن، مهددا في تبعاته بانهيار اتفاق السلم والشراكة الموقع بين القوى السياسية وجماعة الحوثي ،دافعا بمشهد الاحداث "الملغوم" والمضطرب إلى مربعه الاول، وواضعا مستقبل البلاد مفتوحا على كل الاحتمالات. وبعد تأخر تجاوز 15 في تسمية رئيس للحكومة الجديدة ، تنفيذا لاتفاق الشراكة ، صدم الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي ليل أمس الشارع اليمني ، بقرار تكليف تجاوز مبدا التوافق بين الموقعين على الاتفاقية ، ونصوص اشتراطاته، معلنا الدكتور أحمد عوض بن مبارك مدير مكتب رئاسة الجمهورية ، رئيسا للحكومة الجديدة ومعني بتشكيلها في غضون شهر. ولم يكد يمضى على اعلان الوكالة الرسمية للقرار الرئاسي بتسمية رئيس الحكومة، حتى سارعت قوى وثيقة الشراكة والحل السياسي يتقدمها جماعة الحوثي "أنصار الله " إلى إعلان رفضا الرسمي القاطع له، معتبرة قرار الرئيس هادي الصادر مساء الثلاثاء بتسمية الدكتور الدكتور احمد عوض بن مبارك رئيسا للحكومة الجديدة، انتهاك ومخالفة لاتفاق السلم والشراكة الذي وقعته جميع الاطراف السياسية والرئيس هادي في 21 سبتمبر الماضي.. وقال المجلس السياسي لجماعة "أنصار الله " في بيان -تلقت "الوطن" نسخة منه -أن "قرار تسمية رئيس الحكومة الجديدة لم يكن مع الأسف انعكاسا طبيعيا لإرادة الداخل بقدر ما كان قرارا خارجيا بامتياز ، وهو ما يمثل استخفافا صارخا بسيادة واستقلال اليمن، وبإرادة شعبه، وتضحياته الكبيرة، ومكاسب ثورته الخالدة، ناهيك عن كونه يتجاوز المعايير المتفق عليها، كما يتجاوز مبدأ التوافق الذي أجمع اليمنيون على أن يكون هو المبدأ الحاكم للمرحلة الانتقالية، وإدارة شؤون البلد ".. واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي ، بانتقادات صاخطة ، لمراقبين من نشطاء سياسيين وصحفيين ، رأت في القرار تكرارا من الرئيس هادي للاخطاء ذاتها التي تدفع اليمن دفعا إلى مربع الأزمات، ووضع نفسه في إحراج ومأزق هو في غنا عنه ، فيما تمحورت تساؤلات متطابقة عن هدف هادي من قراره المفجر للوضع المتأزم اصلا..وإلى أين يريد أن يمضي بالبلاد؟ وكتب الصحفي والمحلل السياسي ابو بكر عبدالله يقول "هادي اليوم تجاوز دائرة التوافق والتأييد الوطني لاتفاق السلم والشراكة واختار ربما رغما عنه، تلبية مطالب الخارج باصداره قرار تكليف الدكتور احمد عوض بن مبارك رئيسا للحكومة". وأضاف "صفقات الغرف المغلقة التي تتعمد الدهس على مصالح الداخل والإرادة الوطنية هي أس المشكلة التي يعانيها اليمن منذ عقود وهي ذاتها التي قادت هذا البلد إلى أزمات كبرى وحالت دون أن تجد الحلول الوطنية طريقها للتطبيق في كثير من الأزمات". ورأى أبوبكر عبدالله أن "القرار الرئاسي كان بحق مخيبا للآمال ولا يبشر بأفق للخروج من حال الأزمة التي خنقت اليمنيين، إذ كان أشبه بتذكرة عبور لنقل الأزمة اليمنية بتقاطعاتها المعقدة إلى مرحلة جديدة وأفق جديد لا يعلم أحد إلى أن ستؤول معه أمور هذا البلد الغارق في الأزمات". معتبرا "قرار تكليف بن مبارك رئيسا للحكومة جاء فقط ليلبي مطالب اللاعبين الدوليين الذين يخططون لخوض جولة مناورات جديدة مع الحوثيين، وهو ايضا اراد أن يؤسس ارضية تعيد من جديد نفوذ الإخوان بذراعها السياسية". وأضاف يقول "اتفاق السلم والشراكة الوطنية هو الخيار الوحيد الطريق السالك لانقاذ اليمن الذي يترنح على حافة الحرب الأهلية، وقد حظى بتأييد محلي دولي واسع النطاق، وانتهاكه بهذه الصورة الفجة يضع مستقبل بلادنا مفتوحا على كل الاحتمالات كما يقدم لليمنيين سببا مقنعا لجولة احتجاجات جديدة تقتلع ما تبقى من مراكز النفوذ التي لا تريد لليمن أن يبقى آمنا". من جانبه رأى رئيس تحرير صحيفة الوسط اليمنية جمال عامر أن الرئيس هادي يجيد صنع المآزق لنفسه ، وقال " فيما هو يحاول الانتصار لموقعه الرئاسي يؤسس لهزائم موجعة تنال منه شخصيا ومن منصبه الشكلي". وأضاف عامر "كان الرئيس هادي اقسم يمينا غموسا بعدم عودته عن تطبيق الجرعة قبل أن يعود عنها ، كما أعلن عمران خطا أحمر قبل أن يصل الحوثيون إلى العاصمة صنعاء ، وهو اليوم يصدر قرارا مزاجيا (...) غير مقبول شعبيا بتعيين مدير مكتبه البهلوان رئيسا للحكومة" ، متسائلا " أين يريد هادي أن يصل بالبلد أو بأنصار الله أو بالجنوب المتأهب لإعلان انفصاله". وعلى ذات المسار كتب الصحفي والناشط السياسي محمد العلائي ، يقول "لو كان هادي يتصرف لمصلحته، فمصلحته هي أن يكون رئيس الوزراء القادم محسوب على الحوثيين ليكونوا أمام الناس الجهة المسؤولة"، متسائلا بالقول "ماذا يريد هذا الرجل اللغز؟" وأضاف "بالنسبة لي فلا يهمني من يكون رئيس الحكومة، شمالي او جنوبي، وليس لدي تحفظ على بن مبارك كشخص. هناك اختلال أعظم بكثير من الانشغال بمنصب رئيس الحكومة". أما الكاتب صالح البيضاني ، فأوجز يقول "إذا كان الإعلان عن اسم رئيس الوزراء اليوم تم بعيداً عن مبدأ التوافق بين جميع الأطراف الموقعة على اتفاق السلم والشراكة فنحن إزاء غباء سياسي غير مسبوق سيقضي على ماتبقى من مقومات الدولة ..وسيدخلنا في نفق أشد حلكة".